Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب : معجز أحمد أبو العلاء المعري ألف ج5

ألف

خاص ألف

2015-05-04

لأتركن وجوه الخيل ساهمةً ... والحرب أقوم من ساقٍ على قدم

ساهمة: أي متغيرة من غبار الحرب، لشدة التعب، وألم الجراحة والخوف، وغيرها.
يقول: لأتركن وجوه الخيل متغبرة في حالٍ يكون الحرب فيها أقوم من ساق على قدم، فعلى هذا يكون الحرب وأقوم مرفوعين. ويجوز: نصبهما عطفاً على وجوه الخيل ساهمة. أي ولأتركن الحرب أقوم من ساق على قدم.
والطعن يخرقها والزجر يقلقها ... حتى كأن بها ضرباً من اللمم
الهاء في يخرقها ويقلقها وبها: للخيل. واللمم: الجنون.
يقول: ولأتركن وجوه الخيل ساهمةً في الحال التي لم يخرق الطعن الخيل، ويزعجها الزجر، حتى كأن بها ضرباً من الجنون. ويروى: يخرقها بضم الياء أي: يورثها خرقاً وطيشاً. وروى: يحرقها بالحاء أي: يهلكها من الحرق والأول أولى.
قد كلمتها العوالي فهي كالحةٌ ... كأنما الصاب معصورٌ على اللجم
الصاب: شجر مر وهذا تأكيداً لما مضى.
يقول: أترك هذه الخيل وقد جرحتها الرماح حتى عبست وجوهها، من شدة وقوع الأسنة بها، فيكون من شدة عبوسها؛ كأنها قد عصر الصاب الذي هو شجر مر على لجمها.
بكل منصلتٍ ما زال منتظري ... حتى أدلت له من دولة الخدم
يقول: ولأتركن وجوه الخيل ساهمة، بكل سيف مجرد، ما زلت أنتظره وينتظرني، حتى انتقمت له من الخدم الذين استولوا على الملك وسلبتهم الملك، وأعطيت دولة الخدم من يستحقه.
وقيل: أراد بهذا المنصلت: الرجل الماضي في الأمور، أي أفعل ذلك بكل رجل ماضٍ في الأمور ما زال ينتظرني، لمحاربة الأملاك، حتى أعطيته دولة الخدم الذين هم ملوكٌ اليوم، والأصح: أنه صفة للسيف.
شيخٍ يرى الصلوات الخمس نافلةً ... ويستحل دم الحجاج في الحرم
شيخ: بدل من كل.
يقول: بكل سيف يرى الصلوات الخمس نافلة، ويستحل دم الحجاج في مكة، لأنه لا يخشى ولا يعقل ولا يعرف الشرع، وإنما وصفه بكونه شيخاً، إما لبياضه وإما لكونه قديماًن وذلك مدحٌ للسيف. وقيل: أراد بالشيخ: الرجل الماضي الذي يطلب الملك. يعني أنه لا يبالي بالحرام والحلال، ولا يرد التحرز الذي يوجبه الدين، وذلك أصلح للحرب والقتال.
وكلما نطحت تحت العجاج به ... أسد الكتائب رامته ولم يرم
أسد الكتائب: اسم ما لم يسم فاعله. وهو نطحت. ورامته: أي زالت عنه. ولم يرم: أي لم يزل هو، وأصله رامت عنه فحذف حرف الجر، وأوصل الفعل إليه، والهاء في به وفي رامته: للشيخ.
يقول: وكلما ضربت تحت الغبار في الحرب بذلك الشيخ، صرعت أسد الجيوش، وشجعان الحروب، زالت عن هذا الشيخ الأسد وانهزمت، ولم يزل هو عنها، بل ثبتت. وروى: وكلما بطحت بالباء أي صرعت. وروى: نقحت من المناقحة بالسيف. يقال: نقتحته بالسيف: إذا ضربته فيه في فجأة.
تنسي البلاد بروق الجو بارقتي ... وتكتفي بالدم الجاري عن الديم
فاعل تنسي: بارقتي، والبلاد، مفعوله الأول، وبروق الجو. المفعول الثاني. والبارقة: السحابة ذات البرق. وأراد ها هنا السيف. والديم: جمع الديمة وهي المطر، يدوم أياماً.
يقول: إن سيفي ينسي أهل البلاد بروق السماء، وتكتفي البلاد أي أهلها بالدم الجاري من سيفي عن الأمطار، يعني أن ما أسقيها من الدماء ينوب عن ماء السماء.
ردي حياض الردى يا نفس واتركي ... حياض خوف الردى للشاء والنعم
وقد روى: حياض الردى حوباء: أي يا حوباء وهي النفس.
يقول: يا نفس ردي حياض الهلاك واغشي غمرات الحروب واتركي حياض غير الهلاك للشاء والنعم. وأراد ها هنا الجبناء الضعفاء، لأنهم بمنزلة البهائم! وروى: حياض خوف الردى: أي اتركي الخوف من الردى. وروى: الحياض الذين هم بمنزلة الشاء والنعم.
إن لم أذرك على الأرماح سائلةً ... فلا دعيت ابن أم المجد والكرم
يقول: إن لم أتركك يا نفس سائلة على الأرماح، مقتولة أو مجروحة، فلا نسبت إلى المجد والكرم. بالغ في وصف نفسه بالمجد والكرم.
أيملك الملك والأسياف ظامئةٌ ... والطير جائعةٌ لحمٌ على وضم
الوضم: الخشبة التي يقطع عليها اللحم. ولحمٌ: رفع لأنه فاعل يملك.
يقول: أيملك الملك هؤلاء الملوك، الذين هم لحم على وضم! مع أن الأسياف ظامئة إلى دمائهم والطير جائعة محتاجة إلى مثل هذه اللحوم.
من لو رآني ماءً مات من ظمإٍ ... ولو مثلت له في النوم لم ينم
مثلت: أي قمت وظهرت.

يقول: أيملك الملك من هو في ضعفه لو رآني ماءً وهو ظمآن لم يمكنه أن يردني ومات عطشاً! ولو رآني في النوم لزال نومه، ولا يجسر أن ينام؛ خوفاً مني، ولا يستقر لعظم هيبتي في قلبه.
ميعاد كل رقق الشفرتين غداً ... ومن عصى من ملوك العرب والعجم
ومن عصى: في موضع جر، عطفاً على كل.
يقول: ميعاد كل سيفٍ رقيق الشفرتين غداًن وميعاد كل من عصاني من ملوك العرب والعجم؛ أقتلهم به. وقيل: فيه إضمار تقديره هذا المذكور الذي هو لحم على وضم، ميعاد كل سيوفي ملوك العرب والعجم.
فإن أجابوا فما قصدي بها لهم ... وإن تولوا فما أرضي لها بهم
يقول: أقصدهم بسيوفي، فإن انقادوا إلي فما قصدي بهذه السيوف إليهم، وإن تولوا عني، فما أرضى لهذه السيوف بهم بل أقتل سواهم.
وقال أيضاً في صباه وقد عذله أبو سعيد المخيمري في تركه لقاء الملوك
أبا سعيدٍ ... جنب العتابا
فرب راءٍ ... خطأً صوابا
راء: فاعل، وهو العامل في خطأ، وفي صواب، لأن اسم الفاعل يعمل عمل الفعل منه.
يقول: يا أبا سعيد بعد عني عتابك فأنت مخطىء فيه، فرب إنسانٍ يرى الخطأ صواباً، وروى فرب رائي خطإٍ صواباً على الإضافة وحذف التنوين، طلباً للخفة، والغرض إثباته لأن الإضافة غير حقيقية، ثم بين وجه الخطأ في عذل أبي سعيد فقال:
فإنهم قد ... أكثروا الحجابا
واستوقفوا ... لردنا البوابا
استوقفوا: أي طلبوا من البواب الوقوف.
يقول: إنما أترك قصدهم لأنهم أكثروا الحجاب ليمنعونا عنهم، وأقعدوا لردنا عنهم البواب على أبواب دورهم.
وإن حد ... الصارم القرضابا
والذابلات ... السمر والعرابا
ترفع فيما ... بيننا الحجابا
القرضاب: هو القاطع، وهو صفة لحد السيف. والذابلات السمر: هي الرماح. والعراب: الخيل العربية.
يقول: لا أقصدهم إلا محارباً بالصارم القاطع، والرماح الذبل، والخيل العراب؛ فإن هذه الأشياء التي ذكرتها ترفع الحجاب فيما بيننا وبينهم.
وقال في صباه ارتجالاً يصف ألم الشوق والفراق على لسان إنسان سأله ذلك:
شوقي إليك نفى لذيذ هجوعي ... فارقتني وأقام بين ضلوعي
يقول مخاطباً لحبيبه: شوقي إليك نفى نومي، ففارقتني أنت، وأقام ذلك الشوق بعدك بين ضلوعي.
أوما وجدتم في الصراة ملوحةً ... مما أرقرق في الفرات دموعي؟!
الصراة: نهر ببغداد، مشتق من الفرات.
يقول لحبيبة، وهو واحد؛ يخاطب الجماعة تعظيماً له: أوما وجدتم في هذا النهر ملوحةً؟ من كثرة ما صببت من دمعي في الفرات، الذي مادة هذا النهر منه؛ لأن الدمع مالح المذاق.
ما زلت أحذر من وداعك جاهداً ... حتى اغتدى أسفي على التوديع
يقول: مازلت أحذر من توديعك خوف الفراق، حتى وقع الفراق من دون الوداع، فصرت أأسف على ترك التوديع؛ إذ كان فيه بعض السلوة. أو يكون الفراق وقع مع الوداع. فيقول: أنا آسف على ما حصل لي من المسرة في لقائك عند الوداع، فأشتاقه وأتمنى عوده.
رحل العزاء برحلتي فكأنما ... أتبعته الأنفاس للتشييع
العزاء: الصبر.
يقول: رحل العزاء عند ارتحالي عنك، فكأنني أتبعته أنفاسي لتشيعه، أو للتشييع لك، ويحتمل أن يريد: أن الصبر فارقني لفراقي لك، وضعفت عن النفس، وانقطعت الأنفاس، فكأنما تبعتك مشيعةً ومثله لأبي تمام.
إن لم أودعهم فقد أتبعتهم ... بمشيعين: تنفسي ودموعي
وقال أيضاً في صباه ارتجالاً يفتخر:
أي محلٍّ أرتقي ... أي عظيمٍ أتقي؟
وكل ما خلق الله ... وما لم يخلق
محتقرٌ في همتي ... كشعرةٍ في مفرقي
يقول: أي محل أرتقي إليه؟ فلا مزيد فوق ما أنا عليه فأصبر إليه. وأي عظيم أخشى منه وأحذره؟ وكل شيء خلقه الله تعالى وما لم يخلق بعد، هو محتقر عند همتي، كشعرة في مفرق رأسي. وروى: كشعرتي في مفرق على الإضافة، ومفرق على النكرة أي مفرق من المفارق.
وقال أيضاً في صباه، مجيباً لإنسان قال له: سلمت عليك فلم ترد علي السلام:
أنا عاتبٌ لتعتبك ... متعجبٌ لتعجبك
إذ كنت حين لقيتني ... متوجعاً لتغيبك
فشغلت عن رد السلام ... فكان شغلي عنك بك

يقول لصاحبه وقد عاتبه على تركه رد السلام: أنا متغضب لأجل غضبك، ومتعجب بسبب ما تعجبت! من تركي للجواب لك؛ لأني كنت حين رأيتني متوجعاً لغيبتك، التي كانت قبل رؤيتي إياك، فلما رأيتني كنت مدهوشاً، فشغلتني دهشتي وفكري فيك، عن رد السلام عليك، فكان شغلي عن رد السلام بك.
وقال أيضاً في صباه في الحماسة:
إذا لم تجد ما يبتر الفقر قاعداً ... فقم واطلب الشيء الذي يبتر العمرا
يقول لنفسه، أو لرفيقه: إذا لم تجد الشيء الذي يقطع الفقر وأنت قاعد! وهو: إما القناعة، وإما المال. فقم واطلب الشيء الذي يقطع العمر، وهو السيف الذي يوصلك إلى مبتغاك فتنال ما تريد أو تقتل.
وقال أيضاً في صباه يستبطىء عطاء ممدوحه:
انصر بجودك ألفاظاً تركت بها ... في الشرق والغرب من عاداك مكبوتاً
فقد نظرتك حتى حان مرتحلٌ ... وذا الوداع فكن أهلاً لما شيتا
روى: أبياتاً بدل ألفاظاً. ومكبوتاً: أي مردوداً بغيظه. ونظرتك: أي انتظرتك. ومرتحل: أي ارتحالي، أو وقت ارتحالي. وانصر: من قولك نصر المطر الأرض إذ جاد عليها.
يقول: اسق بجودك ما قلت لك من الأشعار، التي قد مدحتك بها، فإني قد تركت بسببها من عاداك، مردوداً بغيظه في الشرق والغرب؛ لأن ما قلته يروى أبداً فيغيظ أعداءك، أو لأن أعداءك طلبوا مني مدحهم، فاخترتك عليهم ومدحتك دونهم فغظتهم بذلك، فأجزني على ذلك، فقد طال انتظاري لعطائك حتى حان الارتحال، وهذا الوداع قد حضر فكن أهلاً لما شئت إن أعطيتني شكرتك وإن أحرمتني شكوتك وهجوتك.
وقال أيضاً في صباح يمدح بعض أمراء حمص ولم ينشدها أحداً:
حاشى الرقيب فخانته ضمائره ... وغيض الدمع فانهلت بوادره
حاشى: أي أظهر سره. وروى خاشا: أي توقا وتجنب وفاعله مضمر تقديره خاشا المحب الرقيب، وكذلك غيض المحب الدمع، والضمير: في ضمائره، وخانته يعود إلى الفاعل المضمر، وهو: المحب. وفي بوادره: إلى الدمع.
يقول: إن المحب باعد الرقيب وتوقاه كأنما سره فخانته ضمائره؛ حيث لم يمكنه ستره لغلبة الجزع. وغيض هذا المحب أيضاً دمعه وحبسه، فلم يمكنه ذلك، فانسكبت بوادره وسوابقه من شدة الجزع وفرط الهوى، فظهر للرقيب ما كان يكاتمه وانهتك له ستره.
وكاتم الحب يوم البين منهتكٌ ... وصاحب الدمع لا تخفى سرائره
وروى: وكاتم الوجد. وصاحب الوجد. أيضاً.
هذا البيت تفسير للبيت الأول. يقول: كاتم الحب، يوم الفراق مفتضح، وصاحب الوجد، تظهر سرائره بدموعه.
لولا ظباء عديٍّ ما شقيت بهم ... ولا بربربهم لولا جآذره
الربرب: القطيع من بقر الوحش. والجآذر: جمع جؤذر، وهو ولد البقرة الوحشية. والمراد بالربرب والظباء: النساء. وبالجآذر: الصبايا والفتيات.
يقول: لولا نساء هذه القبيلة وجواريهم، ما شقيت بهم، ولا ابتليت بهواهم، فكأنه يقول: إني أحب رجال عديٍّ لحبي نساءهم وجواريهم، أو رأى من حيث الأدب أن ينسب شقاءه إلى قوم محبوبته، وإن كان مقصوده المحبوبة. وقال ابن فورجة: يقال شقي فلان بقوم: إذا أبغضوه؛ فكأنه يقول: لولا نساء عديٍّ وجواريهم، ما شقيت برجال هذه القبيلة؛ يعني أنهم إنما أبغضوني لذلك فلولاهن ما أبغضوني.
من كل أحور في أنيابه شنبٌ ... خمرٌ يخامرها مسكٌ تخامره
الأحور: الصافي بياض العين وسوادها، مع سعة العين. والشنب: برد ماء الأسنان، وعذوبته. وقيل: صفاء الأسنان. وقيل: حدتها. والمخامر: المخالط. وخمر: بدل من شنب، فكأنه يقول في أنيابه خمر. ويجوز أن يكون خمر وما بعدها، صفة لشنب. لأن النكرة توصف بالجملة، والهاء في مخامرها: للخمرة لأنها تأنث في الأغلب، وفي تخامره: للمسك. والتاء: للخمر.
يقول: كل واحد من الظباء، حسن العينين، في أسنانه بياض وصفاء، وماء بارد، خالطته خمر، وخالط تلك الخمرة مسك، يصف بذلك عذوبة فم الحبيب وشبهه بالخمر لما فيها من اللذة، ووصف طيب رائحته فشبهه بالمسك.
نعجٌ محاجره دعجٌ نواظره ... حمرٌ غفائره سودٌ غدائره

النعج: البيض. والمحاجر: جمع محجر وهو ما حول العين. وقيل: ما يبدو من النقاب. والدعج: جمع أدعج ودعجاء: وهو الشديد السواد. والنواظر: الحدق. والغفائر: جمع غفارة، وهو ما يغفر الرأس من مقنعة، أو وقاية: يوقي بها الرأس من الدهن. والهاء في كل ذلك، ترجع إلى لفظ الأحور أو لفظ كل.
يقول: من كل أحور بيض محاجره، سود نواظره، حمر مقانعه سود ضفائره.
أعارني سقم جفنيه وحملني ... من الهوى ثقل ما تحوي مآزره
أعارني: ك واحد من الظباء. سقم عينيه: وهو الفتور الذي في العين. وجعله عاريةً في بدني، أي أسقمني بعينه السقيمة، وحملني ثقل ما اشتملت عليه مآزره وهو جمع المئزر ويعني به: الأرداف والكفل.
يا من تحكم في نفسي فعذبني ... ومن فؤادي على قتلي يضافره
المضافرة: المعاونة. ويروى: بالضاد، والظاء.
يقول: يا من تحكم في نفسي فعذبني في هواه، ويا من يعاونه قلبي على قتلي، فإن قلبي يميل إليك، ويحتمل كل ما وصل إليه منك. والهاء في يضافره: تعود إلى من وهو مذكر في اللفظ.
بعودة الدولة الغراء ثانيةً ... سلوت عنك ونام الليل ساهره
الهاء: تعود إلى الليل. وكان هذا الممدوح قد عزل عن ولايته بلده، ثم أعيد إليها، وقيل: كان قد أسر وفدي فعاد إلى بلده.
يقول لمحبوبته: قد سلوت عنك أيها المنادي، بعودة دولة هذا الأمير ثانية، وقد نمت في ليلى بعد ما كنت ساهراً، لحزني لغيبته.
من بعد ما كان ليلي لا صباح له ... كأن أول يوم الحشر آخره
يقول: نمت في ليلي، من بعد ما كان ليلي علي طويلاً، بحيث لا صباح له، فكأن آخره أول يوم القيامة من الطول. يعني أنه بلا آخر، فكأنه متصل بيوم القيامة ومثله قول خالد الكاتب:
رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر
غاب الأمير فغاب الخير عن بلدٍ ... كادت لفقد اسمه تبكي منابره
يقول: لما عزل هذا الأمير أو أسر فغاب الخير عن بلد، كادت منابره تبكي لافتقادها اسمه عليها أيام الجمعة. والهاء: في اسمه للأمير، وفي منابره: للبلد.
قد اشتكت وحشة الأحياء اربعه ... وخبرت عن أسى الموتى مقابره
الأربع: جمع القلة للربع وهو المنزل. والكثير الرباع، والربوع. والهاء: في أربعه ومقابره: للبلد.
يقول: شكت منازل البلد وحشة الأحياء بغيبة الأمير عن هذا البلد، وأخبرت المقابر عن حزن موتاها، لأنها كانت معمورة بالخيرات عند كونه فيها، أو لكونها كانت عليها من طلاوة هذا الممدوح، مثل ما يكون على من في قلبه مسره.
حتى إذا عقدت فيه القباب له ... أهل لله باديه وحاضره
يقول: ما زالت الأربع والمقابر كذلك، حتى ضربت له الخيام وعقدت له عند دخوله البلد القباب، فكبر لذلك أهل البدو وأهل الحضر؛ استبشاراً به، لأن من عادة المستبشر أن يكبر ويهلل، والهاء: في باديه وحاضره: للبلد. ويجوز أن يريد به: نفس البدو والحضر، ويكون ذلك مبالغة في الاستبشار، لأنهما إذا استبشرا مع كونهما جمادين، فما ظنك بأهلها مع صحة الاستبشار منهم.
وجددت فرحاً لا الغم يطرده ... ولا الصبابة في قلبٍ تجاوره
وجددت: يجوز أن يكون فعل العودة أو الدولة أو القباب المعقودة، أو فعل الأربع والجماعة المذكورة، والهاء في يطرده: للفرح، وفي تجاوره: للقلب. ويجوز أن يكون راجعاً إلى الفرح.
يقول: جددت هذه الأمور فرحاً لا يطرده غم؛ من قوته وتمكنه من القلب، ولا يجاوره شوق وصبابة، أي لا يصير جاراً له، وذلك لأن العشق لا يكاد يخلو توابعه من الغم، والفرح إذا كان غالباً لم يكن هناك عشق.
إذا خلت منك حمصٌ لا خلت أبداً ... فلا سقاها من الوسمي باكره
الهاء في سقاها: لحمص. وفي باكره: للوسمي. وقوله: لا خلت أبداً: دعاء للبلد أو لأهلها، وهو في الحقيقة دعاء للممدوح بالدوام والثبات فيها، وهو حشو مليح.
يقول: إذا خلت منك هذه البلدة لا خلاها الله منك فلا سقاها باكر الوسمي: وهو أوله أو ما يأتيه بكرة، وذلك دعاء على البلد عند خلوها منه.
دخلتها وشعاع الشمس متقدٌ ... ونور وجهك بين الخيل باهره
الهاء في باهره: ترجع إلى شعاع الشمس، أي غالبه.

يقول: دخلت حمصاً والشمس طالعة وشعاعها متقد وكأن نور وجهك بين العساكر غالباً لشعاع الشمس، والغرض به تفضيله على الشمس في الحسن والبهاء.
في فيلقٍ من حديدٍ لو قذفت به ... صرف الزمان لما دارت دوائره
الفيلق: العسكر؛ لأنه يفلق كل شيء أتى عليه يقول: دخلتها بجيشٍ من حديد؛ لكثرة ما عليهم من الحديد، لو رميت به صرف الدهر مع أنه لا يطيقه أحدٌ لما دارت دوائر صرف الزمان، ولا نفذت أحكامه.
تمضي المواكب والأبصار شاخصةٌ ... منها إلى الملك الميمون طائره
المواكب: جمع المواكب، وهو الجماعة من الناس، والمراد ها هنا الجيش. والهاء في منها: للكواكب وفي طائره. للملك.
يقول: تسير الجماعات والأبصار شاخصة من بينها إلى الملك الميمون طائره دون غيره ممن معه من الجيش، وذلك لما له من الفضل والبهاء.
قد حرن في بشرٍ في تاجه قمرٌ ... في درعه أسدٌ تدمى أظافره
حزن: فعل الأبصار، والبشر: اسم يقع على الواحد وما فوقه من الناس، وأراد هاهنا الممدوح، والأظافر: جمع، وأصلها الأظافير فحذف الياء، وهو جمع أظفور بمعنى الظفر، أو جمع أظفار، فهي إذاً جمع الجمع لأن أظفاراً: جمع ظفر.
يقول: تحيرت الأبصار في بشرٍ في تاجه قمرٌ، وهو وجهه، وفي درعه أسد، أي أنه شجاع، كأنه أسد، تدمى أظافيره بدماء الصيد. شبه وجهه بالقمر، ونفسه بالأسد، ومثله قول مسلم.
كأن في سرجه بدراً وضرغاماً
حلوٍ حلائقه شوسٍ حقائقه ... تحصي الحصى قبل أن تحصي مآثره
الشوس: جمع أشوس. وشوساً، وهو الذي تصغر عينيه للنظر، ويضم أجفانه، وذلك فعل المبغض والعدو، والحقائق: جمع الحقيقة وهي ما يحق على الإنسان حفظه والذب عنه. والمآثر: جمع المأثرة، وهي ما يؤثر من فضل الإنسان.
يقول: تحيرت الأبصار في بشرٍ خلائقه عذبة، وحقائقه محفوظة مرعية، ومآثره غير متناهية كثرة، بحيث يمكن إحصاء الحصا كلها، ولا يمكن إحصاء مآثره وعد محاسنه ومكارم أخلاقه وأفعاله.
تضيق عن جيشه الدنيا ولو رحبت ... كصدره لم تبن فيها عساكره
يقول: إن الدنيا مع سعتها تضيق عن جيش الممدوح لكثرته، ولو اتسعت الدنيا اتساع صدره، فكانت عساكره مع كثرتها لا تظهر فيها لسعة صدره، وهو كقول أبي تمام:
ورحب صدرٍ لو ان الأرض واسعةٌ ... كوسعه لم يضق عن أهله بلد
إذا تغلغل فكر المرء في طرفٍ ... من مجده غرقت فيه خواطره
التغلغل: الدخول في المضيق. والهاء في مجده: للممدوح، وفي فيه: لطرف وفي خواطره: للمرء.
يقول: إذا دخل فكر المرء في طرف من مجده، غرقت جوامع خواطره فيه، لعظمه ووفور مجده وشرفه، فإذا كان طرف منه بهذه الصفة، فكيف يتصور إحاطة الفكر بجميع مجده وشرفه؟!
تحمى السيوف على أعدائه معه ... كأنهن بنوه أو عشائره
تحمى: من الحمية والغضب.
يقول: إن السيوف إذا كانت في يده وأيدي أوليائه، لفضل مضائه، كأنه تحمى وتغضب على أعدائه معه، حتى كأن السيوف بنوه أو أقاربه؛ لأنها تغضب لغضبه، ومثله لأبي تمام:
كأنها وهي في الأوداج والغةٌ ... وفي الكلى تجد الغيظ الذي تجد
إلا أن بيت المتنبي أبلغ؛ لذكره المناسبة والقرابة.
إذا انتضاها لحربٍ لم تدع جسداً ... إلا وباطنه للعين ظاهره
الهاء في باطنه وظاهره: للجسد.
يقول: إن الممدوح إذا انتضى تلك السيوف من أغمادها عند الحرب، لم يترك من أعدائه جسداً إلا جعله إرباً إرباً، حتى تبدوا بواطن أجسادهم، أو يشق بطنه فتظهر منه الآلات الباطنة، أو يريق دمه الذي في باطن الجسد، فيظهر عند ما يسيل، فيصير في هذه الحالات باطن الجسد للعين ظاهراً.
فقد تيقن أن الحق في يده ... وقد وثقن بأن الله ناصره
يقول: إن السيوف تيقن أن الحق في يده، لما ازدادت قوة يده، وأيدي أوليائه، وقد وثقن بأن الله ينصره على أعدائه؛ فلهذا صرن مثل بنيه وعشائره في الحمية. ومثل قول النابغة:
جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب
تركن هام بني عوفٍ وثعلبةٍ ... على رءوسٍ بلا ناسٍ مغافره
الهاء في مغافره: للهام.

يقول: إن هذه السيوف تركن هام هؤلاء القوم لما قطعن رءوسهم، عليها المغافر على رءوس بلا أجساد، وكانت الرءوس ملقاة على الأرض وعلى هاماتها المغافر، وعبر عن الأشخاص بالناس.
فخاض بالسيف بحر الموت خلفهم ... وكان منه إلى الكعبين زاخره
زخر البحر: إذا ارتفع موجه.
يقول: خاض هذا الممدوح بسيفه خلف هؤلاء القوم، بحر الموت: يعني موضع القتال. واستحقر ذلك وإن كان عظيماً، حتى صار زاخر ذلك البحر ومتلاطمه من هذا الممدوح إلى الكعبين، يصف بذلك قلة مبالاته بالأمور العظام.
حتى انتهى الفرس الجاري وما وقعت ... في الأرض من جيف القتلى حوافره
روى: انتهى، وانثنى.
يقول: من قتل منهم صار بحيث أن الفرس الجاري لم يضع وقت جريه حوافره إلا على جيف القتلى، ولا تقع حوافره على الأرض من كثرة القتلى.
كم من دمٍ رويت منه أسنته ... ومهجةٍ ولغت فيها بواتره
أصل الولغ: شرب السباع الماء بألسنتها، ثم كثر فصار اسماً للشرب مطلقاً.
يقول: كم من دمٍ رويت منه أسنة الممدوح، وكم من نفس دخلت فيها سيوفه القواطع، وشربت منها حتى رويت، يعني أنه سفك دماء أعدائه فلم يبق له عدواً إلا قتله.
وحائنٍ لعبت سمر الرماح به ... فالعيش هاجره والنسر زائره
الحائن: الهالك. والهاءات: راجعة إليه.
يقول: كم من هالك لعبت به الرماح السمر فأهلكته، حتى هجره العيش، فزاره النسر لأكل لحمه.
من قال: لست بخير الناس كلهم ... فجهله بك عند الناس عاذره
عاذره: أي قابل عذره.
يقول: من لم يقل: خير الناس أنت، فهو جاهل، والجاهل إذا قال محالاً لجهله، فإن جهله يعذره عند الناس أجمعين.
أوشك أنك فردٌ في زمانهم ... بلا نظيرٍ ففي روحي أخاطره
أخاطره: أراهنه.


نهاية الجزء الخامس

ألف / خاص ألف/

يتبع ...










تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow