Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

حياتي العارية / شيلا ماكلير ـ ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2017-11-04

شيلا ماكلير، البلغة من العمر 30 عاما، كانت جامعية مثقفة من ميشيغان وجاءت إلى نيويورك عام 2006. مليئة بالطموحات، ولكن بالرغم من جهودها الجبارة، لم تجد عملا مناسبا – فانساقت إلى عروض التعري في وسط المدينة. والآن بما أنها في طاقم نيويورك بوست ومؤلفة لكتاب "نهاية بنت عارية" تروي لنا كيف تحولت من هناك إلى هنا.

----

عشت بدايات عمري في بلدة صغيرة، تحيط بها حقول الذرة، وفي بيت محافظ يبعد 20 ميلا عن فلينت من ميشيغان. وكنت أحضر الصلوات في كنيستين كاثوليكية وبروتستانتية. وحينما دخلت المرحلة الثانوية كانت ساعة العودة المسموحة هي 11 ليلا. ولم يسمح لي والداي بعقد مواعيد غرامية – دون تهاود- إلا بعد أن بلغت 17 عاما. ولذلك تأخرت في التفتح (ولم أفقد عذريتي إلا بعد أن وصلت لعمر 22 عاما)، وهذا كان لا يريحني ويسبب لي الخجل والتألم. وقد انتسبت إلى جامعة ميشيغان في آن أربور، ودرست فيها تصميم الملابس. وحينما كان زملائي يكتشفون أبعاد الحرية الممنوحة لهم بالحفلات وتجريب المخدرات وممارسة الحب، لم أكن أفعل ذلك. منذ طفولتي كنت أحب نيويورك. وبدأت أقرأ النيويركير وأنا بعمر 12 عاما، وتابعت هذه العادة في الجامعة، وكنت أهتم بما يجري في المدينة من خلال المجلات والإعلام. وبعد التخرج، رغبت بالانتقال إلى بيغ أبل، ولكن لم تسمح لي إمكانياتي. وهكذا عملت كصحافية في ديترويت، حتى، ذات يوم، قرأت عرضا عن مسرحية في النيويوركير – وكتبت رسالة للمسرح أطلب فيها عملا.

وفي أحد الأيام دعاني مصمم الأزياء وعرض عليّ فرصة للعمل في الكواليس. ولم أصدق ما سمعت، كان الأمر سهلا، وكانت مدخراتي تذوب ولا بد من العثور على عمل. وكنت أعيش في بيت ملحق في الحي 99 من برودواي. وبالكاد أملك الإيجار البالغ قدره 20 دولارا لليلة الواحدة. وكانت رغبتي أن أعمل بالكتابة في نهاية الأمر، ولكن حتى تلك اللحظة كنت أكافح يوميا للبقاء. واضطررت للمثول أمام لجنتين لأشغل مهنة نادلة أو مضيفة. غير أن الجميع كان يشترط على الأقل خبرة سنتين من العمل في نيويورك، وكانت هذه رصاصة في الرأس.

سجلت اسمي في ثمانية شركات عمل، ولم أصل لنتيجة. ومثل كل خريجي الجامعة، كانت لدي القليل من المهارات المقبولة في السوق. فأنا لم أتعلم الإكسيل تماما، ولا الباوير بوينت، ولا الفوتوشوب. فطلبت عملا بصفة نادلة في ستاربيوك. أو بائعة ثياب في أميريكان أباريل، وخبازة تحضر الكعك في ماغنوليا بايكري.

ولم يرد أحد. ثم عملت في ملهى ليلي هو ويبستير هول لليلة واحدة، ليلة واحدة فقط، ثم أخبرني المدير إنه سيدفع لي في النوبة التالية، غير أنه لم يكلفني بهذه النوبة أبدا.

وتعلمت في نيويورك أننا نحتاج لمضيف. كان لدي نصف دستة من زملاء الجامعة موزعين في المناطق الخمسة. ولكنهم جميعا كانوا يكافحون في سبيل لقمة العيش. ولم يكن لدي مكان أستقر فيه. والعودة لمسقط الرأس لم يكن خيارا واردا. لم أفكر به على الإطلاق. وفي النهاية، وجدت عملا في البيع عن بعد. كان العمل في غرفة بلا نوافذ في باتيري بارك سيتي ولقاء 12 دولارا

بالساعة. وكان المدير يدفع بالشيك، إذا دفع أساسا. واستغنى عني بعد أقل من شهر وكنت في منتصف نوبة العمل. والمبرر أنني لم أكسب المبلغ المتوقع مني. كان يستغني عن الضعفاء وغير المربحين على مدار الأسبوع. وكان محقا بطردي، لأنني لست ماهرة في هذا العمل. وبأي مقياس منطقي، بدأت أخسر حياتي.

وذات مساء كنت أسير بلا هدف في الزقاق الثامن في طريقي لطلب عمل في حانة لاتيتيود، ورأيت شارة نيون تعلن عن "بنات عاريات". وتحتها اسم صالة للتعري اسمها غوثام سيتي فيديو، وكانت محشورة بين الحانة ومكتب غراي لاين باص تورز.

وفتنتني هذه الفكرة الجنونية / أقصد عرض التعري، فقد كنت لا أظن أنها موجودة على أرض الواقع، وأنها اختفت من فترات طويلة. وتوقعت أن البنات ترتدين هنا كل ليلة ثيابا مكشوفة لتأدية العمل وفجأة، فكرت إن إلقاء النفس في هذا الوضع الحرج قد يتسبب لي بردة فعل، وينهي الشعور الطبيعي الذي يلازم بنات البلدات الصغيرة. تحت أضواء فلوريسينت نفاذة رأيت مجموعة من الدمى الجنسية، وسألت القبطان الجالس خلف المنضدة، والذي يرتدي القميص الأصفر البراق الخاص بالصالة، هل يوجد عمل هنا؟. كان الوقت في تموز، وكنت أتعرق، وشعري يلتصق بجانبي وجهي. فتحراني بعينيه جيدا ثم قال:"هل معك هوية؟".

قدمت له جواز سفري.

قال بصوت كالنباح:" املأي الاستمارات وضعي اسمك في البرنامج". وقعت على نوبة أصوات النواح في المقابر وباسم "شيلسي" فهو اسم جيد للمسرح مثل غيره من الأسماء. كانت له رنة مألوفة وعذبة. وقلت لنفسي: ربما لن أحضر لتأدية هذا العمل. ولكن بعد أسبوعين من العوز ونزيف النقود أسرعت لتأدية النمرة.

وسريعا، حصلت على شعر مستعار أسود، وزوج من الأحذية البلاستيكية الرخيصة ذات الكعب الرفيع وأصبح كلاهما لي. من ممتلكاتي.

كان عمري 25 عاما ومضى على حياتي في نيويورك ستة شهور، وهذا هو أول بداية لي مع عروض التعري. كانت لدي فكرة بريئة نوعا ما عما يحصل في هذه العروض. ولكن لم أعلم كم سيكون هذا العالم مظلما وكئيبا.

كفتاة راقصة كان بقائي يعتمد على الخداع، وجباية 35 دولارا من السياح المخدرين بجرعات كبيرة ومن أولاد الجامعة الفضوليين، والعمال المكسيكيين والوعاظ الذين تحرروا من عقدة الذنب – بالإضافة للسكان العاديين، وهم بضاعة جففتها شمس تايمز سكوير - وذلك لقاء التخلي عن ثيابي مع قليل من الإغراءات وإنما من خلف جدار زجاجي. كانوا ينحنون ويقحمون النقود في ثقوب محفورة في باب مطلي باللون الأحمر. ولأبدأ العرض، على المرء أن يدفع 10 دولارات في العداد، فترتفع ستارة سوداء من البلاستيك. تتحرك ببطء، وتظهر الفتاة على الطرف الآخر بالتدريج، وهي تئن وتئز وتكافح للنهوض. وبعد أن ينتهي العرض، تهبط الستارة بنفس البطء. أحيانا كنت ألوح تلويحة الوداع، فيما الرجل المقابل لي يختفي عن أنظاري.

أحيانا تدب الفوضى بالرجال، ويهاجمون الزجاج، وينحنون ويركعون ليحصلوا على آخر لمحة قبل أن أختفي.

وطوال الليل، يتدفق الرجال من الشارع ويطلبون مني طلبات مخجلة. ودائما يكونون بمفردهم، مشردين في تايمز سكوير، كأنهم يبحثون عن شيء مفقود. وبلا حياء يساومون ويسألون هل "نمارس الجنس لقاء مائتي دولار". ولا يتورعون عن التكرار بلهجات أجنبية، دون أن ترمش

عيونهم، حتى أنفجر بالضحك أو أتنهد بجهد مضاعف كي لا أصرخ بهم. نحن "بنات التعري" لا نستعرض أنفسنا سوى خمسة دقائق ونخبر الرجال بذلك، ولكن الستائر لا تهبط إلا بعد أن تترك نصف دقيقة مجانية. من بين المشاهدين الذين لا أنساهم تاجر من الجنوب يمضغ عود تنظيف الأسنان. وفي إحدى المرات، زارني شخص أخبرني أنه محقق في دايلي نيوز وسألني ماذا أريد حقا أن أفعل بحياتي – وماذا أفعل في مكان من هذا النوع؟.

كانت دقيقة حاسمة. كنت أبحث عن موطء قدم في نيويورك، وفي نفس الوقت أحاول أن أكتشف الأجزاء العميقة والمتشابكة من ذاتي. واخترت أن أعبر عن ميولي الجنسية بطريقة آمنة، محمية وراء لوح من الزجاج.

كنت أكسب 300 - 400 دولارا في الليلة لو حالفني الحظ. ولكن ليس كل الليالي جيدة، مع ذلك هناك الكثير من النقود السائلة لنوبة لا تزيد عن ست ساعات. أضف لذلك، كان هدفي شق طريق لمهنة، وكنت أود أن أكتب في وسائل الإعلام. والآن يمكنني الحصول على الكتابة في مجلات مجانية لوضع حجرة الأساس لسيرتي المهنية وأفكاري.

لم أخبر أحدا من زملاء العمل بمهنتي الأخرى – لربما كان لهم ردة فعل مخزية. واحدة من المحررات أخبرتني:"يا عزيزتي، ليس من الضروري أن ترتدي حذاء بكعب من أجل التصوير. وإلا تعبت قدماك في نهاية اليوم". ابتسمت لها. كنت معتادة على الوقوف بحذاء مع كعب أطول من هذا الذي أرتديه. وكنت أتمنى لو أقول لها: ليس لديك فكرة عن حقيقة معاناتي.

في بعض الظروف اضطررت للعمل في نوادي الستريبتيز في مدن مختلفة، وأخذ ذلك شكل عطلة عمل: في سان فرانسيسكو وبورتلاند وأور. ولكن وقر في نفسي أنني لم أحصل على تجارب مفيدة ومع ذلك كنت مثل من يندفع في رحلة نتيجتها الخيبة واليأس. وحتى في نيويورك، الشاطئ الغربي: لم يتغير شيء. كانت الغرف تمتلئ بالنساء المكافحات من أجل مستنقع من النقود. وكانت الليالي والنهارات متماثلة ويتخللها خيوط مختلفة من العزلة والخزي. وكنا نؤدي نفس الواجب ليلة بعد ليلة، عاريات، ودون أن يهتم أحد بذلك. وكان من الممكن أن نعبر البلد من طرف لآخر ونقوم بالمزيد أو بالأقل في نوادي الستريبتيز أو عروض العري، ولكن لم نحصل من ذلك على الحرية. لم يربح في هذه الحالة أحد. لقد تأثرت حياتي الشخصية أيضا. ولم أشعر بالرغبة لعقد موعد غرامي، أو تعارف، وأنا أعمل في أماكن من هذا النوع.

حينما كنت أعقد مواعيد تعارف، لم أتستر على ما أفعل بوقتي. كان الأولاد الطيبون يخافون، ومن لا يرتسم الرعب على وجهه هو من النوع الانتهازي واللئيم.

ومر علي ثمانية عشر شهرا بحياة مزدوجة. وفي الأسبوع السابق لعيد الميلاد، كنت أعمل بمفردي في الثالثة صباحا، في تايمز سكوير. وكانت الصالة خالية تماما. وبدأت الإذاعة تعزف لحن "أنت تخدعين قلبي". وكان حفيف يأتي من الستائر الفاصلة بين غرفة الراقصات وبقية الصالة. نظرت للأعلى: رأيت أحد المقاولين من الزقاق الثامن يقود رجلا أدرد وثملا نحو الصالة. وأشار لي المقاول ثم همس بأذن العجوز، وبعد ذلك حصد قبضة من النقود من الرجل وغادر. ثم بدأ المعتوه الثمل يعرج نحوي. ورائحة الكحول تفوح منه، وشعره الأشيب ملتصق بعشوائية بقمة رأسه. وقال من حلقه:"دفعت للتو 100 دولار لقاء عمل مفتوح"، وكانت لهجة الجنوب تأتي من خلف صوته المشحون بالكحول. وأضاف:"لن أغادر حتى أحصل على ذلك". وبهدوء ناديت على رجل الأمن. وفاقمت لامبالاتي من غضبه، فضرب الجدار بحنق. وظهر حارسان قبضا عليه كل من ذراع، ودفعاه للخلف نحو الباب. وبعد أن قاما بواجبهما، جاء

باسيل، وهو أحد الحارسين، وحمل ممسحة لينظف بها أحد علب الفيديو. تبادلنا النظرات كأننا نؤكد على عبثية ولامعقولية كل ما يجري.

قال باسيل:" هل تعلمين أنه توجد طريقة أفضل لكسب قوت يومك". وعصر الممسحة في علبة من الماء العكر. كان محقا. لا يمكنني أن أسمح لنفسي أن أكون تحت الأنظار مثل سلعة بعد الآن. كنت أعتقد أنه يمكنني أن أستمر كما أنا في المقصورة، بعيدة وغير متأثرة بعواقب هذا العمل. كلا لا يمكنني ذلك. لا أحد بمقدوره التحمل. وفي نهاية عام 2007 غادرت العمل واختفيت بكل بساطة. هكذا يمكن أن تربح. بنت في عروض التعري تهجر أشياءها. كان الهدف أن لا أمتلك شعرا مستعارا، وحذاء التعري والثوب البراق. وتمكنت من ذلك. وحصلت على عمل للكتابة الحرة في الإنترنت، وهكذا علمت أنه بمقدوري أن أربح الرهان. وسريعا حصلت على عمل مأجور كامل وبدأت العمل في مهنتي الطبيعية.

بالنظر إلى الوراء، لم أشعر بالذنب مما فعلت. فما حصل ردة فعل. ولكن والداي كانا دائما يسخران مني لأنني أحب أن أتعلم الأشياء بالطريقة الصعبة. وهما غير مخطئين -- لقد تعلمت الكثير.

أشياء مثل الجنس – أو بالأحرى، فكرة الجنس – أضف له العري، هل من المفترض أن لهما معنى. بالتأكيد بعد العزل عن شبكة العلاقات، ليس لهما دلالة – أو بالأحرى، كما أرى حاليا، أصبحا شيئا يمكن التفاوض عليه، لقد عملت في التعري، و أصبح ذلك مع الزمن شيئا لا– يزيد على معنى دمية بثياب مخصصة للرجال ليسقطوا عليها وجهة نظرهم.

ولا داعي لسوء الفهم، أنا لا أعترض على صناعة التعري. وأنا أدعم كل امرأة تعمل هناك. ولكنه عمل قاس ولا يمكن لأي إنسانة أن تمتهنه.

وبعد أن تقاعدت من مهنة التعري، وقعت بغرام شاب و صارحته بكل شيء عن عملي السابق. وكان يواظب على توبيخي ويقول بغاية الدهشة وعدم الاقتناع:" كان الأفضل أن تعملي في قفص". ثم علمت أن لديه ماض يؤرقه: فقد مر بتجربة مع المخدرات امتدت لسنوات، ولديه فكرة عما تعنيه أن تعيش حياة مزدوجة. لقد شاهد حكايته داخل حكايتي. واستوعب مغزى ذلك.

والإنسان الوحيد الذي لم أنقطع عن الاتصال به من أيام عروض التعري هي صديقتي روبي. وقد أخبرتني أنه خلال الشهور الأولى لاختفائي كان الرجال يتدفقون على الصالة ويسألون أين عساي أكون. ولكن هذه الطلبات تناقصت حتى انقطعت – فالرجال الذين دفعوا لقاء مشاهدتي مرات ومرات – نسوا كل شيء عن الراقصة الشاحبة ذات الشعر الأسود المسماة شيلسي ثم توقفوا عن المجيء.

شيلا ماكلير Sheila McClear: صحافية أمريكية تعمل في نيويورك بوست. وهذه مقتطفات من سيرتها الكاملة الصادرة عن منشورات سوفت سكال.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow