Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب : البيان والتبيين المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ج7

خاص ألف

2017-06-10


باب من القول في القوافي الظاهرة واللفظ الموجز
من ملتقطات كلام النساك

قال بعض الناس من التوقي ترك الافراط في التوقي وقال بعضهم اذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون
وقال الشاعر
( قدر الله وارد ... حين يقضى وروده )
( فأرد ما يكون إن ... لم يكن ما تريده )
وقيل لأعرابي في شكاته كيف تجدك قال أجد ما لا أشتهي وأشتهي ما لا أجد وأنا في زمان من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد وقال بعض النساك أنا لما لا أرجو أرجى مني لما أرجو وقال بعضهم أعجب من العجب ترك التعجب من العجب وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لعبد بني مخزوم أني أخاف الله فيما تقلدت قال لست أخاف عليك ان تخاف وإنما أخاف عليك أن لا تخاف وقال الاحنف لمعاوية أخافك إن صدقتك وأخاف الله إن كذبتك وقال رجل من النساك لصاحب له وهو يجود بنفسه اما ذنوبي فاني أرجو لها مغفرة الله ولكني اخاف على بناتي الضيعة فقال له صاحبه فالذي ترجوه لمغفرة ذنوبك فارجه لحفظ بناتك وقال رجل من النساك لصاحب له مالي أراك حزينا قال كان عندي يتيم أربيه لأوجر فيه فمات فانقطع عنا أجره إذ بطل قيامنا بمؤونته فقال له صاحبه فاجتلب يتيما اخر يقوم لك مقام الاول قال أخاف ان لا أصيب يتيما في سوء خلقه قال له صاحبه اما انا فلو كنت في موضعك معه لا ذكرت سوء خلقه وقال اخر وسمعه ابو هريرة النحوي وهو يقول ما يمنعني من تعلم القران الا اني أخاف ان أضيعه قال اما انت فقد عجلت له التضييع ولعلك اذا تعلمته لم تضيعه وقال عمر ابن عبد العزيز لرجل من سيد قومك قال انا قال لوكنت كذلك لم تقل
باب آخر
في حسن البيان
وقالوا في حسن البيان وفي التخلص من الخصم بالحق والباطل وفي تخليص الحق من الباطل وفي الاقرار بالحق وفي ترك الفخر بالباطل
قال اعرابي وذكر حماس بن ثامل
( برئت الى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل )
( وظني به بين السماطين أنه ... سينجو بحق او سينجو بباطل )
وقال العجير السلولي
( وإن ابن زيد لا بن عمي وإنه ... لبلال أيدي جلة الشول بالدم )
( طلوع الثنايا بالمطايا وإنه ... غداة المرادى للخطيب المقدم )
( يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ... ويكفيك ما حملته حين تغرم )
وقال ابن ربع الهذلي
( أعيني ألا فابكي رقيبة انه ... وصول لأرحام ومعطاء لسائل )
( فأقسم لو أدركته لحميته ... وان كان لم يترك مقالا لقائل )
وقال بعض اليهود وهو الربيع بن أبي الحقيق من بني النضير وبعثه رسول الله الى خيبر فقتلوه
( سائل بنا خابر أكفائنا ... والعلم قد يلفى لدى السائل )
( إنا اذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السامع للقائل )
( واصطرع الناس بألبابهم ... نقضي بحكم عادل فاصل )
( لا نجعل الباطل حقا ولا ... نلط دون الحق بالباطل )
( نكره أن تسفه احلامنا ... فنخمل الدهر مع الخامل )
وقال الاخر وذكر حماسا ايضا
( أتاني حماس بابن ما هي يسوقه ... ليبغيه خيرا وليس بفاعل )
( ليعطي عبسا مالنا وصدورنا ... من الغيظ تغلي مثل غلي المراجل )
( وقافية قيلت لكم لم أجد لها ... جوابا اذا لم تضربوا بالمناصل )
( فأنطق في حق بحق ولم يكن ... ليرحض عنكم قالة الخزي باطلي )
وقال عمرو بن معد يكرب
( فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت )
وقال ابو عبيدة صاح رؤبة في بعض الحروب التي كانت بين تميم والازد يا معشر بني تميم أطلقوا من لساني قال أبصر رجلا منهم قد طعن فارسا طعنة فصاح لاعيا ولا شللا والعرب تقول عي أبأس من شلل كأن العي فوق كل زمانه وقالت الجهضمية
( ألا هلك الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عنده علم وحلم ونائل )
( وذوخطب يوما اذا القوم افحموا ... تصيب مرادي قوله ما يحاول )
( بصير بعورات الكلام اذا التقى ... شريجان بين القوم حق وباطل )
( أتي لما يأتي الكريم بسيفه ... وان أسلمته جنده والقبائل )
( وليس بمعطاء الظلامة عن يد ... ولا دون أعلى سورة المجد قابل )
وأنشد ابو عبيدة في الخطيب يطول كلامه ويكون ذكورا لأول خطبته وللذي بنى عليه أمره وان شغب شاغب فقطع عليه كلامه او حدث عند ذلك حدث يحتاج فيه الى تدبير اخر وصل الثاني من كلامه بالاول حتى لا يكون أحد كلاميه أجود من الآخر
( فان أحدثوا شغبا يقطع نظمها ... فانك وصال لما قطع الشغب )
( ولو كنت نساجا سدوت خطابها ... بقول كطعم الشهد بالبارد العذب )
وقال نصيب
( وما بذلت ابتذال الثوب ودكم ... وعائد خلقا ما كان يبتذل )
( وعلمك الشيء تهوى ان تبينه ... أشفى بقلبك من أخبار من تسل )
وقال الاخر
( لعمرك ماود اللسان بنافع ... اذا لم يكن أصل المودة في الصدر )
وقال الآخر
( تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل )
( وان كبير القوم لا علم عنده ... صغير اذا التفت عليه المحافل )
وقال الآخر
( فتى مثل صفو الماء ليس بباخل ... عليك ولا مهد ملاما لباخل )
( ولا قائل عوراء تؤذي رفيقه ... ولا رافع رأسا بعوراء قائل )
( ولا مسلم مولى لأمر يصيبه ... ولا خالط حقا مصيبا بباطل )
( ولا رافع أحدوثة السوء معجبا ... بها بين أيدي المجلس المتقابل )
( ترى أهله في نعمة وهو شاحب ... طوي البطن مخماص الضحى والاصائل )
وقالت أخت يزيد بن الطثرية
( أرى الأثل من بطن العقيق مجاوري ... قريبا وقد غالت يزيد غوائله )
( فتى قد قد السيف لا متضائل ... ولا رهل لباته وبآدله )
( فتى لا يرى خرق القميص بخصره ... ولكنما توهي القميص كواهله )
( اذا نزل الاضياف كان عذورا ... على الحي حتى تستقل مراجله )
( مضى فورثناه دريس مفاضه ... وأبيض هنديا طويلا حمائلة )
( يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكل الذي حملته فهو حامله )
( أخو الجد ان جد الرجال وشمروا ... وذو باطل ان شئت ألهاك باطله )
باب شعر وغير ذلك من الكلام مما يدخل في باب الخطب
قال الشاعر
( عجبت لأقوام يعيبون خطبتي ... وما منهم في موقف بخطيب )
وقال الآخر
( ان الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا )
( لا يعجبنك من خطيب قوله ... حتى يكون مع اللسان أصيلا )
وأنشد الاخر
( أبر فما يزداد إلا حماقة ... ونوكا وإن كانت كثيرا مخارجه )
قد يكون رديء العقل جيد اللسان
وكان ابو العباس الاعمى يقول
( اذا وصف الاسلام أحسن وصفه ... بفيه ويأبى قلبه ويهاجره )
( وان قام قال الحق ما دام قائما ... تقي اللسان كافر بعد سائره )
يقول انه يتيه عن قوله ويأباه ويهجره ويقول الحق على منبره بلسانه وسائره كافر
وقال قيس بن عاصم المنقري يذكر ما في بني منقر من الخطابة
( إني امرؤ لا يعتري خلقي ... دنس يفنده ولا أفن )
( من منقر في بيت مكرمة ... والأصيل ينبت حوله الغصن )
( خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن )
( لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحسن جوارهم فطن )
من هذا الباب وليس منه في الجملة قول الآخر
( أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مذعور ولم تتكلم )
( فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المسلم )
وقال نصيب
( يقول فيحسن القول ابن ليلى ... ويفعل فوق أحسن ما يقول )
وقال اخر
( ألا رب خم ذي فنون علوته ... وان كان ألوى يشبه الحق باطله )
فهذا هو معنى قول العتابي البلاغة إظهار ما غمض من الحق وتصوير الباطل في صورة الحق وقال الشاعر وهو كما قال
( عجبت لإدلال العيي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما )
( وفي الصمت ستر للعيي وإنما ... صحيفة لب المرء ان يتكلما )
وموضع الصحيفة من هذا البيت موضع ذكر العنوان في شعره الذي رثى به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول
( ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا )
وأنشد أيضا
( ترى الفتيان كالنخل ... وما يدريك ما الدخل )
( وكل في الهوى ليث ... وفيما نابه فسل )
( وليس الشأن في الوصل ... ولكن ان يرى الفضل )
وقال كسرى أنو شروان لبزرجمهر أي الاشياء خير للمرء العيي قال عقل يعيش به قال فان لم يكن له عقل قال فاخوان يسترون عليه قال فان لم يكن له اخوان قال فمال يتحبب به الى الناس قال فان لم يكن له مال قال فعي صامت قال فان لم يكن ذلك قال فموت مريح
وقال موسى بن يحيى بن خالد قال ابو علي رسائل المرء في كتبه أدل على مقدار عقله وأصدق شاهد على غيبه لك ومعناه فيك من أضعاف ذلك على المشافهة و المواجهة
باب آخر
ووصفوا كلامهم في أشعارهم فجعلوه كبرود العصب وكالحلل والمعاطف والديباج والوشي وأشباه ذلك
وأنشدني أبو الجماهر جندب بن مدرك الهلالي
( لا يشترى الحمد امنية ... ولا يشترى الحمد بالمقصر )
( ولكنما يشترى غاليا ... فمن يعط قيمته يشتر )
( وممن يعتطف على مئزر ... فنعم الرداء على المئزر )
وأنشدني لابن ميادة
( نعم أنني مهد ثناء ومدحة ... كبرد يمان يربح البيع تاجره )
وأنشدني
( فان أهلك فقد أبقيت بعدي ... قوافي تعجب المتمئلينا )
( لذيذات المقاطع محكمات ... لو ان الشعر يلبس لارتدينا )
وقال ابو قردودة يرثي ابن عمار قتيل النعمان ووصف كلامه وقد كان نهاه عن منادمته
( اني نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تأمنن أحمر العينين والشعره )
( إن الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بنارك من نيرانهم شرره )
( يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره )
وقال الشاعر في مديح احمد بن ابي دؤاد
( وعويص من الامور بهيم ... غامض الشخص مظلم مستور )
( قد تسهلت ما توعر منه ... بلسان يزينه التحبير )
( مثل وشي البرود هلهله النسج ... وعند الحجاج در نثير )
( حسن الصمت والمقاطع إما ... أنصت القوم والحديث يدور )
( ثم من بعد لحظة تورث اليسر ... وعرض مهذب موفور )
مما يضم الى هذا وليس منه بعينه قول جميل بن معمر
( نمت في الروابي من معد وأفلجت ... على الخفرات الغر وهي وريد )
( أناة على نيرين اضحى لداتها ... بلين بلاء الريط وهي جديد )
ومن هذا الشكل وليس منه بعينه قول الشاعر
( على كل ذي نيرين زيد محاله ... محالا وفي أضلاعه زيد أضلعا )
وقال ابو يعقوب الخزيمي الاعور أول شعر قلته هذان البيتان
( بقلبي سقام لست أحسن وصفه ... على أنه ما كان فهو شديد )
( تمر به الأيام تسحب ذيلها ... فتبلى له الأيام وهو جديد )
وقال آخر وهو ابو الاسود الدؤلي
( أبي القلب إلا ام عمرو وحبها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفند )
( كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد )
وقال ابن هرمة
( إن الأديم الذي أصبحت تعركه ... جهلا لذو نغل باد وذو حلم )
( ولن يبط بأيدي الخالقين ولا ... أيدي الخوالق إلا جيد الأدم )
( وفي غير هذا الباب وهو قريب منه قول ذي الرمة
في قعر حجر من ذؤابة عامر ... إمام هدى مستبصر الحكم عادله )
( كأن على أعطافه ماء مذهب ... اذا سمل السربال طارت رعابله )
وهو الذي يقول
( حوراء في دعج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مستها ذهب )
وقال الاعشى
( بيضاء ضحونها وصفراء ... العشية كالعراره )
وقال اخر
( قد علمت بيضاء صفراء الأصل ... لأغنين اليوم ما أغنى رجل )
وقال بشار بن برد
( وخذي ملابس زينة ... ومصبغات فهي أفخر )
( واذا دخلت تقنعي ... بالحمر ان الحسن أحمر )
وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق هذا الامر الى مالا يبلغه تمييز البصير ولبشار خاصة في هذا الباب ما ليس لاحد ولولا انه في كتاب الرجل والمرأة وفي باب القول في الانسان في كتاب الحيوان أليق وأذكى لذكرناه في هذا الموضع ومما ذكروا فيه الوزن قوله
( زني ألقوم حتى تعرفي عند وزنهم ... اذا رفع الميزان كيف أميل )
وقال ابن الزبير الأسدي
( أعاذل غضي بعض لومك إنني ... أرى الموت لا يرضى بدين ولا رهن )
( وإني أرى دهرا تغير صرفه ... ودنيا أراها لا تقوم على وزن )
باب آخر
ويذكرون الكلام الموزون ويمدحون به ويفضلون اصابة المقادير ويذمون الخروج من التبويل قال جعفر بن سليمان ليس يطيب الطعام بكثرة الانفاق وجودة التوابل وانما الشأن في اصابة القدر وقال الشاعر وهو عارق بن أثال الطائي
( ما ان يزال ببغداد يزاحمنا ... على البراذين أشباه البراذين )
( اعطاهم الله أموالا ومنزلة ... من الملوك بلا عقل ولا دين )
( ما شئت من بغلة شقراء ناجية ... او من أثاث وقول غير موزون )
وأنشد بعض الشعراء
( رأت رجلا أودى السفار بجسمه ... فلم يبق إلا منطق وحناجن )
( اذا حسرت عنه العمامة راعها ... جميل الخفوق أغفلته الدواهن )
( فإن أك معروق العظام فانني ... اذا ما وزنت القوم بالقوم وازن )
قال مالك بن أسماء في بعض نسائه وكانت تصيب الكلام كثيرا وربما لحنت
( أمغطى مني على بصري للحب ... أم انت أكمل الناس حسنا )
( وحديث ألذة هو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزنا )
( منطق عاقل وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كان لحنا )
وقال طرفه في المقدار وإصابته
( فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي )
طلب الغيث على قدر الحاجة لان الفاضل ضار وقال النبي في دعائه اللهم ( اسقنا سقيا نافعا ) لان المطر ربما جاء في غير إبان الزراعات وربما جاء والتمر في الجرن والطعام في البيادر وربما كان في الكثرة مجاوزا لمقدار الحاجة وقال النبي ( اللهم حوالينا ولا علينا ) وقال بعض الشعراء لصاحبه أنا أشعر منك قال ولم قال لاني أقول البيت وأخاه وتقول البيت
وابن عمه وعاب رؤبة شعر ابنه عقبة فقال ليس له قران وجعل البيت أخا البيت اذا أشبه وكان حقه ان يوضع الى جنبه وعلى ذلك التأويل قال الاعشى
( أبا مسمع أقصر فان قصيدة ... متى تأتكم تلحق بها اخواتها )
قال الله عز و جل ( وما نريهم من آية إلا هي اكبر من اختها )
وقال عمرو بن معد يكرب
( وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان )
وقالوا فيماهو ابعد معنى وأقل لفظا قال الهذلي
( أعامر لا الوك إلا مهندا ... وجلد أبي عجل وثيق القبائل )
وقالوا ما هو أبعد من هذا قال ابن عسلة الشيباني واسمه عبد المسيح
( وسماع مدجنة تعللنا ... حتى ننام تناوم العجم )
( فصحوت والنمري يحسبها ... عم السماك وخالة النجم )
وقال أبو النجم فيما هو أبعد من هذا ووصف العير والمعيور الموضع الذي يكون فيه الأعيار
( وظل يوفي الأكم ابن خالها ... )
فهذا مما يدل على توسعهم في الكلام وحمل بعضه على بعض واشتقاق بعضه من بعض وقال النبي ( نعمت العمة لكم النخلة ) كأن بينها وبين الانسان تشابه وتشاكل من وجوه وقد ذكرنا ذلك في كتاب الزرع والنخل وفي مثل ذلك قال بعض الفصحاء
( شهدت بأن النمر بالزبد طيب ... وأن الحبارى خالة الكروان )
باب آخر من الشعر
مما قالوا في الخطب واللسن والامتداح به والمديح عليه

قال كعب الاشقري
( إلا أكن في الارض أخطب قائما ... فإني على ظهر الكميت خطيب )
وقال ثابت قطنة
( فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني ... بسمر القنا والسيف جد لعوب )
وقالت ليلى الاخيلية
( حتى اذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس زعيما )
وقال الاخر
( عجبت لأقوام يعيبون خطبتي ... وما منهم في مأقط بخطيب )
وقال دريد بن الصمة
( أبلغ نعيما وأوفى ان لقيتهما ... ان لم يكن كان في سمعيهما صمم )
( فلا يزال شهاب يستضاء به ... يهدي المقانب ما لم يهلك الصمم )
( عاري الأشاجع معصوب بلمته ... أمر الزعامة في عرنينه شمم )
وقال أبو العباس الاعمى مولى بني بكر بن عبد مناف في بني عبد شمس
( ليت شعري أفاح رائحة المسك ... ما إن اخال بالخيف أنسي )
( حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس )
( خطباء على المنابر فرسان ... عليها وقالة غير خرس )
( لا يعابون صامتين وان قالوا ... أصابوا ولم يقولوا بلبس )
( بحلوم اذا الحلوم استخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملس )
وقال العجاج
( وحاصن من حاصنات ملس ... من الأذى ومن قراف الوقس )
وقال امرؤ القيس بن حجر
( ويارب يوم قد أروح مرجلا ... حبيبا الى البيض الكواعب أملسا )
وقال أبو العباس الاعمى
( ولم أر حيا مثل حي نحملوا ... الى الشام مظلومين منذ بريت )
( أعز وأمضى حين تشتجر القنا ... وأعلم بالمسكين حيث يبيت )
( وأرفق بالدنيا بأولى سياسة ... اذا كاد امر المسلمين يفوت )
( اذا مات منهم سيد قام سيد ... بصبر بعورات الكلام زميت )
وقال آخر
( لا يغسل العرض من تدنسه ... والثوب إن مس مدنسا غسلا )
( وزلة الرجل تستقال ولا ... يكاد رأي يقيلك الزللا )
وقال اخر في الزلل
( ألهفي اذا عصيت أبا يزيد ... ولهفي اذ أطعت أبا العلاء )
كانت هفوة من غير ريح ... وكانت زلة من غير ماء )
وقال آخر
( فانك لم ينذرك أمر تخافه ... اذا كنت فيه جاهلا مثل خابر )
وقال ابن وابصة - واسمه سالم - في مقام قام فيه مع ناس من الخطباء
( يا أيها المتحلي غير شيمته ... ومن سجيته الاكثار والملق )
( أعمد الى القصد فيما انت راكبه ... ان التخلق يأتي دونه الخلق )
( صدت هنيدة لما جئت زائرها ... عني بمطروفة انسانها غرق )
( وراعها الشيب في رأسي فقلت لها ... كذاك يصفر بعد الخضرة الورق )
( بل موقف مثل حد السيف قمت به ... أحمي الذمار وترميني به الحدق )
( فما زللت ولا ألفيت ذا خطل ... اذا الرجال على أمثالها زلقوا )
وأنشد أعرابي من باهلة
( سأعمل نص العيس حتى يكفني ... غنى المال يوما او غنى الحدثان )
( فللموت خير من حياة يرى لها ... على الحر بالإقلال وسم هوان )
( متى يتكلم يلغ حكم كلامه ... وان لم يقل قالوا عديم بيان )
( كأن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان )
وفي مثلها في بعض الوجوه قول عروة بن الورد
( ذريني للغنى أسعى فاني ... رأيت الناس شرهم الفقير )
( وأهونهم وأحقرهم لديهم ... وان أمسى له نسب وخير )
( ويقصى في الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير )
( ويلفى ذو الغنى وله جلال ... يكاد فؤاد صاحبه يطير )
( قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن للغنى رب غفور )
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه الهوى إله معبود وتلا قوله عز و جل ( أفرأيت من اتخد إلهه هواه وأضله الله على علم )
وقال ابو الاعور سعيد بن زيد بن عمرو بن تفيل
( تلك عرساي تنطقان على عمد ... إلى اليوم قول زور وهتر )
( سألتاني الطلاق ان رأنا ما ... لي قليلا قد جئتماني بنكر )
( فلعلي ان يكثر المال عندي ... ويعرى من المغارم ظهري )
( وترى أعبد لنا وأواق ... ومناصيف من خوادم عشر )
( وتجر الأذيال في نعمة زول ... تقولان ضع عصاك لدهر )
( ويكأن من يكن له نشب يحبب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر )
( ويجنب سر النجي ولكن ... أخا المال محضر كل سر )
قال عبيد بن الابرص في نحو هذا وليس كمثله
( تلك عرسي غضبى تريد زيالي ... ألبين تريد أم لدلال )
( ان يكن طلبك الفراق فلا أحفل ... ان تعطفي صدور الجمال )
( كنت بيضاء كالمهاة وإذ ... آتيك نشوان مرخيا أذيالي )
( فاتركي مط حاجبيك وعيشي ... معنا بالرجاء والتأمال )
( زعمت أنني كبرت وأني ... قل مالي وضن عني الموالي )
( وصحا باطلي وأصبحت شيخا ... لا يواتي امثالها امثالي )
( ان تريني تغير الرأس مني ... وعلا الشيب مفرقي وقذالي )
( بينما أدخل الخباء على مهضومة ... الكشح طفلة كالغزال )
( فتعاطيت جيدها ثم مالت ... ميلان الكثيب بين الرمال )
( ثم قالت فدى لنفسك نفسي ... وفداء لمال أهلك مالي )
وخرج عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من داره يوما وقد جاء عامر ابن عبد قيس فقعد في دهليزه فلما رأى شيخا دميما أشغى ثطا في عباءة فأنكره وانكر مكانه فقال يا اعرابي اين ربك قال بالمرصاد
يقال ان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لم يفحمه احد قط غير عامر بن عبد قيس ونظر معاوية الى النخار بن أوس العذري الخطيب الناسب في عباءة في ناحية من مجلسه فأنكره وانكر مكانه زراية منه عليه فقال من هذا فقال النخار يا أمير المؤمنين ان العباءة لا تكلمك انما يكلمك من فيها
قال ونظر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى هرم بن قطبة ملتفا في بت في ناحية المسجد ورأى دمامته وقلته وعرف تقديم العرب له في الحكم والعلم فأحب ان يكشفه ويسبر ما عنده فقال أرأيت لو تنافرا اليك اليوم أيهما كنت تنفر يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل فقال يا امير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جذعة فقال عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنه لهذا العقل تحاكمت اليك العرب ونظر عمر الى الأحنف وعنده الوفد والأحنف ملتف في بت له فترك جميع القوم واستنطقه فلما تبعق منه ما تعبق وتكلم بذلك الكلام البليغ المصيب وذهب ذلك المذهب لم يزل عنده في علياء ثم صار الى ان عقد له الرياسة ثابتا له ذلك الى ان فارق الدنيا
ونظر النعمان بن المنذر الى ضمرة بن ضمرة فلما رأى دمامته وقلته قال تسمع بالمعيدي لا ان تراه هكذا تقول العرب فقال ضمرة أبيت اللعن ان الرجال لا تكال بالقفزان وانما المرء بأصغريه لا لسانه وقلبه وكان ضمرة خطيبا وكان فارسا شاعرا شريفا سيدا
وكان لرمق بن زيد مدح أبا جبيلة الغساني وكان الرمق دميما قصيرا فلما أنشده وحاوره قال عسل طيب في ظرف سوء
قال وتكلم علباء بن الهيثم السدوسي لدى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وكان علباء اعور دميما فلما رأى براعته وسمع بيانه أقبل عمر يصعد فيه بصره ويحدره فلما خرج قال عمر لكل أناس في جميلهم خبرة
قال ابو عثمان وأنشدت سهل بن هرون قول سلمة بن خرشب وشعره الذي أرسل به الى سبيع التغلبي في شأن الرهن التي وضعت على يديه في قتال عبس وذبيان فقال سهل بن هرون والله لكأنه قد سمع رسالة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى أبي موسى الأشعري في سياسة القضاء وتدبير الحكم والقصيدة قوله
( أبلغ سبيعا وأنت سيدنا ... قدما وأوفى رجالنا ذمما )
( أن بغيضا وأن إخوتها ... ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما )
( نبئت أن حكموك بينهم ... فلا يقولن بئس ما حكما )
( ان كنت ذا خبرة بشأنهم ... تعرف ذا حقهم ومن ظلما )
( وتنزل الأمر في منازله ... حكما وعلما وتحضر الفهما )
( ولا تبالي من المحق ولا المبطل ... لا إلة ولا ذمما )
( فاحكم وأنت الحكيم بينهم ... لن تعدموا الحكم ثابتا صتما )
( واصدع أديم السواء بينهم ... على رضى من رضي ومن رغما )
( ان كان مالا ففض عدته ... مالا بمال وان دما فدما )
( حتى ترى ظاهر الحكومة مثل ... الصبح جلى نهاره ظلما )
( هذا وان لم تطق حكومتهم ... فانبذ اليهم أمورهم سلما )
وقال العايشي كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أعلم الناس بالشعر ولكنه اذ ابتلى بالحكم بين النجاشي والعجلاني وبين الحطيئة والزبرقان كره أن يتعرض للشعراء واستشهد رجالا للفريقين مثل حسان بن ثابت وغيره ممن تهون عليه سبالهم فاذا سمع كلامهم حكم بما يعلم وكان الذي ظهر من حكم ذلك الشاعر مقنعا للفريقين ويكون هو قد تخلص بعرضه سليما فلما رآه من لا علم له يسأل هذا وهذا ظن ان ذلك لجهله بما يعرف غيره ولقد أنشدوه شعرا لزهير وكان لشعره مقدما فلما انتهوا الى قوله
( وان الحق مقطعه ثلاث ... يمين او نفار او جلاء )
قال عمر كالمتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها واقامته أقسامها
( وان الحق مقطعه ثلاث ... يمين او نفار او جلاء )
وأنشدوه قصيدة عبدة بن الطبيب الطويلة التي على اللام فلما بلغ المنشد الى قوله
( والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شح واشفاق وتأميل )
قال عمر متعجبا
( والعيش شح وأشفاق وتأميل )
يعجبهم من حسن ما قسم وفصل وأنشدوه قصيدة أبي قيس بن الاسلت التي على العين وهو ساكت فلما انتهى المنشد الى قوله
( الكيس والقوة خير من الاشفاق ... والفهة والهاع )
أعاد عمر البيت وقال
( الكيس والقوة خير ال ... إشفاق والفهة والهاع )
وجعل عمر يردد البيت ويتعجب منه قال محمد بن سلام الجمحي عن بعض أشياخه قال كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا يكاد يعرض له أمر الا أنشد فيه بيت شعر
وقال عمر بن العلاء كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب بفرط
حاجتهم الى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم ويهول على عدوهم ومن غزاهم ويهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا الى السوقة وتسرعوا الى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر ولذلك قال الاول الشعر أدنى مروءة السري وأسرى مروءة الدني
قال ولقد وضع قول الشعر من قدر النابغة الذبياني ولو كان في الدهر الاول ما زاده ذلك الا رفعة
وروى مجالد عن الشعبي قال ما رأيت مثلي ما أشاء أن ألقى رجلا أعلم مني بشيء الا لقيته وقال الحسن البصري يكون الرجل عابدا ولا يكون عاقلا ويكون عابدا عاقلا ولا يكون عالما وكان مسلم بن يسار عاقلا عابدا عالما وكان يقال فقه الحسن وورع ابن سيرين وعقل مطرف وحفظ قتادة وذكرت البصرة فقيل شيخها الحسن وفتاها بكر بن عبد الله المزني والذين بثوا العلم في الدنيا اربعة قتادة والزهري والاعمش والكلبي وجمع سليمان بن عبد الملك بين قتادة والزهري فغلب قتادة الزهري فقيل لسليمان في ذلك فقال انه فقيه مليح فقال القحذمي لا ولكنه تعصب للقرشية ولانقطاعه اليهم ولروايته فضائلهم وكان الاصمعي يقول وصلت بالعلم ونلت بالملح وكان سهل بن هرون يقول اللسان البليغ والشعر الجيد لا يكاد ان يجتمعان في واحد وأعسر من ذلك ان يجتمع بلاغة الشعر وبلاغة القلم والمسجديون يقولون من تمنى رجلا حسن العقل وحسن اللسان وحسن القلم تمنى شيئا عسيرا.

نهاية الجزء السابع
ألف / خاص ألف.
يتبع...

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow