Alef Logo
يوميات
              

عندما تحلق الرواية بجناحي الفلسفة والميتافيزيق

باسم سليمان

2009-04-03


يقول هيدغر "الوجود بالمعية" وهذه المعية وما تحمله من علاقات الحب والصداقة والكره أيضا واليقين والشك والملكية والإباحة تجسر علاقتنا بالوجود, فماذا يحدث إن انقلب هذا المفهوم وصارت هذه المعية منفلتة من عقالها؟!, لا بد هي الفوضى والإلغاء الذي لا يطال الآخر فقط بل الإنسان نفسه عندما يصبح خادما لأهوائه وهنا يتحول الوجود ليصبح فوضى قاتلة للخلق ومن ثم إفناء ذاته
لقد نقل لنا الحدث الإنساني حالات عديدة تحول فيها الإنسان لأضحية محاولا رد الأمور لنصابها وسانده الحق بذلك وفي هذه الحالات تم فداء الأضحية الإنسانية ببديل آخر رتب عهدا جديدا للإنسان وأعاد ربطه بالوجود بطريقة منتظمة أما هنا في مخطوط ابراهيم الكوني فتنعكس الآية ويتم التضحية بالإنسان لترتوي شجرة "الرتم " التي تحل بها روح الصحراء عندما تخرج من مخبئها إثر حدوث أمر عظيم كأن لم يبق هناك عباد صالحون تُهيئ لهم الأرض لكي يرثوها فالأسلوب القديم فقد ريادته ومن الضرورة العودة للحظة الصفر من أجل تأسيس جديد يجنب الإنسان ويلات حضارته المزعومة وعودة هذه"المعية" لتموضعها الأول, هل هي محاولة للقيامة بخيار الإنسان؟!.
فالآخر المتجسد" بالمعية" الذي نقيم معه الوجود بدءا من الإله ونهاية بالخلق ونتيجة لاقتصارنا على صفة الانفعال ومطاردة حاجاته حولنا لوسيلة للعبور فقط دون شخصية أي دون غاية رغم حيازتنا التامة لكل المميزات, ف" مسّي" سادن الصحراء الذي يتوق لولد لكي يورثه سر أسلافه يُوقع نفسه ضحية مؤامرة يقبض الجميع أرباحه منها نتيجة اعتباره وصايا الأسلاف رقما منقوشة على حجر في حين أن روح الصحراء , سيرورة وصيرورة وليست رقما منقوشة على صخر بل هي حياة تعاش و بمساعدتها ردع الوحش عن قطيعه ونال من أبيه خنجرا يدافع به عن نفسه ضد الوحش واسما يستمد جذوره من المخلص؛ لكن الوالد مات قبل أن يعلم ابنه كيف يواجه البشر وضمنا مواجهة نفسه فلم يتعلم استخدام السيف الذي يعني الانتقال من حالة الانفعال إلى حالة الفعل.
وفي رحلة انتزاع الاسم للوريث من فك السجل المدني يكون " مسّي"مازال في التمظهر الأول للإدراك الإنساني الفطري عندما يتطابق الاسم والمسمى في حين حاضره قد انتقل من حالة محاكاة الفكر للواقع إلى المرحلة الوضعية فلا الاسم يعرف عن المسمى إلا بقدر ما تقوله التجربة وبتصنّمه في الزمان يكون خالف وصية الأسلاف بأن الاسم سيرة حياة هو لا يشاكل المسمى إلا من خلال تجربة تصقل وجوهه ليشع الضوء وليس لقب يدون في السجلات المدنية.
فالاسم يجب انتزاعه انتزاعا من خلال حياة الشخص أي وفق الحالة الثالثة وهذا ما استبقه " مسي" وأطلق على وليده اسم" يوجرتن""بطل الأبطال" وقاد نفسه إلى شرك السجل المدني حيث كانت عين جهله في انتظاره لتقوده عبر حوار منطقي إن شئنا ,سواء عبر الساعي الذي اشترى حريته المنتقصة بالقناع كرجل من الطوارق تقول: أسطورتهم أن الرجال ستروا وجوههم إثر هزيمة شنعاء ولم ترد كرامتهم إلا بخروج النساء للدفاع لذلك تتمتع نساء الطوارق بحق إظهار الوجه المنفذ الأول لروح الشخص في حين ستره الرجال لأن روحهم عارية بسبب الهزيمة أو عبر موسى الرجل الميكافيلي بجدارة وصولا لابنه الذي جبّ الماضي بالكامل مع أنه قد اختار لنفسه اسما قد وافقه رفاقه عليه وهم المنبوذون مثله فاسمه " الجريء" ومن غيره قد فكر بتفجر صنمية السجل المدني الذي يستعبد العباد عبر مجتمع العمران الذي قطع الصلة بالحق وسيطر على الخلق.
وعليه يطرح ابراهيم الكوني مفهوما آخرا لتجدد العهد يكون" الوجود بالذات"
هذا ما أقدم عليه" مسّي" في نهاية السرد الذي هو سارد محور العينات بالرواية بعدما أعار الراوي لسان الحوار كأحد تمظهرات المسرح وعطف على التراجيديا وما تقدمه من فعل تطهيركما حدده أرسطو فالمشاهد القارئ الذي يتمثل ويحاكي الفعل يُفدِي نفسه بنفسه ب"يوجرتن" "بطل الأبطال" وفق تسمية الأسلاف و"الجريء" وفق تسمية الخلف وهكذا تكون الرواية قد أكملت الدائرة, بدءا من تطابق الاسم والمسمى إلى أن المسمى هو ليد علاقة تفاعلية مع الاسم, عندما تلفظ ابن" مسي" المدعو" يوجرتن":( كأني أضحية العيد) بعد أن نحره والده ,فغسل الدم المسال جهل الوالد وأعاده ليقينه وطهر الولد الذي ركبته الخطيئة لأنه ابنها.
فالوجود بالذات يحول الإنسان لبرزخ فاعل بين الحق والخلق فتكتمل الدائرة وهذه النتيجة فرضت على الرواية تقنية الحوار المسرحي حتى أنها استعاضت عن الفضاء الزماني والمكاني الذي لم نلحظ منه سوى شذرات قليلة بالفضاء الإنساني كتأكيد على أن الفضاءات الأخرى ما هي سوى تجلٍّ له والاعتماد على الفضاء الإنساني رفع من سوية الشخصيات الفكرية بدرجة كبيرة فالمعركة في نهايتها.
والجهل الذي هو الشر والمعرفة التي هي الخير جرد كل منهما أسلحتهما وتقارعا فكرا لفكر وعملا لعمل
وكما هزمت السفسطائية يوما ما سقراط كذلك هُزم" مسّي" فالأول تجرع السم والثاني قطع نسله وبالدلالة نسل البشرية.
وبموت سقراط انتصارا للحق انتصرت الفلسفة,كذلك بذبح " يوجرتن" انتصرت الإنسانية وفسخ هذا الزواج الفاسد مع الجهل وعادت روح الصحراء لعروقها.

من أنت أيها الملاك؟, رواية ل ابراهيم الكوني ضمن سلسلة كتاب دبي الثقافية التي تصدر عن دار الصدى لعام 2009
باسم سليمان
www.safita.cc

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow