Alef Logo
ضفـاف
              

الجسد وشروطه "ظلال يتيمة لجسد كثيف الملامح والهزائم"

زكريا الإبراهيم

2006-04-08

الوحدات الثلاث التي تحكم الفن الأرسطي والدراما ( المكان، الزمان، الحدث) هي وحدات لقراءة الجسد ضمن الدراما التي يصنع مأخوذاً باحتمالاته المدورة اللامتناهية.
فشروط الأداء تختلف، قرب ملامح الوحدة الأرسطية وحيثياتها.
الجسد، هنا، مشروط بطبيعته، مشروط بالفطرة والقوة، وفق أرسطو، وهو مشروط في مرحلة شهريارية وفق سمت الرؤية والإثارة والإراقة الواقعية، أو، الخيالية، التي تستجدي حضوراتها المفترضة وتنسج بدأب "بينلوبي" أوهامها وفسحاتها التي تغص عزلة.
***
الجسد فضيحة الوعي المؤجل والمغيب لصالح النزهات التخييلية التي نرتضيها وفق قواعد وشروط أخلاقية تخل بنظام الطبيعة لصالح نظام وضعي خلقي يعبث بالتضاريس الأولى ليرضي ويغازل هندسة جديدة مرتجلة عبر حضارات وأمكنة ونظريات أطاحت، وتطيح، بالحس النابض لتفسح للرمز والتابو باليقظة الحبيسة في أوكار ترسم نعوشها وحساسياتها العنيدة.
لن نستطيع التحدث والمغامرة عن تأريخ للجسد لأن قراءته تقتضي المعايشة. والمنهج المقارن، هنا، يسمح لنا بتبادل غيبوبي بين جسدنا وخلجاته، وبين جسد عنيد على الاستحضار.. ويمكن تمثله نظرياً من خلال التركات اللامحدودة لأحواله التي لن يكون البخل في النشاط الفني المحفور أو المنحوت أو المكتوب آخر رسائله القريبة إلينا.
***
-أن يتحول الجسد إلى نص، قياساً إلى تصوف غير مقروء، يعني أن يتحول النبض إلى متحف يشير ويهمس، لا يلمس ويحاور. ومع هذا لن تسعفنا القراءة الآنية – من الآن – لآن منصرم إلا في حدود الخراب الذي خلفته لنا الأجساد السحيقة، الحرة منها.. والشديدة العبودية. كثيفة الحكمة، أو كثيفة الانهيار، رغم أن حدود الحكمة تتجاوز الجسد كوعاء لآخر لا يقرب الكتلة.. بل النور وتجلياته التي لا تترجم ضمن أفق تقعيدي صارم.
***
- إن الجسد الموبوء بالفكر –وليس الدماغ- هو حالة امتزاج بين الركود والحركة. حالة انصهار بين الحركة المنتجة والسكون الذي لا يؤدي. حالة تزاوج غريب بين ذكورة وأنوثة، حيث ضياع الهوس الأس عنوان الهاويات والتحديات المقبلة.
- إن "تأريخاً" دقيقاً للجسد وأشكال خياناته سيبدأ في لحظة اشتعال الفكرة حول ماهيته ووعيه اللاحق. سيبدأ من الأسطورة الأولى – رغم احتمالاتها وتهويماتها- سيبدأ بالمعرفة، المعرفة التي نحت تلك الحرية العابثة اللاواعية، حيث توج المنفى وتوهجاته الأولى الأكثر قدماً من خلال الرحيل من الحجر الجميل الأول.. إلى المنفى الأرضي الذي ستكون فاتحته بحثاًً عابثاً للنصفين عن بعضهما ليلتئما.. هو جذر الإضاءة لتاريخ مزخرف بكل التفاصيل والغيب.
- إن العقوبة الأقدم، وملامحها في اشتقاق جسد من جسد تؤكد قدرة الجسد – الكارثة على الخلق وعلى الفصام المؤسس للحيوات المقبلة التي ستتضح أبعاداً عالية التكاثر من خلال ثالوث لم نناوره بعد ويتلخص في "المنفى، اللذة، العقاب". هذا الثالوث الذي وشمنا به سيسمح لنا بالمجاهدة الكبيرة من أجل أن نرجع إلى المنفى الأول، المحروم من المعرفة والوعي.. إلى الفردوس والطبيعة التي لن تسمح لنا إلا بأن نسرح في مروج ضمن قطيع بانورجي هائل الصبوات والرغبات البعيدة عن المعرفة والكشف الذين يؤرقان مساماتنا.. وتضاريسنا وقصائدنا المرتجاة.
***
- إن تاريخ النفي للجسد – رغم طزاجته- هو تأريخ العقوبة والتدوين، تلك العقوبة المستحقة والمطروحة سلفاً.. والقصاص، هنا، حاصل في البدء كالكلم.
والتقمص، هنا – في استطراد جدير- حالة نكوص دقيقة لحالة أولى كنا نعيشها وألغيت بعد طردنا اللاحق لخطأ المعرفة الأصلية وفضولها؛ أو، صادف أن ركنا إليها وعشنا برهاتها في مكان آخر. وقد يكون حلماً غير موفور التراجع والعكاكيز لقراءته وشيفراته. هذا المكان الآخر سيرجع بنا إلى مكاننا الأول حيث سيكون الآخر هو شهوة للتجديد المجيد والمبتغى. فإن كنا آدميين – كآدم- وخرجنا صوب الأرض كضريبة كفارة لأخطائنا، أو خطأنا الأول الكبير، فإننا وبعد تسديد الضريبة يتم الرضا علينا ونعود إلى ما كنا عليه. وبهذا فليس هناك من قيومات لأن الحساب قد حصل بداية. ولأن العذاب في الجحيم قد دفناه خلال نفينا في الحياة الأرضية التي أرهقت أجسادنا كضريبة تجاهلها الأديان رغم تأسيسها لخديعة الأرض وعذاباتها.. ولذلك لن ندفع ضريبة الضريبة! لأن هذا تناقضاً صارخاً؛ وعليه نستطيع فهم التقمص والعود المقبل. والتقمص لشخصية وهيئة نطمح إليها ولا نعرفها إلا بشكل سريع عارض من أجل أن نرجع ثانية إلى الحالة الأم التي تخلصنا منها طوعاً أو قسراً من أجل، أيضاً، تجريب حالة جسدية جديدة تنسخنا من حالتنا الأولى لنرجع إلى طموحنا الذي يقتات حلم العود لحالتنا الأصلية التي نحصل من خلالها على الرعاية قرب الوصي الأول، الأب، وبساتينه وفردوسه المشتهى.. الذي تمثلناه إلى حد التطابق، وأضحى طموحاً لا يبرره إلا التخلي المطلق عن المعرفة وثمارها والكسل تجاه الضرائب وسدادها.
***
- إن "تأريخ" النفي للجسد – رغم النفي المركب الحاصل في الأرض الكروية- هو بداية لتأريخ المعرفة المقبلة التي حفرت عميقاً وآخت بينه وبين توهجات ليست منه متجلية في التذهين والفلسفة وتسير الجسد وفق خرائط غريبة.. ومكافأته ومعاقبته واصطحابه المستمر لنا إلى كل الخيرات والشرور؛ أو، مصاحبتنا إياه إلى كل الهلوسات والعبث والتوازن المنتج أحلاماً تقبضها الريح.
- إن اللغة وايقاعاتها وتطابقها – الموقت- مع خلجات الجسد وترنحاته وهاوياته التي تحاكي الطبيعة هي جزء ومفصل أساسي لقراءة هذا التاريخ المليء بالعثرات والخيبات ودواعي المساررة التي لا تعي حضوراتها إلا ضمن دهاليز مشاكسة؛ ومقارنات مع الجوار.. المكتظ الأجساد وشروحاتها وهوامشها.
***
- الأجساد الجديدة، الحداثوية، التي صدرتها المخابر، ضمن أنابيب متينة، أو ضمن استنساخ يبحث عن نسله ورغم الإتكاء على جسد – بذرة، فهي تحمل فصاماً مضاعفاً وذاكرات خبيئة لن نستطيع تداولها ضمن قراءتنا المعتمدة على الجسد – الجذر .. الجسد الذي نعرف ونعايش.
إن التمرد الذي يدين به الجسد للحلم فخ عظيم لتبرير مصادرته. والحيوية التي تؤدي به إلى طموح تغييري هي مفتاح ضروري لجعل عقوبة غائرة الملامح تقتات ذاكرة النفي والفردوس.
***
للجسد نوافذ عدة يمكن الإطلال عليها وإتيانه من خلالها.. هو يعطي كل تفاصليه إذا استطعنا إدراك شيفراته الدقيقة الحضور والغياب. هو نزوع دائم للتوحد والتماهي ولذلك صنع الأنثى وابتدع الجنس والعشق الذي يطحنه في آخر ليبحث عن ذاته التي تضيع في عملية البحث والغوص.
إنه صندوق خرافي مغلق – إذا كنا سائحين وعارضين- ولن يطرح لنا إلا إرباكات المشاركة والمرافقة واصطحابه إلى صمتنا وخلوتنا التي تؤذيها هذه الكتلة العاطلة عن الحوار لأننا نعي متطلباتها واقتراحاتها المرتجلة.
***
- إن تأريخ الجسد- وهذا تكرار ضروري – تأريخ للأفكار. فمنذ الاشتعال الأول للشهوات، وأعلاها وهم تغييري شمولي، كانت العقوبات معدة له. إن عقوبة الجسد، هنا، هي جسر لعقوبة المحرك الأساس له. أقصد ما يتم إفرازه من أفكار ومشاريع خارجة عنه.. قريبة إليه.. رغم عجينتها المغتربة.
- إن تأريخ الأفكار- ضمن منظومات لا تحصى – هو تأريخ دقيق للسلطات التي حاصرته وأبعاده كي لا يصيب ويخدش الطموح، المشروع عنوة للسلطة، وهن لغوي يحتويه جسد او أجساد ما.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

//قتلُ الأب ... جَلْدُ الذات//

06-تشرين الأول-2013

" ألف ليلة وليلة .. التطهر وجموع الحكاية "

11-أيلول-2013

الجسد وشروطه "ظلال يتيمة لجسد كثيف الملامح والهزائم"

08-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow