Alef Logo
دراسات
              

فنون الجنس والسرير ودورها في الإبداع الأدبي

أبو يعرب المرزوقي

2007-11-09

سأل الاستاذ سحبان سواح في آخر مداخلة له (ألف بتاريخ 6 / 10 / 2007) عن الأدب الأوروتيكي أسئلة وجيهة وحاول أن يدافع عن هذا الأدب مركزا على نفاق المعارضين لهذا الجنس الأدبي من التعبير الإبداعي ومشيرا على حق إلى أن أمتنا لما كانت واثقة من نفسها لم تكن ترى حرجا في الكلام على الجنس بل هي جعلته أحد أبواب الفقه الثابتة تشريعا لما يشبه الثقافة الجنسية بل والتربية الجنسية حتى كانت القاعدة لا حياء في الدين.لكن هذه الثقافة التحررية انحطت بمعنيين فهي انحطت ذوقيا فصارت برنوغرافيا في بعض الكتابات الشعبية التي لا يجهلها مسلم مثل كتاب الإيضاح في علم النكاح إل...وانحطت موقفيا فصارت حياءا منافقا وتزمتا قتل أسمى ذائقات الإنسان التي جعلها الله من الجزاء الأخروي.
وإذا كان الانحطاط الأول شببه تردي ثقافة الشعب فإن الأنحطاط الثاني سببه تردي عقلية الفلاسفة والفقهاء. فأما الفلاسفة والمتصوفة فلأنهم حقروا من الجسد واعتبروا البعث الجسدي من القوادح في التصور الإسلامي للبعث والمتعة البدنية التي كانوا يحتقرونها ويتصورونها من البعد الحيواني والطيني في الإنسان.وأما الفقهاء فلأنهم كانوا في الأغلب عجائز فقدوا كل حاسة حية وحس ذائق فبات الوجود الدفاق في الإنسان متهما بخلاف ما يدعو إليه الإسلام من أهمية العناية بالجسد والصحة والنظافة والجمال.
وقد اعتبرت رأيت من واجبي أن أرد التحية التي وجهها الأستاذ سواح للحضارة العربية بأكثر منها فاعتبرت مقالته فرصة لمشاركته في علاج هذه المسألة لسبببين:
السبب الأول: فلعل الكثير من قراء ألف يعجبون من اهتمامي بمتابعة ما يصدر في هذا الموقع رغم أني لست من الأدباء ولا حتى من المغرمين بجنس الأروتيكي كما حللت في فينومينولوجيا الدنكيخوتية لأكونه في الأغلب انحط إلى البرنوغرافيا فضلا عن كونه من أصعب الفنون الأدبية كما نبين بعض البيان هنا. فتكون هذه فرصة ليعلم القراء أني منذ أمد طويل من المتسائلين عن سبب تبلد الذائقة الإسلامية في جميع الفنون وأهم مداخل الجواب هو البحث في علل موت الغرائز موتها الموصل إلى تبلد الذوق. وقد سبق لي قبل الدخول إلى هذا الموقع كتابة فصول كثيرة حول أزمة الفنون العربية والإسلامية وعلة العداء بين عجائز الدعاة والفقهاء وشباب الذوق والغرائز الحيوية في الشعوب المبدعة.
السبب الثاني: لأني أريد أن أجرب فرضية آمنت بها وهي أن نظريات ابن خلدون تجيب عن سؤال الاستاذ سواح تماما كما تمكن من تحل الكثير من معضلات الظاهرة العمرانية عامة والإبداع الرمزي خاصة. إنها حسب رأيي تتضمن مدخلا مفيدا لعلاج هذه المسألة التي طرحها الأستاذ سرحان بصورة احتجاجية دون أن يكون قصده طلب علاجها العلمي. لكني ميال دائما إلى العلاج العلمي والفهم النسقي لكل الظاهرات التي أتكلم عليها فلا أقنع بالرأي المجرد دون تعليل علمي. ولما كان ابن خلدون قد عرض علينا إحدى أهم ثوراته بصورة ضمنية ممثلة في كونه بدأ المقدمة بمسألة الرزق وختمها بمسألة الذوق والذوق الأدبي على وجه الخصوص فإن الحل حسب رأيي ينبغي أن يأتي من هذه العلاقة: لماذا يتقوم العمران الإنساني من الرزق بداية ومن الذوق غاية بحيث إنه عرف علمه باسم مزدوج فسماه: "علم العمران البشري والاجتماع الإنساني" معا ؟
لم يكن ذلك لتردد خلدوني حول طبيعة الموضوع الذي أراد دراسته بل لأن الموضوع حقا مضاعف. فحسب ابن خلدون:
1-الموضوع هو أولا التنازل أو التساكن لقضاء الحاجات ويدور حول الرزق وذلك هو مضمون العمران من تعمير الأرض واستعمارها وذلك هو بعده الأداتي ويمكن تسميته بمجال الاقتصاد.
2-والموضوع هو ثانيا التنازل أو التساكن للأنس بالعشير ويدور حول الذوق وذلك هو مضمون الاجتماع من اجتمع الناس للتآنس وذلك هو بعده الغائي ويمكن تسميته بمجال الثقافة.
3-لكن المجال الأول الذي يهدف إلى التعاون يمكن أن يصبح مجال تنافس على الرزق وأسبابه (المال) فيحتاج إلى وازع زماني أو سلطة الدولة
4-والمجال الثاني الذي يعدف إلى التعارق يمكن أن يصبح مجال تنافس الذوق وأسبابه (المرأة) فيحتاج إلى وازع روحاني أو سلطة التربية.
5-وتتداخل السلطتان وتتعاونان فيكون الوجود الإنساني مؤلفا إذن من هذه المستويات المتداخلة وكلها ذات بعد مادي وبعد رمزي فتتكون الجماعات التي لها قيام حضاري مادي متحيز في مكان وزمان وبحسب سلم طبقي ودورة اقتصادية (وحدة مادية) وثقافية (وحدة رمزية) هي الأمم.
وهذه المعادلة الدقيقة لقيام الجماعات هي التي تجيب عن سؤال الاستاذ سواح من منطلق العلاقة بين الرزق والذوق وسلطانهما والسلطان عليهما وبهما ويكون ابن خلدون ابن القرن الثامن الهجري هو الذي يجيب عن تساؤلات الاستاذ سواح ابن القرن الخامس عشر الهجري. فقد يتصور البعض أن الشهوة والذوق الغذائيين يتعلقان بقيام الفرد مقصورين عليه فلا يدخلهما في حسبانه خلال طلبه الجواب عن السؤال المطروح حول الإيروتيك في الأدب. لكن ذلك لو صح لكانت علاقتهما بالشهوة والذوق الجنسيين منعدمة للظن بأنهما يتعلقان بقيام النوع مقصورين عليه. لكن قيام النوع مشروط بتوالي الأجيال ومن ثم فقيام الفرد من مقوماته إذ هو مقوم حلقات الأجيال. فيكون ما يقوم به الفرد وما يقوم به النوع مترابطين ولا يفصل بينهما إلا المباشرة وعدمها. فالشهوة والذوق الغذائيان دورهما مباشر في قيام الفرد وفيهما يبدو الفرد آخذا من الطبيعة ولا نرى دور الناقل منها إلى النوع لدور الشهوة والذوق الغذائيين غير المباشر في قيام النوع.
والشهوة والذوق الجنسيان دورهما مباشر في النوع و دور غير مباشر في الفرد وفيهما يكون الفرد معطيا للنوع لا آخذا من الطبيعة. لكن النوع يرد له ما أعطاه الجيل السابق بما يرثه منه من قوة بسبب الشوق والذوق الغذائيين وبسبب الشوق والذوق الجنسيين اللذين يقويان شاهية الأكل. فلكأن الأجيال تستمدد من الطبيعة لتعطي إلى الحياة وتستمدد من الحياة لتطعي إلى الطبيعة فتكون الأفراد وسائط بين العالمين الطبيعي والحيوي بتوسط المؤسسات الاجتماعية التي تنظم الشوق الذوق الغذائين والجنسيين. ويكون الجنس في خدمة النوع مرتين بالغذاء الذي جمعه في أبدان الأشخاص وبالنسل الذي يواصله بفضل أجهزتهم الوراثية. وفي الحالتين يكون جزاء الأشخاص هو اللذة التي يحصلون عليها في الشهوتين والذوقين. والجامع بين الشهوتين والذوقين في مستواهما الرمزي هو النسبة بين الذوقين العضوي والرمزي أو المادي والروحي ي. وتلك هي الصلة بالفنون عامة والفنون الأدبية خاصة.
وهذه العلاقة تجعلنا ننطلق من فرضية عمل نجربها لنرى ما توصلنا إليه في علاج المسألة التالية: إذا كان مطلوبنا فهم فنون الجنس ما طبيعتها أولا وما دورها في الأدب ثانيا ألا يكون من المفيد أن ننطلق من قياس منهجي مؤقت مع ظاهرة مجانسة لها في مستوييها العضوي والنفسي يمكن أن نتخلص منه لاحقا لنبحث المسألة بذاتها دون مقايسة؟ ألا يمكن أن نقيس أحكام الشهوة والذوق الجنسيين ودورهما في الوجود والإبداع الإنسانيين بالشهوة والذوق الغذائيين ودروهما فيهما لنخلص من ذلك إلى قيس فنون الجماع والسرير ببعديهما المادي والرمزي بفنون الأكل والمائدة ببعديهما المادي والرمزي ؟
فعندي أن النسبة بين الفنون التي تدور حول الشهوة الجنسية من حيث هي فعل عضوي غريزي انتقل من المرحلة العضوية الخالصة إلى المرحلة العضوية ذات الأبعاد الرمزية والروحية مناظر للفنون التي تدور حول الشهوة الغذائية من حيث هي فعل عضوي غريزي انتقل من المرحلة العضوية الخالصة إلى المرحلة العضوية ذات الأبعاد الرمزية والروحية. ويمكن أن نلخص هذه العلاقات بالصورة الواردة في الجدول التمثيلي التالي:
فالأودية العمودية تمثل أبعاد العريزتين والعلوم التي تدرسها والممارسات الإبداعية التي تتعلق بها والجداول اللأفقية تثمل مستوياتها في ذاتها بالمطلق ثم ببعديها المادي والرمزي الخالصين ثم المركبين بالترتيبين الممكنين تقدما للبعد المادي على الرمزي ثم العكس فتكون الحصلة على النحو الوارد في الجدول التالي:













مستويات الشهوة
العضوي الخالص
العضوي الرمزي
الرمزي العضوي
الرمزي الخالص
العريزتان
غ.الغذاء
الأكل المجرد
فن المائدة 1
فن المائدة 2
الجوع المطلق
غ.الجنس
المسافدة المجردة
فن السرير 1
فن السرير2
الكبت المطلق
علم إحياء
تاريخ طبيعي
فن الحياة 1
فن الحياة 2
فن التفرج
الحيوان
البدو والفقراء
الحضر والأغنياء
الراهب
موضوع علوم طبيعية
موضوع علوم إنسانية
موضوع الفنون والآداب
موضوع الدين والفلسفة


ويمثل هذا الجدول ما يجري في مستوى الوجود الإنساني مأخوذا من حيث غلبة البعد النفسي على وجود الأشخاص بمقتضى وضعيتين هما وضعية العمران البدوي بداية ووضعية العمران الحضري غاية. لكن ذلك يتضاعف عند النظر إلى الوجود الإنساني في المستوى الذي يغلب عليه ما يجري في وجود الجماعات أو ما يجري بين الأشخاص بمقتضى نفس وضعيتي العمران البدوية والحضرية. فيتضاعف الغذاء في تعينيه الخارجيين أي القوة العضلية والقوة المالية إذ يصبح الرزق ليس مصدرا للقيام فسحب بل هو أيضا مصدر للسلطة على القيام في الذات وفي الغير ويتضاعف الجنس في تعينيه الخارجيين أي القوة الجنسية وقوة الفعل الرمزي وتحصل فيه نفس النقلة التي حصلت في الغذاء. فنصل إلى الجدول التالي الذي هو أكثر تعقيدا من الجدول الأول:













مستويات السلطة
المادية الخالصة
المادية الرمزية
الرمزية المادية
الرمزية الخالصة
أصناف القوى المؤثرة
ق.عضل
العضلات
سلطة ز. 1
سلطة ز. 2
الحيل
ق.رزق
المال
سلطة ز. 1.1.
سلطة ز.1.2.
الفقر
ذ. مادي
القوة الجنسية
سلطة ر.1.1.
سلطة ر.1.2.
العجز الجنسي
ذ.رمزي
الفعل الرمزي
سطلة ر.1.1.
سلطة ر.2.2.
الانفعال الرمزي
علم عمران
فن التخلق
السياسية 1
السياسة 2
فن التبرج
أصل الفعل
البدو والفقراء
الحضر والأغنياء
أصل رد الفعل
موضوع علوم إنسانية
موضوع الفنون والآداب
موضوع الدين والفلسفة




الرموز في الجدولين
غ=غريزة
ق=قوة
ذ=ذوق
ز=زمانية
ر=روحية




وبذلك يمكن حصر أغراض الجنس والغذاء والسلط التي تنتج عن تحولهما إلى أداتي سلطة هي سلطة الرزق والذوق في شكلها المادي والرمزي أغراضهما في الأدب كالتالي:
أولا كل ما يتعلق بغريزة الجنس وبالذوق ببعديهما المادي والرمزي المباشرين في الجدول الأول وغير المباشرين في الجدول الثاني.
ثانيا كل ما يتعلق بغريزة الغذاء وبالرزق ببعدهما المادي والرمزي المباشرين في الجدول الأول وغير المباشرين في الجدول الثاني للعلتين التاليتين:
الأولى لأن كل الفنون المتعلقة بالجنس والذوق تحتاج إلى الغذاء والرزق جزءا من الفنون وأدوات اقتصادية لها. وكل ترد في العلاقات الذوقية سببه العلاقات الرزقية: فقل ألا يكون سبب الدعارة اقتصاديا.
والثاني وهي الأهم لأن كل المعاني الحقيقية في الرزق الغذاء والرزق يمكن أن تصبح مجازية في الجنس والذوق والعكس بالعكس. فقل ألا يستوحي المكبوت ما يقوله عن المرأة من الأكل وألا يستوحي الجائع ما يقوله عن الأكل من الجماع.
ملاحظة أخيرة:
والحل موجود في هذين الجدولين. فمن له الصبر الكافي لقراءتهما بتأن سيجد الجواب.ومن ليس له الصبر الكافي فلينتظر التحليلات الموالية في الكتاب الذي يصدر قريبا إن شاء الله ليجد الجواب الشافي. وطبعا فالأمر شديد التعقيد وسنكتفي بهذه الجملة نختم بها هذا القول السريع:
فلو كانت صلة الشخص الإنساني بمحيطيه الطبيعي والإنساني تتم مباشرة وبفعل طبيعي غير واع أعني دون أن يتوسط بينه وبينهما فعلان يصح عليهما الوصف بالإدراك بمعنييه لكان الكلام على البعد الرمزي من هاته الصلة فاقدا للمعنى.
لا بد للإنسان من الإدراك المعرفي أيا كانت درجته من مجرد الوعي الغفل بداية إلى النظرية العلمية غاية ولا بد له من الإدراك العملي لأن ما يسد حاجته لا ينال بفعل مباشر بل لا بد من تحصيله بفعل لمعنى الإدراك المعرفي فيه الدور الأساسي. وهذه الصلة المضاعفة بمستوييها المباشر وغير المباشر هي التي تحدد كل معادلات الوجود الإنساني التي تؤدي دورا في الأدب عامة وفي جنس الأدب المعتمد على فنون الشوق والذوق الجنسيين ماديا ورمزيا خاصة:
فالصلة بالمحيط الطبيعي صلة مضاعفة هي ما يستمده منه مقومات لوجود الفرد العضوي وما يقيم فيه: وهذا مجال الرزق والتساكن للتعاون الذي يصبح مادة للتنافس ومن ثم للصراع والسلطان السياسي والاقتصادي وهو من أهم أغراض الأدب خاصة إذا أضيفت إليه المرأة التي هي من مجال المستوى الثاني.
والصلة بالمحيط الإنساني صلة مضاعفة كذلك وهي ما يستمد منه تجدد النوع وبقاءه والإقامة معه: وهذا مجال الذوق والتساكن للتآنس الذي يصبح مادة للتنافس ومن ثم للصراع والسلطان الروحي والثقافي.
فتكون العلاقة بين الرزق والذوق هي المجال الذي ينبغي أن نطلب منه الجواب عن السؤال المطروح في مداخلة الأستاذ سواح ولعل قراءة سورة النساء هي التي تقدم الحل: ففيها تم الوصل بين قضية الرزق والذوق أو المال والجنس بصورة مثالية يمكن اعتبار الفن الإيروتيكي الذي يكون في خدمتها جزءا من الدين والفن الإروتيكي البديل منها أو المغني عنها جزءا معاديا للدين. وقد تصور المسملون بعدما تخلفوا أن الوجه الوحيد من الإيروتيك مقصور على هذا الوجه الثاني.لكنهم نسوا أن النبي كان ممن جعل حب النساء في منزلة الصلاة قربا إلى قلبه. هذا ما كان المسلمون يفهمونه عندما كانوا واثقين من أنفسهم.












































































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل الرد على طرابيشي يحل المشكل؟

02-آب-2008

تقارير التنمية العربية ما دلالتها ؟

01-تموز-2008

معركة الحجاب ما دلالتها ؟

19-نيسان-2008

نعم: الحق أحق أن يتبع (بين الأستاذين الطالبي والشرفي)

07-نيسان-2008

نحن وفن الكاريكاتور ؟

01-نيسان-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow