Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

غاي والكلب الشرس والمشكلة / قصة كريسبين أودوبوك ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2014-03-20

قام إبن خالة تيري ماري بزيارة ماكوردي وتسبب بالمشكلة. كنا في السنة الثانية عشرة من عمرنا، وربما الثالثة العشرة، ونجلس على غصن شجرة مورقة، ونتأمل بستان الكاشو من خلف قضبان السكة الحديد التي تبرق وتلمع، آملين أن تنضج ثمرة قبل الأوان وتسقط ونحن هناك. قفز تيري ماري من الغصن وتحرك مع ابتسامة واسعة كما لو أنه طبع للتو قبلة على وجنة لاواندي جيادو.
سألته:"ماذا ترى؟".
قال:" يا صاحبي، ابن خالتي قادم".
ثم رفع صوته وتابع بلهجة غبية:" هل هذا أنت يا غاي؟. كيف حال الملكة إليزابيث ومدينة لندن؟". مضى على ذلك إثنا عشر عاما ولكن لا زلت أتذكر كيف التقت نظراتنا أنا وتيري ماري بعينيه البراقتين على منظر أمامنا، ثم بدأنا نسخر معا من قصة شعر الموهيكان وهو يقترب منا ويضرب الأرض بخطواته. كان شعره أشبه بعرف فوق رأس ديك في حالة هياج، وتساءلنا كيف فعل هذا الأحمق هذه الفعلة بنفسه.
***
بالإضافة لتسريحة البانك لم يكن غاي يحسب حساب كلامه. ومن أول كلمة نطق بها أبغضناه. قال:" قالت والدتاكما أنني سأجدكما تقتلان الوقت هنا". نطق بذلك وكأننا نجلس على مقعد أمام بركة سباحة وثيرة ونتأمل فتيات جذابات ترتدين البكيني ولا نجلس في الباحة الخلفية لحي هودكو وتحيط بنا أرض يغطيها الحصى وتمتد فوق كل ماكوردي.
كنت أعرف تيري ماري - وهو اختصار لاسم تيرلومو مفينداغا - وأعرف هذا الجانب من شخصيته، ولم أكن أفهم ماذا يدفعه للاهتمام بابن خالته الذي له وجه البول دوغ ( اسم نوع من الكلاب - المترجم ). هل ولادته في لندن تجعل منه إنسانا خاصا؟. وتابع غاي تقدمه كأنه رجل عصابات قوي وكان يرتدي الجينز الفضفاض. اقترب منه تيري ماري وسأله عن شبان يعرفانهما من سنوات بعيدة وهم الآن في بريطانيا.
أما أنا فقد تنفست من أنفي وتقهقرت حوالي خطوتين.
كان حي هودكو من أفضل الأماكن التي يمكن أن تعيش بها في ماكوردي. فالشقق حديثة ولها باحات مفتوحة أمامها حيث كان آباؤنا وهم موظفون في الحكومة يضعون سياراتهم البيجو 50. وقفنا قرب سياة الوالد نمصمص شفاهنا بينما لاواندي جيادو تمر من أمامنا وهي تهز مؤخرتها المغرية. راقبناها حتى توقفت عند منطقة مساحي الأحذية. قال غاي:" يا للجحيم. تلك العصفورة ستذبح قلب كل الشباب". وافقت أنا وتيري ماري بهزة من رأسينا.
كانت لاواندي قد فطرت قلوبنا عدة مرات. كانت قلوبنا يغمى عليها من شدة الوجيب والخفقان داخل صدورنا كلما اقتربت. ومع أنها بالكاد في السادسة عشرة، لم يكن يبذها بالإغراء غير نجمات الأفلام . هذا ما كان ينافسها على وضعيتها كإلهة حية تتنفس. وكانت بعض الشائعات تذكر إنها احتلت مرتبة رئيسة فريق الألعاب في هودكو، وهذا زاد من رغبتنا بها. كنت أتشاحن مع ماري دائما حول لمن ستكون المبادرة ولكن حين توقفت في طريق عودتها بقربنا وسألت غاي عن الوقت، فغرت فمي أنا وتيري ماري . وتساءلت: ترى هل وقعت بحب هذا البانكي.
قال غاي:" الوقت ربع ساعة قبل أن أهجم عليك وأمصمص صدرك"، وبدأ يتأهب. ولكن لاواندي نظرت له شزرا. وحركت ردفيها ذات اليمين والشمال وهي تبتعد قائلة:" أنت بحاجة لمسيح لينقذك". ابتسمت حين أصاب غاي الذهول وأنا أتأمل قفا لاواندي. ثم تبادر لذهني ربما تسببت بذاءاته بمشكلة لي أيضا. فرميته بنظرة وقلت له:" إيه يا ابن لندن، أنت ترتكب الموبقات؟".
فقال غاي:" إصبر يا سيدي. تلك العصفورة تثير أعصاب عضوي. وهذه هي الطريقة المناسبة للتعامل معها".
وافقه تيري ماري على أقواله وهذا لم يناسبني. فأنا لست من تربية لندن. وغرست أسناني بنهاية شفتي وبدأت أفكر برسالة: عزيزتي لاواندي. آسف لخشونة غاي، أنا محرج منك جدا..
في اليوم التالي، تبعت لاواندي إلى متجر في زاوية الشارع وقدمت لها الورقة المطوية. وقلت لها:" هذه لك" وانحنيت أمامها. وترددت قبل أن تستلم الرسالة. وقفت على مبعدة خطوات وراقبتها وهي تنسحب وتغادر. ابتعدت حوالي سبع خطوات، وتوقفت ونظرت للخلف نحوي وفعلت شيئا لن أنساه مدى الحياة. وألقيت اللوم على الثرثار ابن لندن وتصرفاته المسرحية. فقد كانت أول إنسانة ترتعد مني.
في هذه الأيام، كلما تذكرت خشونة وقلة تهذيب غاي، يبررها تيري ماري بأنها واحدة من أخطاء المراهقة.
هراء. المنافق يعلم أن المسألة أبعد من ذلك. قبل حضور غاي، كنا نتبادل الابتسامات- لاواندي وأنا.
وأحيانا أرمقها بنظرة خاصة وتتقبلها مني وترد بنظرة مماثلة. لم نتحادث أبدا، ولكن أعلم من قلبي أن هناك شيئا من التخاطر بيننا. وفي أحد الآحاد، ارتطمنا ببعضنا بعضا في مؤخرة الكنيسة ونحن نتسلل إلى الخارج قبل بداية الخطاب الممل.
تبادلنا الاعتذارات فقلت آسف، وقالت آسفة، ثم جلسنا بهدوء جنبا إلى جنب لفترة قصيرة. بعدئذ رفعت رأسها عاليا وقالت:" كما أرى يا صاحبي أنت لا بأس بك كزميل فقط".
لا تزال لاواندي تزورني في أحلامي - وجه بيضوي رقيق، عينان حالمتان، شفتان ممتلئتان ومؤخرة مستديرة تتأرجح بطريقة إيروتيكية كلما تحركت. لو كان لي رصيد عند لواندي سأكون دونجوانا، ليس في حي هودكو، ولكن ربما في كل أرجاء ماكوردي. ومن غير شك سأكون أكثر حظا مع السيدات في الوقت الحالي. يقول تيري ماري أنا لا أتذكر الأشياء وأحلم، ولكنه لا يستطيع أن ينكر أن ابن خالته قد أحرجنا بورطة. بعد أن أهان غاي لاواندي، قال إنه سيأتي من لندن بشيء لا يمكن تجاهله وسيسمح لنا برؤيته. لم تكن لدي فكرة كيف منعت نفسي من قرص ولفت نظر هذا البانكي المغرور.
قال تيري ماري:" هيا يا رجل. أرنا". قال غاي:" ليس هنا. ولكن في مكان خاص". فذهبنا بعيدا داخل بستان الكاشو - وهو المكان الخاص الوحيد الذي بمقدورنا الوصول إليه. من جيب من جيوب الجينز سحب غاي مجلة مطوية ومكرمشة. لا أتذكر اسمها، ولكن أستطيع أن أتذكر كيف أن بعض الجميلات العاريات على صفحة الغلاف كن تبتسمن لنا حتى أن عيني لمعتا بالاهتمام وكذلك عينا تيري ماري.
وأتذكر خشونة الخشب التي لا تحتمل في تلك الأمسية التي أمضيناها في البستان، وكيف كانت مشاعرنا تنتفخ بالحمى التي تدفقت في أوصالنا بسبب التنبيه الجنسي، يا لها من مشاعر طيبة تخللتها تصورات عن لاواندي وهي تطير بحناحين ولا ترتدي غير سروال قصير وتبتسم لي قبل أن أنفجر ثم أرتعش والخجل يجللني. ماذا تبقى من تلك الأيام؟.
حماقات لا أنساها. فقد عاد غاي أدراجه إلى لندن قبل نهاية العطلة، وترك خلفه لنا الحظ السيء. أما متعتنا المحدودة في البستان فقد ذهبت بلا رجعة بسبب أمراض نشرتها سحب الجراد، لقد ذبلت الأشجار، واستغل ذلك انتهازي يدعمه النظام السياسي ووضع خطة لبناء مبغى هناك.
وهكذا فقدت أنا وتيري ماري شجرة الكرز. وأصبحت من أملاك أحمق مستدير القامة. وبعد قليل، انصرف تيري ماري ورحل إلى الولايات المتحدة، ولا يعلم غير الله ماذا يفعل هناك. وبعد عودته أصابني الصمم من حديثه المتواصل عن نساء مثيرات رغبن به.
**
والآن كلانا نتسكع في أبوجا طوال أيام العطل ولكن لم أجد معه إمراة واحدة. ناهيك عن أنهن مثيرات. وغالبا ما كنا نتذكر لاواندي. قال لي في إحدى المرات:" أراهن أنها لا تزال في ماكوردي. ولكنها أصبحت ربة منزل بدينة وخلفها ستة أولاد ويوميا تدق اليام لتطعم زوجها البدين الذي لا يتوقف عن ضربها".
ضحكت وقلت له:" يا لك من شاب سيء. أنا أعتقد أنها لا تزال عازبة وبقوامها الرشيق. أنت تعلم أن البنات الرشيقات لا تتزوجن بسرعة. وهي لا تزال بانتظار الشاب الذي سيرسله لها المسيح وينقذها". هز تيري ماري أصبعه بوجهي وقال لي:" حسنا. لن يكون هذا الشاب أنت يا صاحبي. في كل الأحوال، خمسة وعشرون عاما مرت وستنسى لاواندي. وإلا كنت أحمق عن حق".
سألته قبل أن أغرق في أحلام اليقظة:" بعد أول حماقة تتعلم من تجاربك الخاصة ؟".
مرة أخرى تخيلت لاواندي وهي تتريث وتقف، تستدير وتنظر لي. وتفتر شفتاها بابتسامة ناعمة. كانت تبدو بغاية الجمال وهي تكوّر رسالتي وتلقي بها بعيدا حتى قبل أن تقرأها.


كريسبين أودووبوك Crispin Oduobuk: قاص من نيجيريا. ينشر قصصه في دوريات متعددة، نال عدة جوائز. عمل في الصحافة والأشغال الحرة وفي قطاع المصارف.


الترجمة من مجلة أتيكوس ريفيو . 7 كانون الثاني 2014. وبإذن من القاص.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow