Alef Logo
كشاف الوراقين
              

المحب والمحبوب و المشموم و المشروب المؤلف: السري الرفاء

ألف

خاص ألف

2018-01-27

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي الحمد لله على أفضاله، والصلاة على النبي محمد وآله.
الألفاظ للمعاني بمنزلة المعارض للجواري، فأجمعها لأقسام الجودة، وأنظمها لأحكام الإصابة، وأمشاها في طريق البلاغة والبراعة، وآخذها بحسن السياق ولطف الافتنان في الخطابة، ما شفع إلى المخرج السهل محاسن اللفظ الجزل، وقرن بدقة المعنى واقتضاب البديع، غموض المسلك ولطافة المدخل، وكان متناسباً في الرقة والسهولة، متشابهاً في حلاوة النسج والعذوبة، بكسوة رشيقة، ودماثة تامة وخلابة تسحر القلب، ورشاقة تملك الأذن، متصل المبادئ بالخواتم لدن المعاطف، فصل من قائله برونق القريحة، ووشي الغريزة، وديباج الطبيعة، يترقرق على أعطافه ماء السلاسة، وتشرق بأطرافه بهجة الطلاوة، فهتك حجاب السمع؛ وسكن سواد القلب غير مستعان عليه بالفكرة، ولا مستخرج الرؤية، ولا مستنبط باعتساف الخاطر ومجاهدة الطبع، وغوص الهواجس، وغور الأفكار، واقتسار أبيه الممتنع، واقتياد عويصه المتوعر، بعيداً من صنعة التكلف، نزيهاً عن سماجة الاستكراه، سليماً من وحشة التعقيد. أوله دال على آخره، ومختتمه معرب عن مفتتحه، وأوسطه كطرفه؛ لا اللفظ زائد على معناه فيعد فضولاً وهذراً، ولا المراد قاصر عنه فيحسب انغلاقاً وحصراً. بل هما توأمان في وضوح الدلالة، وصواب الإشارة. وردا مورداً واحداً، وخرجا، في حسن النحت وسلامة السبك وكثرة الماء، مخرجاً فذاً كأنهما الشمس والظل في التقارب، والماء والهواء في التناسب، فعمرا الصدر الخراب بالفائدة؛ وألقحا الطبع العقيم بنتاج الأدب وشحذا الأفكار الكليلة؛ وشفيا الأذهان العليلة؛ وعودا اللسان اعتياد البديهة واللسن! وقدحا في القلب بزناد الفطانة واللقن. وتهجا له التأني لوجوه المنطق. وسهلا له جوانب الكلام والتأنق في اختراع لطيفه وابتداع دقيقه، والتقلب في أفانينه، واستمالة القلوب الشاردة، واستصراف الآذان العازبة بموقعه، واستنجاح المطلب البعيد، واستسهال المغزى الشريد بمسموعه.
وبعد، فأعلق الحديث بالألباب والقرائح، وأليقه بالفطن والطبائع، حتى تفتح الأذن لسماعه باباً، ويرفع القلب لدخوله حجاباً، ما كان عبارة عن العشق والنسيب، وترجمة عن الهوى والتشبيب، لميل النفوس بأعناقها إليه، وإلقاء القلوب في أزمتها عليه، على تباين النعم والبلدان، وتفاوت الأمزجة والإنسان؛ من ذي جد متورع، وذي خلاعة متبطل، وعامي متبذل، وخاصي متصون، وثكلان بلده كمود الغم، وغضبان أحرقه لهيب الغيط، وأسوان دلهه فوت المطلوب، وبعد المحبوب.

كما افتتحنا به الكتاب، وصدرنا بذكر مقطعات الغزل وأبيات الشعر الشوارد التي تكون في المحافل أجول، وعلى المسامع أدخل، في أوصاف المناظر الحسنة، والوجوه النيرة، والمحاسن الرائعة المعجبة، والصور المليحة الأنيقة، وحسن الخلق، ووسامة التصوير، وصباحة سنة الغرة، واعتدال التركيب، واستقامة التدوير، وسبوطة الشعر، وجثالة الفروع، وجعودة الغدائر واسترسالها على المتون كالأشطان، ووحوفتها وانفتالها في الأصداغ كالصولجان، ونجل العيون، وحور الأحداق وبرج المقل، وكثافة نسج الأهداب، وخلوصها من المره وانغماسها في الكحل، وأسالة الخدود، وبهجة الصفحات كأن الماء يقطر منها، وامتزاج أحمرها بأبيضها، وتورد الوجنات بصبغة الخجل، وتصوب مائها بصفرة الوجل، وتقويس الحواجب، وحلوكة نبات الشعر، وسبوغها إلى مؤخرة الآماق، ودقة تخطيطها كأنها قوادم الخطاف، وانعطاف طرفي القسي الموترة والحنايا المأطورة؛ وتردد الأجفان بين الدلال والتفتير، والغنج والتكسير، كأنها حور الظباء بابليات النظر، أو ربائب الوحش من سرب البقر، وسواد نقط الخيلان على وضح بشرة الوجه، كأنها النكتة السوداء في صفحة البدر، أو بدد تفاريق الغسق على بلج الفجر، أو نقطة الزاج في صفيحة العاج؛ وحمرة العوارض ملونة بخضرة التعذير، كأنها طرار البنفسج على ورقات الورد الجني، أو يورد زهر الربيع الباكر على الغصن الروي، أو آثار المسك على خد الكاعب الرود، أو برد الدجى لاح في الخطوط السود؛ ولعس الشفاه، وصغر تقطيع الأفواه، وأشر الثنايا، وشنب اللثات، وبرد الريق، وعذوبة المذاق، وسلامة النكهة من الخلوف، ورخامة الصوت، ودلال الحديث، وإشراف الأرانب، وقنا القصبات، ولين الأعطاف، وتمايل القدود والقامات، كأنما مالت بها سورة الشراب، وسقاها ربعي الشباب، أو انخنثت من السكر، أو عبثت بها نشوة الخمر؛ واندماج الخصور، ورقة الأوساط، حتى تكاد تنقد هيفاً، وتنبت قضفاً، وعبالة الأكفال، وامتلاء المآزر، وخدالة السوق، وشطانة الأبدان، وري العظام، واكتناز القصب، ودماثة الأكعب، وغموض المرافق وغوص حجمها في ري المعاصم، والمأكمة الرابية، والعجيزة الوثيرة، وثقل تكيفها كالكثيب الرجراج، أو كمتلطم الأمواج، مختومة هذه النعوت بالمختار من فوارد الشعر ومنتخبه الذي يعب فيه الذهن ويلتهمه السمع وتعتزيه النفس في أسباب الهوى، وأحوال الحب، ودواعي العشق، وتباريح الوجد، ولاعج الشجو، والوداد الدائم والمحافظة اللازمة، وعلائق الخلة ونوازع المقة التي تلتحم بها الأحشاء، وتلتبس الأعضاء، وتجري مجرى الدم، وتسري مسرى السم، لا تحول مدى الأيام، ولا تزول طوال الليالي، مخبرة عن صحة العهد، ودوام الوفاء، وصدق المودة، وشدة المحبة، وعزوب الصبر، وتمادي الوله، ولجاج القلب، ومطال الشوق، واستسلام الجوانح لسلطانه، وانقياد الشديد الشكيمة، الأباء للهضيمة، ومبتدأ القلق الذي أوله نظرة، وأوسطه خطرة، وآخره فكرة، وتنوع جنس الحب: من لجاج مكب، وعرض متفق، كما تجلب الشيء البعيد جوالبه، ومستفاد بالنشد والإلف، وكيف يجنيه الطرف، ويتشبث به القلب، ويمتزج بعلائقه الكبد؛ إلى ما يتفرع عليه من وصل وصدود، وإقبال وإدبار، وفرقة وألفة، وقلق وسكون، وتواصل الأحباء، ومراصدة الرقباء، متفننة في جميع جهاتها، ومتفرقة في كل طرقاتها، مستصلحة للحفظ والمذاكرة؛ مرتضاة للملاقاة والمحاضرة، ملتقطة من لفظ الأفواه. فالناس يكتبون أحسن ما يسمعون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، وينشدون أحسن ما يحفظون. فهي عريقة في الاختيار مرات، عائدة من جهات بإيناس المستوحش، وعمارة المجلس، وتلهية القلب، ونفي الوحدة، وتعلة النفس، وتسلية العزب الوحيد، والمستهام العميد.

وعقيبها الفصل الثالث في أوصاف الربيع، وإيماض برقه، ونشر سحائبه، وجلجلة رعده، وسقوط قطره، وفترة نسيمه، وسجسج هوائه، وانعطاف قوسه وسط الغمام أخضر بجنب أحمر إلى أصفر، كما تظاهرت العروس بين جلابيبها وبعض الذيل أصر من بعض، أو كما عقدت الكاعب الرود أسورتها على معصمها من مصوغ ذهب إلى منظوم زبرجد بينهما معقود ياقوت؛ وهبوب الرياح على وجوه الغدران ومسحها أقذاءها كأنها ماوية مصقولة، أو مرآة مجلوة، وعصفة الشمال بالسواقي ممتدة على استواء كأنها حية تسعى أو صفيحة الحسام المسلول؛ وتدريجها متونها حزوزاً كمتون المبارد، أو حلقاً كمراقد الأساود؛ وأنواع الأزاهير وصنوف الرياحين، وكيف يتضمخ الجو من عرفها، وتتضوع المسارب بأرجها؛ وانفتاق الأنوار من أكمامها، وخروجها من أغطيتها إلى مسرى هيجها على ظواهر الأرض، وأوان جفوفها بضواحي الجلد، وحين يبسها بأشراف الجبال ومتون الأقبال؛ وذبول نضارتها، وتصوح بهجتها، وعودها هشيماً تذروه الرياح، وتنسفه الأرجل مختوماً بمشموم الطيب من المسوك والعنابر والكوافير والأعواد والغوالي، وذكر حقائق اشتقاقها وشواهدها من العربية، وحصر أسمائها وإيراد ما صرفته الشعراء من معانيها.
وبعده الفصل الرابع في نعت الخمور وعد أساميها وتحقيق اشتقاقها وموضوعاتها وأبنيتها ولغاتها، والأمثال المضروبة بها، وصفات أحوالها من مبتكر الأمثال، وتوريق كرومها وتعريشها على الدعائم وشدها بالقوائم، ثم اخضرار أوراقها، وتهدل أفنانها، وتفنن شعبها، وانعقاد حباتها، وإيناع ثمراتها، وتدلي أعنابها، وتساقط قضبانها، موقرة دوالح بأحمالها مكتنزة عناقيدها، هوادل بأثقالها كما احتبى الزنج في الأزر الخضر، أو تعرض الثريا في أزرق الفجر؛ إلى أن تنبذ في الخوابي، وتسلم إلى الظروف، وتودع الأوعية، نصب عين الشمس، فيطبخها حمي الهواجر، ويصفيها لفح السمائم بالظهائر، فتستوعب قوتها، وتستوفي حولها وشدتها، حتى يجتليها السقاة في معارض الأقداح، وتحثها ركباً على مطايا الراح، قهوة حمراء في زجاجة بيضاء عذراء من حلب الأعناب بمزاج حلب السحاب، فينتظم بها شمل السرور ويتجنب حماها طوارق المحذور.

الباب الأول

أوصاف الشعر

قال بكر بن النطاح:
بيضاء تسحب من قيامٍ فَرعَها ... وتضِلُّ فيه وهو وحفٌ أسحمُ
فكأنَّها فيه نهارٌ ساطعٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلمُ
المعوج الشامي:
وفي أرجورانيِّ الغلالة شادنٌ ... لباسُ الدجى من عُذْره وغدائرهْ
له لحظاتٌ فاتراتٌ يكُرُّها ... بفترة أحوى فاتن الطرفِ فاترهْ
فلا غمد إلاّ من سوادِ جوانحي ... ولا سيف إلاّ من بياض محاجرِهْ
دعبل بن عليِّ الخزاعيِّ:
أما في صروف الدهر أن ترجع النوى ... بهم ويُدالَ القرب يوماً من البعدِ
بلى في صروف الدهر كلُّ الذي أرى ... ولكنَّما أغْفَلْنَ حظّي على عمدِ
فواللهِ ما أدري بأيِّ سهامها ... رَمتْني، وكلٌ عندنا ليس بالمُكْدي
أبا لْجيدِ أمْ مجرى الوشاح؟ وإنني ... لأِتْهم عينيها مع الفاحمِ الجعدِ
عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
سَبَتْهُ بوَحفٍ في العِقاصِ كأنَّه ... عناقيدُ دلاَّها من الكَرْمِ قاطِفُ
أسيلاتُ أبدانٍ دقاقٌ خُصورها ... وَثيراتُ ما الْتفَّتْ عليه الملاحِفُ
ابن الرومي، وأحسن في بسطه ووصفه:
وفاحمٍ واردٍ يقبِّلُ مَمْ ... شاهُ إذا اخْتالَ مُرسلاً غُدُرَهْ
أقبل كالليل من مَفارِقِهِ ... مُنحدراً لا يذُمُّ مُنحدرهْ
حتى تناهى إلى مواطِئِهِ ... يَلثِمُ من كلِّ موْطئٍ عَفَرَهْ
كأنَّه عاشقٌ دَنا كَلَفاً ... حتى قضى من حبيبه وَطَرهْ
وعبد الله بن المعتز وارده في هذا المعنى حيث قال:
فلّما أنْ قضتْ وَطراً وهمَّتْ ... على عَجَلٍ لأخذٍ للرِّداءِ
رَأتْ شخص الرقيب على تدانٍ ... فأسبَلتِ الظَّلامَ على الضياءِ
فغاب الصبحُ منها تحت ليلٍ ... وظلَّ الماءُ يَقطُرُ فوقَ ماءِ
والمتنبي منه أخذ قوله:
دعتْ خلاخيلُها ذَوائبَها ... فجِئنَ من قَرْنِها إلى القدمِ
وقوله:
وَمَن كلَّما جَرَّدْتُها من ثيابها ... كساها ثياباً غَيْرَها الشَّعَرُ الوَحْفُ

وابن الرومي وابن المعتز أخذاه من قول أبي نواس:
بانوا وفيهمْ شُموسُ دَجْنٍ ... تَنْعَلُ أقدامها القرونُ
تعومُ أعجازُهُنَّ عوْماً ... وتَنثني فوقها المتونُ
وأبو نواس أخذه من ذي الرمة حيث قال:
إذا انْجرَدَتْ إلاَّ من الدِّرع فارْتدتْ ... غدائرَ مَيَّال القُرونِ سُخامِ
وأخذه ذو الرمة من الأعشى حيث قال:
إذا جُرِّدَتْ يوماً حَسِبْتَ خَميصَةً ... عليها وجِرْيالَ النضيِر الدُلامِصا
حمزة البكري:
قامَتْ تُريكَ ابنةُ البكريِّ ذا غُدُر ... يُستمطرُ البانُ منها واليَلَنْجوجُ
وَحْفٌ مَنابِتُه رَسْلٌ مَساقِطُه ... مُحلَوْلَكُ اللونِ غِربيبٌ ودَيْجُوجُ
اليعقوبي:
جُعودةُ شعرِها تَحكي غديراً ... تُصَفِّقُهُ الجنوبُ على الشمالِ
ابن لنكك:
هَلْ طالبٌ ثأرَ من قد أهدرَتْ دمَهُ ... بيضٌ عليهِنَّ نَذْرٌ قَتْلُ من عشِقا
من العقائلِ ما يَخْطِرنَ عن عُرُضٍ ... إلاَّ أرَيْنَكَ في قدٍّ قَناً ونَقا
رَواعفٌ بخدودٍ زانَها سَبَجٌ ... قد زَرْفَنَ الحُسنُ في أصداغِها حَلَقا
نواشرٌ في الضُحى من فَرِْعها غَسقاً ... وفي ظلامِ الدُجى من وجهها فَلَقا
أَعَرْنَ غيدَ ظِباءٍ رُوِّعِتْ غَيَداً ... والورْدَ تَوْريدَ لونٍ، والَمها حَدَقا
المتنبي:
كَشفتْ ثلاثَ ذوائبٍ من شعرِها ... في ليلةٍ فأَرَتْ لياليَ أرْبَعا
واستقْبلتْ قمرَ السماءِ بوجهِها ... فأَرَتْنِيَ القَمَريْنِ في وقتٍ معا
ابن دريد:
غَرَّاءُ لوَجَلتِ الخدودُ شُعاعها ... للشمس عند طُلوعها لم تُشْرِقِ
غُصنٌ على دِعْصٍ تبدَّى فوقَه ... قمرٌ تألَّق تحت ليلٍ مُطْبِقِ
لو قيل للحُسْن: احْتكم لم يَعْدها ... أو قيل: خاطِبْ غيرها لم يَنْطِقِ
فكأنَّنا من فَرْعِها في مَغرِب ... وكأننا من وجهها في مَشْرِقِ
تبدو فيهتفُ بالعيون ضياؤُها ... الويلُ حلَّ بمقلةٍ لم تُطبقِ
الخليع:
وَمُبْتَسِمٍ إليَّ من الأقاحي ... وقد لبسَ الدُجى فوقَ الصباحِ
ثَنى زُنَّارَهُ في دِعْصِ رملٍ ... على خُوطٍ من الرَيْحان ضاحِ
له وجهٌ يَتِيهُ به وعيٌن ... يُمَرِّضُها فيَسْكِرُ كلَّ صاح
المتنبي:
كلُّ خُمصانةٍ أرَقَّ من الَخْم ... ر بقلبٍ أقسى من الَجْلُمودِ
ذاتُ فَرْعٍ كأنما ضُرِبَ العَنْ ... برُ فيهِ بماءِ وَرْدٍ وعودِ
حالِكٍ كالغُدافِ جَثْلٍ دَجو ... جِيٍ أثِيثٍ جَعْدٍ لا تجْعيدِ
تحمِلُ المِسكَ عن غَدائِرها الري ... حُ وتفْتَرُّ عن شَتيتٍ بَروُدِ
أبو دلف:
حَسُنَتْ واللهِ في عيْ ... ني وفي كلِّ العيونِ
قَيْنَةٌ بيضاءُ كالفَّض ... ةِ سوداءُ القُرونِ
أقْبَلَتْ مُختالة بي ... نَ مَهاً حُورٍ وعينِ
لم يُصبْها مرضٌ يَنْ ... هَكُ إلاَّ في الُجفونِ
المتنبي:
لَبسنَ الوَشيَ لا مُتَجَمَّلاتٍ ... ولكنْ كي يَصُنَّ به الجَمالا
وضَفَّرنْ َالغدائِرَ لا لِحُسْنٍ ... ولكنْ خفْنَ في الشَّعْرِ الضَلالا
ذو الرمة:
هِجانٍ تَفُتُّ المسكَ في مُتَناغمٍ ... سُخامِ القرونِ غيرِ صُهْبٍ ولا زُعْرِ
وتُشعرُهُ أعطافَها وتَشُمُّه ... وتمسحُ منه بالتَرائب والنحْرِ
لها سُنَّةٌ كالشمسِ في يومِ طَلْقَةٍ ... بَدت من سحابٍ وهي جانِحةُ العَصْرِ
وقال الشماخ، وأنشدوه في أبيات المعاني:
دارُ الفتاةِ التي كُنَّا نقولُ لها ... يا ظبيةً عُطُلاً حُسَّانةَ الجيدِ
تُدْني الحمامةُ منها وهي لاهيةٌ ... من يانِعِ الكَرْم قِنْوانَ العَناقيدِ

الباب الثاني

الأصداغ

قال ابن المعتز:
ريمٌ يتيهُ بِحُسنِ صُورتهِ ... عَبَثَ الفُتورُ بِلحظِ مُقلتهِ
وكأنَّ عَقْربَ صُدغه وقفتْ ... لمّا دَنَتْ من نارِ وجْنَتهِ
ولقد أحسن فيه. إلا أنه ألم بقول العرب، أنشده ابن السكيت:
وكأني شَبْوةٌ عندَ الصُدودِ
أي كأني، في صدودي عن النار، العقرب، لأنها لا تقربها.
وكذلك قوله في صفة الهلال:

ولاحَ ضوءُ هلالٍ كادَ يَفْضَحُهُ ... مِثلَ القُلامةِ قد قُصَّتْ من الظُفُرِ
أخذه من قول جميل، أنشده الأصمعي:
كأنَّ ابْنَ مُزْنَتِها جانِحاً ... فَسيطٌ لدى الأُفقِ من خِنْصِرِ
أبو مسلم الرستمي:
وبنَفْسي من إذا جَمَّشتُهُ ... نَثَرَ الوردُ عليه وَرَقهْ
وإذا مسَّت يدي طُرَّتهُ ... أُفْلتَتْ منها فعادتْ حَلَقَهْ
لم أزَلْ أحرِسُ قلبي جاهداً ... من لُصوصِ الحُبِّ حتى سَرَقهْ
المعوج الشامي:
صَوالِجُهُ سودٌ مُعطَّفةُ العُرى ... تَمايلُ في مَيدان خَدٍّ مُضَرَّجِ
ترى خدَّه المصقولَ والصُّدُغُ فوقَه ... كَوردٍ عليه طاقةٌ من بَنَفْسَجِ
الرقي:
أبداً نحنُ في خلافٍ فَمنِّي ... فرطُ حُبٍ، ومنكَ لي فرطُ بُغضِ
فَتْلُ صُدغيْكَ فوقَ خطِّ عِذارٍ ... ظُلماتٌ، وبعضُها فوقَ بعضِ
آخر:
ومُستبيحٍ لقتلي ... ما إنْ يُمرُّ ويُحْلي
سِنوهُ خمسٌ وعشرٌ ... كالبدرِ عندَ التَجَليِّ
مُصَحِّحِي حينَ يدنو ... وفي التنائي مُعلىِّ
ما شَوَّشَ الصُدغَ إلاَّ ... لِكيْ يُشوِّشَ عقليِ
السروري:
وَذي دلالٍ كأنَّ طُرَّتَهُ ... بُستانُ حُسنٍ بالزهرِ مَنْقوشُ
ورَوْضةُ الياسميِن عارِضُهُ ... وهو بلحْظِ المحبِّ مخدوشُ
والدُرُّ في ثغرهِ منابِتُهُ ... والمسكُ في عارضيْهِ مَفروشُ
وقد زَها في قضيبِ قامَتِهِ ... عُنقودُ صُدغٍ عليهِ مَعروشُ
آخر:
لامسَّ جِسمكَ، بل وُقِّيتَ بي أبداً ... ما مسَّ جسميَ من تفتير عيْنيْكا
قلبي وصُدغُكَ لم يحرقْهُما لَهبٌ ... كِلاهما احْتَرقا من نارِ خدَّيْكا
العلوي:
وعهدي بالعَقاربِ حيَن تَشْتُو ... تُخَفِّفُ لَدْغَها وتَقلُّ ضُرّا
فما بالُ الشتاءِ أتى وهذي ... عقاربُ صُدغهِ تزدادُ شرّا
ابن المعذل:
ومُتَّخذٍ على خَدَّي ... هِ من أصداغهِ حَلَقا
يكادُ يذوبُ حين نُدي ... رُ في وجَنَاتهِ الحَدَقا
إذا جَمَّشْتَه باللَّحْ ... ظِ بُلَّ جبينهُ عَرَقا
كشمسِ الأفقِ آخذَةٌ ... على أبْصارنا الطُرُقا
آخر:
غِشاءُ خَدَّيهِ جُلَّنارُ ... وَوجههُ الشمسُ والنّهارُ
أطوفُ حيرانَ في هواهُ ... يُديرُني لَحْظُهُ المُدارُ
كشاجم:
حُورٌ شَغَلنَ قلوبَنا بفراغِ ... ورسائلٌ قصَرتْ عن الإبْلاغِ
ومَنعْنَ وردَ خُدودهِنّ فلم نُطِقْ ... قَطْفاً لها لعقاربِ الأصداغِ
أبو فراس:
ومُرْتَدٍ بِطُرَّةٍ ... مُرسَلَةِ الرَفارِفِ
مُسَبلةٍ كأنَّها ... من زَرَدٍ مضاعفِ
خالد، ووجدتها في ديوان ابن المعتز:
دَعْني فما طاعَةُ العُزّالِ من ديني ... ما سالمُ القلب في الدُنيا كَمَفْتونِ
أيْقنتُ أنِّيَ مجنونٌ بِحُبِّكُمُ ... وليس لي عندكم عُذرُ المجانينِ
ذو طُرَّةٍ نَظمتْ في عاج جَبهته ... من شَعْرِهِ حَلَقاً سودَ الزَرافيِن
كأنَّ خطَّ عذارٍ فوقَ عارِضهِ ... ميدانُ آسٍ على وردٍ ونِسرينِ
ابن المعتز:
بَخيلٌ قد شَقيتُ بهِ ... يُكدُّ الوعدَ بالحُججِ
على بُستان خدَّيْهِ ... زَرافينٌ من السَّبَجِ
آخر:
أمِنْ سَبَجٍ في عارضيْه صَوالجٌ ... مُعَطَّفةٌ تُفاحَ خدَّيهِ تَضربُ
وما ضرَّهُ نارٌ بخدَّيهِ أُلْهبتْ ... ولكنْ بها قلبُ المحبِّ يُعذَّبُ
عناقيدُ صُدغيْهِ بخدِّيهِ تَلتوي ... وأمواجُ رِدْفيهِ بخصريْهِ تلعبُ
شَربتُ الهوى صِرفاً زُلالاً وإنما ... لواحِظُه تَسْقي وقلبِيَ يشربُ
ابن المعتز:
حُشِيَت عَقاربُ صُدغهِ ... بالمسكِ في خدَّيه حَشْوا
أبو تمام:
لمَّا اسْتَتَمَّ ليالي البدرِ من حِججٍ ... فوَّقَ السَّهمَ من عينيهِ في المُهجِ
وهزَّ أعلاهُ من حِقْويهِ أسفلُهُ ... واخضَرَّ شاربُهُ واجتحَّ بالحُججِ
بَدا يُعرضُ بالتجميشِ فامتزجتْ ... منه الملاحَةُ بالتكريرِ والغنجِ

كأنّ طُرَّتَهُ في عاجِ جبهتهِ، ... إذا تأمَّلْتَهُ، عِقْدٌ من السَبَجِ
ابن المعتز:
في خدِّه عقاربٌ ... مَحشُوَّةٌ بالغالِيهْ
شائِلةٌ أذنابها ... حُماتُهُنَّ قاضيَهْ
تَلسَعُني إذا بَدا ... وجسمُه في عافيهْ
الخباز البلدي:
ذو ظُرَّةِ كمثل ما ركُبِّ َفي ... صفيحةِ الفضَّة شبّاكُ سَبَجْ
وعارضٍ كالماء في رقَّتهِ ... تُزهر فيه وجنةٌ ذاتُ بهجْ
كأنما نسَّاج ديباجتهِ ... من وَرق النِسرينِ والوردِ نسجْ
ابن المعتز:
عيَّروا عارضه بال ... مسكِ في خدٍّ أسيلِ
تحتَ صُدغين يُشيرا ... نِ إلى وجهٍ جميلِ
الصنوبري:
للدَلَّ فيهِ عجائبُهْ ... للشَّكلِ فيهِ غرائبُهْ
للحُسنِ فيهِ شمسهُ ... وهلالهُ وكواكبُهْ
ولصُدغهِ في خدَّهِ ... حَرْفٌ تَنَوَّقَ كاتبُهْ
ظبيٌ يصيحُ عِذارُه ... يا غافليَن وشاربُهْ
وله أيضاً:
مُتَبسِّمٌ كافورُ عارضِهِ ... عن صُدغِ مسكٍ إنْ دنا نَفَحا
مُنْضَمُّ وردِ الخدِّ أوْلَ ما ... يَبدو، فإنْ جَمَّشْتَهُ انْفَتَحا

الباب الثالث

مدح العذار وذمه

التمار الواسطي:
أَرضى صبابَتَه ولَّما تُرضِهِ ... فَقَضى بها ومُرادَهُ لم يَقْضِهِ
أَهدى إليهِ الُحبُّ فترةَ جَفْنِهِ ... عَمداً، كما استهداه صِحَّةَ غُمْضِهِ
غُصنٌ تَفَتَّحَ نَوْرُهُ في فرعِهِ ... أَوفى بمُسْوَدٍّ على مُبْيَضِّهِ
فكأنَّ نَبْتَ عِذارِهِ في خدِّهِ ... وردٌ تعلَّقَ بعضُهُ في بعضِهِ
مثل البيت قول البرقعي:
ولاحَظَني بأجفانٍ مِراضٍ ... وإِيماضٍ يُخالَسُ باغْتِماض
ومِنْ فَتْلِ العبيرِ بعارضيه ... سوادٌ قد تَزَرْفَنَ في بَياض
أناف عليَّ مُكْتَحِلاً غماضاً ... قأرَّقَ ناظِريَّ عن اغْتِماض
أتعجبُ من فرائسِ أُسْدِ غابٍ ... ونحن فَرائِسُ المُقَلِ المِراض
ابن كيغلغ:
وكاسبِ آثامٍ يُجيلُ بَنانَه ... على زَعفَراناتٍ يُلَقَّبْنَ بالشَّعرِ
فما دُرَّةُ الغواصِ في نَحرِ كاعِبٍ ... ولا الغُصُنُ الميَّالُ في الورقِ الخضرِ
بِأحسنَ منه إذا بدا مُتَلَثِّماً ... بِفضلِ عِذارٍ خُطَّ في صَفْحَتَيْ بَدرِ
ماني الموسوس:
وما غاضَتْ محَاسِنُهُ ولكنْ ... بماءِ الحُسْنِ أورَقَ عارِضاهُ
سَمِعْتَ بهِ فَهِمْتَ إليهِ شوقاً ... فكيفَ لكَ التَصبُّرُ لو تراهُ
أبو فراس:
يا مَن يلومُ على هواهُ سَفاهةً ... انظُرْ إلى تِلكَ السوالِفِ تَعْذُرِ
حَسُنَتْ وطابَ نسيمُها فكأنّها ... مِسكٌ تساقَطَ فوقَ وردٍ أحمرِ
آخر:
يقولونَ قد أَخفى محَاسنَه الشَّعرٌ ... وهيهاتَ أنِ يَخْفى مع الظُلْمةِ البَدرُ
وأَحسَنُ ما يَبْدو لكَ الغُصنُ ناضِراً ... إذا لاحَ في أَطرافِهِ الوَرَقُ الخُضْرُ
ابن المعذل:
سالَتْ مَسايلُ عارضَيْ ... هِ بَنَفْسجاً في وَرْدِهِ
فكأنَّه مِن حُسنِهِ ... عَبَثَ الرَبيعُ بخدِّهِ
ابن المعتز:
لا تَحْسُنُ الأرضُ إلاَّ عند زَهْرَتِها ... ولا السَماواتُ إلا بالمَصابِيحِ
كذاكَ خَدُّكَ، لمّا اخضَرَّ عارِضُهُ، ... تَصَرَّحَ الحسنُ فيه أَيَّ تَصْريحِ
الصنوبري:
صاحَ عِذاراهُ بي وشارِبُهُ ... قُمْ فَتَأمَّلْ فأَنتَ صاحِبُهُ
إنْ كان بَدرُ الدُجى يُشاكِلُهُ ... فما لِبَدْرِ الدُجى مناقِبُهُ
لا وَجنتاهُ لهُ، ولا فَمُهُ، ... ولا له عيْنُهُ وحاجِبُهُ
ذاكَ الذي طالَبَتْ محَاسِنُهُ ... بِوصْلِهِ من غَدا يطالِبُهُ
ابن لنكك:
قالوا الْتحى فَمحا مَحا ... سِنَ وَجههِ لِبْسُ الشَعَرْ
ألآنَ طابَ وإِنّما ... ذاكَ البهارُ على الشَجَرْ
لَولا سوادٌ في القَمرْ ... واللهِ ما حَسُنَ القَمرْ
الخليع وأحسن فيه:
اخضرَّ عارِضُه ولاحَ عِذارُهُ ... والبدرُ ليسَ يَشينُه آثارُهُ
لولا اخْضِرارُ الروضِ لم يكُ نُزهةً ... لمَّا تَضاحَكَ وَردُه وبَهارُهُ

والسيفُ لولا خُضرةٌ في مَتْنه ... ما كانَ يُعْرَفُ عِتقُهُ ونِجارُهُ
وَيزينُ تُفَّاحَ الخُدودِ عِذارُه ... والثوبُ يَعرِفُ أَرْشَهُ سِمسارُهُ
البسامي:
مالَهُم أَنْكروا سَواداً بخدَّيْ ... هِ ولا يُنكرونَ ورْدَ الغُصونِ
إن يَكُنْ عَيبُ وجهِهِ بَدَدَ الشَّع ... رِ فعيبُ العيونِ سودُ الجُفونِ
الخبزرزي:
وحُسنٍ يُنَمْنِمُ ذاكَ العِذارَ ... كآثارِ مِسكٍ عليهِ غَزَلْ
كتابٌ من الحُسنِ توقِيعُهُ ... من اللهِ في خَدِّهِ قد نَزَلْ
ابن المعتز:
وَتكادُ الشمسُ تُشبِهُهُ ... ويكادُ البدرُ يَحْكِيهِ
كيفَ لا يَخْضَرُّ عارِضُهُ ... ومِياهُ الحُسنِ تَسْقِيهِ
محمد بن وهيب:
صُدودُكَ والهوى هَتكا سِتاري ... وساعَدها البُكاءُ على اشْتِهاري
وكم أَبْصَرتُ من حسنٍ ولكنْ ... عليكَ، لِشِقْوتي، وَقَعَ اخْتياري
ولم أَخْلَعْ عِذاري فيكَ إلاَّ ... لِما عايَنْتُ من خَلْعِ العِذارِ
الخبزرزي:
انظرْ إلى الغُنْجِ يَجري في لَواحِظِهِ ... وانظُرْ إلى دَعَجٍ في طَرْفِه الساجي
وانظُرْ إلى شَعَراتٍ فوقَ عارِضِهِ ... كَأَنَّهُنَّ نِمالٌ دَبَّ في عاجِ
الوأواء:
ولمّا حَوى نِصفَ الدُجى نِصفُ خدِّهِ ... تَحَّيرَ فيهِ ما دَرى أينَ يذهبُ
ابن المعتز:
له مُقلةٌ تَسبي العُقولَ ووجنةٌ ... تَفَتَّحَ فيها الوردُ من كلِّ جانِبِ
وسالَ على خدَّيْه خَطُّ عِذارِهِ ... كما أَثَّرَ التَسطيرُ في رَقِّ كاتِبِ
الخبزرزي:
وَجهٌ تكامَلِ حُسنُهُ ... لماَّ تَطَرَّفَهُ عِذارُهْ
والسيفُ أحسنُ ما يُرى ... ما كانَ مُخْضَرّاً غِرارُهْ
غُصْنٌ شَقِيتُ بِزَرْعِهِ ... فالآنَ حين بَدَتْ ثِمارُهْ
عَطَفَ الوُشَاةُ فروعهُ ... عنّي وفي قَلبي قَرارُهْ
ابن كيغلغ:
مُهَفْهَفٌ كالقَضيب قامَتُهَ ... أقامَ سوقَ القُدودِ إِذْ قاما
يُفْطِرُ طَرْفي إِذا رَأَيْتُ لهُ ... شَخصاً، فإِنْ غابَ شَخْصُهُ صاما
قد قَبَّلَ الوردُ فوقَ عارِضهِ ... فَخطَّ فيهِ سَوادُهُ لاما
الصنوبري:
كم تَحرَّى قَتْلي ولمْ يَتَحرَّجْ ... مَنْ ضَمِيري بِنارِ حُبِّيهِ مُنْضَجْ
رَشَأٌ يَقْتَضي الغرامَ فؤاداً ... مُلْجِماً للغرامِ والشوقُ مُسْرَجْ
رَوضٌ حسَنٍ تَنَزَّهُ العينُ فيهِ ... في مُوشىَّ مُستَحْسَنٍ ومُدَبَّجْ
يا مُذِيبِي بِخالِهِ اللاَّزوَرْ ... دِيِّ على خَدِّهِ الصَقِيل المُضَرَّجْ
هذه زهرةُ البَنَفْسج في خدِّ ... كَ أَمْ زهرةٌ تَفوقُ البَنَفسجْ
كانَ نُعمانُ من نَعِيمِيَ لو لمْ ... يَكُ رأَسِي بِتاجِ شَيْبِي مُتَوَّج
كشاجم:
مُهَفْهفُ الأَعطافِ مُرْتَجُّ الكَفَلْ ... مُكَحَّلُ الأَجفانِ من كُحْلِ الكَحَلْ
طُوِّقَ في الخدِّ كتَطويقِ الحَجَلْ ... بعارضٍ مُنقَطِعٍ لم يَتَّصِلْ
يُنْبِتُهُ الحُسنُ وتَرعاهُ المُقَلْ
وفي هذا المعنى قول ديك الجن حسن:
يَلوحُ في خدِّه وردٌ على زَهَرٍ ... يعودُ من وَقتِهِ غَضّاً إذا قُطِفا
الصنوبري:
إِنَّ الذي اسْتَحْسَنْتُ فيه خَلاعتي ... وخَلَعْتُ فيه تَنَسُّكِي وتَحرُّجي
زَيْنُ الشُنوف وَزِينَةُ ال ... خَلخالِ إنْ حلَّيتَه والدُمْلُجِ
شَبَّهتُ حُمرةَ خدِّهِ وعِذارَهُ ... بِنِقابِ وَردٍ مُعْلَمٍ بِبَنَفْسَجِ
الواثق بالله؛ الصحيح أنها لأبي تمام:
لما اسْتَقَلَّ بأَردافٍ تُجاذِبُهُ ... واخْضَّر فوقَ جُمان الدُرِّ شارِبُهُ
وتَمَّ في الحُسن فالْتامَتْ مَحاسِنُهُ ... واهتزَّ أَعلاهُ وارتجَّتْ حقائبُهُ
كلَّمتُه بُجفونٍ غيرِ ناطِقةٍ ... فكان مِن رَدِّه ما قالَ حاجِبُهُ
والمحدثون قد أكثروا في هذا الفن. وإنما نقصد المختار في الكتاب كله - ولكل شيء صناعة؛ وصناعة العقل حسن الاختيار. والناس متفاوتو الأغراض فيه - ولكل غرض مذهب أبو حنيفة الغساني مؤدب أبي نواس أنشده ابن المنجم في البارع:

بأَبي وَجْهُكَ من مُحْتَلَقٍ ... حارَ ماءُ الحُسْنِ فيه فَوَقَفْ
إِنْ يَكُنْ أثَّرَ في عارِضِهِ ... بَدَدُ الشَّعرِ فَفي البدْرِ كَلَفْ

في ذم العذار

سعيد بن وهب، أنشده أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان:
هلاّ وأنتَ بماء وجهكَ تَشتهي ... رؤدَ الشباب قليلَ شعرِ العارضِ
فالآنَ، حين بدتْ بخدِّكَ لِحيةٌ ... ذهبتُ بِمِلْحِكَ ملءَ كفِّ القابضِ
مثلَ السُلافةِ عاد خمرُ عصيرِها ... بعدَ الَّلذاذةِ خلَّ خَمْرٍ حامِضِ
آخر:
غابوا وآبوا وفي وُجُوهِهِمُ ... كما يكونُ الكسوفُ في القمرِ
مَاتوا فلم يُقْبَروا فَيُحْتَسَبُوا ... فَفِيهمُ عِبرَةٌ لمُعْتَبِر
كأنَّهمْ بَعدَ بَهْجَةٍ دَرَسَتْ ... رَكْبٌ عليهمْ عمائِمُ السَفَرِ
أبو هفان:
غَيَّرَهُ الكونُ والفسادُ ... ولاحَ في وجْهِهِ السَوادُ
كأنْه دِمْنَةٌ امَّحَتْ ... فكُلُّ آثارِها رَمادُ
ابن المعتز:
أَلْبسكَ الشَّعُر على رَغمي ... غلالةً تُغسلُ بالخَطْمي
قد كنتُ أدعوكَ: بيا سيِّدي ... فصِرتُ أدعوكَ: بيا عَمِّيَ
وله أيضاً:
يا ربِّ إِن لمْ يكنْ في وَصلِه طمعٌ ... ولم يكنْ فرجٌ من طولِ هِجرتهِ
فاشْفِ السَّقامَ في لحظِ مُقلَتِهِ ... واسْتُرْ مَلاحةَ خدَّيْه بلحيتهِ
ابن المعذل:
سَقياً لدهر مضى ما كان أَطيَبَهُ ... إِذ أنتَ مُتَّبعٌ والشرطُ دينارُ
أيّامَ وجهُكَ مُبيَضٌّ عوارِضُهُ ... وللربيعِ على خَدْيْكَ أَنوارُ
حانَتْ مَنيَّتُهُ واسْوَدَّ عارِضُهُ ... كما تُسَوَّدُ بعدَ الميِّتِ الدارُ
الصنوبري:
أُخمِدَ الحُسنُ فيكَ بعد اتِّقادِ ... واكْتسى عارِضاكَ ثَوبَيْ حِدادِ
ما بَدتْ شَعْرةٌ بِخدِّكَ إِلاَّ ... قُلتُ في ناظرِي بَدتْ أو فُؤادي
أَنتَ بدرٌ جَنى الكُسوفُ عليهِ ... ظُلمةً ما أَرى لها مِن نَفَادِ
واسْوِدادُ العِذارِ بعد ابْيِضاضٍ ... كابْيِضاضِ العِذار بعد اسْوِدادِ
ديك الجن:
لو نَبتَ الشَّعْرُ في وِصالٍ ... لَعادَ ذاكَ الوِصالُ صدَّا
الخبزرزي:
بَدا الشعرُ في وجْههِ فاْنتَقَمْ ... لِعُشاقِهِ مِنهُ لمّا ظَلَمْ
وما سلَّطَ اللهُ نَبْتَ اللِّحى ... على المُرْد أَلا زوالَ النّعمْ
تَوحَّشَتِ العينُ في وجههِ ... وحَقَّ لها وحَشةٌ في الظُلَمْ
ولم يَعلُ في وجههِ كالدُّخا ... نِ إِلاَّ وأسفَلُه كالحَمَمْ
إذا اسودَّ فاضِلُ قِرطاسهِ ... فما ظَنُّهُ بمجاري القَلَمْ

الباب الرابع

نعت الخيلان

محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
خالٌ كنُقطةِ زاجِ ... على صَفِيحة عاجِ
العباس بن الأحنف وقد قرأتها في ديوان ديك الجن. والعباس أولى بها:
ومَحجوبةٍ في الخِدرِ عن كُل ناظرٍ ... ولو بَرَزَتْ ما ضلَّ بالليل مَن يَسري
يُقَطِّعُ قلبي حُسنُ خالٍ بخدِّها ... إِذا سَفَرَتْ عنهُ تَنَغَّمَ بالسِحْر
لخالٌ بذاتِ الخال أَحسنُ مَنظراً ... من النُقْطةِ السوداءِ في وَضَحِ البدْرِ
وقال عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي:
كأن نقطةٌ بِمِسكٍ ... لائحةٌ في بياضِ عاجِ
مسلم بن الوليد:
خَرَجْنَ خروجَ الأنجُم الزُهرِ فالتقى ... عليهنَّ منهنَّ الملاحةُ والشَكْلُ
وخالٌ كخالِ البدرِ في وجه مِثلهِ ... لَقيتُ المُنى فيه فحاجزَنا البَذلُ
ديك الجن:
في خَدِّه خالٌ كأنَّ ... أنامِلاً صَبَغتهُ عَمْدا
خَنِثٌ كأَنَّ الله أَلْ ... بسَهُ قُشورَ الدُرِّ جِلْدا
وتَرى على وَجَناتِهِ ... في أيِّ حينٍ جِئتَ وَرْدا
أبو هفان:
مَلِيحُ الدَلِّ والحَدَقَهْ ... بَديعٌ والَّذي خَلَقَهْ
له صُدغانِ من سَبَجٍ ... على خَدَّيْهِ كالحَلَقَهْ
وخالٌ فوقَ وجنتِهِ ... يُقَطِّعُ قلبَ من عَشِقَهْ
أُلاحِظُهُ فأُدْمِيهِ ... فأَتركُ لَحظَهُ شَفَقَهْ
وقال الصنوبري:
بالحَلَقِ المُستديرِ من سَبَج ... على الجَبينِ المَصُوغِ مِن دُرِّ

وحاجبٍ خَطَّ سطرَه قلمُ ال ... حُسن بِحبْرِ الإِلهِ لا الحِبرِ
والخالِ في الخدِّ إِذ أُشَبِّهُهُ ... زَهرةَ مِسكٍ على ثَرى تِبْرِ
وأُقحوانٍ بِفيكِ مُنتظمٍ ... على شَبيهِ الغَديرِ من خَمْرِ
آخر:
في الساعِدِ الأَيمن خالٌ لهُ ... مِثلُ السُويْداءِ على القَلبِ
كأنهُ من سَبَج فاحِمٍ ... مُرَكَّبٍ في لُؤْلُؤٍ رَطْبِ
كشاحم:
فَديْتُ زائرةً في العيد واصِلةً ... لِمُسْتهامٍ بها لِلوصْلِ مُنْتَظِرِ
فلم يزلْ خَدُّها رُكناً أَطوفُ بِهِ ... والخالُ، في صَحْنِهِ، يُغْني عن الحَجَرِ
أحمد بن أبي طاهر:
أَغَنُّ رَبيبُ الرَبْربِ الغِيدِ والمَها ... بِمُقْلةِ وَحشيِّ المحاجرِ أَدْعَجِ
له وَجَناتٌ نُكتَةُ الخالِ وسْطَها ... كنُقطةِ زاجٍ في صَفيحةِ زِبْرِجِ
ابن أبي فنن، في الخال الأبيض:
يا حُسنَ خالٍ بِخدّ قد كَلِفْتُ بهِ ... كأنهُ كَوْكبٌ قد لُزَّ بالقمرِ

الباب الخامس

الخدود

عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
قد صَنَّفَ الحُسنُ في خدَّيكِ جوهَرَهُ ... وفيهما أودعَ التفاحُ أَحمرَهُ
فكلُّ سِحْرٍ فمِن عَيْنَيكِ أَوَّلُهُ ... مُذ خَطَّ هاروتُ في عَيْنيْكِ عَسكَرَهُ
قد كانَ لي بَدنٌ ما مَسَّهُ سَقَمٌ ... فَمُذْ أُتيحَ له الهِجرانُ غيَّرَهُ
قلبي رَهينٌ بكفَّيْ شادِنٍ خَنِثٍ ... يُمِيُتُه فإِذا ما شاءَ أَنْشَرَهُ
الوجيهي:
لا والذي جَعلَ الموا ... لِيَ في الهوى خَوَلَ العَبيدِ
وأَصارَ في أَسْرِ الظِّبا ... ءِ قِيادَ أَعناقِ الأُسودِ
وأَقامَ أَلْوِيَةَ المَنيَّةِ بين أَفْنِيَةِ الصُدودِ
ما الوردُ أحسنُ مَنْظَراً ... في الروضِ من وردِ الخُدودِ
ابن الرومي:
تَورُّدُ خدَّيْه يُذكِّرُني الوَرْدا ... ولمْ أَرَ أَحلى منه شَكْلاً ولا قَدّا
كأنّ الثُريَا عُلِّقَتْ في جَبينِه ... وبَدر الدُجى في النَحْرِ صِيغَ له عِقْدا
وأَهدتْ له شمسُ النهارِ ضِياءَها ... فمرَّ بثوب الحُسْنِ مُرتدياً فَردا
فلم أرَ مثلي في شقائي بمثلهِ ... رَضِيتُ به مَولىً ولم يرضَ بي عَبْدا
ابن المعتز:
يا مَن يجودُ بموْعِدٍ من لَحْظهِ ... ويصُدُّ حين أقولُ أينَ الموعِدُ
وَيَظلُّ صَبّاغُ الحَياء بِخَدِّه ... تَعِباً يُعصْفِرُ تارةً ويُسوِّدُ
الراضي:
يَصْفَرُّ وَجْهي إذا تَأمَّلني ... خَوفاً، ويَحْمَرُّ وَجهُهُ خَجَلاً
حتى كأنَّ الذي بِوَجْنَتهِ ... مِن ماءِ وجهي إِليهِ قد نُقِلا
الواثق بالله:
أَيُّها الخادِمُ من مَوْ ... لاكَ؟ مولاكَ وَصِيفُ
أَنا مَمْلوكٌ لِمَمْلو ... كٍ ولِلدَّهرِ صُرُوفُ
يا غَزالاً لَحْظُ عَيْنيْهِ سِهامٌ وَحُتوفُ
ما الذي ورَّدَ خدَّيْكَ؟ ربيعٌ أَمْ خَريفُ
آخر:
بَيضاءُ رُؤْدُ الشباب قد غُمِستْ ... في خَجلٍ دائمٍ يُعصِفرُها
مَجدولةٌ هزَّها الصَّبا فَشَجا ... قلبَك مسموعُها ومَنظَرُها
الناشيء:
قَبَّلتُه خُلسةً من عين راقبهِ ... ومَسَّ ما مَسَّ من ثَغري مُشَنَّفُهُ
فاحْمرَّ من خَجلٍ واصفرَّ من وَجَلٍ ... وحَيْرةُ الحُسن بين الحُسن أَطْرَفُه
العلوي:
أَبْرزَهُ الحمَّامُ كالفِضَّةَ ... أَبانَ عنه عُكَناً بَضَّهْ
كأنَّما الماءُ على خَدِّهِ ... طَلٌّ على سُوسَنَةٍ غَضَّهْ
فَليْتَ لي من فَمِه قُبلةً ... وليتَ لي من خدِّهِ عَضَّهْ
النوفلي:
بِأبي من نَباتُ خد ... ديْهِ وردٌ ونَرجِسُ
وعلى مِثلِه تَذو ... بُ قلوبٌ وأنفُسُ
آخر:
مُوَرَّدُ ما بيَن العِذارِ إلى الخدِّ ... بوردٍ بَديعٍ ليس من جَوْهرِ الورْدِ
أبو نواس:
وذاتِ خدٍّ مُورَّدْ ... قُوهِيةِ المُتَجَرَّدْ
تأمَّلُ العينُ منها ... مَحاسِناً ليس تَنْفَدْ
والحُسنُ في كلِّ جِزْءٍ ... مِنها مُعادٌ مُردَّدْ
فَبَعْضُه يَتَناهى ... وَبعضُهُ يَتَوَ&
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow