Alef Logo
ابداعات
              

مسرحية ساخرة / أهلاً جحا

أحمد اسماعيل اسماعيل

2008-05-03

[ ومرةً جربت صنوبرةٌ أن لا تنحني فأدبتَّها الريحُ .فصار الانحناءُ عادةً في عائلة الصنوبر ]
محمد عمران

اللوحة الأولى
(مدخل شارع عام في مدينة معاصرة: دكاكين، ومحلات تجارية، وباعة من فئات مختلفة. يدخل الحمار راكضاً وهو يرتدي زياً معاصراً، يتبعه جحا وهو يلهث من شدة التعب. الوقت: نهار)
جحا : (برجاء) يا حماري، يا حماري العزيز.
الحمار : (بضيق) أف، قلت لك ألف مرة لا تقل يا حماري.
جحا : بماذا أناديك إذاً ؟ أنت حماري، حماري العزيز.
الحمار : نادني يا أخي.
جحا : يا أخي ؟!
الحمار : نعم يا أخي.
جحا : (يقاطعه) أنا صاحبك جحا، ولست أخاك.
الحمار : لماذا تلاحقني من مكان إلى مكان، ومن زمن إلى زمن يا صاحبي جحا ؟
جحا : بل قل لي أنت، لماذا تركت زمانك الماضي الجميل، ورحت تجوب الأزمنة والأمكنة المختلفة ؟
الحمار : كنت أبحث عن زمني.
جحا : (بسخرية) وهل وجدته يا فيلسوف ؟
الحمار : نعم، وأخيراً وجدته.
جحا : وأين وجدته ؟
الحمار : في هذا الزمن.
جحا : هنا ؟!
الحمار : نعم.
جحا : (يضحك بسخرية) ..
الحمار : لماذا تضحك ؟
جحا : لأني أراك تنظر ولا ترى، كما كنت في السابق تتكلم بدون أن تفكر. (يضحك)
الحمار : إني أراك يا سيد جحا.
جحا : لكنك لا ترى موجودات هذا المكان من أبنية شاهقة، وأرصفة نظيفة، وطائرات،وقاطرات وسيارات.
الحمار : وهل تظنني أعمى ؟
جحا : إذن ما الذي بقي لك كي تفعله هنا في هذا الزمن ؟
الحمار : النهيق.
جحا : النهيق ؟!
الحمار : نعم يا صاحبي، بالنهيق وحده تعيش هنا بأمان وسلام وراحة بال.
جحا : يا سلام !!
الحمار : فما رأيك ؟
جحا : بماذا ؟
الحمار : بهذا الدور، وهو دور بسيط كما ترى، وتستطيع أداءه دون عناء يا صاحبي. باختصار، كن مثلي وبس.
جحا : أكون حماراً ؟
الحمار : نعم .
جحا : وأنهق مثلك ؟!
الحمار : تماماً.
جحا : حسن.
(يهم بضرب الحمار، يهرب الحمار، يركض جحا وراءه) أنا حمار؟ أنا أنهق أيها الحمار الوقح ؟
الحمار : لا تغضب يا أخي، اهدأ يا جحا..
(تستمر المطاردة بضع لحظات، يدخل أثناءها أناس يركضون بهلع ورعب)
رجل : النجدة.
امرأة : أنقذونا ..
شاب : أنا لست كلباً.
فتاة : أنقذوني ..
عجوز : أنا لست كلباً.
طفل : بابا ..
(تعلو الأصوات الهلعة وتختلط ببعضها، يجمد جحا والحمار في مكانهما باندهاش)
جحا : غريب !!
الحمار : ماذا يحدث ؟
جحا : أنا لست كلباً ؟!
الحمار : أنا لم أنبح ؟!
جحا : ماذا يعني هذا ؟!
الحمار : غريب !
جحا : يجب أن أعرف ماذا يحدث هنا.
الحمار : لا تتدخل فيما لا يعنيك يا جحا.
جحا : لن أغادر هذا المكان قبل أن أعرف ما يحدث.
الحمار : أف.
(يعترض جحا طريق بعض الفارين)
قف. قف يا أخي، ماذا يحدث هنا ؟ لماذا تهرب ؟ قف ..
رجل : (بخوف) أنا لست كلباً. (يهرب)
شاب : أنا لم أنبح يا سيدي. (يفر برعب)
طفل : ماما ..
جحا : غريب !!
الحمار : هيا نهرب .
جحا : (لفتاة) ما الحكاية أيتها الفتاة ؟ لماذا ..
الفتاة : أنا .. أنا .. يا بابا. (تهرب)
الحمار : لنهرب يا جحا.
جحا : غريب وعجيب !!
الحمار : هيا يا جحا، في الأمر سرٌّ، إني خائف.
جحا : اصبر قليلاً.
(يعترض جحا طريق عجوز يتقدم ببطء وتعب)
العجوز : أنا لست كلباً يا سيدي، أنا ..
جحا : أعرف ذلك يا عماه، لكن قل لي ما الحكاية ؟
العجوز : أقسم أني لم أنبح.
جحا : أعرف ذلك يا عماه، لكن ماذا يحدث هنا ؟لماذا ؟
العجوز : اتركني أعبر بحق الرب، أرجوك يا سيدي.
الحمار : دع الرجل يمر يا جحا.
العجوز : جحا ؟!
جحا : نعم، أنا جحا يا عماه، وهذا الحمار هو حماري ..
الحمار : (بضيق، وهمس) لم أعد حمارك يا جحا.
جحا : أقصد : وهذا صاحبي الحمار .
العجوز : غريب !! جحا وحماره هنا، في هذا الزمن ؟!
جحا : نعم يا سيدي.
العجوز : (بريبة) لا أصدق ذلك، لاشك أنكما من رجال الحاكم. (برهبة) أنا لست كلباً، أقسم بأني لم أنبح.
جحا : اطمئن أيها العجوز،انظر إلينا جيداً وستعرف أننا لسنا من رجال الحاكم.
الحمار : وإن هذا الذي يقف أمامك هو جحا،جحا بلحمه وشحمه،وأنا صاحبه وصديقه العزيز .
العجوز :( يتأملهما باستغراب) الحمار !!
جحا : تماماً.
الحمار : هل صدقتنا الآن ؟
العجوز :كل شيء جائز، كل شيء هنا أصبح جائزاً.
جحا : إذن، قل لنا الآن ما الحكاية ؟ ماذا يحدث هنا ؟
العجوز : حسن، لكن ..
(يلتفت حوله بخوف) لنبتعد عن الأنظار.
(ينـزوون وراء لوحة إعلانات، أو جانب دكان)
الحمار : هيا قلْ يا سيدي.
جحا : ما سبب فرار القوم بهذا الشكل وهم يصرخون بخوف : أنا لست كلباً ..
الحمار : أنا لم أنبح !
العجوز : السبب هو الفرمان الذي أصدره حاكم البلاد، والذي يقضي بإعدام الكلاب.
الحمار وجحا : الكلاب ؟! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
العجوز : نعم.
جحا والحمار : ولماذا الكلاب ؟ ‍
العجوز : لأنها لم تكف عن النباح منذ.منذ فترة ليست قصيرة .
الحمار :إنه أمر مثير للإزعاج حقاً.
جحا : لابدًّ أن لهذا النباح سبباً.
العجوز: نعم، هذا صحيح.
جحا و الحمار : ما هو ؟
العجوز : الجوع.
الحمار : الجوع ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
جحا : جوع في هذه الإمارة الثرية ؟! ‍
العجوز : الثرية ؟ (يضحك)
الحمار : والعظام التي هي من مخصصات الكلاب، ماذا تفعلون بها ؟
جحا : نعم، ماذا تفعلون بالعظام بعد تناولكم اللحم ؟
العجوز : الحاشية فقط هي التي تتناول اللحم.
جحا : حسن، ماذا تفعل الحاشيـة بالعظام بعد تناول اللحم ؟
العجوز : تلتهمه مع اللحم.
جحا : تلتهم العظام ؟!
الحمار : العظام أيضاً ؟ ‍‍
العجوز : نعم.
جحا : وهل الحاشية منهم ؟
العجوز : ممن ؟
جحا : من الكلاب.
الحمار : (بخوف) هس ..
العجوز : لا ترفع صوتك.
جحا : لكن هذا لا يجوز.
العجوز : كل شيء هنا جائز يا سيدي.
جحا : لاشك أن الأمير، حاكم البلاد غافل عما يحدث في إمارته، ولابدًّ من إعلامه بذلك.
العجوز : غافل ؟ (يضحك)
الحمار : لا تكن أحمق يا جحا.
جحا : أنا لست حماراً .
الحمار : أحمق من يتفوه بمثل هذا الكلام يا ..جحا أيام زمان.
جحا : ماذا تقول ؟
العجوز : إنه يقول الصدق يا سيد جحا.
جحا : الصدق ؟!
(يهمُّ العجوز بالهرب)
العجوز : أف.
(يعترض جحا طريقه)
جحا : إلى أين ؟
العجوز : دعني أنفد بجلدي قبل أن يحضر رجال الحاكم.
جحا : إنهم يعتقلون الكلاب، وأنت لست كلباً.
الحمار : (يضحك بسخرية) ..
جحا : لماذا تضحك أيها الحمار ؟!
(يتأمل العجوز نفسه باستغراب)
العجوز : لست ..
جحا : نعم، أنت لست كلباً أيها العجوز.
العجوز : يجب أن أهرب حالاً.
جحا : انظر إلى نفسك وستعرف أنك لست ..
العجوز : (بيأس وخوف) يا سيدي، يا سيدي، إلى أن يعرفوا بأني لست كلباً، وأنني لم أنبح، وأنني رجل عجوز في السبعين من عمره، ولي أولاد و أحفاد وزوجة عجوز حمقاء ؛ فإنهم سيضربونني ضرباً حتى يجعلوا من جلدي طبلاً.
(يجمد جحا في مكانه كالمصعوق، ينسل العجوز من بينهما ويخرج)
جحا : غير معقول !!
الحمار : بل معقول.
جحا : لا يجوز هذا.
الحمار : بل يجوز يا جحا، فكل شيء هنا جائز، هيا ننفد بجلدنا قبل أن يحولوه إلى طبل.
جحا : أنا لست كلباً، ولن أهرب.
الحمار : أرجوك يا صاحبي .
جحا : لن أهرب، وسأذهب إلى الحاكم وأخبره بما يحدث في إمارته.
الحمار : حذار .
جحا : سأذهب، إنه الواجب أيها الحمار، لم أسكت يوماً عن خطأ، ولم أتستر على عيب مخلوق؛ خادماً كان أم مخدوماً، سيداً أم مسوداً. أنا جحا الجريء، الصريح، الواضح يا حمار.
الحمار : (بهمس) اصمت.
جحا : لن أصمت، الساكت عن الحق شيطان أخرس.
الحمار : إنهم قادمون نحونا.
جحا : سأذهب إلى الحاكم وأحدثه بما ..
الحمار : هسس ..
جحا : سأقول له : أيها السيد، يا أمير البلاد .. (يدخل جنديان) جئتك في أمر جلل.
جندي 1 : من ينبح في هذا المكان ؟
جحا : أيها السيدان خذاني إلى الحاكم.
الحمار : (بهمس وتحذير) جحا !
جندي 1: مولانا الحاكم؟!
جحا : نعم يا سيدي.
الحمار : (بخوف) لا يا سيدي.
جحا : بلى يا سيدي.
جندي 2: لماذا تريد المثول بين يدي مولانا أيها..
الحمار : إنه يمزح (لجحا)كفَّ عن الهذر يا رجل،ماذا دهاك؟
جندي 2 : تكلم.
جحا : لأعلمه بما يحدث في إمارته من جور وغبن وفسا ..
جندي 1 : (بعنف) ما هذا النباح أيها الكلب ؟!
الحمار : كلب !!
جحا : أنا جحا ولست كلباً يا سيدي.
جندي 2 :(بسخرية) يا سلام !! لقد أصبح للكلاب أيضاً أسماء.
جحا : أنا جحا .
جندي 1 : إنه لا يكفُّ عن النباح !!
جندي 2 : سِرْ أمامنا أيها الكلب.
(يدفعان جحا بعنف)
جحا : لست كلباً، أنا جحا، أنا ..(للحمار) قلْ لهما من أنا ، قلْ لهما ..
الحمار : المعذرة أيها السيدان، أنتما مخطئان.
الجندي1 : نحن مخطئان ؟!
الحمار : صاحبي هذا ليس كلباً.
جحا : أحسنت يا صديقي.
الحمار : إنه أخي.
جحا : أخوك ؟!
الجنديان : أخوك ؟!
(يتأمل الجنديان جحا بإمعان)
جندي 1 : غريب !
جندي 2 : حمار وينبح ؟!
جحا : لست حماراً، أنا جحا، أنا بهلول أيها السيدان، أنا خوجا نصر الدين .أنا ..
جندي 1 : كفًّ عن النباح أيها الكلب.
جندي 2 : لنجره إلى ساحة الإعدام حالاً.
الحمار : (لجحا) انهق يا جحا.
جحا : لا.
(يدفع الجنديان جحا بعنف)
الجنديان : هيا أيها الكلب.
جحا : لست كلباً.
جندي 1: امش وإلا نفذنا حكم إعدامك هنا.
(يجرجرانه بقوة)
(ينهق الحمار، يقف الجنديان ينظران إلى جحا باندهاش)
الحمار : هل سمعتما نهيقه.لقد نهق.إنه أخي:شقيقي.
جندي 1 : (بضيق) لقد نهق.
جندي 2 : و زاد في الطنبور نغماً.
جندي 1 : هس .. لا ترفع صوتك يا صاحبي.
جندي 2 : لماذا ؟! هل تخاف من الحمير أيضاً ؟!
جندي 1 : بل أخاف من الحاشية التي تطرب للنهيق كثيراً.
جندي 2 : اللعنة عليها.
جندي 1 : على الحاشية ؟!
جندي 2 : (كالمصعوق) لا، لا. ماذا تقول يا رجل ؟!
(ينظران نحو جحا والحمار بريبة وخوف وتملق، ينهقان ثم يخرجان)
جحا : غريب !! لقد نهقا.
الحمار : نعم.
جحا : لماذا ؟
الحمار : (يضحك) ..
جحا : لماذا تضحك ؟!
الحمار : لقد كان نهيقك جميلاً يا شقيقي.
جحا : (بضيق) هل تسخر مني أيها الحمار ؟
الحمار : (يضحك) ..
جحا : (بغضب) حسنُُ. (يهم بضربه،يهرب الحمار) أقسم أني سأضربك ..
الحمار :(وهو يضحك) لا تغضب يا أخي، انتظر .. (يخرجان)

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ولدي.. وغيث الأقدار!

31-آذار-2018

يسقط الكاتب ..يموت المسرح

03-تشرين الثاني-2008

مسرحية ساخرة / أهلاً جحا ج2

15-أيار-2008

مسرحية ساخرة / أهلاً جحا

03-أيار-2008

الأدب الشفاهي الكردي في كتاب

30-آذار-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow