Alef Logo
كشاف الوراقين
              

سردية الحياة وتعزيمات الشاعر

باسم سليمان

2009-12-28

إن تحميل نص شعري جغرافية مكان/حياة ما وتتبع مسارد وعي الشاعر لها ومساءلة الذاكرة بشكل زمكاني بحيث يعاد تأصيل الكلمات / الحياة من خلال تبادل حلولية برزخية بين الشاعر وما يقوله وبين الدال والدلالة , يحتاج نصا يفيض عن ذاته دون نقصان وشاعرا صقلته التجربة بحد هو ذاته جرح نفسه.

"حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة" تكاد عُمان الشاعر سيف الرحبي تخرج كشاشة عرض سينمائي من بين صفحات كتابه الموسوم بما قدمنا , ولكن ببعد ثلاثي حيث الكلمة هي العمق" محور العينات" الذي يخصب الطول والعرض" محور السينات" بالماضي والحاضر والمستقبل , فتكتمل الرؤية بالنص الجغرافيا وتتجلى الرؤيا بقراءته لهذا السفر في التضاريس والتفاعل معها.

نص الرحبي , هو نص استبصاري باتجاه الماضي والمستقبل من خلال مركزية الحاضر. يقول الرحبي في قصيدة " كي تعود اليمامة":" كان على القتيل أن يداوي جراحَه/ قبل أن يموت/ ويدلف الآخرة من غير نزيف ولا دماء/..../ كان على الصيف أن يضمحل قليلا/ مفسحا للخريف مكانا لائقا للأحلام الشعرية / بأوراقها الصفر المتساقطة" إلى أن يقول:" كان على رشفة الشاي أن تعبر/ طريقا وعرا وطويلا / كي تصل إلى الفم" في نصه هذا الذي يبتدئ به الديوان يكشف به الحركة التكتونية لحركة قارة الحياة في تشكيلها لعتبة ديوانه وضمنا عُمان وامتدادا وطن اللغة العربية وصراحة سيرته التضاريسية التي سيكون فيها هو ,الحامل والدال للمساءلة وليقينية وظنية الدوال" كان على الأفعى الخبيئة في ظلمة الروغ/ بوادي سمائل/ أن تكون أكثر يقظة/ أمام الفأس المسنون للطفل الجبلي/ كان على الخروف أن يرتدي قناع المحارب حين يضمحل القطيع" هكذا تتناص وتتفاعل " كي" التعليل " و ال" كي" آخر الدواء ,للتهيئة لعودة يمامة نوح وانتهاء طوفان الموات أو تجهض هذه "الكي" وتتحقق نبوءة زرقاء اليمامة "الأطفال الذين يبحثون عن المستقبل / في قعر القمامة".

" في المنْقلب الآخر من الوادي / لقي الراعي ضالته/ كبشا من ذهب النسيان" هذا مقطع من قصيدة " ليل المقتولين على الضفاف" تتبدى فيه مركزية الحاضر الذي يعيشه الشاعر وقد ظن للحظة أن النسيان عاصمه من" السحب تمضي بيننا كثيقة ثقيلة / والأرض توقفت عن الدوران , متجمدة/ كشاهدة قبر بين خرائب ومجرات" و القصيدة إ ذ تتابع عبر مونولوج تراجيدي, كأنه بكاء منذ الأزل على الأبد, بعبثية منطقية قدرية بحيث تصطف الكلمات والجمل بقينية لا تثبتها إلا فوضى ما آل إليه الحال , فإذا كان من الممكن توقع حركة الموج , فهل من الممكن أن يكون هناك وقتا لتوقع لحظة الغمر؟.

يحدث التوقع بعودة الشاعر لخشب النجاة عبر قصائده " قمر الهضاب" قوس قزح يمشي على الأرض" سلاحف رأس الحد" الأب في قبره ينام" الأم" لاجئة من سطوة الهاجرة" في هذه القصائد يعيد الشاعر إنعاش الحياة .

هذه القصائد التي كانت بمثابة الحركة المعارضة التي عملت على تنقية الحياة من طمي الفوضى واستعادة الكلمة لمشيئتها لتكون فعل خلق وحياة " هذه النسمة المفاجئة/ من أين أتت وغمرتني بحنانها الوارف / من أي سماء بعثتها الآلهة/ لتحط كسرب يمام بري فوق سهل أخضر؟/ من أي جناح طائر يعبر المحيط؟ / ابتسامتك التي تنشر بهجة الروح المغامرة".

وإذ الأرض الشعرية غورت ماءها أو أفاضتها , فلا بد أن قصيدة "حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة" هي " جودي" الطوفان وجدارية المجموعة والإطار الجامع للرؤيا التي سار على هداه النص بمجموعه " ليس بين وبينك /أيتها الساحرة الولود/ إلا هذه الكثبان من الرمل/ وهذه الأزمنة المكدسة أمام بابي/ تقولين كلاما لا أفهمه/ وتقولين هذيانا أفهمه".

إن هذه القصيدة "عبرسيرية" تتقمص بها أيضا ,عُمان الشاعر والسلالة التي انحدرت من تلك الجبال الناهضة بالحركة المعارضة المذكورة آنفا ,فيدون بها الشاعر بإيقاع الأزمنة التي يرصدها وترصده ما كان وما سيكون ويصرخ" لن أنزل من جبلي / فلا عاصم إلا الله" , أما صدى الصراخ فيتردد في قصيدة " الجداول تسرد رحلتها الجبلية" وهي الحركة الأخيرة في سردية سيف الرحبي الشعرية "ذلك الصبي الذي راودته الجنية/ عن نفسه/ ومضى معها في المفازات والسهوب/ لم يعد بعد من رحلته الطويلة التي / أخذت أحداثها تتسع وتكبر في الخيال ( كما في الواقع) الذي يسردها كل صباح / كما تسرد الجداول رحلتها الجبلية/ في أعماق الظلام".

الرحبي يمسك مبضع الكلمة ويعمل في الجملة الشعرية خاصته جروحا كما الجداول جروح الجبال لتكون قادرة على استيعاب مطر التيه الذي سيقوده ليقينه الشعري , فأتت جمله بصيرة بمحمولها الشعري يفيض منها المعنى الذي يهب الحياة أسماءها , فيخرج بها من تيهه لسيرته التي لن تهادن قارئا تجرفه مستنقعات الحياة لذلك جاء الإهداء كتحذير " إلى ...( كل هذه الذرى/ ولا أحد / تركله رغبة الصعود إلى جبل) . هكذا تسرد الحياة سيرة الشاعر ويلقي عليها تعزيماته.

" حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة" مجموعة شعرية ل سيف الرحبي صادرة عن دار الصدى لعام 2009 دبي

الثورة

باسم سليمان

[email protected]












تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow