Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب : البيان والتبيين المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ج8

خاص ألف

2017-06-17

باب إعابة العي والحمق

وكانوا يعيبون النوك والعي والحمق وأخلاق النساء والصبيان

قال الشاعر
( اذا ما كنت متخذا خليلا ... فلا تثقن بكل أخي إخاء )
( فان خيرت بينهم فألصق ... بأهل العقل منهم والحياء )
( فان العقل ليس له إذا ما ... تفاضلت الفضائل من كفاء )

( فان النوك للأحساب غول ... وأهون دائه داء العياء )
( ومن ترك العواقب مهملات ... فأيسر سعيه سعي العناء )
( فلا تثقن بالنوكى لشيء ... ولو كانوا بني ماء السماء )
( فليسوا قابلي أدب فدعهم ... وكن من ذاك منقطع الرجاء )
وقال الآخر في التضييع والنوك
( فعش في حد أنوك ساعدته ... مقادير يخالفها الصواب )
( ذهاب المال في حمد وأجر ... ذهاب لا يقال له ذهاب )
وأنشد في ذلك
( أرى زمنا نوكاه أسعد أهله ... ولكنما يشقى به كل عاقل )
( مشى فوقه رجلاه والرأس تحته ... فكب الأعالي بارتفاع الأسافل )
وقال الاخر
( ولم أر مثل الفقر أوضع للفتى ... ولم أر مثل المال أرفع للرذل )
( ولم أر عزا لامرىء كعشيرة ... ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل )
( ولم أر من عدم أضر على امرىء ... اذا عاش وسط الناس من عدم العقل )
وقال الآخر
( تحامق مع الحمقى اذا ما لقيتهم ... ولا تلقهم بالعقل ان كنت ذا عقل )
( فاني رأيت المرء يشقى بعقله ... كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل )
وقال الآخر
( وأنزلني طول النوى دار غربة ... اذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله )
( فحامقته حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله )
وقال بشر بن المعتمر وأنشد
( واذا الغبي رأيته مستغنيا ... أعيا الطبيب وحيلة المحتال )
وأنشدني آخر
( وللدهر ايام فكن في لباسه ... كلبسته يوما أجد وأخلقا )
( وكن اكيس الكيسى اذا كنت فيهم ... وان كنت في الحمقى فكن انت أحمقا )
وأنشدني آخر
( ولا تقربي يا بنت عمي بوهة ... من القوم دفناسا غبيا مفندا )

( وان كان اعطى رأس ستين بكرة ... وحكما على حكم وعبدا مولدا )
( ألا فاحذري لاتوردنك هجمة ... طوال الذرى جبسا من القوم قعددا )
وأنشدني آخر
( كسا الله حيي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفارا بطيئا نصولها )
( اذا ارتحلوا عن دار ضيم تعاذلوا ... عليها وردوا وفدهم يستقيلها )
وأنشدني اخر
( وإن عناء ان تفهم جاهلا ... ويحسب جهلا انه منك افهم )
وقال جرير
( ولا يعرفون الشر حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الامر الا تدبرا )
وقال الاعرج المعني الطائي
( لقد علم الاقوام أن قد قدرتم ... ولم تبدأ وهم بالمظالم أولا )
( فكونوا كداعى كرة بعد فرة ... ألا رب من قد فر ئمت أقبلا )
( فان أنتم لم تفعلوا فتبدلوا ... بكل سنان معشر العرب مغزلا )
( وأعطوهم حكم الصبي بأهله ... واني لأرجو ان يقولوا بأن لا )
وأنشد
( ولا تحكما حكم الصبي فانه ... كثير على ظهر الطريق مجاهله )
سئل دغفل عن بني عامر فقال اعناق ظباء وأعجاز نساء قيل فما تقول في أهل اليمن قال سيد وأنوك

باب في ذكر المعلمين

من امثال العامة أحمق من معلم كتاب وقد ذكرهم صقلاب فقال
( وكيف يرجى العقل والرأي عند من ... يروح على انثى ويغدو على طفل )
وفي قول بعض الحكماء لا تستشيروا معلما ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء وقال لا تدع أم صبيك تضربه فانه أعقل منها وان كانت أسن منه وقد سمعنا في الامثال أحمق من راعي ضان ثمانين
فاما استحماق رعاة الغنم في الجملة فكيف يكون ذلك صوابا وقد رعى الغنم عدة من جلة الانبياء عليهم السلام ولعمري ان الفدادين من أهل الوبر ورعاة الإبل ليتلومون على رعاة الغنم ويقول احدهم لصاحبه ان كنت

كاذبا فحلبت قاعدا
وقال الآخر
( ترى حالب المعزى اذا سر قاعدا ... وحالبهن القائم المتطاول )
قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده
( ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامد )
( تمنيتم مائتي فارس ... فردكم فارس واحد )
( فليت لنا بارتباط الخيول ... ضأنا لها حالب قاعد )
وقد سمعنا قول بعضهم الحمق في الحاكة والمعلمين والغزالين قال والحاكة أقل وأسقط من ان يقال لهم حمقى وكذلك الغزالون لان الأحمق هو الذي يتكلم بالصواب الجيد ثم يجيء بخطأ فاحش والحائك ليس عنده صواب جيد في فعال ولا مقال الا ان يجعل جودة الحياكة من هذا الباب وليس هو من هذا في شيء

باب آخر في الحمق

ويقال فلان أحمق فاذا قالوا مائق فليس يريدون ذلك المعنى بعينه وكذلك اذا قالوا أنوك وكذلك اذا قالوا رقيع ويقولون فلان سليم الصدر ثم يقولون غبي ثم يقولون أبله وكذلك اذا قالوا معتوه ومسلوس وأشباه ذلك
قال ابو عبيدة يقال للفارس شجاع فاذا تقدم ذلك قيل بطل فاذا تقدم شيئا قيل بهمة فاذا صار الى الغاية قيل اليس
قال العجاج أليس عن حوبائه سخي
وهذا المأخذ يجري في الصفات كلها من جود وبخل وصلاح وفساد ونقصان ورجحان وما زلت اسمع هذا القول في المعلمين والمعلمون عندي على ضربين منهم رجال ارتفعوا عن تعليم اولاد العامة الى تعليم اولاد الخاصة ومنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصة الى تعليم اولاد الملوك انفسهم المرشحين للخلافة فكيف تستطيع ان تزعم ان مثل علي بن حمزة الكسائي ومحمد بن المستنير الذي يقال له قطرب واشباه هؤلاء يقال لهم حمقى ولا يجوز هذا القول على هؤلاء ولا على الطبقة التي دونهم فان ذهبوا الى معلمي كتاتيب

القرى فان لكل قوم حاشية وسفلة فما هم في ذلك الا كغيرهم
وكيف تقول مثل ذلك في هؤلاء وفيهم الفقهاء والشعراء والخطباء مثل الكميت بن زيد وعبد الحميد الكاتب وقيس بن سعد وعطاء بن أبي رباح
ومثل عبد الكريم بن ابي أمية وحسين المعلم وابي سعيد المعلم
ومن المعلمين الضحاك بن مزاحم ابو معبد الجهني وعامر الشعبي فكانا يعلمان أولاد عبد الملك بن مروان وكان ابو معبد يعلم سعيدا
ومنهم ابو سعيد المؤدب - وهو غير ابي سعيد المعلم - وكان يحدث عن هشام ابن عروة وغيرهم
ومنهم عبد الصمد بن عبد الاعلى وكان معلم ولد عتبة بن ابي سفيان
وكان اسماعيل بن علي ألزم بعض بنيه عبد الله بن المقفع ليعلمه
وكان ابو بكر عبد الله بن كيسان معلما
ومنهم محمد بن السكن وما كان عندنا بالبصرة رجلان ادرى بصنوف العلم ولا احسن بيانا من ابي الوزير وابي عدنان المعلمين وحالهما من اول ما اذكر من ايام الصبا
وقد قال الناس في ابي البيداء وفي ابي عبد الله الكاتب وفي الحجاج بن يوسف وابيه ما قالوا
وقد أنشدوا مع هذا الخبر شاهدا من الشعر على ان الحجاج وأباه كانا معلمين بالطائف
ثم رجع بنا القول الى الكلام الاول قالوا احق الناس بالرحمة عالم يجري عليه حكم جاهل وكتب الحجاج الىالمهلب يعجله في حرب الازارقة ويسمعه فكتب اليه المهلب ان البلاء كل البلاء اي يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره

باب في التشادق والاغراق في القول

قال بعض الربانيين من الادباء واهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق ويبغض الاغراق في القول والتكلف والاجتلاب ويعرف اكثر ادواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلم من الفتنة بحسن ما يقول وما يعرض

للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدار من التحكم والتسلط والذي يمكن الحاذق والمطبوع من التمويه للمعاني والخلابة وحسن المنطق وقال في بعض مواعظه أنذركم حسن الالفاظ وحلاوة مخارج الكلام فان المعنى اذا اكتسى لفظا حسنا وأعاره البليغ مخرجا سهلا ومنحه المتكلم قولا متعشقا صار في قلبك احلى ولصدرك أملا والمعاني اذا كسيت الالفاظ الكريمة وألبست الاوصاف الرفيعة تحولت في العيون عن مقادير صورها وأربت على حقائق اقدارها بقدر ما زينت وعلى حسب ما زخرفت فقد صارت الالفاظ في معنى المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيف وسلطان الهوى قوي ومدخل خدع الشيطان خفي
فاذكر هذا الباب ولا تنسه وتأمله ولا تفرط فيه فان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يقل للاحنف بعد ان احتبسه حولا مجرما ليستكثر منه وليبالغ في تصفح حاله والتنقير عن شأنه ان رسول الله قد كان خوفنا كل منافق عليم وقد خفت ان تكون منهم إلا لما كان راعه من حسن منطقه ومال اليه لما رأى من رفقه وقلة تكلفه ولذلك قال رسول الله ( ان من البيان لسحرا )
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل أحسن في طلب حاجة وتأتي لها بكلام وجيز ومنطق حسن هذا والله السحر الحلال وقال رسول الله ( لا خلابة ) فالقصد من ذلك ان تجتنب السوقي والوحشي ولا تجعل همك في تهذيب الالفاظ وشغلك في التخلص الى غرائب المعاني وفي الاقتصار بلاغ وفي التوسط مجانبة للوعورة والخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه وقد قال الشاعر
( عليك بأوساط الامور فانها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا )
وقال الآخر
( لا تذهبن في الامور فرطا ... لا تسألن ان سألت شططا )
( وكن من الناس جميعا وسطا ... )
وليكن كلامك بين المقصر والغالي فانك تسلم من الهجنة عند العلماء ومن فتنة الشيطان وقال أعرابي للحسن علمني دينا وسطا لا ذاهبا شطوطا

ولا هابطا هبوطا فقال الحسن لئن قلت ذاك ان خير الامور أوسطها وجاء في الحديث خالطوا الناس وزايلوهم وقال عبد الله بن مسعود في خطبته وخير الامور أوساطها وما قل وكفى خير مما كثر وألهى نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وقال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه كن في الدنيا وسطا وامش جانبا وكانوا يقولون إكره الغلو كما تكره التقصير وكان رسول الله يقول لأصحابه ( قولوا بقولكم ولا يستحوذن عليكم الشيطان ) وكان يقول و ( هل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم الا حصائد ألسنتهم )

باب من الخطب القصار

من خطب السلف ومواعظ النساك وتأديب من تأديب العلماء

قال رجل لأبي هريرة النحوي أريد ان أتعلم العلم وأخاف ان أضيعه قال كفى بترك العلم إضاعة وسمع الآحنف رجلا يقول التعلم في الصغر كالنقش في الحجر فقال الاحنف الكبير اكبر الناس عقلا ولكنه أشغل قلبا وقال أبو الدرداء مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون
وقال رسول الله ( ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )
ولذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه حين دلى زيد بن ثابت في القبر من سره ان يرى كيف ذهاب العلم فلينظر فهكذا ذهابه
وقال بعض الشعراء لبعض العلماء
( أبعدت من يومك الفرار فما ... جاورت حيث انتهى بك القدر )
( لوكان ينجي من الردى حذر ... نجاك مما أصابك الحذر )
( يرحمك الله من أخي ثقة ... لم يك في صفو وده كدر )
( فهكذا يفسد الزمان ويفنى ... نى العلم منه ويدرس الأثر )
وقال قتادة لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام اذ قال للعبد الصالح ( هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا ) وقال ابو العباس التميمي قال طاؤس الكلمة الصالحة صدقة

وعن عبد الله بن ثمامة بن انس عن أبيه عن النبي انه قال ( فضل لسانك تعبر به عن أخيك الذي لا لسان له صدقة ) ح
وقال الخليل تكثر من العلم لتعرف وتقلل منه لتحفظ وقال الفضيل نعمت الهدية الكلمة من الحكمة يحفظها الرجل حتى يلقيها الى أخيه وكان يقال اجعل ما في الكتب بيت مال وما في قلبك للنفقة وكان يقال يكتب الرجل أحسن ما سمع ويحفظ أحسن ما كتب وقال أعرابي حرف في قلبك خير من عشرة في طومارك وقال عمر بن عبد العزيز ما قرن شيء بشيء أفضل من علم الى حلم ومن عفو الى قدرة وكان ميمون بن سياه إذا جلس الى قوم قال إنا قوم منقطع بنا فحدثونا احاديث نتجمل بها وفخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية أسكت فوالله ما أدرك صاحبك شيئا بسيفه الا وقد أدركت اكثر منه بلساني وضرب الحجاج أعناق أسرى فلما قدموا اليه رجلا ليضرب عنقه قال والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في العفو فقال الحجاج أف لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا وأمسك عن القتل
وقال بشير الرحال اني لأجد في قلبي حرا لا يذهبه الا برد العدل او حر السنان وقدموا رجلا من الخوارج الى عبد الملك لتضرب عنقه - ودخل على عبدالملك ابن صغير له قد ضربه المعلم وهو يبكي فهم عبد الملك بالمعلم فقال دعه يبكي فانه أفتح لجرمه وأصح لبصره وأذهب لصوته فقال له عبد الملك أما يشغلك ما انت فيه عن هذا قال ما ينبغي للمسلم ان يشغله عن قول الحق شيء فأمر بتخلية سبيله وقال إبراهيم بن أدهم أعربنا في كلامنا فما نلحن حرفا ولحنا في اعمالنا فما نعرب حرفا وأنشد
( نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا مانرقع )
وقال زياد على المنبر ان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يقطع بها ذنب عنز مصور لو بلغت إمامه سفك بها دمه وعزل عمر زياد عن كتابه أبي موسى في بعض قدماته فقال له زياد أعن عجز أم عن خيانة قال لا عن واحدة منهما ولكن أكره ان احمل على العامة فضل عقلك وبلغ الحجاج موت اسماء ابن خارجة فقال هل سمعتم بالذي عاش ما شاء ومات حين شاء

وكان يقال كدر الجماعة خير من صفو الفرقة قال ابو الحسن مر عمر بن ذر بعبد الله بن عياش المنتوف وقد كان سفه عليه ثم أعرض عنه فتعلق بثوبه فقال يا هناه انا لم نجد لك اذا عصيت الله فينا خيرا من ان نطيع الله فيك
وهذا كلام أخذه عمر بن ذر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين قال عمر اني والله لا ادع حقا لله لشكاية تظهر ولا لغضب يحتمل ولا لمحاباة بشر وانك والله ما عاقبت من عصي الله فيك بمثل ان تطيع الله فيه وكتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى سعد بن أبي وقاص يا سعد بني وهيب ان الله اذا احب عبدا حببه الى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس واعلم ان مالك عند الله مثل الذي لله عندك
ومات لعمر بن ذر ابن فقال اي بني شغلني الحزن لك عن الحزن عليك وقال رجل من مجاشع كان الحسن يخطب في دم فينا فأجابه رجل فقال وقد تركت ذلك لله ولوجوهكم فقال الحسن لا تقل هكذا بل قل لله ثم لوجوهكم وآجرك الله
ومر رجل بأبي بكر رضي الله تعالى عنه ومعه ثوب فقال أتبيع الثوب فقال لا عافاك الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لقد علمتم لو كنتم تعلمون قل لا وعافاك الله
وسأل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا عن شيء فقال الله أعلم فقال عمر لقد شقينا ان كنا لا نعلم ان الله أعلم اذا سئل احدكم عن شيء لا يعلمه فليقل لا علم لي وكان ابو الدرداء يقول أبغض الناس إلي إن أظلمه من لا يستعين علي بأحد الا بالله
وذكر ابن ذر الدنيا فقال كأنكم انما زادكم في حرصكم عليها ذم الله عز و جل لها ونظر أعرابي الى مال له كثير من الماشية وغيرها فقال ينعه ولكل ينعه استحشاف فباع ما هنالك من ماله ثم لزم ثغرا من ثغور المسلمين حتى مات فيه وتمنى قوم عند يزيد الرقاشي فقال أتمنى كما تمنيتم قالوا تمنه قال ليتنا لم نخلق وليتنا اذ خلقنا لم نعص وليتنا اذ عصينا لم نمت وليتنا اذ بعثنا لم نحاسب وليتنا اذ حوسبنا لم نعذب وليتنا اذ عذبنا لم نخلد
وقال الحجاج ليت الله اذ خلقنا للآخرة كفانا امر الدنيا فرفع عنا الهم

بالمأكل والمشرب والملبس والمنكح أوليته اذ وقعنا في هذه الدار كفانا أمر الآخرة فرفع عنا الاهتمام بما ينجي من عذابه فبلغ كلامهما عبد الله بن حسن بن حسن او علي بن الحسين فقال ما علما شيئا في التمني ما اختار الله فهو خير قال ابو الدرداء من هو ان الدنيا على الله انه لا يعصى الا فيها ولا ينال ما عنده الا بتركها قال شريح الحدة كناية عن الجهل وقال أبو عبيدة العارضة كناية عن البذاء
واذا قالوا فلان مقتصد فتلك كناية عن البخل واذا قالوا للعامل مستقص فهو كناية عن الجور وقال حبيب بن أوس الشاعر ابو تمام الطائي
( كذبتم ليس يزهى من له حسب ... ومن له نسب عمن له أدب )
( اني لذو عجب منكم أردده ... فيكم وفي عجبي من زهوركم عجب )
( لجاجة بي فيكم ليس يشبهها ... الا لجاجتكم في أنكم عرب )
وقيل لاعرابية مات ابنها ما احسن عزاءك عن ابنك قالت ان مصيبته آمنتني من المصائب بعده وقال سعيد بن عثمان بن عفان لطوبس المغني أينا أسن انا أو انت يا طويس فقال بأبي انت وأمي لقد شهدت زفاف امك المباركة الى ابيك الطيب فانظر الى حذقه والى معرفته بمخارج الكلام كيف لم يقل بزفاف امك الطيبة الى ابيك المبارك وهكذا كان وجه الكلام فقلب المعنى
وقال رجل من اهل الشام كنت في حلقة أبي مسهر في مسجد دمشق فذكرنا الكلام وبراعته والصمت ونبالته قال كلا ان النجم ليس كالقمر انك تصف الصمت بالكلام ولا تصف الكلام بالصمت وقال الهيثم بن صالح لابنه وكان خطيبا يا بني اذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب واذا اكثرت من الكلام أقللت من الصواب قال يا أبت فان انا اكثرت واكثرت يعني كلاما وصوابا قال يا بني ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك
وقال ابن عباس لولا الوسواس ما باليت ان لا أكلم الناس
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما تستبقوا من الدنيا تجدوه في الآخرة وقال رجل للحسن إني اكره الموت قال ذلك انك اخرت مالك

ولو قدمته لسرك ان تلحق به وقال عامر بن الظرب العدواني الرأي نائم والهوى يقظان فمن هنا يغلب الهوى الرأي وقال مكتوب في الحكمة أشكر لمن انعم عليك وانعم على من شكر لك وقال ابو الدرداء ايها الناس لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا ان تقبلوا احسن ما تسمعون منا
وقال عبد الملك على المنبر ألا تنصفوننا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة ابي بكر وعمر ولم تسيروا في انفسكم ولا فينا سيرة رعية ابي بكر وعمر نسأل الله ان يعين كلا على كل وقال رجل من العرب اربع لا يشبعن من اربع انثى من ذكر وعين من نظر وارض من مطر وأذن من خبر
وقال موسى عليه السلام لأهله ( امكثوا اني انست نارا لعلي اتيكم منها بخبر ) فقال بعض المعترضين فقد قال او اتيكم بشهاب قبس قال ابو عقيل لم يعرف موقع النار من ابناء السبيل ومن الجائع المقرور
وقال لبيد بن ربيعة
( ومقام ضيق فرجته ... ببيان ولسان وجدل )
( لو يقوم الفيل او فياله ... زل عن مثل مقامي وزحل )
( ولدى النعمان مني موطن ... بين فاثور أفاق فالدحل )
( اذ دعتني عامر انصرها ... فالتقى الألسن كالنبل الدول )
( فرميت القوم رشقا صائبا ... ليس بالعصل ولا بالمقثعل )
( وانتضلنا وابن سلمى قاعد ... كعتيق الطير يغضي ويجل )
( وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل )
وقال
( وأبيض يجتاب الخروق على الوجى ... خطيبا اذا التف المجامع فاصلا )
وقال لبيد
( لوكان حي في الحياة مخلدا ... في الدهر أدركه أبو يكسوم )
( بكتائب خرس تعود كبشها ... نطح الكباش شبيهة بنجوم )
( ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ... ولقد كفاك معلمي تعليمي )
وقد قال أيضا لبيد
( ذهب الذين يعاش في اكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الاجرب )

( يتأكلون مغالة وخيانة ... ويعاب قائلهم وان لم يشغب )
وقال زيد بن جندب في ذكر الشغب
( ما كان اغنى رجالا ضل سعيهم ... عن الجدال وأغناهم عن الشغب )
وقال آخر في الشغب
( اني اذا عاقبت ذو عقاب ... وان تشاغبني فذو شغاب )
وقال احمر بن العمرد
( وكم حلها من تيحان سميذع ... مصافي الندى ساق بسهماء مطعم )
( طوى البطن متلاف اذا هبت الصبا ... على الأمر غواص وفي الحي شيظم )
وقال
( هل لامني قوم لموقف سائل ... او في مخاصمة اللجوج الاصيد )
وقال في التطبيق
( فلما ان بدا القعقاع لجت ... على شرك تناقله نقالا )
( تعاورن الحديث وطبقته ... كما طبقت بالنعل المثالا )
وقال آخر
( لوكنت ذا علم علمت وكيف لي ... بالعلم بعد تدبر الامر )
وقال المعترض على أصحاب الخطابة والبلاغة
قال لقمان لابنه يا بني اني قد ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت وقال الشاعر
( ما ان ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارا )
وقال آخر
( خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام )
( مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام )
( إنما المسلم من ... ألجم فاه بلجام )
وقال آخر في التحذير والاحتراس
( اخفض الصوت ان نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام )
وقال في مثل ذلك

( لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ... ما في ضميري لهم مني سيكفيني )
وقال حمزة بن بيض
( لم يكن عن جناية لحقتني ... لا يساري ولا يميني جنتني )
( بل جناها أخ علي كريم ... وعلى أهلها براقش تجني )
لان هذه الكلبة - وهي براقش - انما نبحت غزيا وقد مروا من ورائهم وقد رجعوا خائبين مخفقين فلما نبحتهم استدلوا بنباحها على أهلها فاستباحوهم ولو سكتت كانوا قد سلموا فضرب ابن بيض بها المثل
وقال الاخطل
( تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري )
( ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية النهر )
وقالوا الصمت حكم وقليل فاعله وقالوا استكثر من الهيبة صامت وقيل لرجل من كلب طويل الصمت بحق ما سمتكم العلماء خرس العرب فقال أسكت فاسلم وأسمع فاعلم وكانوا يقولون لا تعدلوا بالسلامة شيئا ولا تسمع الناس يقولون جلد فلان حين صمت ولا قتل حين سكت وتسمعهم يقولون جلد فلان حين قال كذا وكذا وقتل حين قال كذا وكذا وفي الحديث المأثور رحم الله من سكت فسلم او قال خيرا فغنم والسلامة فوق الغنيمة لان السلامة أصل والغنيمة فرع
وقال النبي ( ان الله يبغض البليغ الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها ) ح
وقيل ان كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وقال صاحب البلاغة والخطابة وأهل البيان وحب التبيين انما عاب النبي المتشادقين والثرثارين والذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها والاعرابي المتشادق وهو الذي يصنع بفكيه وشدقيه ما لا يستجيزه أهل الأدب من خطباء أهل المدر فمن تكلف ذلك منهم فهو أعيب والذم له ألزم وقد كان الرجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدة أمثال سائرة ولم يكن الناس جميعا يتمثلون بها الا لما فيها من المرفق والانتفاع ومدار العلم على الشاهد والمثل
وانما حثوا على الصمت لان العامة الى معرفة خطأ القول أسرع منهم الى

معرفة خطأ الصمت ومعنى الصامت في صمته أخفى من معنى القائل في قوله والا فالسكوت عن قول الحق في معنى النطق بالباطل
ولعمري ان الناس الى الكلام لأسرع لان في اصل التركيب ان الحاجة الى القول والعمل اكثر من الحاجة الى ترك العمل والسكوت عن جميع القول وليس الصمت كله أفضل من الكلام كله ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله بل قد علمنا ان عامة الكلام أفضل من عامة السكوت وقد قال الله عز و جل ( سماعون للكذب أكالون للسحت ) فجعل سمعه وكذبه سواء
وقال الشاعر
( بني عدي ألا ينهى سفيهكم ... إن السفيه اذا لم ينه مأمور )
وقال الآخر
( فان أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلج ويستشري )
وكيف يكون الصمت أنفع والايثار له أفضل ونفعه لا يكاد يجاوز رأس صاحبه ونفع الكلام يعم ويخص والرواة لم يرووا سكوت الصامتين كما روت كلام الناطقين وبالكلام أرسل الله انبياءه لا بالصمت ومواضع الصمت المحمودة قليلة ومواضع الكلام المحمودة كثيرة وطول الصمت يفسد البيان وقال بكر بن عبد الله المزني طول الصمت حبسه كما قال عمر ترك الحركة عقله واذا ترك الانسان القول ماتت خواطره وتبلدت نفسه وفسد حسه وكانوا يروون صبيانهم الارجاز ويعلمونهم المناقلات ويأمرونهم برفع الصوت وتحقيق الاعراب لان ذلك يفتق اللهات ويفتح الجرم واللسان اذا اكثرت تحريكه رق ولان واذا أقللت تقليبه وأطلت إسكاته جسأ وغلظ وقال عبابة الجعفي لولا الدربة وسوء العادة لأمرت فتياننا ان يماري بعضهم بعضا وأية جارحة منعتها الحركة ولم تمرنها على الاعمال أصابها من التعقد على حسب ذلك المنع
فلم قال رسول الله للنابغة الجعدي ( لا يفضض الله فاك ) ولم قال لكعب بن مالك ( ما نسي الله لك مقالك ذلك ) ولم قال لهيذان بن شيخ ( رب خطيب من عبس ) ولم قال لحسان لما هيج الغطاريف على بني عبد مناف ( والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غبش الظلام ) ح

وما نشك انه عليه وعلى آله السلام قد نهى عن المراء وعن التزيد والتكلف وعن كل ما ضارع الرياء او السمعة والنفج والبذخ وعن التهاتر والتشاغب وعن المغالبة والمماتنة فاما نفس البيان فكيف ينهي عنه وأبين الكلام كلام الله وهو الذي مدح التبيين وأهل التفصيل وفي هذا كفاية ان شاء الله
قال دغفل بن حنظلة ان للعلم أربعا آفة ونكدا واضاعة واستجاعة فآفته النسيان ونكده الكذب واضاعته وضعه في غير موضعه واستجاعته انك لا تشبع منه وانما عاب الاستجاعة لسوء تدبير اكثر العلماء ولخرق سياسة اكثر الرواة لان الرواة اذا شغلوا عقولهم بالازدياد والجمع عن تحفظ ما قد حصلوه وتدبر ما قد دونوه كان ذلك الازدياد داعيا الى النقصان وذلك الربح سببا للخسران
وقد جاء في الحديث منهومان لا يشبعان منهوم في العلم ومنهوم في المال
وقالوا علم علمك وتعلم علم غيرك فاذا انت قد علمت ما جهلت وحفظت ما علمت وقال الخليل بن احمد اجعل تعليمك دراسة لعلمك واجعل مناظرة المتعلم تنبيها لك على ما ليس عندك وقال بعضهم وأظنه بكر بن عبد الله المزني لا تكدوا هذه القلوب ولا تهملوها فخير الكلام ما كان عقب الجمام ومن أكره بصره عشي وعاودوا الفكر عند نبوات القلوب واشحذوها بالمذاكرة ولا تيأسوا من إصابة الحكمة اذا امتحنتم ببعض الاستغلاق فان من أدام قرع الباب ولج
وقال الشاعر
( اذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد )
وقال الاحنف السؤدد مع السواد وتقول الحكماء من لم ينطق بالحكمة قبل الاربعين لم يبلغ فيها
وأنشد
( ودون الندى في كل قلب ثنية ... لها مصعد حزن ومنحدر سهل )
( وود الفتى في كل نيل ينيله ... اذا ما انقضى لو ان نائله جزل )

وقال الهذلي
( وان سيادة الاقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها طويل )
( أترجو ان تسود ولن تعنى ... وكيف يسود ذو الدعة البخيل )
صالح بن سليمان عن عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض الا ما كان من الحجاج وإياس ابن معاوية فان عقولهما كانت ترجح على عقول الناس أبو الحسن قال سمعت ابا الصغرى الحارثي يقول كان الحجاج أحمق بنى مدينة واسط في بادية النبط ثم قال لهم لا تدخلوها فلما مات دلفوا اليها من قريب سمعت قحطبة الجشمي يقول كان اهل البصرة لا يشكون انه لم يكن بالبصرة رجل أعقل من عبيد الله بن الحسن وعبيد الله بن سالم وقال معاوية لعمرو بن العاص ان أهل العراق قد قرنوا بك رجلا طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز وطبق المفصل واياك ان تلقاه برأيك كله

باب ما قالوا فيه من الحديث الحسن الموجز المحذوف القليل الفضول

قال الشاعر
( لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر )
وقال ابن احمر
( تضع الحديث علىمواضعه ... وكلامها من بعده نزر )
وقال الآخر
( حديث كطعم الشهد حلو صدوره ... وأعجازه الخطبان دون المحارم )
وقال بشار
( أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام )
( يحسبن من أنس الحديث زوانيا ... ويصدهن عن الخنا الاسلام )
وقال بشار
( فنعمنا والعين حي كميت ... بحديث كنشوة الخندريس )
وقال بشار
( وكأن رفض حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا )
( وتخال ما جمعت عليه ... ثيابها ذهبا وعطرا )


نهاية الجزء الثامن
ألف / خاص ألف.
يتبع...
































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow