Alef Logo
كشاف الوراقين
              

ديوان جديد للشاعر السوري فادي سعد عن دار الغاوون / مع مقتطفات من الديوان

ألف

2009-10-19

صدر لدى "دار الغاوون" البيروتية ديوان جديد للشاعر السوري المقيم في الولايات المتحدة فادي سعد بعنوان "يقطع الليل بالسكين". الديوان، وهو الثاني للشاعر بعد "مدينة سجينة"، يحاول اكتشاف شعرية الأشياء اليومية والإصغاء إلى المخاوف البشرية المعاصرة وكتابتها في قصائد تسعى إلى تحقيق توازن بين الكثافة الأسلوبية والمخيّلة المنطلقة. هي قصائد تعتمد على الواقع لتخلق واقعا بديلا خاصا بها يتعرض فيه المنطق إلى امتحان شعري سوريالي قاسٍ، لكنه واقع قد لا تزيد غرابته كثيرا عن واقع العالم المعاصر. من قصيدة "الظلّ المقتول" نقرأ:
"ابتلع رجل ظلَّه بالخطأ (أو هكذا وصل إلينا الخبر). فقَدَ ظلَّه الذي كان يحتمي به دائماً. بات الظلُّ داخله، وخارجه، بقيت مساحة فارغة يتسكّع فيها الضوء بلا هدف. أين اختفى الظلّ؟ يتساءل الضوء الذي كان يرتدّ عن جسده خائباً من دون أن يترك أيّ أثر".
إذاً هي قصائد تريد أن تجعل من النظرة السوريالية إلى الأشياء طريقا للوصول وليس غاية، يمكن أن يثير فينا هذا الطريق التقزز والقرف والضحك والسخرية من أجل تأويل مستعص أحيانا.
يحسم الكاتب خياره لصالح الجملة الشعرية عوض السطر الشعري (كما في مجموعته الأولى)، ولصالح قصيدة كتلية عوض القصيدة الحرّة المسطّرة.
مقتطفات عن الديوان
المرآة
"يتفرّج على حياته في المرآة. وُلد شيخاً من رحم أمّه العجوز. كان يصغر كلّ عام، ويزداد شَعره سواداً. لمّا بلغ منتصف العمر، ندم على ما لم يفعله. داهمه الشباب، ذاق فيه صخب الطيش واشتاق إلى أيّام الحكمة. بدأت معالم الطفولة تزحف نحوه، حتّى وجدوه نطفة تائهة في غياهب الرحم".

التمثال
تقف امرأة قبالة تمثال، تتأمّل ابتسامته المنحوتة بأناقة. انظري إليه، تقول لمرآتها، التمثال سعيد دائما.

هل تبتسم لي فقط؟ تسأله. أم أنكَ، كالعاهرات، تبتسمُ لكلّ من يرميكَ بنظرة عابرة؟
يرفعُ التمثال حاجبه الأيمن، تزداد تجاعيد جبهته العريضة، يزمّ عينَيه، يغرس أصابعه في شعره الذهبي. الله... ما أجمل هذه المرأة! يقول في سرّه.
لماذا لا تقول شيئا؟ تصرخ المرأة في وجهه. تجر عينيها سفلاً إلى صدره العاري، والقضيب الرخو، والقدمين الحافيتين. ألا تخجل من عريكَ الفاضح هذا؟ تصرخ باشمئزاز.

يتنهّد التمثال، تزداد ابتسامته سعةً. كانت ابتسامة مشوبة بالحزن. لمئات السنين، أُسيء فهمه ولم يُسمح له بالشرح. يمدّ يده المليئة بالعروق ليمسّد شعرها الفحمي، لكن أصابعه سقطت على الطريق، قبل أن تصل شعرها المجعّد، وتناثرَ فتاتها الحجري فوق الأرض الرخامية.

قابلة
جلس طفلٌ في حضن جدته العجوز. ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر يا حبيـبي؟ تسأله.
أريد أن أصبح قابلة، يجيب.
في الطرف الآخر من العالم، كانت زوجةٌ تخيط لزوجها قبّعةً من حبال سرية مهجورة، وكان زوجها يحلم برأسه والقبعة، وبالطفل الذي سيصنعونه الليلة.

لا أحد يلوم القابلة، يكمل الطفل. ما تلفظه الرحم، تلتقطه هي. ولا أحد يلومها على البضاعة.
وماذا إذا خرج قردٌ، أو كان الوليد بثلاث أرجل أو بعين واحدة؟ تسأله جدته بحنان.
لا أحد يلوم القابلة. فهي إنما تلتقط لحم الحياة الممزوج بالمخاط وتلقيه في حضنٍ
ينتظر وترحل. أريد أن أكون قابلة تلتقط وترحل، يصرخ الطفل.

كان الزوج في الطرف الآخر من العالم يصنع طفلاً، متذكرا رحلته في النفق المظلم عندما أراد الخروج، وكيف كان يبصق على الطريق سوائل الرحم، وكيف عَلِق رأسه في المحطة الأخيرة (استدعى الأمر في النهاية شقّ البطن).

الهواء في الخارج كان باردًا. بعد التفكير مليًا في الأمر، لم يكن الوضع سيئًا في الداخل، فقد كان دافئًا، يتذكّر.

انتحار
حان وقت الرحيل. وضع رأسه في خزانة قبل أن يختم القفل ويرمي المفتاح. وضع صمغًا داخل أُذنَيه حتّى لا يسمع صراخ أطفاله يلعبون في الغرفة. لمن هذه المؤخرة، وأين أبونا؟ يبكي أصغرهم. لكن الأب العالق في الخزانة لم يكن يسمع إلا صوت نهر بعيد يستغيث قبل أن يبتلعه المحيط.

مضت سنون كثيرة، كبر أطفاله وكفّوا عن البكاء. نبضات قلبه كانت تصله عبر عظام الرأس. بوم. بوم.... سبعون دقة في الدقيقة، ما أسخف الحساب! تمنّى لو استطاع أن يُفرغ أمعاءه، لكن الخزانة صغيرة والرائحة قد تكون قاتلة. يأخذ شهيقًا فزفيرًا. ماذا تفعل زوجتي الآن؟ يتساءل.

عِقْبان صلعاء كانت تحوم حول سقف الخزانة، بعدما بدأ الجسد بالتفسّخ.

احترام
عديدة هي الأشياء التي فقدت احترامنا. الطاولة التي تمُرِّغ وجهها في بقايا حضورنا المهمل. الكرسي الذي ينوء كل يوم بأثقال مؤخّرات لا مبالية. الجدران التي تنزف تحت وطأة المسامير. آه... والكتاب المغبرّ الذي لم تداعبه يد حنونة منذ سنين.

جاء المساء بوجهه المظلم. حان دور السرير الذي لم ينم جيّدًا منذ شهور، فكلما أراد إغماض عينَيه، أيقظه لهاث الأجساد العارية، وأزكمتْ أنفه رائحةُ الشهوة.
كانا يتعاركان فوقه. هي ترغب أن يحدّثها عن حبّهما الذي لن ينضب، وعن الطقس، وعن أشياء أخرى لا قيمة لها. الكلام يجب أن يسبق المضاجعة، تجادل بصوت عالٍ، وهو يريد أن يقذف شهوته بسرعة لينام. الحديث احترامٌ، تصرخ. يسدّ السرير أُذُنيه، يغطي وجهه بالوسائد، حتى لا يسمع بكاءها وشخيره.

عديدون هم الأشخاص الذين فقدوا فضيلة الاحترام.

الحفرة
في حديقة خلفيّة، تمدّدت حفرة تحتسي قهوتها الصباحية كما تفعل كلّ يوم آلاف النساء الضجرات. تنتظر كلّ يوم، بصبر، سقوط أحد المغفّلين. تفتح شدقيها، يسيل لعابها الممزوج بالتراب قبل أن تلتهم لحمهم الشهيّ.

لماذا لا تطمر هذه الحفرة اللئيمة؟ تسأله زوجته. كيف نفعل شيئًا قبيحًا كهذا، وهي التي تعلّمنا أسرار الحكمة؟ يجيب الزوج. ألا تذكِّرنا أن أيّ خطوة خاطئة يمكن أن تؤدّي بنا إلى الندم؟

يسمعان ارتطام الأجساد التي تهوي، وصراخ الأطفال الذين غفلَ أهلُهم عن تلقينهم آداب السلوك. ما أقسى الحياة! تبوح الزوجة باكية.
والحفرة، تقهقه عاليًا بعد كلّ ضحية، تتكدّس في قعرها العظام، يزداد وزنها، تترهّل أردافها، حتّى باتت بحجم مؤخّرة من الأخطاء.

أين ابننا؟ تصرخ الزوجة.
لا بدّ من أنه يلعب في الحديقة الخلفية.

جملة عظيمة
ظلّ لسنوات طويلة يـبحث عن كلمات يصنع منها جملة عظيمة. التقى بكلمات تتبجّح، وأخرى تتبرّج لتغطّي قبح حروفها، حتّى أنه التقى مرّة، في معرض للكتب، بكلمة تتبختر برخص أمام الغرباء! أين الكلمات الشريفة هذه الأيّام؟ ظلّ يتساءل.

كان عليه أن يحسن الاختيار. فانتظرَ وصبر، حتى وجد ذات مساء، كلمة حسناء هي بنت الخيال، ظلّ يداعبها طوال الليل، إلى أن وقع في حبّها، فتزوّجها.

أنجبا زوجًا جميلا من الكلمات. فرح كثيرًا في البداية، وظنّ أن جملته العظيمة باتت أخيرًا في متناول اليد، لولا اكتشافه في لحظة الكتابة، أن عائلته ما هي سوى حروف جرّ بائسة.























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow