Alef Logo
الآن هنا
              

اقتصاد العنف " الخطف أنموذجاً "

أحمد بغدادي

خاص ألف

2015-06-06

إن الظواهر الخطيرة التي تزامنت مع بداية الثورة السورية وكان أخطرها العنف الاجتماعي المنشق عن العنف السياسي الذي أدّى إلى انقسام شرائح كبيرة في المجتمع السوري خلال الحرب على الأرض، تفاقمت لتصل إلى حدٍّ بات أخطر من التصوّر.. فالهدف الأول منها كان سياسياً بالتأكيد، تحرّكه قوى فعالة من النظام السوري ضمن منهجية مدروسة، وغيرها أتت نتاج الفوضى وعدم الاستقرار الأمني.

فالعنف المسلّح في بداية الثورة من قبل النظام السوري ومليشياته المعروفين بــ" الدفاع الوطني"، أدّى إلى خروج ظاهرة خطيرة لم يعهدها الشعب السوري بتاتاً، وبرزت هذه الظاهرة بشكل واضح في منتصف عام 2012 لتستمر حتى الآن. ألا وهي ظاهرة الخطف التي أرّقت المجتمع السوري من كلا الطرفين ( مؤيدون أو معارضون ) للنظام السوري.

فالعنف الدموي الذي استخدمه النظام وأجهزته المخابراتية ضد المجتمع السوري المعارض الذي خرجَ في بداية الحراك للمطالبة بأبسط الحقوق، ترافق مع ضخ إعلامي رسمي تابع للنظام متّهماً الطرف الآخر ــ المعارض ــ باستخدام السلاح ضد المدنيين وعناصر الشرطة لتأجيج الصراع وتحويله إلى صراع مسلّح ضد الدولة. ما أدّى إلى فوران الشارع المناهض للنظام الذي بدوره كان على أرض الواقع من يقوم بهذا العنف ويمارسه بشكل طبيعي بدون رادع أخلاقي ولا إنساني.

كل هذا العنف والظلم دفعَ بالطرف الآخر إلى المواجهة المسلحة بغية الدفاع عن النفس وعن الممتلكات التي أضحت نهباً بين أيدي عناصر النظام وميليشياته بعد اقتحام أي منطقة مدنية بذريعة محاربة العصابات المسلّحة.

هذه العوامل أفرزت ظواهر كثيرة ومنها ظاهرة الخطف بعد أن أطلقَ النظام أيدي رجاله يميناً وشمالاً مع غض الطرف عنهم في أي تصرّف فردي أو جماعي ضد المدنيين.

كان الخطف في البداية يأتي من أجل مبادلة أفراد من جيش النظام بأفراد آخرين لدى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، إلا أنّ هذه الظاهرة استمرت بأشكال أخرى منها الكسب المادي أو الانتقام الشخصي وتصفية الحسابات، ومنها الطائفية التي عمل عليها النظام، وكانت أغلبها مقصودة لترويع سكان المناطق التي تقف إلى جانب الثورة.

في دمشق على سبيل المثال، انتشرت ظاهرة الخطف في عدّة مناطق منها " حي الزهرة والميدان وحي نهرعيشة والتضامن وشارع الثورة ومنطقة البرامكة" وسط العاصمة دمشق. وفي تقرير نشرته ــ AL ARABIYA NEWSــ بتاريخ 24/ سبتمبر 2012 بعنوان "الخطف يتسع في سوريا والفتيات أكثر ضحاياه"، يشير إلى أن حالات الخطف أكثرها تكون من نصيب الفتيات وخاصةً في المناطق المحافظة دينيّاً مما يدعو أهل المخطوف إلى الإسراع بتلبية طلب الخاطفين خوفاً على حياة الفتاة ومن الفضيحة في المجتمع، وتكون الفدية المالية مبالغ طائلة قد لا يستطيع الأهل تأمينها بسهولة.

يرمي الخاطفون بالتهمة على جهة أخرى في أغلب الأحيان من خلال تعريف أنفسهم لذوي المخطوف بأنهم من عناصر الجيش الحر . وهذه الجماعات تشكّلت من أصحاب سوابق وقضايا جنائية يتم التستّر عليهم من قبل رجالات النظام أو تكون لهم صلة مباشرة بهم.

فأغلب حالات الخطف التي تجري، تستهدف الفتيات وخاصة الطالبات حين خروجهن أو عودتهن من المدارس والجامعات. وتكون حالة الخطف في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع العابرين حيث لا يستطيع أحد من الناس أن يفعل شيئاً بسبب حالة الفزع وامتلاك الخاطفين أسلحة يهددون بها كل من يقترب. ومعظم الخاطفين يستخدمون سيارات الأجرة العامة للتمويه ولتسهيل عملية الخطف.

يذكر الناشط في المكتب الإعلامي في دمشق " كريم الشامي " في حديث لــ" صحيفة arabi21" محاولة خطف جرت منذ فترة في منطقة الميدان "حي الجزماتية " من قبل رجال مسلحين يرتدون الزي العسكري ويركبون سيارة أمنية تحرشوا بسيدة كانت تمشي في الشارع وحاولوا إجبارها على الصعود في السيارة إلا أنّ السيدة هربت واستطاعت الإفلات منهم بأعجوبة أمام أنظار أصحاب المحلات والعابرين دون أن يفعل أحد شيئاً يذكر مخافة ردة فعل المسلحين.

وفي حادثة مماثلة يعرفها البعض أشار إليها تقرير AL ARABIYA NEWS ،أنه تمّ اختطاف الفتاة ــ راما العسس ــ من منزلها في دمشق بعد تدبير كمين لها في تاريخ 27 / أغسطس / آب / 2012. عندما دخل منزلها أربعة أشخاص، ثلاثة منهم باللباس العسكري والرابع بلباس مدني، نهبوا المنزل وهددوا أهله ثم رحلوا بها وأودعوها في صندوق السيارة، ليتصلوا لاحقاً بأسرتها طالبين فدية، دفعها أهل راما أملاً بعودتها سالمة إلا أن راما لم يطلق سراحها إلى الآن ولم ترد أي أخبار عنها، وسط تخوّف شديد على حياتها. ويذكر أنّ راما كانت من أوائل المشاركات في الحراك السلمي في سوريا وكانت تعمل في المجال الإنساني والإغاثي.

كثرت أساليب الخطف وتنوّعت وبات شائعاً لدى الجميع أن عمليات الخطف لم تعد تقتصر على الاستدراج والحيلة، بل أنّها أخذت طابعاً آخر يتّسم بانتحال الشخصية الأمنية من قبل عصابات مؤلفة من قطاع طرق وأصحاب سوابق جنائية يقتحمون في وضح النهار الأحياء والأسواق التجارية لينفذوا عمليات الخطف مدّعين أن المستهدف مطلوب من قبل الدولة بتهمة ما وأغلب التهم تكون جاهزة منها كالإرهاب والعمل ضد مصلحة الوطن.

وهنا لا يبتعد عن الساحة هذه بعض رجال الأمن الذين يعملون لحسابهم الخاص ويقومون بعمليات خطف وابتزاز مادي واعتداء جنسي يطال الضحية. ومن الضحايا المخطوفين من يتعرّض للقتل إن لم يتم دفع الفدية للخاطفين من قبل أهلهم، ومنهم من تمّ دفع فديته لكنه في نهاية المطاف انتهى جثة مرمية في أحد الشوارع على أطراف المدينة أو في حديقة ما.

وإبان الصراع الدائر بين النظام وحلفائه وبين الكتائب المعارضة المسلحة بكافة أطيافها، انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير لتطال حتى المؤيدين للنظام مدنيين كانوا أم عسكريين في إشارة إلى العنف المضاد.

ولم يسلم بعض أبناء الطائفة العلوية والمسيحيين وباقي الأقليات الذين وقفوا وقفة المتفّرج على ما يجري في "وطنهم" من هذه الظاهرة، فكان النظام يلعب بهذه الورقة لتأجيج المجتمع وتأليبه ضد الأكثرية المنتفضة ضدّه؛ وتم تسجيل حالات خطف طالت الكثير من أبناء الأقليات لوضع أهاليهم ومجتمعهم في الصورة التي كان يروّج لها منذ البداية وهي إرهاب العصابات المسلحة المتمثّلة بالشارع الثائر.

الخطف في سورية لم يتوقّف على عناصر النظام وميلشياته والمتطوعين معه كالدفاع الوطني وغيرهم ممن استقدمهم من الخارج، فالفوضى العارمة في سورية استغلتها الكتائب الإسلامية المتشدّدة أيضاً وقامت بعمليات خطف لناشطين مدنيين ولبعض أبناء المناطق التي يفرضون نفوذهم عليها بغية السيطرة التامة ولمكاسب سياسية ومالية.















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

غداً سأبقى وحدي

15-أيار-2021

قصيدتان من دفتر النبع الضرير

24-نيسان-2021

كاان بيني وبينكَ

03-نيسان-2021

"أغنية بلا نوافذ" // إلى ريدي مشو

27-آذار-2021

لعنة الشعراء

06-آذار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow