Alef Logo
المرصد الصحفي
              

تلويحة المدى قصيدة النثر النسويّة: التصوّف الإيروتيكيّ! شاكر لعيبي

ألف

2014-09-18

في قصيدة النثر النسوية العربية، القصيرة خاصةً، قرأنا مراراً وتكراراً في الخمس سنوات الأخيرة صيغاً من قبيل: "ردّني إليّ" "أسرقُني منكَ أحيانا ً كثيرة" "لا شيء في جسدي سوى أنا وحدي" "مللتُ مني إليّ" "أعود مني إليّ" "لا أريد منكَ سوى ما ليس عندي" "أمشي وأرسمُني [أي أرسمُ نفسي]" " لمن أشكوكَ منكَ إليكَ" "أغرق في كأس نبيذ يغرق بي" "خذني من جسدي إلى جسدي" "أنقذُني [أي أنا أنقذ نفسي] مني" أكتبُني [أي أنا أكتب نفسي] فيكَ" "أنتظر التي بي، كي تحضر وتساندني" "ضقتُ بي" "تأخذني في سفري حافية منّي لتلاقيك" "لِـصٌ أنتَ، سَرقتني مني".

في البدء، لا ننوي عبر هذه الأمثلة، والمئات غيرها، تقديم نقد سلبيّ، ولا تدبيج مديح ولا ذمّ، قدر ما نودّ التمثيل لظاهرة لغوية وتخييلية محورها الذهاب والإياب في (الأنا) المعتزلة المنتشية، وحدها، أو البقاء حول أناها العاشقة مع منح دور طفيف لعاشق افتراضيّ. هنا مقطعان كاملان للتدليل على ذلك، الأول للمغربية ريحانة بشير:

"هذا الكثير منك يفرغني

يحوّلني إليك

كأنك تقتلني بك لأكونكَ"

والثاني للتونسية وفاء بالطيب:

"تُلقيني إليّ .. أرضاً

أتشظّى وحدي

أُلملمني وحدي

أبكيني وحدي"

إنه احتفاء باذخ (وهذه مفردة تتكرّر دون مللٍ لسبب ودونه في هذه النصوص) بالذات والدوران حولها والاكتفاء بها. لقد انطفأت قليلاً اليوم هذه الموجة التي تقدّم مفارَقة، جوهرها قليل الإقناع، خلافاً للمفارقات الوجودية الكبيرة.

منذ البدء نعرف أن أصول هذه الصيغ ضاربة في اللغة الصوفية، خاصة في أشعار ونثر الحلاج. الجميع يتذكر: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا - نحن روحان حللنا بدنا" على سبيل المثال. كان الحلاج من بين آخرين يستهدف فكرة وحدة الوجود والتماهي بين موجوداته، حتى لو استخدم أقنعة ورموزاً واستعارات حسية، جسدية وخمرية للتعبير عن شطحه الأعلى. بينما تُستعاد هذه الصيغ في الشعر النسويّ العربيّ، قصير النفس، لهدف محض حسيّ، بل إيروتيكيّ صريح: " تُلقيني إليّ .. أرضاً ". هواجس هذا الشعر ووساوسه من طبيعة جنسية، بينما يريد إقناعنا من دون سبب ظاهر، وفقط عبر صيغة قديمة معروفة، بأنّه يتخطي الجسديّ المباشر، بل (الفعل المباشر) إلى (شطح روحانيّ). هذا الأمر ممكن في تقديرنا مع توفر الممهدات المفهومية والنظرية العميقة التي لم تقدّمها بعد هاته الشاعرات الكريمات. أضفْ لذلك أن هذه الوساوس الأيروتيكية تبدو مخلوطة، في حالات عدة تقولها النصوص نفسها، بمشاكل القمع الاجتماعيّ والعزلة المفروضة التي ليست خياراً شخصياً.

الكثير من هذا الشعر منشور في دواوين شعرية، والآخر على النيت، وكله يبدو وكأنه رسائل برقية وجدانية بين أصدقاء لأغراض التواصل الآني السريع، لكي لا نقول الاستهلاك الثقافي عَبْر نيّة الكتابة الشعرية. ويمكن مرة أخرى أن يمتلك، حتى بهذا الوضع، بعضاً من الشعر الرفيع أو كله، لو لا أنه يستعيض عن تعقيد الاستعارة بسواها، ويتخلى عن عملية التخييل وشُغل المخيلة وحياكة المجاز وهول المعنى، لصالح صيغ مشكوك بفصاحة بعضها "أنقذُني [أي أنا أنقذ نفسي] مني". صيغ يمكن النسج على منوالها إلى ما لانهاية. إنه يفرّط بالشعر في نهاية المطاف.

أول علائم هذا التفريط واقع في العلة الأصلية: أنه يستثمر لغة التصوّف لغرض شهوانيّ مناقض تماماً للتصوّف، ويسعى لتمرير هذه (الحيلة اللطيفة) على قرائه، وثانيها: أنه لا يمنح حتى للجسديّ الحسيّ الذي يُشْغِله ويشغل بعض قرائه ويشغلنا، ما يستحقه من الصياغة الشعرية المُتقنَة، المُعالَجة بما يليق بالموضوع نفسه. كلٌّ حسب رؤيته ولغته.


عن جريدة المدى















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow