Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب : البيان والتبيين المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

خاص ألف

2017-04-29

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم وسلم عونك اللهم وتيسيرك
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العجب بما نحسن ونعوذ بك من السلاطة والهذر كما نعوذ بك من العي والحصر وقديما تعوذوا بالله من شرهما وتضرعوا الى الله في السلامة منهما
وقد قال النمر بن تولب
( أعذني رب من حصر وعي ... ومن نفس أعالجها علاجا )
وقال الهذلي
( ولا حصر بخطبته ... اذا ما عزت الخطب )
وقال مكي بن سوادة
( حصر مسهب جري جبان ... خير عي الرجال عي سكوت )
وقال الاخر
( مليء ببهر والتفات وسعلة ... ومسحة عثنون وفتل الأصابع )
ومما ذموا به العي قوله
( وما بي من عي ولا أنطق الخنا ... إذا جمع الأقوام في الخطب محفل )
وقال الراجز وهو يمتدح بدلوه
( علقت يا حارث عند الورد ... بجابىء لا رفل التردي )
( ولا عيي بابتناء المجد ... )
وهذا كقول بشار الاعمى
( وعي الفعال كعي المقال ... وفي الصمت عي كعي الكلم )
وهذا المذهب شبيه بما ذهب اليه شتيم بن خويلد في قوله
( ولا يشعبون الصدع بعد تفاقم ... وفي رفق أيديكم لذي الصدع شاعب )
وهذا كقول زبان بن سيار
( ولسنا كأقوام أجدوا رياسة ... يرى مالها أولا يحس فعالها )
( يريغون في الخصب الأمور ونفعهم ... قليل إذ الأموال طال هزالها )
( وقلنا بلا عي وسسنا بطاقة ... إذ النار نار الحرب طال اشتعالها )
لانهم يجعلون العجز والعي من الخرق كانا في الجوارح أو في الألسنة وقال ابن أحمر الباهلي
( لو كنت ذا علم علمت وكيف لي ... بالعلم بعد تدبر الأمر )
وقالوا في الصمت كقولهم في النطق قال أحيحة بن الجلاح
( والصمت أحسن بالفتى ... ما لم يكن عي يشينه )
( والقول ذو خطل اذا ... ما لم يكن لب يعينه )
وقال محرز بن علقمة
( لقد وارى المقابر من شريك ... كثير تحلم وقليل عاب )
( صموتا في المجالس غير عي ... جديرا حين ينطق بالصواب )
وقال مكي بن سوادة
( تسلم بالسكوت من العيوب ... فكان السكت أجلب للعيوب )
( ويرتجل الكلام وليس فيه ... سوى الهذيان من حشد الخطيب )
وقال آخر
( جمعت صنوف العي من كل وجهة ... وكنت حريا بالبلاغة من كثب )
( أبوك معم في الكلام ومخول ... وخالك وثاب الجراثيم في الخطب )
وقال حميد بن ثور الهلالي
( أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل )
( فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل )
سحبان مثل في البيان وباقل مثل في العي ولهما أخبار وقال آخر
( ماذا رزئنا منك أم الأسود ... من رحب الصدر وعقل متلد )
( وهي صناع باللسان واليد ... )
وقال اخر
( لو صحبت شهرين دأبا لم تمل ... وجعلت تكثر قول لا و بل )
( حبك للباطل قدما قد شغل ... كسبك عن عيالنا قلت أجل )
( تضجرا مني وعيا بالحيل ... )
قال وقيل لبزرجمهر بن البختكان الفارسي أي شيء أستر للعي قال عقل يجمله قالوا فان لم يكن له عقل قال فمال يستره قالوا فان لم يكن له مال قال فاخوان يعبرون عنه قالوا فان لم يكن له اخوان يعبرون عنه قال فيكون ذا صمت قالوا فان لم يكن ذا صمت قال فموت وحي خير له من ان يكون في دار الحياة
وسأل الله موسى ( ص ) حين بعثه الى فرعون بابلاغ رسالته والابانه عن حجته والافصاح عن أدلته فقال حين ذكر العقدة التي كانت في لسانه والحبسة التي كانت في بيانه ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) وأنبأنا الله تبارك وتعالى عن تعلق فرعون بكل سبب واستراحته الى كل شغب ونبهنا بذلك على مذهب كل جاحد معاند وعلى كل مختال مكايد حين خبرنا بقوله ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) وقال موسى عليه السلام ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فارسله معي رداء يصدقني ) وقال ( ويضيق صدري ولا ينطلق لساني ) رغبة منه في غاية الافصاح بالحجة والمبالغة في وضوح الدلالة لتكون الاعناق اليه أسرع وان كان قد يأتى من وراء الحاجة ويبلغ افهامهم على بعض المشقة ولله عز و جل ان يمتحن عباده بما يشاء من التخفيف والتثقيل ويبلو أخبارهم كيف أحب من المكروه والمحبوب ولكل زمان ضرب من المصلحة ونوع من المحنة وشكل من العبادة ومن الدليل على ان الله عز و جل حل تلك العقدة وأطلق ذلك التعقيد والحبسة قوله ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) الى قوله ( قد أوتيت سؤالك يا موسى ) فلم تقع الاستجابة على شيء من دعائه دون شيء لعموم الخبر
وذكر الله تعالى جميل بلائه في تعليم البيان وعظيم نعمته في تقويم اللسان فقال ( الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان ) وقال ( هذا بيان
للناس ) ومدح القرآن بالبيان والافصاح وبحسن التفصيل والايضاح وبجودة الافهام وحكمة الابلاغ وسماه فرقانا وقال ( عربي مبين ) وقال ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا ) وقال ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) وقال ( وكل شيء فصلناه تفصيلا )
وذكر الله تعالى لنبيه حال قريش في بلاغة المنطق ورجاحة الأحلام وصحة العقول وذكر العرب وما فيها من الدهاء والنكراء والمكر ومن بلاغة الالسنة واللدد عند الخصومة فقال ( اذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ) وقال ( لتنذر به قوما لدا ) وقال ( ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) وقال ( أالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) ثم ذكر خلابة ألسنتهم واستمالتهم الاسماع بحسن منطقهم فقال ( وإن يقولوا تسمع لقولهم ) ثم قال ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) مع قوله ( وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) وقال الشاعر في قوم يحسنون في القول ويسيئون في العمل قال ابو حفص أنشدني الاصمعي للمكعبر الضبي
( كسالى اذا لاقيتهم غير منطق ... يلهى به المحروب وهو عناء )
وقيل لذوهمان ما تقول في خزاعة قال جوع وأحاديث وفي شبيه بهذا المعنى قال أفنون بن صريم التغلبي
( لو أنني كنت من عاد ومن إرم ... غذي قيل ولقمان وذي جدن )
( لما وقوا بأخيهم من مهولة ... أخا السكون ولا حادوا عن السنن )
( أنى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن )
( أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رئمان أنف أذا ما ضن باللبن )
ورئمان أصله الرقة والرحمة والرؤم أرق من الرؤف فقال رئمان أنف كأنها تبر ولدها بأنفها وتمنعه اللبن
ولأن العرب تجعل الحديث والبسط والتأنيس والتلقي بالبشر من حقوق القرى ومن تمام الأكرام وقالوا تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة واطالة الحديث عند المؤاكلة وقال شاعرهم وهو حاتم الطائي
( سلي الجائع الغرثان يا أم منذر ... اذا ما أتاني بين ناري ومجزري )
( هل ابسط وجهي انه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري )
وقال الاخر
( إنك يا ابن جعفر خير فتى ... وخيرهم لطارق اذا أتى )
( ورب نضو طرق الحي سرى ... صادف زادا وحديثا ما اشتهى )
( إن الحديث جانب من القرى ... )
وقال الآخر
( لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه غزال مقنع )
( أحدثه ان الحديث من القرى ... وتعلم نفسي انه سوف يهجع )
ولذلك قال عمرو بن الاهتم
( فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مبيت صالح وصديق )
وقال الاخر
( أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب )
( و ما الخصب للأضياف ان يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب )
ثم قال الله تبارك وتعالى في باب اخر من صفة قريش والعرب ( أم تأمرهم أحلامهم بهذا ) وقال ( فاعتبروا يا أولي الالباب ) وقال ( أنظر كيف ضربوا لك الأمثال ) وقال ( وان كان مكرهم لتزول منه الجبال ) وعلى هذا المذهب قال ( وان يكادوا الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) وقد قال الشاعر
( يتقارضون اذا التقوا في موقف ... نظرا يزيل مواقع الأقدام )
وقال تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) لان مدار الامر على البيان والتبيين وعلى الافهام والتفهيم وكلما كان اللسان أبين كان أحمد كما انه كلما كان القلب أشد استبانة كان أحمد والمفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل إلا أن المفهم افضل من المتفهم وكذلك المعلم والمتعلم
هكذا ظاهر هذه القضية وجمهور هذه الحكومة إلا في الخاص الذي لا يذكر والقليل الذي لا يشهر
وضرب الله مثلا لعي اللسان ورداءة البيان حين شبه أهله بالنساء والولدان
وقال تعالى ( أو من ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) ولذلك قال النمر بن تولب
( وكل خليل عليه الرعاث ... والحبلات ضعيف ملق )
وليس حفظك الله مضرة سلاطة اللسان عند المنازعة وسقطات الخطل يوم اطالة الخطبة بأعظم مما يحدث عن العي من اختلال الحجة وعن الحصر من فوت درك الحاجة والناس لا يعيرون الخرس ولا يلومون من استولى على بيانه العجز وهم يذمون الحصر ويؤنيون العي فان تكلفا مع ذلك مقامات الخطباء وتعاطيا مناظرة البلغاء تضاعف عليهما الذم وترادف عليهما التأنيب ومماتنة العي الحصر للبليغ المصقع في سبيل مماتنة المنقطع المفحم للشاعر المفلق وأحدهما ألوم من صاحبة والالسنة اليه أسرع وليس اللجلاج والتمتام الالثغ والفأفاء وذو الحبسة والحكلة والرتة وذو اللفف والعجلة في سبيل الحصر في خطبته والعي في مناضلة خصومه كما ان سبيل المفحم عند الشعراء والبكىء عند الخطباء خلاف سبيل المسهب الثرثار والخطل المكثار
ثم اعلم ابقاك الله ان صاحب التشديق والتقعير والتقعيب من الخطباء والبلغاء مع سماحة التكلف وشنعة التزيد أعذر من عي يتكلف الخطابة ومن حصر يتعرض لاهل الاعتياد والدربة ومدار اللائمة ومستقر المذمة حيث رأيت بلاغة يخالطها التكلف وبيانا يمازحه التزيد الا ان تعاطي الحصر المنقوص مقام الدرب التام اقبح من تعاطي البليغ الخطيب ومن تشادق الاعرابي القح وانتحال المعروف ببعض الغزارة في المعاني والالفاظ وفي التحبير والارتجال انه البحر الذي لا ينزح والغمر الذي لا يسبر أيسر من انتحال الحصر المنخوب أنه في مسلاخ التام الموفر والجامع المحكك وان كان رسول الله قد قال ( أياي والتشادق ) وقال ( أبغضكم الي الثرثارون المتفيهقون ) وقال ( من بدا جفا ) وعاب الفدادين والمتزيدين في جهارة الصوت وانتحال سعة الاشداق ورحب الغلاصم وهدل الشفاه وأعلمنا ان ذلك في أهل الوبر أكثر وفي اهل المدر أقل فاذا عاب المدري بأكثر مما عاب به الوبري فما ظنك بالمولد القروي والمتكلف البلدي فالحصر المتكلف والعي المتزيد ألوم
من البليغ المتكلف لاكثر مما عنده وهو أعذر لان الشبهة الداخلة عليه اقوى فمن أسوأ حالا أبقاك الله ممن يكون ألوم من المتشدقين ومن الثرثارين المتفيهقين وممن ذكره النبي نصا وجعل النهي عن مذهبه مفسرا وذكر مقته له وبغضه اياه
ولما علم واصل بن عطاء انه ألثغ فاحش اللثغ وأن مخرج ذلك منه شنيع وأنه اذ كان داعية مقالة ورئيس نحلة وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل وأنه لابد من مقارعة الابطال ومن الخطب الطوال وان البيان يحتاج الى تمييز وسياسة والى ترتيب ورياضة والى تمام الالة وإحكام الصنعة والى سهولة المخرج وجهارة المنطق وتكميل الحروف واقامة الوزن وان حاجة المنطق الى الطلاوة والحلاوة كحاجته الى الجلالة والفخامة وان ذلك من اكبر ما تستمال به القلوب وتنثني اليه الاعناق وتزين به المعاني
وعلم واصل انه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان المتمكن والقوة المتصرفة كنحو ما أعطى الله نبيه موسى صلوات الله عليه من التوفيق والتسديد مع لباس التقوى وطابع النبوة ومع المحبة والاتساع في المعرفة ومع هدي النبيين وسمت المرسلين وما يغشيهم الله به من القبول والمهابة ولذلك قال بعض شعراء النبي
( لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك بالخبر )
ومع ما أعطى الله موسى عليه السلام من الحجة البالغة ومن العلامات الظاهرة والبرهانات الواضحة الى ان حل الله تلك العقدة ورفع تلك الحبسة وأسقط تلك المحنة ومن اجل الحاجة الى حسن البيان وإعطاء الحروف حقوقها من الفصاحة رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف منطقة فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه ويناضله ويساجله ويتأنى لستره والراحة من هجنته حتى انتظم له ما حاول واتسق له ما أمل ولولا استفاضة هذا الخبر وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلا ولظرافته معلما لما استجزنا الاقرار به والتأكيد له ولست اعني خطبه المحفوظة ورسائله المخلدة لان ذلك يحتمل الصنعة وإنما عنيت محاجة الخصوم ومناقلة الاكفاء ومفاوضة الاخوان
واللثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء والغين أقلها قبحا وأوجدها في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم
وكانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين فاذا حمل على نفسه وقوم لسانه أخرج الراء وقد ذكر ذلك أبو الطروق الضبي فقال
( عليم بابدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يقلب الحق باطله )
وكان واصل بن عطاء قبيح اللثغة شنيعها وكان طويل العنق جدا وفيه قال بشار الاعمى
( مالي أشايع غزالا له عنق ... كنقنق الدو إن ولى وان مثلا )
( عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... أتكفرون رجالا أكفروا رجلا )
فلما هجا واصلا وصوب رأي إبليس في تقديم النار على الطين وقال
( الارض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار )
وكان واصل بن عطاء غزالا وزعم ان جميع المسلمين كفروا بعد وفاة رسول الله فقيل له وعلي أيضا فأنشد
( وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذى لا تصحبينا )
قال واصل بن عطاء عند ذلك أما لهذا الملحد الاعمى المشنف المتكنى بأبي معاذ من يقتله أما والله لولا ان الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت اليه من يبعج بطنه على مضجعه ويقتله في جوف منزله وفي يوم حفله ثم كان لا يتولى ذلك منه إلى عقيلي او سدوسي
قال اسمعيل بن محمد الانصاري وعبد الكريم بن روح الغفاري قال أبو حفص عمر بن أبي عثمان الشمري الا تريان كيف تجنب الراء في كلامه هذا وأنتما للذي تريان من سلامته وقلة ظهور التكلف فيه لا تظنان به التكلف مع امتناعه من حرف كثير الدوران في الكلام ألا تريان انه حين لم يستطع ان يقول بشار وابن برد والمرعث جعل المشنف بدلا من المرعث والملحد بدلا من الكافر وقال إن الغيلة سجية من سجايا الغالية ولم يذكر المنصورية ولا المغيرية لمكان الراء وقال لبعثت اليه من يبعج بطنه ولم يقل لأرسلت اليه وقال على مضجعه ولم يقل على فراشه
وكان اذا أراد ان يذكر البر قال القمح والحنطة والحنطة لغة كوفية
والقمح لغة شامية هذا وهو يعلم أن لغة من قال بر أفصح من قال قمح او حنطة
قال المتنخل الهذلي
( لا در دري ان أطعمت نازلهم ... قرف الحني وعندي البر مكنون )
وقال أمية بن أبي الصلت في مديح عبد الله بن جدعان
( له داع بمكة مشمعل ... واخر فوق دارته ينادي )
( الى ردح من الشيزى عليها ... لباب البر يلبك بالشهاد )
وقال بعض القرشيين يذكر قيس بن معد يكرب ومقدمه مكة في كلمة له
( قيس أبو الاشعث بطريق اليمن ... لا يسأل السائل عنه ابن من )
( أشبع آل الله من بر عدن ... )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أترون اني لا اعرف رقيق العيش لباب البر بصغار المعزى وسمع الحسن رجلا يعيب الفالوذق فقال لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما عاب هذا مسلم وقالت عائشة رضي الله عنها ما شبع رسول الله من هذه البرة السمراء حتى فارق الدنيا
وأهل الامصار انما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب ولذلك تجد الاختلاف في ألفاظ أهل الكوفة والبصرة والشام ومصر
حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال قال أهل مكة لمحمد بن المناذر الشاعر ليست لكم معاشر اهل البصرة لغة فصيحة انما الفصاحة لنا أهل مكة فقال ابن المناذر أما ألفاظنا فأحكى الالفاظ للقران وأكثرها له موافقه فضعوا القران بعد هذا حيث شئتم أنتم تسمون القدر برمة وتجمعون البرمة على برام ونحن نقول قدر ونجمعها على قدور وقال الله عز و جل ( وجفان كالجواب وقدور راسيات ) وأنتم تسمون البيت اذا كان فوق البيت علية وتجمعون هذا الاسم على علالي ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غرفات وغرف وقال الله تبارك وتعالى ( غرف من فوقها غرف مبنية ) وقال ( وهم في الغرفات امنون ) وأنتم تسمون الطلع الكافور والاغريض ونحن نسميه الطلع وقال الله عز و جل ( ونخل طلعها هضيم ) فعد عشر كلمات لم أحفظ أنا منها الا هذا
الا ترى ان أهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر علقوا
بألفاظ من ألفاظهم ولذلك يسمون البطيخ الخربز ويسمون السميط الروذق ويسمون المصوص المزوز ويسمون الشطرنج الاشترنج الى غير ذلك من الاسماء
وكذا أهل الكوفة فانهم يسمون المسحاة بال وبال بالفارسية ولو علق ذلك لغة اهل البصرة - اذ نزلوا بأدنى بلاد فارس وأقصى بلاد العرب - كان ذلك أشبه اذ كان اهل الكوفة قد نزلوا بأدنى بلاط النبط وأقصى بلاد العرب ويسمي أهل الكوفة الحوك باذروج والباذروج بالفارسية والحوك كلمة عربية
وأهل البصرة إذا التقت أربع طرق يسمونها مربعة ويسميها أهل الكوفة الجهار سو والجهار سو بالفارسية ويسمون السوق أو السويقة وازار والوازار بالفارسية ويسمون القثاء خيارا والخيار فارسية ويسمون المجذوم ويذي بالفارسية
وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها ألا ترى ان الله تبارك وتعالى لم يذكر في القران الجوع إلا في موضع العقاب او في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة وكذلك ذكر المطر لانك لا تجد القرآن يلفظ به الا في موضع الانتقام والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث ولفظ القرآن الذي عليه نزل انه اذا ذكر الابصار لم يقل الاسماع واذا ذكر سبع سموات لم يقل الارضين الا تراه لا يجمع الارض أرضين ولا السمع أسماعا والجاري على أفواه العامة غير ذلك لا يتفقدون من الالفاظ ما هو أحق بالذكر وأولى بالاستعمال وقد زعم بعض القراء انه لم يجد ذكر لفظ النكاح في القرآن إلا في موضع التزويج
والعامة ربما استخفت أقل اللغتين وأضعفهما وتستعمل ما هو أقل في أصل اللغة استعمالا وتدع ما هو اظهر واكثر ولذلك صرنا نجد البيت من الشعر قد سار ولم يسر ما هو أجود منه وكذلك المثل السائر وقد يبلغ الفارس والجواد الغاية في الشهرة ولا يرزق ذلك الذكر والتنويه بعض من هو أولى بذلك منه ألا ترى ان العامة ابن القرية أشهر عندها في الخطابة من سحبان وائل وعبيد الله ابن الحر أذكر عندهم في الفروسية من زهير بن ذؤيب وكذلك مذهبهم في
عنترة بن شداد وعتيبة بن الحارث بن شهاب وهم يضربون المثل بعمرو بن معد يكرب ولا يعرفون بسطام بن قيس
وفي القران معان لا تكاد تفترق مثل الصلاة والزكاة والجوع والخوف والجنة والنار والرغبة والرهبة والمهاجرين والانصار والجن والانس
قال قطرب أنشدني ضرار بن عمرو قول الشاعر في واصل
( ويجعل البر قمحا في تصرفه ... وجانب الراء حتى احتال للشعر )
( ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاد بالغيث اشفاقا من المطر )
قال وسألت عثمان البري كيف كان واصل يصنع في العدد وكيف كان يصنع بعشرة وعشرين وأربعين وكيف كان يصنع بالقمر والبدر ويوم الاربعاء وشهر رمضان وكيف كان يصنع بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الآخرة ورجب فقال مالي فيه قول الا ما قال صفوان
( ملقن ملهمم فيما يحاوله ... جم خواطره جواب آفاق )
وأنشدني ديسم قال أنشدني ابو محمد اليزيدي
( وخلة اللفظ في اليا آت إن فقدت ... كخلة اللفظ اللامات والألف )
( وخصلة الراء فيها غير خافية ... فاعرف مواقعها في القول والصحف )
يزعم ان هذه الحروف اكثر تردادا من غيرها والحاجة اليها أشد واعتبر ذلك بأن تأخذ عدة رسائل وعدة خطب من جملة خطب الناس ورسائلهم فانك متى حصلت جميع حروفها وعددت كل شكل على حدة علمت ان هذه الحروف الحاجة اليها أشد
ذكر ما جاء في تلقيب واصل بالغزال ومن نفي ذلك عنه
قال ابو عثمان فمن ذلك ما أخبرنا به الاصمعي قال أنشدني المعتمر بن سليمان لاسحق بن سويد العدوي
( برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب )
( ومن قوم اذا ذكروا عليا ... يردون السلام على السحاب )
( ولكني أحب بكل قلبي ... وأعلم أن ذاك من الصواب )
( رسول الله والصديق حبا ... به أرجو غدا حسن الماب )
وفي ذلك قال بشار
( مالي أشايع غزالا له عنق ... كنقيق الدو إن ولى وإن مثلا )
ومن ذلك قول معدان السميطى
( يوم تشفى النفوس من يعصر اللؤم ... م ويثنى بسامة الرحال )
( وعدي وتيمها وثقيف ... وأمي وتغلب وهلال )
( لا حرور ولا النوائب تنجو ... لا ولا صحب واصل الغزال )
وكان بشار كثير المديح لواصل بن عطاء قبل ان يدين بالرجعة ويكفر جميع الامة وكان قد قال في تفضيله على خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة والفضل ابن عيسى يوم خطبوا عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والي العراق
( أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ... من خطبة بدهت من غير تقدير )
( وإن قولا يروق الخالدين معا ... لمسكت مخرس عن كل تجبير )
لأنه كان مع ارتجاله الخطبة التي نزع منها الراء كانت مع ذلك أطول من خطبهم وقال بشار
( تكلفوا القول والاقوام قد حفلوا ... وحبروا خطبا ناهيك من خطب )
( فقام مرتجلا تغلي بداهته ... كمرجل القين لما حف باللهب )
( وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراق في الطلب )
وقال في كلمة له يعني تلك الخطبة
( فهذا بديه لا كتحبير قائل ... اذا ما أراد القول زوره شهرا )
فلما انقلب عليهم بشار ومقاتله لهم بادية هجوه ونفوه فما زال غائبا حتى مات عمرو بن عبيد وقال صفوان الانصاري
( متى كان غزال له يا ابن حوشب ... غلام كعمرو او كعيسى بن حاضر )
( أما كان عثمان الطويل بن خالد ... أو القرم حفص نهية للمخاطر )
( له خلف شعب الصين في كل ثغرة ... الى سوسها الاقصى وخلف البرابر )
( رجال دعاة لا يفل عزيمهم ... تهكم جبار ولا كيد ماكر )
( إذا قال مروا في الشتاء تطاوعوا ... وإن كان صيفا لم يخف شهر ناجر )
( بهجرة أوطان وبذل وكلفة ... وشدة أخطار وكد المسافر )
( فأنجح مسعاهم وأثقب زندهم ... وأورى بفلج للمخاصم قاهر )
( وأوتاد أرض الله في كل بلدة ... وموضع فتياها وعلم التشاجر )
( وما كان سحبان يشق غبارهم ... ولا الشدق من حيي هلال بن عامر )
( ولا الناطق النخار والشيخ دغفل ... إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر )
( ولا القالة الأعلون رهط مكحل ... اذا نطقوا في الصلح بين العشائر )
( بجمع من الجفين راض وساخط ... وقد زحفت براؤهم للمحاضر )
( تلقب بالغزال واحد عصره ... فمن لليتامى والقبيل المكاثر )
( ومن لحرري وآخر رافض ... وآخر مرجي وآخر حائر )
( وأمر بمعروف وانكار منكر ... وتحصين دين الله من كل كافر )
( يصيبون فصل القول في كل منطق ... كما طبقت في العظم مدية جازر )
( تراهم كأن الطير فوق رؤوسهم ... على عمة معروفة في المعاشر )
( وسيماهم معروفة في وجوههم ... وفي المشي حجاجا وفوق الاباعر )
( وفي ركعة تأتي على الليل كله ... وظاهر قول في مثال الضمائر )
( وفي قص هداب وإحفاء شارب
وكور على شيب يضيء لناظر )
( وعنفقه مصلومة ولنعله ... قبالان في ردن رحيب الخواطر )
( فتلك علامات تحيط بوصفهم ... وليس جهول القوم في جرم خابر )
وفي واصل يقول صفوان
( فما مس دينارا ولا صر درهما ... ولا عرف الثوب الذي هو قاطعة )
وفيه يقول اسباط بن واصل الشيباني
( وأشهد ان الله سماك واصلا ... وأنك ميمون النقيبة والشيم )
ولما قام بشار يعذر ابليس في ان النار خير من الارض وذكر واصلا بما ذكره قال صفوان
( زعمت بأن النار أكرم عنصرا ... وفي الارض تحيا بالحجارة والزند )
( ويخلق في أرحامها وأرومها ... أعاجيب لا تحصى بخط ولا عقد )
( وفي القعر من لج البحار منافع ... من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد )
( كذلك سر الارض في البحر كله ... وفي الغيضة الغناء والجبل الصلد )
( ولا بد من أرض لكل مطهر ... وكل سبوح في الغمائر من جد )
( كذاك وما ينساح في الارض ماشيا ... على بطنه مشي المجانب للقصد )
( ويسري على جلد يقيم حزوزه ... تعمج ماء السيل في صبب حرد )
( وفي قلل الاجبال خلف مقطم ... زبرجد أملاك الورى ساعة الحشد )
( وفي الحرة الرجلاء تلقى معادنا ... لهن مغارات تبجس بالنقد )
( من الذهب الإبريز والفضة التي ... تروق وتصبي ذا القناعة والزهد )
( وكل فلز من نحاس وآنك ... ومن زئبق حي ونوشادر يسدي )
( وفيها زرانيخ ومكر ومرتك ... ومن مرقشيشا غير كاب ولا مكدي )
( وفيها ضروب القار والشب والنهى ... وأصناف كبريت مطاولة الوقد )
( ترى العرق منها في المقاطع لائحا ... كما قدت الحسناء حاشية البرد )
( ومن إثمد جون وكلس وفضة ... ومن توتياء في معادنه هندي )
( وفي كل أغوار البلاد معادن ... وفي ظاهر البيداء من مستوى نجد )
( وكل يواقيت الانام وحليها ... من الارض والاحجار فاخرة المجد )
( وفيها مقام الخل والركن والصفا ... ومستلم الحجاج من جنة الخلد )
( وفي صخرة الخضر التي عند حوتها ... وفي الحجر المهمى لموسىعلىعمد )
( وفي الصخرة الصماء تصدع آية ... لأم فصيل ذي رغاء وذي وجد )
( مفاخر للطين الذى كان أصلنا ... ونحن بنوه غير شك ولا جحد )
( فذلك تدبير ونفع وحكمة ... وأوضح برهان على الواحد الفرد )
( أتجعل عمرا والنطاسي واصلا ... كأتباع ديصان وهم قمش المد )
( وتفخر بالميلاد والعلج عاصم ... وتضحك من جيد الرئيس أبي جعد )
( وتحكي لدى الأقوام شنعة رأيه ... لتصرف أهواء النفوس الى الرد )
وسميته الغزال في الشعر مطنبا ومولاك عند الظلم قصته مردى
يقول ان مولاك ملاح لان الملاحين اذا تظلموا رفعوا المرادى
( فيا ابن حليف الطين واللؤم والعمى ... وأبعد خلق الله من طرق الرشد )
( أتهجوا أبا بكر وتخلع بعده ... عليا وتعزو كل ذاك الى برد )
( كأنك غضبان على الدين كله ... وطالب ذحل لا يبيت على حقد )
( رجعت الىالامصار من بعد واصل ... وكنت شريدا في التهائم والنجد )
( أتجعل ليلى الناعطية نحلة ... وكل عريق في التناسخ والرد )
( عليك بدعد والصدوف وفرتني ... وحاضنتي كسف وزاملتي هند )
( تواثب أقمارا وأنت مشوة ... وأقرب خلق الله من شبه القرد )
ولذلك قال فيه حماد عجرد بعد ذلك
( ويا أقبح من قرد ... اذا ما عمى القرد )
ويقال انه لم يجزع من شيء قط جزعه من هذا البيت وذكره الشاعر وذكر أخويه لامه فقال
( لقد ولدت أم الأكيمة أعرجا ... واخر مقطوع القفا ناقص العضد )
وكانوا ثلاثة مختلفي الاباء والأم واحدة وكلهم ولد زمنا ولذلك قال بعض من يهجوه
( اذا دعاه الخال أقعى ونكص ... وهجنة الإقراف فيه بالخصص )
وقال الشاعر
( لا تشهدن بخارجي مطرف ... حتى ترى من نجله أفراسا )
وقال صفوان الانصاري في بشار وأخويه وكان يخاطب أمهم
( ولدت خلدا وذيخا في تشتمه ... وبعده خزرا يشتد في العضد )
( ثلاثة من ثلاث فرقوا فرقا ... فاعرف بذلك عرق الخال من ولد )
وقال بعد ذلك سليمان الاعمى أخو مسلم بن الوليد الانصاري الشاعر في اعتذار بشار لابليس وهو يخبر عن كرم خصال الارض
( لابد للأرض ان طابت وان خبثت ... من ان تحيل اليها كل مغروس )
( وتربة الأرض ان جيدت وان قحطت ... فحملها أبدا في إثر منفوس )
( وبطنها بفلز الارض ذو خبر ... بكل جوهرة في الارض مرموس )
( وكل آنية عمت مرافقها ... وكل منتقد فيها وملبوس )
( وكل ماعونها كالملح مرفقة ... وكلها مضحك من قول ابليس )
وقال بعض خلفاء بغداد
( عجبت من ابليس في كبره ... وخبث ما أبداه من نيته )
( تاه على ادم في سجدة ... وصار قوادا لذريته )
وذكره بهذا المعنى سليمان أخو مسلم الانصاري فقال
( يأبى السجود له من فرط نخوته ... وقد تحول في مسلاخ قواد )
وقال صفوان في شأن واصل وبشار وفي شأن النار والطين في كلمة له
( وفي جوفها للعبد أستر منزل ... وفي ظهرها يقضي فرائضه العبد )
( تمج لفاظ الملح مجا وتصطفي ... سبائك لا تصدى وان قدم العهد )
( وليس بمحص كنه ما في بطونها ... حساب ولا خط و ان بلغ الجهد )
( فسائل بعبد الله في يوم حفله ... وذاك مقام لا يشاهده وغد )
( أقام شبيبا وابن صفوان قبله ... بقول خطيب لا يجانبه القصد )
( وقام ابن عيسى ثم قفاه واصل ... فأبدع قولا ما له في الورى ند )
( فما نقصته الراء اذ كان قادرا ... على تركها واللفظ مطرد سرد )
( ففضل عبد الله خطبة واصل ... وضوعف في قسم الصلات له الشكد )
( فأقنع كل القوم شكر حبائهم ... وقلل ذاك الضعف في عينه الزهد ) وقد كتبنا احتجاج من زعم ان واصل بن عطاء كان غزالا واحتجاج من دفع ذلك عنه ويزعم هؤلاء أن قول الناس واصل الغزال كما يقال خالد الحذاء وكما يقولون هشام الدستواني وانما قيل ذلك لان الاباضية كانت تبعث اليه من صدقاتها بثياب دستوانية فكان يكسوها الاعراب الذين يكونون بالحباب فأجابوه الى وقول الاباضية وكانوا قبل ذلك لا يزوجون الهجناء فأجابوه الى التسوية وزوجوا هجينا فقال الهجين في ذلك
( إنا وجدنا دستوانينا ... الصائمين المتبعدينا )
( أفضل منكم حسبا ودينا ... أخزى الاله المتكبرينا )
( أفيكم من ينكح الهجينا ... )
وإنما قيل ذلك لواصل لكثرة جلوسه في سوق الغزالين الى أبي عبد الله مولى قطن الهلالي وكذلك كانت حال خالد الحذاء الفقيه وكما قالوا أبو مسعود البدري لانه كان نازلا على ذلك الماء وكما قالوا أبو مالك السدي لانه كان يبيع الخمر في سدة المسجد
وهذا الباب مستقصى في كتاب الاسماء والكنى وقد ذكرنا جملة منه في أنباء السرارى والمهيرات
قال أبو عثمان
ذكر الحروف التي تدخلها اللثغة وما يحضرني منها
وهي أربعة أحرف القاف والسين واللام والراء فأما التي هي على الشين المعجمة فذلك شيء لا يصورة الخط لانه ليس من الحروف المعروفة
وانما هو مخرج من المخارج والمخارج لا تحصى ولايوقف عليها وكذلك القول في حروف كثيرة من حروف لغات العجم وليس ذلك في شيء اكثر منها في لغة الخوز وفي سواحل البحر من أسياف فارس ناس كثير كلامهم شبيه بالصفير فمن يستطيع ان يصور كثيرا من حروف الزمزمة وهي الحروف التي تظهر من فم المجوسي اذا ترك الافصاح عن معانيه واخذ في باب الكناية وهو على الطعام
فاللثغة التي تعرض للسين تكون ثاء كقوله لابي يكسوم أبي يكثوم وكما يقولون بثرة اذا أرادوا بسرة وباثم الله إذا أرادوا بسم الله
والثانية اللثغة التي تعرض للقاف فان صاحبها يجعل القاف طاء فاذا اراد أن يقول قلت له قال طلت له وأراد أن يقول قال لي قال طال لي
وأما اللثغة التي تقع في اللام فان من أهلها من يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله اعتللت اعتييت وبدل جمل جمي وآخرون يجعلون اللام كافا كالذي عرض لعمر أخى هلال فانه كان اذا اراد ان يقول ما العلة في هذا قال ما اكعكة في هذا
فاما اللثغة التي تقع في الراء فان عددها يضعف على عدد لثغة اللام لان الذي يعرض لها أربعة أحرف فمنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمي فيجعل الراء ياء ومنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمغ فيجعل الراء غينا ومنهم من اذا أراد ان يقول عمرو قال عمذ فيجعل الراء ذالا واذا أنشد قول الشاعر
( وأستبدت مرة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد )
قال
( واستبدت مذة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد )
فمن هؤلاء علي بن جنيد بن فريدى
ومنهم من يجعل الراء ظاء معجمة فيقول اذا أنشد هذا البيت
( واستبدت مرة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
قال
( واستبدت مظة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
ومنهم من يجعل الراء غينا معجمة فاذا اراد ان ينشد هذا البيت
( واستبدت مرة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
قال
( واستبدت مغة واحدة ... انما العاجز من لا يستبد )
كما أن الذي لثغته بالياء اذا اراد ان يقول واستبدت مرة واحدة قال واستبدت مية واحدى
وأما اللثغة الخامسة التي كانت تعرض لواصل بن عطاء وسليمان بن يزيد العدوي الشاعر فليس الى تصويرها سبيل وكذلك اللثغة التي تعرض في الشين كنحو ما كان لمحمد بن الحجاج كاتب داود بن محمد كاتب أم جعفر فان تلك ايضا ليس لها صورة في الخط ترى بالعين وانما يصورها اللسان وتتأدى الى السمع وربما اجتمعت في الواحد لثغتان في حرفين كنحو لثغة شوشي صاحب عبد الله بن خالد الاموي فانه كان يجعل اللام ياء والراء ياء قال مرة موياي ويي ايي يريد مولاي ولي الري
واللثغة في الراء اذا كانت بالياء فهي أحقرهن وأوضعهن لذي المروءة ثم التي على الظاء ثم التي على الذال فأما التي على الغين فهي أيسرهن ويقال ان صاحبها لو جهد نفسه جهده وأخذ لسانه وتكلف مخرج الراء على حقها والافصاح بها لم يكن بعيدا من ان تجيبه الطبيعة ويؤثر فيها ذلك التعهد أثرا حسنا وقد كانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين وكان اذا شاء ان يقول عمر ولعمري وما أشبه ذلك على الصحة قاله ولكنه كان يستثقل التكلف والتهيؤ لذلك فقلت له اذا لم يكن المانع إلا هذا العذر فلست أشك أنك لو احتملت هذا التكلف والتتبع شهرا واحدا ان لسانك كان يستقيم
أما من يعتريه اللثغ في الضاد ربما اعتراه أيضا في الصاد والراء حتى اذا أراد ان يقول مضر قال مضى فهذا وأشباهه لاحقون بشوشي
وزعم ناس من العوام أن موسى صلوات الله وسلامه عليه كان ألثغ ولم يقفوا من الحروف التي كانت تعرض له في شيء بعينه فمنهم من جعل ذلك خلقة ومنهم من زعم أنه انما اعتراه حين قالت اسية بنت مراحم امرأة فرعون لفرعون لا تقتل طفلا لا يفرق الجمر من التمر فلما دعا له فرعون بهما جميعا تناول جمرة فأهوى بها الى فيه فاعتراه من ذلك ما اعتراه
وأما اللثغة في الراء فتكون في الياء والذال والغين وهي اقلها قبحا
وأوجدها في ذي الشرف وكبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم وكانت لثغة محمد بن شبيب المتكلم بالغين فاذا حمل على نفسه وقوم لسانه اخرج الراء على الصحة فتأتى له ذلك وكان يدع ذلك استثقالا أنا سمعت ذلك منه قال وكان الواقدي يروي عن بعض رجاله ان لسان موسى عليه السلام كانت عليه شامة فيها شعرات وليس يدل القران على شيء مما قالوا لانه ليس في قوله ( واحلل عقدة من لساني ) دليل على شيء دون شيء
قال الاصمعي اذا تتعتع اللسان في التاء فهو تمتام واذا تتعتع في الفاء فهو فأفاء وانشد لرؤبة بن العاج
( ياحمد ذاك المنطق التمتام ... كأن وسواسك في اللمام )
( حديث شيطان بني همام ... )
وبعضهم ينشد يا حمد ذات المنطق النمنام وليس ذاك بشيء وانما ذلك كما قاله ابو الزحف
( لست بفأفاء ولا تمتام ... ولا كثير الهجر في المنام )
وانشد أيضا للخولاني في كلمة له
( إن السياط تركن لاستك منطقا ... كمقالة التمتام ليس بمعرب )
فجعل الخولاني التمتام غير معرب عن معناه ولا مفصح بحاجته
وقال أبو عبيدة اذا أدخل الرجل بعض كلامه في بعض فهو ألف وقيل بلسانه لفف وأنشدني لابي الزحف الراجز
( كأن فيه لففا اذا نطق ... من طول تحبيس وهم وأرق )
كأنه لما جلس وحده ولم يكن له من يسلمه وطال عليه ذلك أصابه لفف في لسانه وكان يزيد بن جابر قاضي الازارقة بعد المقعطل يقال له الصموت لانه لما طال صمته ثقل عليه الكلام فكان لسانه يلتوي ولا يكاد يبين وأخبرني محمد بن الجهم أن مثل هذا اعتراه أيام محاربة الزط من طول التفكر ولزوم الصمت قال وأنشدني الاصمعي
( حديث بني زط اذا ما لقيتهم ... كنزو الدبى في العرفج المتقارب )
قال ذلك حين كان في كلامهم عجلة وقال سلمة بن عياش
( كأن بني رالان اذا جاء جمعهم ... فراريج يلقى بينهن سويق )
فقال ذلك لرقة أصواتهم وعجلة كلامهم وقال اللهبي في اللجلاج
( ليس خطيب القوم باللجلاج ... ولا الذي يزحل كالهلباج )
( ورب بيداء وليل داج ... هتكته بالنص والإدلاج )
وقال محمد بن سلام الجمحي كان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد ويقال في لسانه حبسة اذا كان الكلام يثقل عليه ولم يبلغ حد الفأفاء والتمتام ويقال في لسانه لكنة اذا أدخل بعض حروف العجم في حروف العرب وجذبت لسانه العادة الاولى الىالمخرج الاول فاذا قالوا في لسانه حكله فانما يذهبون الى نقصان الة المنطق وعجز أداة اللفظ حتى لا تعرف معانيه الا بالاستدلال و
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow