Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

رسم موديل حقيقي / شارلوت هي ماكنيل تزجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2015-07-27

كانت ردة فعلي خاطئة حينما أخبرتني إلويز أنها مخطوبة.
قالت و هي تطرف بعينيها بسرعة:" ستعجبين به، أليس كذلك". و لم يكن كلامها يدل أنه سؤال.
قلت و أنا أعتصر ابتسامة من أعماق أضلاعي:" طبعا. سيكون عظيما". لم أكن أكذب تماما. و لكن لم أكن أومن أننا وصلنا إلى تلك الضفة من حياتنا بعد. و أردفت:" و لكننا لا نزال في السادسة و العشرين فقط".
قالت إلويز:" وماذا يعني؟. أمي ولدتني أنا و زارا و هي في هذا العمر.أرى أننا نتأخر كثيرا في إنجاز حياتنا".
قلت لها:" ربما. على أية حال، مبروك. يا عزيزتي. يا له من رجل محظوظ". و قرعت كأسي بكأسها.
قالت إلويز وهي تنكس نظراتها:" أنا أيضا محظوظة به". و غمست أصبعها في مسحوق السكر الذي على الكعكة، و تسببت بانزلاق القشرة القرمزية من مكانها. و قالت:" يا إلهي. أرى أن الكعكة لم تعد كما كانت من قبل". و رفعت كعكتها و أضافت:" انظري إلى هذا. يا له من شيء سخيف. السكر يضاعف من سماكة اسفنج الكعكة".
العمق. جاءت الفكرة إلى ذهني. كنت أنا و إلويز في كوينيز، و هي استراحتنا المفضلة من سنوات. كنا نحب الأشياء ذات النمط الشبابي و الطريقة التي يعرضون بها الكعك على الرفوف، و كأنك في السافوي، باستثناء أنه لا يوجد هنا شيء يشبه شيئا و الطاولات لا تقف على أرض مستوية.
أول مرة تعرفنا فيها على كوينيز بعد خسوف الشمس. خرجنا إلى الشوارع، مثل غيرنا، لنستمتع بالمشهد، و لكننا كلانا خاب أملنا بما نرى. توقعنا إظلاما يستمر طوال اليوم، و هذا شيء استثنائي و مدهش، و لكن تبين أنه أشبه بغروب الشمس في الشتاء. و هكذا عدنا أدراجنا من بين زحام الناس المتدافعين بالمناكب و وجوههم مرفوعة لصفحة السماء، و عيونهم معصوبة بالنظارات اللوحية، و كلهم يبدو كأنهم في فيلم خيال علمي انتهى وقته و لكن كان ذات يوم حديثا، و بحثنا عن مكان نشرب فيه الشاي. معظم الأماكن توقفت عن العمل، ما عدا كوينيز فقد تابعت أشغالها كالعادة.
قلت لها:" السكر أفضل ما في هذه الكعكة". ثم أجبرت نفسي على سؤال إلويز عن الخاتم، فقالت إنهما سيختارانه معا حينما يوفران النقود، و كل الوقت كان إحساس مقلق يعصف في صدري، و حاولت أن أعرف لماذا. تساءلت هل أنا أغار منها. فقد مرت فترة لا بأس بها و أنا بلا شريك أتقاسم معه الحياة.
سألتني إلويز:" و ماذا عن حياتك الغرامية، هل من جديد؟".
كأنها تقرأ أفكاري.
أومات برأسي.
وقلت:" لا شيء حاليا. لا زلت أمارس هوايتي في الرسم من موديل. الأشياء التي تقوم بها بعض النساء. و لا يوجد في المجلة رجال طبيعيون. كلهم يعانون من الانحراف". مر تقريبا عام على هذه الحالة، تخللتها لحظات مسلية. فأنا مسؤولة عن الوسائط الاجتماعية، و في العدد الأخير، انتهيت من أول عمل لي، عن عطر مصنوع من البهارات، و لكنهم للأسف اختصروا من المقدمة التي كتبتها.
قالت إلويز:" لا أعلم لماذا لا تعلنين بالإنترنت. فهذه هي الطريقة الناجعة الوحيدة".
قلت:" لا أحب أن يحكم علي أحد بهذه الطريقة. ربما سأفعل ذلك بعد أن أخسر شيئا من وزني". شربنا الشاي و انتهينا منها بنفس اللحظة، و تصورت كأننا سيدتان نلتقي لتداول الإشاعات كما يحصل في الخمسينات. يمكنني أن أكون سكرتيرة، كما كانت جدتي. كانت تخبرني كم هي محظوظة لأنه بمقدورها الحصول على عمل مناسب؛ لقد أعانتني بنفقات الدراسة و كانت تتفاءل بي، و هذا جعل قلبي ينقبض قليلا.
قالت إلويز:" هذا معقول".
قلت:" على أية حال، أنفق حاليا وقتا أطول في التفكير بوظيفتي و عملي".
قالت ايلويز:" أعتقد أنه عليك أن تتحلي بالحذر يا عزيزتي. في أية دقيقة ستستيقظين و أنت بعمر ٣٠ عاما، و عازبة، و ووحيدة، تعيشين في البيت بلا شريك".
" يا للمسيح. حسنا أنك لا ترفعي من معنوياتي أو تغشيني بنفسي". و وضعت آخر قطعة من الكعك في فمي.
لاحقا، غادرنا الاستراحة و الذراع بالذراع، و ذهبنا من الشوارع الخلفية لسوهو. و في الطريق أخبرتها عن ساعات الرسم و الوقوف فيها كموديل. كنت دائما أتوق كي أصبح موديلا حيا فهي طريقة مناسبة لكسب المزيد من النقود، و لكن حاليا أدرك أن الجلوس بلا حركة في إحدى الوضعيات لفترة طويلة يشبه الانتظار لدهر بكامله، وهذا لا يربح منه الإنسان غير التقاط البرد و الإصابة بالزكام.
قلت لها:"مع أنهم يستعملون حاليا مدافئ الهواء الساخن، لكن يبقى الجو متجمدا".
في الحقيقة، رسم موديل بذاته لم يكن هو ما أحلم به. و يبدو لي أنه مهارات تقنية و ليس إبداعا صرفا و الإستوديو الذي أعمل به كان مشحونا برائحة فطر الغابة. و لم أكن متاكدة هل يجدر بي أن أنفق أمسية كاملة كل أسبوع فيه. في الليلة السابقة، بعد العودة من الأستوديو إلى البيت، كان الباب الخارجي مقفلا من الداخل، و لذلك ذهبت إلى الخلف. كانت الموسيقا تزمجر من وراء الزجاج المضاعف. و حينما نظرت منه رأيت الوالدة، و هي بالثياب الداخلية فقط، و معها زجاجة فودكا، و تغني مع " جولين"، و كانت كلما انتهت المعزوفة تضغط على زر الإعادة في جهاز الآي بود. و استغرقت حوالي عشرين دقيقة لألفت انتباهها أنني أنتظر.
في كل الأحوال،انتابني القنوط من حصص الرسم. و الغريب في الموضوع، أنني كنت أشعر أنني مخطئة باختيار هذا العمل، و مع ذلك لم أتوقف. دائما أحاول أن أجد نفسي و أصحح الخطوط، و لكن بطريقة ما كانت أخطائي تتراكم إلى درجة يصعب التخلص منها لاحقا.


شارلوت هي ماكنيل Charlotte Haigh MacNeil : كاتبة بريطانية مستقلة. تعيش و تعمل في لندن.

تعليق



ماريان إسماعيل

2015-07-27

أود فعلاً شكر المترجم لجهوده واختياراته عدا أن الترجمة رائعة وفي الحقيقة هذا القسم أو الرابط من الأقسام المفضلة لي على ألفشكراً لألف أيضاً على إتاحة الفرصة للقارىء للإطلاع على هذه الآداب العالمية

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow