"مرّ صدى ما كان- لو يأتي أمرّ"
بدلا, من الإهداء, يبتدئ غسان كامل ونوس مجموعته الشعرية, بشذرة شعرية تهدى لها, المجموعة الشعرية المعنونة " موال الأرق" وكأنه في لحظة اعتراف عارمة ذابت من حوله كل الذوات وضمنا ذاته فلم يبق غير الشعر .
ومن غير الشعر, يتجسد به قلق الإنسان الفاني في لحظته والخالد في جحيم جنة الذكريات .
موال الأرق العتبة الرئيس التي يبتدئ العالم بها ومن بعدها :هي الدستور الناظم لكل العتبات الثانوية في المجموعة وهي ذاتها عتبة ثانوية ؛كأنها تؤكد أن الأرق ذاته محكوم بذاته ولا ينجو من سببيته وحتمية وهو أول الشعر ولكنّه ليس علة العلل.
في عتبة الماء أس الخلق, نقرأ من قصيدة النهر:
هذا الكامن ملح
والزرقة تابوت الفرجة
والواصل للتو
يقدم أوراق
العمر المسفوح
وسلال الطين.
والأرق مبتداه بحث الشاعر عن ذاته عن طريق من ضيعها ألا وهو الشعر لكي يعيدها لنقائها الأول .وهكذا يقوم الشعر في تفكيك حجب الظاهر وكأنه يريد أن يخلو بشاعره يستحضر مقامات, كلمات القلق, فتكثر في المجموعة وكأنها تعاويذ تحمي مسيرة الكشف وشطحاته:
فيقول في فاتحة الذهول:
أفق يدور.. وحلكة
كرة تدور..... وغفلة
رأس يدور ... وغصة
جمر يقامر بالذي
قد كان
بالآتي...
وهذا التبعيض يريد إنهاك العناصر ,عودة الأجوبة إلى لحمة الأسئلة, فيستوي لديه الماء والنار إلى بوتقة خطيئة المعرفة إلى سفر الهبوط فيسرد في قصيدة سيرة الإثم:
كي أتطهر
من جرم
الخطو إلى
مالا أعرف
ها إني
أخطو
أعترف.
وتتابع المجموعة النبوءات عن طوافان آت:
لوليمة الصمت ارتعاش
في شرايين المساء.
لكن الشاعر إذ يعتقد بذاته يقول في تهويمة حُداء:
ماذا عن النسغ الأخير
من النهار..؟!
مهلا حطام الأفق
رفقا بالتي تدمى
وكالجمر تغور
لست وحدي في الحداء
بعد حين
سوف تأتي
من تناءت ذات أحلام
وكالصبح تفور
وإذ الوقت يمر مرور السحاب تارة يهدد الشعر صاحبه وتارة يذيقه دوار البحر يلقيه في عمق السؤال ليصطاده بشبك يابسة الجواب فنجده في حلم الشعر يقطف نجوم المتعة
فتكون له الكلمات لؤلؤ خرد يصنع منها أسئلة تعيد لذاته المبادرة :
من شيطن الوقت البريء؟!
وعبأ الزبد المخمر
في لفافات الولوع.
فما يفتأ حتى يترنح من دوار الملح وتضيع بوصلة الجهات فيغترب في ضفة الصدى
لا تجدي معه زوادة اللغة فتختلط لديه الألف بالياء فقول في قصيدة صدوع:
كيف يبدو السؤال؟!
والجواب ارتدى
خيمة من
صقيع وجوع.
وعندما يغزوه طوفان الكشف يركب سفينته ويجمع فيها من كل حرف اثنين,وكأرق ليس له إلا قلقه فيرسله باحثا له عن جودي الحقيقة, فيلتحفه ويدور ,علّه يكون الدائرة: أكمل الأجوبة, فيقول في مواله
ورق التوت:
سأسير على هذي
الأرجوحة
بين الضفة والقاع
الرعشةُ
بين القاع وبين القاع
موات .
وقصائد المجموعة كر وفر ساحتها الذكريات هوينه تجد الشاعر يلتقي بذاته فينادي باسمه وهوينه أخر يغمره موج الأرق فينسى ومابين صحوه وإغماءاته يقترب من ملمس الحقيقة فيرى ذاته في قصيدة مرايا:
سراب هناك هنا
أم رؤى الأعين المقفلة؟!.
.....
فمن ذا أكون؟!
وماذا هنا
أو هنا
أو هناك
فيجيب نفسه إذ يجدها: خيول السباق استراحتْفهل فاز خط النهاية.
يستريح الشعر يلفظ آخر أنفسه لكنه قد نال من أرق الشاعر هل يعده لجولة جديدة
لا تعرف عقباها هنا يبادر الشاعر فيظهر من عمق بطونه أنه علة الشعر فينطق في خاتمة المجموعة قصيدة وداع:
ودعني
فأنا قادم..!
يا كل جموح الأمس:
اليوم
أتم مراري
وأتوب....!
***************
موال الأرق مجموعة شعرية لِ غسان كامل ونوس صادرة عن اتحاد الكتاب العرب
إصدار 2008
باسم سليمان
[email protected]