Alef Logo
ابداعات
              

لماذا نهرب من الحب

هالة شركس

خاص ألف

2010-08-17


ها أنا أتسللُ بعيداً عن وصاية عقلي و أكتب ثانية إليك..
نقاءُ الورقةِ البيضاء يستفزني..
اللعنةُ على هذه المحنةِ التي تميّز بها البشر..لماذا عليّ أن أحتملَ كلَّ هذا الألم ؟
أليس هنالك من جراحةٍ تستأصلُ هذا الورمَ الذي عاشَ ربعَ قرنٍ في قلبي ؟يا إلهي كم أحبك.. و كم أكره حبي لك .. و كم أنا نادمةٌ على تلك اللحظةِ الأولى، التي سمحتُ فيها لصوتكَ أن يمرَّ دون استئذان ٍ عبر الهاتفِ إلى قلبي الذي ظننتُ أنه قد تحجّر..
والذي سمعتُ صوتًهُ عندما أخذَ ينفلق إلى شطرين تحت ضغط قوةٍ هائلةٍ لبرعمٍ أخذَ ينتشُ أكثرَ حزماً و إصراراُ من الحياةِ نفسها ..حين تقفُ أمامك ساخرةً متحديةً : هذا ما لديّ .. بقدرِ ما كنتَ قريباً كنتَ بعيداً و لازلتَ قريبا ً .. بعيدا ً تتحرك داخل قلبي فتسببَ ألماً معجوناُ باللذةِ الهائلةِ..وبعيدٌ أنتَ كماءٍ يتسرب من بين الأصابعِ منذُ اللحظةِ الأولى التي رأيتُ فيها ذلك البريقَ المتوحشَ المترددَ..الجريءَ و الخائفَ..الساخرَ و الفضولي..العبقري و الشاردَ ..في عينيك الطفوليتين أوراقُ لبلابٍ متسلقةٍ لا مرئية ..كانت تحيط بك كهالةٍ خضراءَ ..تغصّ بآلافِ البراعمِ المتشبّثةِ امتدت نحوي و أسَرَت روحي التي خُلِقت متمردةً على كلِّ أشكالِ الإستقرارِ و ..الثباتِ و الجمود...
"لا تعطينا الحياةُ أبداً ما نريد.. والامتحانُ موجودٌ دائماً لكنه لا يأتي أبداً بالشكلِ أو الوقتِ الذي نتمنّاهُ.
التقيتُ منذُ فترةٍ صدفةً بأحدِ طلابي..ممن درّستُهم عندما تَخَرجتُ حديثاً..
كان طالباً متفوقاً ، عندما نال الشهادةَ الثانويةَ ، كان أحد العشرة الأوائل على مستوى القطرِ.. و هوالآن جَرَّاحُ أعصابٍ التقيته قربَ المعهدِ الذي كنتُ أدرّس فيه كان ذلك في نفسِ اليوم التعيسِ الذي تلقيتُ فيه رسالتك البائسة ...
تحادثنا قليلاُ ..وكان يمسك يدي بكلتا يديه و لم تكن لديّ رغبةً في الحديث .. كان فمي ما زال ممتلئاً بدمٍ ساخن ..و كانت رسالتُك لا زالت طازجةً في جيبي !.
هل لديكِ عشرُ دقائق ؟
ـ لماذا ؟
ـ نشربُ قهوةً .. أريدُ أن أحدثكِ عن نفسي .. لقد كنتِ مهتمّةً بي كثيراً أثناءَ المدرسة ..
ربما مرّة أخرى .. لست على ما يرام الآن ..
أرجوكِ .. لا تخذليني ..عشرُ دقائقٍ فقط .
حسناً ..
الحقيقة أنّني لستُ هنا بمحضِ الصدفةِ ..
ماذا ؟
لقد عرفتُ أنك تدرّسين في هذا المعهدِ فجئتُ لأراكِ
خير ؟!..و ما الذي ذكّركَ بي بعد كلّ هذه السنين ؟؟
أريدُ أن أعطيك هديّةً !
لماذا أشعرُ كأنني في فيلم سينمائي ؟ يكفيني هدايا اليوم !!
أيّةُ هدايا ؟؟
لاعليك .. أيّة هديّة هذه ؟؟
أريدُ أن تَعِدِيْني ألا تفتحيها إلا عندما تصبحين لوحدكِ
غموضٌ ؟ إثارةٌ ؟ خيالٌ ؟ حلمٌ ؟ تفاهةٌ ؟ مفاجأةٌ ؟ عبثيّةٌ ؟ سخافةٌ ؟ ..
كلّ هذه المشاعر افترستني دفعةً واحدةً !..
كانت بقيّةُ الحديثِ مفتعلةً .. دراسته ، عمله إلخ ..
عندما فتحتُ الرزمةَ في البيتِ ..كانت الهديّة عبارة عن دفترٍ قديمٍ .. و يوميّاتٍ !
كان دفتراً قديماً ..أوراقُهُ مصفرّةٌ ..و قرأتُ تاريخَ أولِ صفحةٍ ..
كنت في ذلك الزمن مُدرّسةً في ثانويّةِ الذكورِ ..و كان طالباً في الثاني الثانويّ. تابعتُ تقليبَ الصفحاتِ ..لم تكن صفحات ..كانت ينابيع تسيلُ منها الموسيقى و الشعرُ ..مزيجاً ملوّناً عذباً من المشاعرِ النقيّة العذبة المعذّبة ..
مشاعرُ مراهقٍ يرتعشُ بنشوةِ الحبِ الأوّلِ..حبّ بدائيّ محرّم .._ رغم أنّني ما كنتُ لأدعوه حبّاً بحالِ من الأحوالِ _ لكنّه كان كذلك بالنسبة لهُ في تلك الأيّام ..
أُصِبْتُ بالذهولِ أمام ذلك العذابِ ..و رغم تكرارِ اسمي في كلّ صفحةٍ ..لكنني أحسسّتُ أن كلَّ هذا الشعر كان موجّهاً لامرأةٍ أخرى.. هي أنا.. و لكنّها ليست أنا.
ذُهلتُ من الصورة التي رسمني بها ذلك الفتى في ذلك الحين .. و حاولتُ أن أعودَ بذاكرتي إلى تلك الأيّام ..و رغم أنني أتذكّره جيّداً ، فقد كان طالباً متميّزاً ..و كانت بقيّة الأساتذة يطلقون عليه ألقاباً مثل : فلتة و نابغة .. إلخ ..لكن ما تذكرته هو أنني لم أكن أمْتَدِحَهُ كثيراً لخوفي عليه من الغرورِ ..لكنّني كنت أشجّعه لأنّ ظروفه كانت سيّئةً ...و عبثاً حاولتُ تذكّر عينيه .. و حيَّرتني مهارته في إخفاءِ تلك المشاعرِ عنّي في تلك الأيّام ...أمضيت الليلَ كلّه أقرأ تلك اليوميّات ..لم يكن فيها شيئٌ من الابتذالِ.. كانت أشبه برومانسيّة " ووردسورث " لكنّها هزَّتني بعفويّتها و صدقِها و الألمِ الذي كان يئنّ به كلُّ حرفٍ من حروفِها...!
عدت فتذكّرتُ رسالتك ..قرأتها مرّة أخرى .."وداعاً هالة " !.. قلتها بنفس البساطة التي قلت لي فيها للمرّة الأولى " صباح الخير " !..
انسحبتَ من حياتي بنفس البساطة التي دخلت فيها ..دون استئذانٍ و دون أن تلتفتَ وراءك لترى أنّك حوّلتني إلى رمادٍ !!.
مرّت أيّامٌ كنتُ أتحركُ خلالها كالنائمةِ .. كنت متاكدةً أنَّه سيحاول الاتصال بي ..
و هذا ما حدث..
في أحدِ الأيّامِ قال صوتُه : صباحُ الخيرِ .. لكنّه لم يكن صوتُ الفتى.. كان صوتُ الرجل .. الطبيب الذي رأيته منذ أيّام ..!
قال : متى أراك ؟؟
كانت صورتك تلحّ عليّ من خلالِ الملحِ الحارقِ الذي تَنْضَحهُ عيناي الجريحتان ..
أجابه لساني : الآن !!..
عندما التقيتُ به قال : تغيّرتِ كثيراً
قلتُ : و أنتَ أيضاً ..
قال: مرّت فتراتٌ نسيتكِ فيها تماماً .. لكنكِ كنت دائماً تعودين لتقتحمي خيالي بقوّةٍ لقد التقيتُ بك ِو حدّثتكِ طويلاً.. بل لقد قبّلتكِ في خيالي ألفَ مرّةٍ .. و الرغبةُ في امتلاككِ كانت تعذبني طوال هذه السنين..!
أرجو أن تغفري جرأتي لكنني أخفيتُ رغبتي بما فيه الكفاية.. أنا الآن شخصٌ آخرُ.. أمّا أنتِ.. فالشيء الذي أستطيعُ أن اقولَ أنّه لم يتغيّر إطلاقاً ..
و الذي ما زال يوقظ لديّ نفسَ الشعورِ الآن .. هو عيناكِ ..عينا حيوان مذعور خائف !
هذا يكفي !.. أريدك أن تصمت !.. اصمت !..هذا ما كان ينقصني ..من أيّ جحيم ملعونٍ خرجت ؟!
" لكلِّ جحيمهُ "
قال " سارتر "
صحيح ..و جحيمي يكفيني .. وقفتُ لأغادر ، و رددتُ له الدفترَ
قال: هل قرأتهِ ؟
بالطبع ... إنّها يوميّات جميلة جداًّ ..لم أعتقد يوماً أنّك شاعر .. كنتَ متفوّقا"
في الرياضيّات و الفيزياء !..
أنت وحدك التي أخرجت من داخلي شاعراً
و الآن ؟
هل أجرؤ ؟
لا .. إلى اللقاء !..
أمسكَ بيدي و أشارَ إلى سيّارةِ أجرة ..
بيتٌ جميلٌ ..عبارة عن غرفةٍ واحدةٍ ، واسعة جدّاً .. لا جدران !..
في زاويتهِ مطبخ ، كثيرٌ من اللّوحاتِ ، شاشةُ تلفزيونٍ ضخمةٍ ، أرائكُ مريحة ..مكتبٌ و كتبٌ كثيرةٌ ... حتّى الحمّام كان جزءاً من الغرفةِ لا يوجد غرفةُ نومٍ
ولا سرير ..
أين تنام ؟؟
هنا !
لماذا أحضرتني إلى هنا ؟
لأنّك تريدين ذلك ..
أريد ماذا ؟
تريدين أن تمضي وقتاً معي ، إنّني أثير فضولكِ أليس كذلك ؟؟
لولا ذلك الدفتر القديم .. و الأوراق المهترئة ، لماصدّقت حرفاً من كلّ ما قلت.. أنا الآن شخصٌ آخرٌ لكنني عندما رأيتكِ عادت قطعةٌ من الماضي و أوْرَقَتْ في داخلي كالشجرةِ !..
لا أدري ، إنّني مشوّشةٌ جدّاً .. مشاعري متناقضة.. لقد التقيتني في يومٍ كنتُ فيه في ذروةِ التعاسة.. و أنا مضطربةٌ جدّاً.. أرجوك لا تستغلّ ذلك..
لن أطلب منك أن تفعلي إلا ما لديك رغبة حقيقيّة به.. آسف !..
هذا مضحك..
إلى اللقاء ؟!..
وداعاً ..
عدتُ إلى البيتِ.. ارتميتُ على سريري.. بكيتُ كثيراً.. كثيراً .. تبّاً لك كم جعلتني أبكي ..
أحبّك.. ثمّ أحبّك .. ثمّ أحبّك .. فأنت تحتلّ كلّ أماكن الصدارة في قلبي و لا يمكن لشيٍء أن ينتزعَ صورةَ عينيكَ من خيالي..
كنتُ أريدُ أن أسأله سؤالاً .." باعتبارك جرَّاحاً.. هل هناك منطقةٌ في الدماغِ مسؤولةٌ عن هذا الإحساسِ اللعين ؟.. ألا يمكن استئصالها ؟؟ أليس هنالك ما يمكن عمله لإيقافِ هذا النزيف ؟..هذا الألم المستمر ؟!..
هي قصةٌ .. لعلّها حقيقة ؟.. ما الفرق ؟ سرعان ما تبتلعُ الأشباحُ كليهما ..
سأخبركم شيئاَ .. لا أنكر أنّ هذا الرجل الذي عاد من الماضي قد اقتحم حياتي في ظرف سيّئ و فرضَ نفسهُ بقوّةٍعلى خيالي .. و لا أنكر أنني شعرتُ منذ اللحظة الأولى بجاذبيّته الخطرة ..لكنني لن أسمح بأن يتحوّل هذا إلى مسلسلِ دراما تركيّ..
لا زلتُ أقوى من أن أنحرفَ .. و لا زلتُ أستمتع بألاّ أكون رأساً في القطيعِ ..رغم أنني اكتشفتُ مراراً أن اللونَ الأبيض من الصعبِ أن يحافظَ على نقائه .. و أنّ الحياة غالباً ما تكون رماديّةً ..
لقد سمحت لي أن أكتب لك ..أرجوك أن تقرأني ..
قال كاتب أحبّه : " إنّنا غالباً ما نسبّب الأذى الشديد ، لأولئك الذين .. نحبّهم " !!..

××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف











تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

محنة عشتار

02-حزيران-2015

لماذا نهرب من الحب

17-آب-2010

المثقف والعلاقات الجنسية

09-تموز-2010

ماذا لو

18-حزيران-2010

غدر الألوان

12-حزيران-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow