Alef Logo
دراسات
              

الله من وجهة نظر بوش وتشافيز

زهير الخويلدي

2008-06-03


" لا تخش شيئا أيها الانسان فالطبيعة تعرف كل شيء وتبتسم"
"فيكتور هيغو / الأشعة والضلال"
هوغو تشافيز زعيم اشتراكي فنزويلي ورئيس مشهور في العالم ومحترم من قبل العديد من المتابعين والمثقفين وله العديد من المناصرين في أمريكا اللاتينية ومن طرف معظم فقراء العالم. وربما تعود
وشهرته الى شجاعته وجرأته في الرد على رئيس الولايات المتحدة بوش، وقد يكون الاحترام الذي يحظى به ناتجا عن دفاعه على الاشتراكية ووقوفه الى جانب بعض القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية ومناهضته الحرب على بعض الدول مثل العراق وأفغانستان.
بيد أن هذا التقدير الذي يحظى به لا يعود الى خلافته كاسترو وغيفارا في قيادة المحور المناهض للعولمة ومعاداته الجذرية للمشروع الأمريكي بل لأنه يحترم إرادة شعبه ويحتكم الى العملية الديمقراطية ويبدى مرونة كبيرة مع المغاير لسياساته ويتحالف مع بعض الدول التي لا يشترك معها في الأفكار والبرامج. لقد تابع العالم كيف اعترف بهزيمته أمام الشعب عندما أراد تغيير الدستور واستفتاه من أجل أن ينقح بندا يسمح له بالترشح لولاية رئاسية أخرى ورأى الجميع أيضا كيف تخلى عن يساريته الخطابية وصمت عن مهاجمة بعض الأنظمة الأوروبية المتحالفة مع أمريكا وخاصة ألمانيا وفرنسا واسبانيا المشاركة في مؤتمر يسعى الى ربط جسور التواصل بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية واكتفى ببعض الكلمات الترحيبية وكأنه يريد من ذلك أن يفك العزلة عن بلده ودفع الدول الأوربية الى رفع الحصار الاقتصادي والسياسي عنه الذي فرضته عليه أمريكا.
من هذا المنطلق فان المقارنة بين بوش وتشافيز بديهية وجائزة لأنهما يتزعمان جبهتين متناقضتين وبينهما تنافس وتوتر وصل الى حد المعاداة والصراع وتحول الى تبادل الخطب النارية التهجمية والشتائم والتهديد ولكن الجديد في هذا المسلسل التاريخي أنهما لجأ الى الدين واستعملا كلمة الله في كلامهما من أجل تمرير بعض الرسائل الإيديولوجية الى العالم وكأنهما يتفقان على قولة الفيلسوف الفرنسي باسكال الشهيرة:"شقاء الانسان دون اله"، هذا الانسان الخائف من الفضاءات اللامتناهية التي بينتها له الثورة العلمية الحديثة عندما حطمت الكون المغلق ووضعت مكانه كونا مفتوحا.
لكن اذا كان ذكر الرئيس الأمريكي لكلمة الله مبررا بحكم انتمائه الى التيار الإنجيلي المحافظ وتعوده استعماله لهذه المفردة أثناء إعلانه بداية عاصفة الصحراء واحتلال العراق وخاصة ذكره بأن الرب أوحى له بضرورة شن الحرب وبشره بالنصر هناك فان استعمال تشافيز لهذه الكلمة هو أمر جديد وغير مبرر بالنسبة الى زعيم يساري يتبنى أفكارا ماركسية مادية ويبشر بعقيدة بوليفارية ثورية لا تستند الى أي مرجعية دينية منزلة، فكيف نفسر هذا التحول في خطاب الرئيس الفنيزويلي؟ وكيف نفهم استخدامه لخطاب لاهوتي من أجل الدعاية السياسية رغم أنه يتبنى خيارا لائكيا في الحكم ويدعو الى فصل الدولة عن الكنيسة وتعالي الدستور على الشرائع الدينية؟ هل يعني ذلك فشل المجال السياسي عن المحافظة على نقاوته من كل الأفكار التيولوجية أم هو عودة مجددة للروحانيات الى حلبة الصراع الدنيوي من أجل حشد الناس والتأثير عليهم؟
الجدل بين الرجلين بدأ عندما صرح بوش في البيت الأبيض أمام بعض الكوبيين المناوئين للحكم الشيوعي الذي أرساه كاسترو منذ نهاية الستينات الى الآن في بلدهم "انه يتضرع الى الله ليسرع بنهاية آلام الكوبيين ويشد عزيمة أولئك الذين يتألمون في ظل دكتاتورية كاسترو" وجواب تشافيز على هذه الكلمة كان هذه المرة بنفس المنطق الديني عندما قال:" بوش قال انه طلب من الله تسريع نهاية آلام الكوبيين، هذا الأمر يستحق السخرية...واذا كان الله سيسرع شيئا ما فانه سيسرع نهاية السيد بوش إنها نهاية إمبراطورية أمريكا الشمالية" ومثل الخطب السابقة يحمل تشافيز مسؤولية المآسي والجوع والحروب في العالم ويعتبره فارس الموت والإرهاب ويبتهل الى الله بأن يزيل حكمه وينهي إمبراطورية أمريكا الشمالية ويصرح في هذا السياق:" بإذن الله ،اله الشعوب والمقهورين والمستغلين والفقراء، بفضل دينامية الوقت ومن أجل مصلحة الشعوب فان الإمبراطورية الأمريكية تواصل وستواصل أفولها" ثم انه أضاف أن الرئيس المقبل مهما كان فانه لن يكون أكثر عدائية من الحالي.
ما يقوله بوش هو مجال للاعتراض والتأييد على السواء خصوصا عندما يكون تدخلا في شؤون الآخرين عند المعترضين ودفاعا عن حقوق الانسان ونشرا لقيم الحرية والديمقراطية عند المؤيدين، لكن ما يقوله تشافيز هو مجال للتفكير والتعليق لأن المتابع يرصد فيه تحولا كبيرا وتلاعبا بالكلمات وخاصة موضوع التضرع للآلهة وهو يذكرنا بكتاب حرب الآلهة la guerre des Dieux فهل يقصد دعوة اله الفقراء الى أن يشن حربا على اله الأغنياء وبالتالي فانه يعدينا الى ديانة قديمة تفسر ما يحدث في العالم من حروب بالصراع بين اله للنور واله الظلمة؟
زد على ذلك أن تشافيز يتحدث عن دينامية الوقت ولا نعلم ماذا يقصد بذلك، هل دينامية الوقت هي انتظار العدالة الإلهية تتحقق في الأرض وهنا لا يبتعد كثيرا عن بوش أم أنه يشير الى حركة التاريخ وحتمية الثورة وهنا أيضا نراه يؤمن بالميكانيكية ويحرم اليسارية من حيوية الجدل Dialectique وإمكانية تأثير البنية الفوقية في البنية التحتية أو حتى التفاعل بينهما؟ ألم يعودنا الزعيم البوليفاري بإيمانه بالإنسان وتمجيده للمبادرة الذاتية وتبشيره بقدرة المجموعة على التحرر من أسر الطبيعة والتاريخ لتشرع في تغيير العالم؟ فأين ستذهب كل هذه المبادئ اذا ما أسلم نفسه لإله؟
المسألة الثالثة التي لم يفكر فيها تشافيز ولا أظن بوش يتمناها هي حالة للعالم عندما ستختفي الإمبراطورية الأمريكية وماهو مصير الثورة الرقمية والتقدم التكنولوجي وهل توجد هناك دول أخرى قادرة فعليا على توجيه الانسانية نحو تهذيب نوعها وارتقاء بمعرفتها لذاتها وللكون وبالتالي ان عالما يتضمن أمريكا أفضل من عالم يفتقدها وآيتنا في ذلك أن جميع شعوب العالم وخاصة الفئة الشابة منهم يحبون النمط الأمريكي في الحياة ويقبلون على تعلم أصول الحضارة الغربية على الرغم من معارضتهم وتضايقهم من سياسات النظام الأمريكي الظالمة وغطرسة بوش وتعديات جيشه عليهم.
خلاصة الرأي أن النية الحسنة عند تشافيز وحلمه الرومانسي بالعدالة الاجتماعية وبانتصار الفقراء في معركتهم مع الأغنياء هو كلام أجمل مما يقوله بوش من تمييز بين الخير والشر والأصدقاء والأعداء ولكن هذا الكلام لا يصنع حضارة ولا يؤدي الى نجاعة تقود الانسانية الى غزو الفضاء وتعمير الكون وتطوير قدرات البشر على قهر الأمراض والاستفادة من خيرات الأرض.
أليس ضياع الحضارة الانسانية في ثوبها الحالي نتيجة التناحر بين القوى التي تكونها قد يؤدي بها حتما الى زوال معالم الحياة على الكوكب وتصحير الوجود وعودة عصور البربرية وإضاعة البشرية ما ناضلت عليه طوال قرون عديدة وما كسبته من تمدن وتحضر وتقنية؟ ثم ماهو مشروع الحضارة التي يعد به تشافيز البشرية ؟ هل يكفي أن نقف في موقع مواجه للعولمة من أجل أن نثبت ذواتنا أم يجب أن نسعى الى بناء عولمة بديلة أي كونية تحترم كل الخصوصيات وتنهل من إبداعياتها؟
لكن ما رأي المتجادلين في هذا التعريف الذي يقدمه الجرجاني عن الذات الإلهية:" الله علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها"؟ أليس عز وجل متعالي عن صفتي القوة والضعف؟ وألا تقتضي حكمته في أن يهدي الأغنياء وينصر المستضعفين في الآن نفسه؟

* كاتب فلسفي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أهمية تدريس الفلسفة للأطفال

05-تشرين الأول-2019

هابرماس بين استعادة الحداثة وعقلنة الفعل التواصلي

10-آب-2019

إشكلات هرمينوطيقية

13-شباط-2010

تأملات لاديكارتية

12-تشرين الأول-2009

السببية بين العلم والفلسفة

23-أيلول-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow