Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

الجري في عرض البلاد / بيللي بويد ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2013-07-29



في أمسية الـ 23 من أيار كنت جالسة وراء نافذة غرفتنا، أقرأ لجدتي و ابن خالي، حينما دخل واحد من السعاة مسرعا، و صاح، بالأحرى شهق قائلا:" آه يا آنسة بيللي، أعتقد أن الثوار قادمون،  فاليانكي يسدون الطريق". و على الفور نهضت من الكرسي و ذهبت إلى الباب، و هناك تأكدت أن أنباء الخادم صحيحة. كانت الطرقات مغطاة بجحافل من الجنود اليانكي، و هم يهرعون بكل اتجاه و باضطراب لا مواربة فيه.  


سألت ضابطا فدراليا، تصادف مروره من أمامي: ما الأمر. فرد يقول: المتحالفون يقتربون من البلدة بقوة كبيرة، تحت زعامة الجنرالين جاكسون و إيويل، و قد فاجأوا الحرس في الخارج و ألقوا القبض عليهم، و في الواقع تقدموا و لا يفصلهم عنا حاليا غير مسافة ميل، و لو شئت الحقيقة لم نكن مستعدين لهم.

و أضاف:" الآن. نحن بصدد تحصين مخازن السلع و الضروريات". سألته:" و لكن.. كيف نتصرف حيال المخازن ذات المستودعات الضخمة؟". " نحرقها بالطبع!". " افترض أن المتمردين وصلوا بسرعة فائقة؟".

" إذا يجب أن نقاتل بضراوة في المقدمة، و في حال الهزيمة يجب أن ننسحب بحكمة من وينشيستير، ثم نحرق الجسور بعد العبور مباشرة، ثم نلتقي بقوة الجنرال بانكس". غادرت برفقة الضابط الفدرالي، و قفلت عائدة للبيت، و بدأت أصعد السلالم بهدوء، و هناك سمعت فجأة صوت إطلاق نار من بارودة...أسرعت للشرفة، و بمعونة من نظاراتي، رأيت زحف حرس الفيدراليين من مسافة تقدر بثلاثة أرباع ميل، و كانوا يتقدمون بسرعة إلى البلدة.   

 و ما زاد من قلقي، أن والدي الذي هو في ذلك الوقت من طاقم الجنرال غارنيت، كان برفقتهم. و بدأ قلبي يتأرجح بين الأمل و الرعب بالتناوب. لم أكن جاهلة بالفخ الذي نصبه اليانكي لرفاقي. و كنت على دراية بمعلومات هامة، و التي لو تمكنت من نقلها للجنرال جاكسون، فالانتصار من نصيبنا بلا منازع. و سوى ذلك لدي كل الأسباب التي تدفعني للافتراض أننا سنخسر و ننسحب...

لم أتوقف لأفكر. مع أن قلبي كان يدق بسرعة لم يكن حانقا. وضعت قبعة بيضاء واقية من الشمس، و شرعت أجري على طول الشارع، الذي تسده جحافل الضباط الفدراليين و بعض الرجال. و سرعان ما تخطيت المدينة و وصلت للحقول المنبسطة، و عبرتها بسرعة لا تلين عزيمتها، آملة أن لا ألفت النظر لفترة معقولة حتى أتمكن من شق طريقي و بلوغ خطوط التحالف الذين يتقدمون بسرعة. 

 كنت أرتدي ثوبا أزرق داكنا ( 1 )، مع عباءة بيضاء أنيقة و صغيرة فوقه، و هذا التضاد اللوني، باعتبار أنه سهل الرؤية من مسافة بعيدة، جعلني عرضة للمخاطر لدرجة غير مقبولة.. ثم لمحني الحراس الفدراليون الذين كانوا يتراجعون بسرعة ، و كنت أجري بقدر ما أستطيع. فأطلقوا النار علي فورا. و راوغت باللحظة المناسبة. 

و مع أنني لم أصب بأذى طارت رصاصات البارودة الكثيرة بسرعة من حولي، و أكثر من واحدة ضربت الأرض قرب موطء قدمي، و ثار الغبار حتى أعمى عيني. و ليس هذا و حسب: انتبه الفدراليون الذين في المستشفى، و و شاهدوا الاتجاه الذي انهمر عليه الرصاص من حراسهم، ففعلوا المثل و أطلقوا علي. و بهذه الحالة كانت نجاتي كما يبدو لي، معجزة بكل المقاييس. فعدا عن الرصاصات التي صفرت من قرب أذني، اخترق عدد لا بأس منها لمناطق متعددة من ثيابي.

و لكن أيا منها لم تصبني حقا. و فوق ذلك، تعرضت لتقاطع نيران من مدفعية الفدراليين و التحالف، الذين كانت قذائفهم و رصاصاتهم تئز من فوق رأسي.  

و أخيرا ضربت قذيفة فدرالية الأرض على مبعدة عشرين ياردا من موطء قدمي. و طبعا طارت الشظايا من قوة الانفجار بكل اتجاه حولي، و على أية حال، توفر لي الوقت لألقي نفسي و أنبطح على الأرض قبل الانفجار المميت. و مجددا أنقذ ما حولي حياتي. و بعد زوال الخطر نهضت، و تابعت مهمتي، و ما زلت تحت إطلاق النيران بغزارة. 

لن أجري في حياتي مرة ثانية كما فعلت  في ذلك اليوم الذي لا ينسى. و قد تآزر الأمل، الخوف، حب الحياة، و التصميم على خدمة الوطن حتى آخر لحظة، ليملأ قلبي بما هو أكثر من شجاعة النساء. و ليدعمني بقوة فائضة و سرعة في حركة الأعضاء. و لا أزال أستغرب بل أرتجف كلما فكرت كيف ذرعت الحقول بخطواتي و كيف قفزت من فوق الأسوار برشاقة غزال. و مع الاقتراب من خطنا لوحت بقبعتي لجنودنا، و لأخبرهم أنه عليهم الاقتراب، فقد كانت توجد هناك قطعة عسكرية، و هي قطعة المشاة " الثورية" الأولى المسماة ماريلاند، و جسر هاي لويزيانا، و أسعدني ذلك، و من غير انتظار للأوامر، أسرعت إلى البلدة بقفزات سريعة. لم يعلموا آنذاك من أكون، و بالطبع استغربوا أيضا رؤية امرأة في ميدان المعركة، فالنار كانت على أشدها.

و رنت أصوات النصر و الغبطة في أذني لعدة أيام، و لا زلت أسمعها بشكل متقطع في أحلامي. و عند هذه النقطة كان المقدار الأكبر من قوات التحالف بعيدا عن بصري و لا يمكن رؤيته، بسبب مرتفع صغير حال بيني و بينهم. و توقف قلبي تقريبا عن الخفقان بين أضلاعي. و استيقظت في ذهني فكرة مرعبة مفادها أن قواتنا ضعيفة جدا و لا يمكنها أن توازي الفدراليين، و أن الرجال الشجعان الذين أفتخر بهم  يجرون نحو موت عقيم و مجدب. و اتهمت نفسي أنني كنت أدلهم على طريق حتفهم.

و الآن، و أنا أشعر بضغط الإرهاق بسبب المشاعر التي عصفت بي، ركعت على ركبتي و تلوت صلاة قصيرة و صادقة من القلب للرب. ثم كما لو أن طاعتي و استسلامي لقيا القبول، دبت حالا في أوصالي روح مشرقة و حياة جديدة. 

ليس اليأس و القنوط ما أكرمني بالفرار فحسب، و لكن الخوف أيضا. و لم يكن في رأسي فكرة غير أداء واجبي و الذي كنت قد بدأت به. نهضت من ركوعي، و تابعت لمسافة قصيرة، ثم لفرحتي التي لا يمكن لا التعبير عنها و لا وصفها، وقعت عيني على القطعة العسكرية و هي تقترب بسرعة. 

و في الحال تسنم صهوة حصانه الرائد هاري دوغلاس، و هو صديق قديم و عنصر اتصال، فقد تعرف علي، و صاح، و هو يقبض على يدي:" يا للرب الرحيم يا بيللي، ها أنت هنا!. ماذا وراءك؟". قلت بعد شهقة عميقة: " آه يا هاري. امنحني بعض الوقت لأسترد أنفاسي". لعدة ثوان لم أتمكن من النطق بكلمة واحدة. و لكن ما أن تمالكت نفسي، قدمت له " الرسالة الصغيرة"، و أخبرته بكل شيء، و طلبت منه أن يلحق بالفرسان، و معه أوامر تطالبهم باحتلال الجسور قبل أن يجد الفدراليون الوقت لتفجيرها.

و فورا أسرع بحصانه و هو يطرق الأرض لينقل النبأ للجنرال جاكسون، و الذي بدوره انطلق بحصانه قدما، و سألني هل أريد حراسا و حصانا لأعود للقرية. فشكرته، و قلت له:" كلا، سأنصرف مثلما أتيت". و فيما بعد، و أنا أفكر بأهمية المعلومات التي نقلتها، حسم جيش التحالف الموقف و أحرز انتصارا مبينا...



هامش:



1- مزقت فيما بعد هذا الثوب إلى قميصين من أجل جريحين من جنود التحالف.



بيللي بويد  Belle Boyd  اسمها الحقيقي ماريا إيزابيلا. ولدت عام   1843 و توفيت  1900. و هي ممثلة أمريكية و عملت جاسوسة لقوات التحالف الجنوبي في الحرب الأهلية الأمريكية. معروفة بقوة الشخصية و الدهاء و المكر.





الترجمة من ( كتاب لا بد منه لكل جاسوس )، من إعداد و تحرير غراهام غرين و هيو غرين.  



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow