Alef Logo
كشاف الوراقين
              

ضمنَ مئةِ متر مربع / رواية ـ الفصل الثالث

ناديا خلوف

خاص ألف

2010-12-25

الفصلُ الثالث
في كل مرةٍ أعيدُ إلى ذاكرتي ذلكَ الماضي. أسألكِ يا عليا، وماذا بعد؟ في كلّ يومٍ تصرخينَ منذُ الصباحِ " كل شيءٍ من أجلِ الحبِّ " ثم تسردين مذكراتكِ القديمة " في مذكراتِ امرأةٍ بعد منتصفِ الليلِ " كتبتُ كذا ، وكذا. تتحدثين عن سرحان، وقمر الزمان. لكنكِ لا تحاولينَ أن تجدي حقيقة من تتحدثين معه من الناس. إنّكِ خائفةٌ. تتجنبينَ الناس. تخرجينَ قبل أن يستيقظوا كي لا تلتقي بهم. لا تضحكي على نفسكِ. أنتِ خجولة. لديك اضطرابٌ في سلوكِكِ عليكِ أن تتخلصي منهُ. عشتِ معزولةً عن كلّ البشرِ لسنواتٍ. رغبتِ في الابتعاد عنهم. كلُّ ما جرى هو ما أردتِهِ حقيقةً. فكّري بشيْ آخر تعملينَ عليه. اعملي على أشياءَ حقيقيةٍ من الواقعِ وليستْ من الخيالِ.


- كيفَ لا أضطربُ ؟ لا أحدَ يعرفُ ما بي غيري. عندما أتحدّثُ معَ الناسِ. أضعُ يدي أمام رأسي لتحميني منهم. كانوا أوغاداً معي. لا ليسوا هم من كانوا كذلكَ. الخطأُ يسكنُ في داخلي. هم يقرؤونَ داخلي جيداً. عرفتُ الخوفَ من كلّ من تعرفتُ عليهم.
ربما أيقظَ خوفي منهم غرائزَهم الشريرة التي كانت مدفونةً في أعماقِهم . أو قلتُ لهم دون كلامٍ : تعالوا . إنّني جاهزةٌ للتهشيمِ والتهميشِ. ربما أحببتُ أن أمثّلَ دورَ الضحيةِ كي يزيدَ ألمي. انغمستُ في الدورِ، ولم أعدْ قادرةً على الخروج منه. عشتُ دورَ الضحيةِ بامتيازٍ.
- ليس صحيحاً. أغلبيةُ البشرِ في قلوبهم رحمة. ماذا تنتظرينَ؟ لن يساعدَكِ أحدٌ إذا لم تساعدي نفسَكِ. أنتِ قادرةٌ على إقامةِ بعض العلاقاتِ شرطَ أن لا تحدّثي الناسَ عن معاناتكِ الماضية. الناسُ لا يرغبون أن يروا بائساً أمامهم. ربما الأشباحُ تتحملُ المعاناةَ. لكلِّ إنسانٍ متاعبه. قد يتعاطفونَ معكِ من خلالِ رؤيتِهم. عليَّك أن تغيّري من نظرتك للعالم . العالمُ ليسَ لوناً واحداً. فيهِ الغثُّ والسمينُ وما بينهما. ليسَ كلُّ العالمِ هؤلاءِ الأشخاصِ القليلونَ الذين رأيتهم من قبل .
- كنتُ في الماضي البعيدِ مرحةً مندفعةً إلى العلاقاتِ. لم يتجاوبْ أحدٌ معي. كانَ كلُّ من يحيطُ بي يهمّشُني. عشتُ كأنّني غيرُ موجودةٍ على هذهِ الدنيا. لا أزالُ على قيدِ الحياةِ دونَ حياةٍ. ماتَ عالمي. أنظرُ إلى نفسي. أجدُ أنّني لا أساوي شيئاً. نعم. لا أحبُّ نفسي، ولا أحترمُها أيضاً. لا يمكنُني تقديمَ نفسي إلى العالمِ بالشكلِ الذي أرغبُ فيهِ. أرتبكُ عندما أتصرفُ أمامَ أحدٍ. أملكُ الكثير. ولا أعرفُ كيفَ أستعملُ ما أملكُه من أجلِ أن أرضى. إنّني غير راضية على الدوام. أقيسُ الأمورَ بمقياسِ الآخرين .
- الوضعُ مختلفٌ اليوم. ماذا تخسرينَ على بناء صداقةٍ إن وجدتْ؟ ترغبين أن يكونَ لديكِ أصدقاءٌ مثلَكِ تماماً. لن تجديهم. الصداقةُ فيها حريةٌ أيضاً. تحتاجُ للرعايةِ كالأطفالِ. للوضوحِ. للدعمِ الدائمِ والمستمرِّ. أنتِ لا قدرةَ لديكِ على بناء صداقةٍ. عندَ أوّل كلمةٍ تصدرُ عن الآخرِ. تشعرينَ أنّها موجهةٌ ضدكَ. تصمتينَ وتهربين فيما بعد. ليس للعالمِ عداءٌ معكِ. أنتِ تعادين نفسكِ. تجاهلي أحاديثَ الناس. هم لا يعرفون داخلك. لا ضيرَ أنّكِ تأخرتِ لبعض الوقتِ. لا أحدَ يعرفُ متى يبدأ؟ قد يكون اليومُ مخصّصاً للبدءِ. قد يكونُ وقتُ حضوركِ في هذا العالمِ قد حانَ اليومَ. حاولي. لو تجرأتِ واقتحمتِ العالمَ. سيكونُ في حياتكِ جديدٌ. خطوةٌ ما عليكِ اتخاذها.
سأحاولُ. سأحاولُ أن أتغيّرَ . لن أعدكِ بشيء لكنّني سأحاولُ
هل أحدّثُ نفسي أم امرأةً أخرى ؟ لا بأسَ أن تكونَ في حياتي صديقةٌ. يبدو أنّني أحدّثُ نفسي ، وبصوتٍ عالٍ أيضاً . هل هوَ الجنونُ ؟ لماذا يجري معي هذا ؟ إنّني بخيرٍ فكلُّ أموري على ما يرامُ . القليل من الجرأةِ فقط . سأتغلّبُ على هذا الخجل . على الشعور بأنّ العالم يقصدُ إيذائي . وحتى لو كان الأمرُ كذلكَ . سأتجاهلُه . سأتحدى العالم . لماذا التحدي ؟ سأقبلُ العالم . كي يقبلَني .


الساعةُ الآنَ الرابعةُ بعدَ منتصفِ الليلِ . تراودُني الأفكارُ . أرغبُ أن أهربَ من الجدرانِ . هيا يا سرحان . تعالَ معي . اليوم فقط . غداً سأبدأ . سأخطّطُ اليومَ للبدءِ . سأهربُ من التفكير بهذا الأمر .لابدّ من تأجيلِ التفكيرِ بذلكَ فذهني مشوشٌ . دائماً أبتكرُ العذر من أجل تأجيل أموري التي تحتاجُ إلى مواجهةٍ مع الحياةِ أو معَ الآخرين . عليَّ الاعترافِ بأنّني امرأةٌ اختارتِ الهروبَ كنمطِ حياةٍ


أضيعُ دائماً في دروبِ الحياةِ . تعودتُ على التسكّعِ في الدروبِ . على النظرِ إلى اللاشيء . الحديثِ معَ لا أحد ، ثمّ الاختباءِ واجترارِ الألمِ سرٌ يجعلني أشعرُ بجمالِ الدنيا عندما أضيعُ في الليلِ والشوارع .تسيرُ أنفاسُ الحياةِ معي . ذلكَ الضياعُ يمثّلُ عالمي كلّهُ. الفراغُ النفسيُّ ذاتهُ الذي دوّنتُه في " مذكراتِ امرأة بعد منتصفِ الليل " أسميتُه فراغَ الرجلِ أحياناً ، وربما هو فراغُ نفسي من المعاني التي أرغبُ بها . طالما تمنيتُ أن يحدّثَني أخي وأبي وحتى سعيد. كان يتحدّثُ قليلاً . يرغبُ أن أحدّثه فتنبسطُ أساريرُه ثم يغفو غيرَ عابئ بالكلامِ . أتبينُ أنّهُ لم يكنْ يستمعْ إليّ بل يمثّلُ ذلكَ . ليته لم يختفِ يوماً ! شعرتُ بالسعادة بقربه . اختفى ولا أملَ أن يظهر ثانية . تهتُ عندما رحلتُ من الجزيرة ، وأتيتُ إلى مكانٍ لا يعرفه سعيد حتى لو كانَ حياً . هو ليس حيٌّ كما يبدو . لو كانَ حيّاً لظهرَ خلالَ العشرِ سنواتٍ التي عشتُها في الجزيرةِ .
أيُّها الليلُ. اجعلني أشعرُ بالحياةِ ففي نفسي توقٌ للعيشِِ . سأمشي تحتَ ظلمتكَ أهدّهدُ لأحلامٍٍ ولدتْ عندي يوماً . غادرتْ إلى أماكنَ أخرى . شعرتُ أنَها ليست أحلامي فأفرجتُ عنها . كيف تمرُّ الأعوام ؟ وحدتي تطالبُني برفيقٍ أو رفيقةٍ حتى . أرغبُ أن ألتقي برجلٍ ما . فما عرفتُ الرجالَ إلا لبعضِ يومٍ .لا . لا أريدُ رجلاً يبعثّرُ ما تبقى لي من أملٍ في النجاةِ . الرجلُ يعادلُ الترفيهَ في الحياةِ . مازلتُ دونَ ذلكَ الطموح . تتزوجُ النساءَ لتصبحَ أجمل . لتلبس الثياب الجديدةِ . ليكونَ لها عائلة . بينما يتزوجُ أمثالي ليعشنّ الحياةَ على أملِ أن يصبحَ لهنّ تلكَ الحياةُ العائلية يوماً . لم أكن ملزمةً بالزواجِ من سعيد . أكذبُ على نفسي وأقولُ أحبّبته . لم أعرفْ غيره وكنتُ أرغبُ في الزواجِ فتبرعتُ أن أصبحَ ضحيته .
تعالَ إليَّ يا سرحانُ . أنتَ فقط حبيبي . تعالَ أفضْ إليَّ من حديثِك الذي أحببتُ . عانقني كي يرحل مني القلقُ والخوفُ . أرغبُ أن أنامَ وليس هناكَ من يحضُنّي بينَ ذراعيه ، فكيف لي أن أغفو؟
قبلَ قليلٍ كنّا نتحدّثُ عن تلكَ المرأةِ التي رأيناها معاً تقودُ قارباً في البحر . أينَ ذهبتَ يا عزيزي ؟ أرغبُ أن أذهب إلى البحرِ مرةً أخرى علّ المرأةَ تأخذني إلى جزيرتي ثانيةً وأعودُ برفقتها . اشتقتُ لحكاياتِ الجزيرةِ . ألّفّتُ كلَّ الحكاياتِ . حفظتُها هناكَ قربَ أشجارٍ زرعتها . ما أجملَ تلكَ الجزيرةِ
سأغني لها . أسميها وطني . عزلتي . محنتي . طريق نجاتي


سألوّنُ السماءَ هناكَ . أعيدُ الفرحَ إلى حياتي
أمرحُ معَ الطيورِ . أرفرفُ بجناحينِ
أراقبُ القمرَ وأكتبُ عن حبّه أجملَ الأغنياتِ
لم تكنْ جزيرتي إلا كما أردتُ . هي بعضُ اختياراتي
أو أنا عندما تقفرُ لياليَّ من البشرِ ، وتكفهرُّ دروبُ الحياة.
الوجهُ الآخر لوحدتي وغربتي . ربما فيها أحلامي وأمنياتي
الجزيرةُ أخذتْ جلَّ عمري . دوّنتُ على أطرافِها مأساتي ونجاحاتي .
سرحان هل أنتَ هنا ؟ لم يعدْ هناكَ أثرٌ لهُ . اختفى . كل من أعرفهم يختفون . لماذا يختفي الناسُ من حياتي بسهولةٍ ؟


سواء كنتَ موجوداً أم غير موجودٍ . سأذهبُ إلى البحر . سأتأملُ الأمواجَ وأمشي على الرمال . أجلسُ على الشاطئِ معَ سرحان - ربما يظهرُ ثانيةً - نتبادلُ أحاديثَ الهوى . الحديثُ في الحبّ جميلٌ . بل إنّ الحبَّ هو الحلُّ الوحيدُ لكلّ متاعبي .هو الجمالُ الذي أبحثُ عنهُ . الفراغُ الذي أشعرُ بهِ . العزلةُ التي تكويني .
ما أجملَ البحر في الظلام! لا أحدَ يراني . أختبئُ في ظلمةِ اللّيلِ من العالم . أسمعُ من صوتِ الأمواجِ أغنيتي الحزينة . سأبكي معكِ أيتها الأمواجُ قبلَ أن يستيقظَ أحدٌ .لا . سأرقصُ ففي الرقصِ عزاء .
لن أبكي بعد الآن أبداً . سأبقى جالسةً هنا في وضحِ النهارِ .
تريدونَ أن أبكيَ. أتحدثُ عن نفسي . لن أبكيَ . سجّلتُ على حائطِ النسيانِ قصةَ دموعي هذهِ. . في يومٍ من الأيامِ بكيتُ في السِّر، والعلنِ ، كانتْ روحي في حالةِ شقاءٍ. سمعتُها تستغيثُ بي- أعني روحي - نعم . كبتُّ نداءاتَها فزادتِ الأمورُ سوءا. لستُ راضيةً عن نفسي ، ولا عنِ العالم . لاشيءَ يعجبُني في هذهِ الدنيا علَّتي أراها واضحة ، لا أحتاجُ لمن يذكرُني بها ، لكنَّ العلاجَ غيرُ موجودٍ لتلك الأمراضِ إلا في داخلِنا . عدمُ رضا عن كلِّ شيءٍ يتفاعلُ داخلي .فراغٌ.عدمُ اكتفاءٍ . هل يمكنُ للعالم أن يتغيرَ فيكونُ غير ما هوَ عليه الآن ؟ يجبُ أن يتغيرَ . الحياةُ هي الحياة . ربما لم تعلمْني الدرسَ ، أو لم أفهمْه على الأقلِ . لكنَّها هي. هي . لم تتغيرْ. عليَّ أن أتغيرَ . من الداخلِ والخارج
لم أتعلمْ الدروسَ . كنتُ أمشي على طرقِها الوعرةِ . فقط كي أصبحَ قويةً فاكتشفتُ ضعفي .السماءُ أراها. إنها هنا. لماذا نبحثُ عنها في مكانٍ آخر ؟ أراها الآن . لن يكونَ حزنٌ ولا ألمٌ بعدَ اليومِ .لن أبكي بعد اليوم أمامَكم ولا من خلفِكم ..ولماذا أبكي ؟ فالعالمُ كلُّه لي . أتنقلُ فيهِ دونَ وساطةٍ . إنّها روحي ترصدُه في كلِّ مكانٍ . هل عالمنا مكانٌ صالحٌ للعيشِ ؟أراكم تبكونَ لأنني امتنعتُ عن البكاءِ . تعشقونَ الدموعَ . بدأتُم تشتكونَ من العالمِ . في ليالي الفرحِ تتسللون إلى مخادعِكم لتجهشوا بالبكاِء . لا تصرِّحون بذلك .أصبحتُم مثلي تقولونَ : أن الدنيا مكانٌ غير صالحٍ للعيشِ وتنسحبونَ منها .
سأرى الحياةَ جميلةً تستحقُ العيشَ ،وأطالبُ بعيشِها . دموعي كانتْ من أجلِ الحياةِ .عندما أخطئُ سأطلب منكم أن تغفروا لي .وإن أخطأتُم معي: أحبُّكم. ستكونون دوماً قادرين على امتلاكي بكلمةِ حبٍّ منكم . لا تقولوها إذن .سأبقى قادرةً على العطاءِ إلى آخرِ لحظاتي، وعلى العشقِِ أيضاً . لماذا تخافون كلماتي ؟ أعرفُ أن العيون التي لا تدمعُ ترى العالم بمنظورٍ قاسٍ ، لذا كان بكائي يشبهُ المطرَ الذي ينزلُ من السماءِ . لم يكنْ بإمكاني أن أمنعَ هطولَ المطرِ ، لم يكنْ بإمكاني أن أمنعَ عينيَّ من البكاءِ . فقد حافظَ ذلكَ على روحي نظيفةً . لماذا أخافُ البكاءَ؟ هو مشاعري التي أعبّرُ عنها دونَ كلام .لكنّني لن أبكيَ بعدَ الآن .
أما أنتَ يا سرحان . لا تتوقفْ عن البكاءِ ، لأنهُ ُيشعركَ بعمقِ الإنسانِ فيكَ .فحياتُك الماضيةُ كانتْ أشبهُ بحلمٍ أو بفيلم رعبٍ . هذا ما قلتَه لي . أكدّتَ أنّك اليومَ أفضل من الماضي .


- كما قلتَ :
إنكَ مع البكاءِ تشعرُ بالانفراجِ ، فأنتَ في النهايةِ إنسانٌ .
حتى صغارُ الحيواناتِ تصرخُ . تبكي عندما تفارقُ أمهاتها .
قد لا تبكي مثلكَ ، لكنّها تذرفُ دموعَ الحزنِ .إياكَ أن تتخلى عن دمعِك كما فعلتُ أنا . فللدمعِ جلساتٌ روحيةٌ طويلةٌ.
أحدّثُ سرحانَ كأنّهُ إنسانٌ رقيقٌ . لم أرَهُ يبكي . دائماً أصفُ الأشخاصَ بغيرِ صفاتِهم . سرحان كانَ يلوّنُ الكلامَ . ينافقُ . تحدّث عن آلامه في حياةٍ أخرى . وعن دموعه التي ذرفَها . لكنّني لم أرَه يبكي .
ذهبتَ يا سرحان من عالمي إلى الأبدِ. لم أكنْ أحتمي بك . أنت من كان يحتمي بي . أعطيتُك من قلبي وعمري بينما كنتَ مكتئباً تدّعي أّنك أتيتَ لتعبّرَ لي عن الحبِّ . أتيتَ إليّ وكنتَ تنسحبُ ملوّحاً عند حاجتي إليكَ . سعيدٌ غرقَ في البحر، وأنتَ رحلتَ إلى الظلام . لا حاجة بي لكما ولا حتى لقمرِ الزمان . أنتم مزيفون . سألتقي برجالٍ حقيقيين . لا يغرقون في البحارِ . لا ينسحبون من حياتي عندما أحتاجُ إليهم . يعترفونَ بمشاعري كإنسان .
اليومُ سأبدأُ سيرتي معَ الحياةِ . هو يوميَ الأوّلُ . في كل مرة سأجدُ يوماً أبدأ فيه من جديد .لن أخسرَ شيئاً إذا حاولتُ النجاح .
سأبدأُ اليومَ من جديد . في يومٍ جديدٍ ، ومعَ زمنٍ جديدٍ . أكونُ إنساناً جديداً .
الموجُ يرحلُ ثمّ يعودُ . أرحلُ معهُ . أحملُ همومَ البحرِ . أعيدُها لهُ ملونةً بأحلامِ الصباحِ .
في قلبي يزدحمُ رحيلُ الموجِ . يخفقُ بالحياةِ . أولدُ من جديدٍ .
يصافحُ الزمانُ أملي . يعانقُ النسيانُ آهاتي . أعيشُ حوريةََ بحرٍ في كهفٍ يضمّني إلى الأبدِ .
تهربُ كلّ حالاتي إلى الآتي ، فتزهرُ الأشواكُ في حكاياتي
تتعانقُ الكلماتُ مع الكلماتِ
فوقَ جبينِ الحبّ ، ويزهرُ الحقلُ بكلِّ نوعٍ من الوردِ
وتبتلُّ المآقي بالمطر . بعبيرِ الحياةِ والشوق .
يزهر الشجر . تبدأ القضيةُ من جديدٍ في عالمِ البشر ِ
ومن جديدٍ تبدأ الحياةُ
هي ذكرياتٌ فقط . ملونةٌ بأنغامِ موسيقى رقيقة وأرقامٍ مقدسةٍ ، تعلنُ عن ولادةَ حبّي . أملي . حياتي .


هاهو قاربُ السيدةِ يلوحُ من بعيدٍ . إن وجدتُ الفرصةَ سأتحدّثُ إليها . يكفيني حديثاً مع أشخاصٍ من صنعِ خيالي . هو هروبٌ بطريقةٍ غير مباشرة . لم يكنْ هروباً . كانوا أشخاصاً احتجتُ لهم في مرحلةٍ ثمّ تخليتُ عنهم . سمعتُ سرحان وهو يبكي متضرعاً لي كي أبقيهِ في حياتي ولو من بعيد . لكنّني رفضتُ ذلكَ . لم أعدْ بحاجةٍ له . لم يكنْ صوتُه مسموعاً . عرفتُ بطرقي الخاصةِ أنّه يبكي وينتحبُ ، مع أنّ العصفورَ يؤكّدُ لي أنّهُ كان برفقةِ أخرى تغمرُه السعادةِ . بتّ لا أثقُ بذلكَ العصفور . كلما أتعرّفُ على رجلٍ يتّهمُهُ بالخيانةِ . العصفورُ رجلٌ من الماضي أو ربما روح رجلٍ شريرٍ سكنته. يراقبُني على الدوامِ . يهزأُ من عشّاقي .
أرى السيدةَ قادمةً بقاربها إلى الشاطئِ . هاهي تخرجُ منهُ تقفُ قربَ البحرِ ريثما يأتي الناسُ . هي تقومُ بجولتها في البحرِ لمدةِ نصف ساعة . يأتي إليها العائلاتُ ويركبون من أجل التمتّعِ بمناظرِ البحر . والتعرّفِ عليهِ من الداخلِ ، وعلى الأغلبِ يقومونَ بتلكَ الرحلةِ التأمليةِ لينسوا متاعبَهم للحظةٍ ما .
اتجهتُ إليها . ابتسمتْ لي . سأكلِّمُها . لا. لن أفعلَ . سأعودُ لأنّها قد ترفضُني . لن أكلّمَها . كرامتي لا تسمحُ لي بالانحناءِ . مالي وما لها . سأعودُ إلى جحري كي أختبئَ . أمثالي لا يستحقونَ العيشَ . لن تضيفَ إلى حياتي شيئاً . الناسُ كلّهم أنانيون . وهي مثلُ جميعِ الناسِ . ولماذا تكونُ أفضلَ منهم ؟
ما دخلُ الكرامةِ بهذا ؟ كيف سأهربُ إن لم يكنْ لديَّ رمزٌ كبيرٌ ؟
كالكرامةِ والعنفوانِ . يبدو أنّني نسيتُ تلكَ الجاريةُ التي قذفَ بها زوجُها إلى مكانٍ معزولٍ وهربَ . هل يمكنُ أن يهربَ سعيد ؟ ولمَ لا . أشعرُ بذلكَ . ماذا أعرفُ عنه ؟ لاشيءَ . كانَ عليّ أن أرغمَهُ على أخذي من الجزيرةِ . أن أرميهِ في البحرِ إن لم يفعل . لماذا أرميهِ في البحرِ . لستُ شريرةً ولا لئيمةً . كان عليّ أن أرغمَهُ على إعادتي وبعدَ أن نصلَ أتركُهُ إلى الأبدِ . لماذا اجترارُ الماضي . ما جرى قد جرى . عليّ الآنَ أن أكلّمَ السيدةَ .
سأكلّمُها من أجلِ أن أتعلّمَ الحديثَ مع بشرٍ حقيقيين .


- هل تريدينَ أن أنقلَكِ في رحلةٍ بحريةٍ .
- الحقيقة . الحقيقة .
- لا تريدين . فهمتُ . أراكِ دائماً تأتينَ إلى البحرِ قبلَ أن آتي . تجلسينَ وحدكِ تتأملين الأمواجَ . خطرَ لي أن أحدّثَكِ مراراً . لم أردْ أن أفسدْ عليكِ خلوتكِ معَ البحرِ.
- نعم . آتي أحياناً بهدفِ التسلية . أشعرُ أحياناً بالوحدةِ والاغترابِ . آتي إلى البحرِ أناجيهِ . أتأمّلُ هذهِ الدنيا . لم تنصفْ معي . لا أدري إن كانَ ما أحسُّ بهِ حقيقةً أو وهماً .
- أنتِ لستِ من السكان الأصليين لهذهِ البلادِ . يبدو على لكنتكِ ذلكَ . قد يكونُ السببُ هو عدمُ الانسجامِ ، أو عدمُ القدرةِ على الاندماجِ في عالمٍ غريبٍ عنكِ . منذُ متى أتيتِ إلى هنا ؟
- منذ أكثرِ من عشرِ سنواتٍ .
- تعالي نمشي معاً على الشاطئ . أحتاجُ أن أحدّثَ أحدا . يبدو أنّ الحياةَ قستْ عليكِ . يمكنكِ أن تعيدي النظرَ إليها من منظارٍ جديدٍ .
- حقّاً ! أحتاجُ أيضاً أن أحدّثَ أحداً ما . أرغبُ أيضاً بإعادةِ النظرِ في كلّ أفكاري .
- يمكنُنا أن نصبحَ أصدقاء .
- بالطبع .
- لنصعدْ إلى القارب . نتحدّثُ بينما يمشي بنا في البحرِ . الجوُّ لطيف والموجُ خفيف . والصباحُ يصرخُ : ما أجملَ الحياة!
- لا داعي لذلك . هنا أيضاً مكانٌ جميلٌ . نتمتعُ بشروقِ الشمس .
ترحلُ قلوبنا معها . كلُّ الأماكنِِ جميلةٌ لو أردنا ذلك .
- لن آخذَ منكِ نقوداً . حتى عندما يأتي الناسُ . ابقي معي. ربما يساعدُني وجودُكِ قربي على الإحساسِِ بالأمانِ .دعينا
نتعارفُ الآن . ما اسمكِ ؟
- عليا .
- أنا "سونيا " أعملُ على هذا القاربِ منذُ عدةِ سنواتٍ لأعيلَ نفسي و ابنتي "ألانا " هي الآنَ طالبةٌ جامعيةٌ . أحياناً أجدُ نفسي أرغبُ في الاستسلامِ لليأسِ . أرفعُ الراياتِ البيضاء ، ثمّ أتشجِعُ وأعودُ للعملِ من جديد . في هذا العملِ أجدُ سعادتي أحياناً . أنسى عندما أقودُ القاربَ متاعبي . أعيشُ في عالمٍ مملوءٍ بالأحلامِ
في بعضِِ الأحيانِ أتمنى أن لا أعملُ أيضاً . أكونُ مريضةً أو مرهقةً . أرغبُ في الراحةِ .
- ألا يساعدُكِ زوجُكِ في تكاليفِ الحياةِ ؟
- انفصلتُ عن زوجي " آندي " عندما كانَ عمرُ ابنتي عاماً واحداً
لا أريدُ أن يعودَ إلى حياتي . كلما أصبحتِ المسافةُ أبعدَ. أرى الأمرَ بشكلٍ أوضح . كنتُ كمن وُضعَ على عينيهِ عصابة . لم أكنْ أعرفُ ما يجري في البدءِ إلى أن تركتُهُ .


- زوجي غرقَ في البحرِ . غادرَ الجزيرةَ التي كنّا نعيشُ عليها . قبلَ أن يأتي هاني إلى الحياةِ . ذهبَ ولم يعدْ. كانَ دافئاً حنوناً . أحببتُه بجنونِ . معَ هذا أشعرُ بأنّني لم أرَه . كانَ عابراً في حياتي . عملُهُ كانَ يلهيهِ عن الاهتمامِ بي أحياناً . التقينا في كلّ فترةِ زواجنا أياماً على سطح الجزيرةِ، وأياماً أخرى في بيته فقط . حتى أنّني لا أتذكّرُ ملامحهُ .
- يبدو أنّ ذكراهُ جميلةٌ . هل أحبّكِ هو َبنفسِ الطريقةِ ؟ المرأةُ المحظوظةُ فقط هي من تعرفُ رجلاً يحبُّها حتى لو رحلَ . تعيشُ على ذكرى جميلة . تساعدُها على الاستمرارِ .
- من المؤكّدِ أنّهُ أحبّني ، وإلا لماذا تزوجني ؟ هو لم يتعودْ الإفصاحَ عن مشاعرِه . طبعُه هكذا . ليسَ الأمرُ كما تقولينَ أيضاً فذكراهُ لا تدفعُني للاستمرارِ . كنتُ محبطةًً من موضوعِ الزواجِ ، ولم أعرفْ ما هي مشاعري الحقيقيةِ . بعدَ زواجِنا بأياّمٍ قليلةٍ . اعتقدتُ أنّ الزواجَ قد يكونُ ورطةً .
- الرجلُ يفصحُ عن مشاعرِه يا صديقتي . كانَ "آندي " يفصحُ عن مشاعره عندما أحبّني . ثمّ توقفَ عن ذلكَ . أصبحَ يفصحُ عن عدوانيته . لم يعدْ يقدّمُ لي الحبَّ ولا الاحترامَ .
- من أجلِ هذا انفصلتِ عنه .لأنّه لم يحبّكِ فيما بعد .
- لا .كنتُ مستعدةً للاستمرارِ لو لم يكنْ عدوانياً . الاستمرارُ من أجل ابنتي لتعيشَ ضمنَ أسرةٍ طبيعيةٍ . كانَ زواجُنا متسرعاً . كنّا مازلنا في الجامعة . لم أكنْ أعرفُ أنّ آندي مدمنٌٌ على الكحولِ إلى أن عشتُ ذلكَ الجحيم . لم يسعَ إلى العملِ . حاولتُ مراراً معه . لم أنجحْ . كانَ عالةً عليّ في المالِ ، وجحيماً في الحياةِ . يثملُ طوالَ الليلِ وينامُ طوالَ النهارِ . يحاولُ أن يكونَ ظريفاً فيلقي عليّ طرائفهُ ولا يعرفُ أنّهُ قد حاولَ ضربي قبلَ أن ينامَ . أستديرُ عنه كي لا أناقشُه . طرائفهُ كانت مملوءةً بالتجريحِ والإيذاء .
- الكحولُ مباحٌ هنا . أرى الناسَ يشربونَ دون أيّ حرجٍ .
بل يتباهونَ بعددِ الكؤوسِ التي يشربونها . وبعضُهم يحطّمُ ويعربدُ ولا أحدَ يتدخّلُ إلا إذا زادَ الأمرُ عن الحدِّ . أرى ذلكَ يومياً
- نعم . ليس جميعُ الناسِ هكذا . الحياةُ لها متاعبُها وليس هناكَ وقتٌ للكحول في كلّ يومٍ . لا بأسَ لو أنّهُ كان يشربُ بالمناسباتِ . هو ثملٌ على الدوامِ .يعترضُ طريقي ، فأهربُ منه ويتبعني مهدّداً بقتلي وهذهِ قصةُ كلّ يوم . قصةُ رعبٍ لم تكنْ لتنتهي لو استمرّت الحياةُ بيننا .
- لم يكنْ الوضعُ في بلدتي أفضل . والدي كانَ مدمناً على الكحول . أمي تتستَرُ عليهِ من أجلِ سمعتِنا . لكنّ الناسَ عرفوه . معَ أنّ أكثرَهم كان مثله . لماذا لم تفعلي مثلَ أمي ؟ لم تتحدثْ مرةً واحدةً بالسوءِ عن أبي .


- معَ هذا أجزمُ أنّ والدتَكِ كانتْ سيدة حزينة . أما "آندي" فقد استطاع خلالَ عامينِ من زواجِنا أن يهشّمني وأصبحُ امرأ ةً أخرى . لم يكنْ بالإمكانِ الاستمرار . من أجلِ ألانا فعلتُ ما أستطيعُ . كي تنشأ كفتاةٍ عاديةٍ . قد أكون نجحتُ . أراها سعيدةً في حياتِها .
- لم أرَ سعيدا كثيراً . لا أعرفُ عنه شيئاً أيضاً . أحببتُه وبعدَ الزواجِ لم يدرْ بيننا أحاديثُ . أشعرُ أنّني لا أعرفُهُ . رغبتُ أن يكونَ في حياتي رجلٌ ما .مازلتُ أشعرُ بفراغٍ. قد يمتلئ مع وجودٍ رجلٍ . ألا ترغبينَ بذلك ؟
- في حياتي رجالٌ كثيرون . بعضُهم تربطني بهِ صداقةٌ ما . أجدُ نفسي غير قادرةٍ على الارتباطِ بعلاقةِ زواجٍ . تركتُ" آندي" شعرتُ بالحريّةِ . لا أخطّطُ حاليّاً للزواجِ .
- نحنُ مختلفتانِ في هذا الأمرِ . كلُّ ما يشغلُ تفكيري هو الرجلُ الذي يحبّني . يتزوجُني . أكونُ كلَّ عالمَهُ . كانَ هذا في الماضي . اليومَ أيضاً أفكّرُ بذلك . أعتقدُ أنّه لا يليقُ بي ، فأدفنُ مشاعري .
- هذا يحدثُ في القصصِ عادةً ، وليسَ في الحياةِ العاديّةِ. هناكَ حبّ . أعظمُ أنواعهُ حبُّ الحياةِ . عندها سوفَ ترينَ العالمَ أجمل . العلاقةُ بين الجنسينِ هي جزءٌ من العلاقة معَ الحياةِ . علينا أن لا نعطيها مساحةً أكثر مما تستحقُّ . نتركُها تأتي في سياقِها الطبيعيِّ . نعترفُ بها . نعيشها كما نعيشُ كلّ يومٍ .
الآن اكتملَ عددُ الركّابِ . إن شئتِ يمكنُنا إكمال الحديثِ في البحرِ .
- سنكملُ الحديثَ غداً . لو أحبّبتِ . يمكنكِ أن تأتي إلى منزلي ؟
- سأرى إن كانتْ ابنتي غيرُ مرتبطةٍ بمواعيد . . أتتْ لتقضي عدةَ أيّامٍ معي ثمّ تعودُ إلى الجامعة . أتمنى أن أستطيعَ التفرّغَ من أجلِها . سأرى إن وافقتْ على المجيء سآتي .
- اجلبيها معكِ . أحبُّ التعرّفَ إليها . مكانُ سكني جميلٌ ستتمتعُ لو أتتْ .
- سأعلمُكِ بالأمرِ لاحقاً .


انقضى يومُكِ بسرعةٍ يا عليا . منذُ أيّام الدراسةِ لم أتكلمْ معَ أحدٍ . إنّهُ أفضلُ يومٍ في حياتي . عرفتُ اليومَ امرأةً ستكونُ صديقتي . امرأةٌ اختبرتِ العالمَ . غداً هو يومٌ لي . سأعدُّ الطعامَ كي أستقبلَ صديقتي . لو كانَ هاني هنا لأطعمته من طعامي . هو يحبُّ ما أصنعُهُ . كما أنّ صاحبَ البيتِ الذي أنقذني وابنتهُ وحفيدتيه كانوا يحبّونَ طعامي . أحببتُ هذهِ العائلةِ تعاملوا معي بشكلٍ جيدٍ . كنتُ في الحقيقةِ خادمةً لهم . لكنّهم هم من أنقذني عندما غرقَ مركبي .لم نفترقْ إلى أن توفي الأبُ . رحلتِ ابنته إلى العاصمةِ . هاني أيضاً يدرسُ هناكَ . يراهم أحياناً . يعملُ هاني نادلاً . عندما ينهي دراسته . سيعملُ في وظيفةٍ أخرى .
أشعرُ قليلاً بالوحدةِ والارتباكِ . زيارةُ أحد لي ليست بالأمرِ السهلِ . لو أتى سرحانَ الآن لاستطاعَ أن يتحدّثَ معي ريثما أنامُ . أتى الليل ومعهُ يأتي الخوفُ والكوابيس . ليتني أمتلكُ قارباً ! كنتُ أبحرتُ بهِ الآن . أحدّثُ الليلَ بكلّ ما يجولُ في خاطري . تلكَ السيدةُ التي تقودُ قاربَها في البحرِ هي من أسعد النساء . تقولُ أنّ لها همومها . لكنّني رغم ذلكَ أحسدُها .أما سرحان . فقبلَ قليلٍ طردتُه من ذاكرتي . الآنَ أرغبُ بهِ . كم أنا متردّدةٌ في اتخّاذِ قراراتي . سأفتحُ البابَ لأصرخَ بهِ إن كانَ مختبئاً كعادته يريدُ استدرارَ عطفي . سرحان . اذهب إلى الجحيم أيّها الوغد . أسمع خطواته . رحلَ ولن يعودَ . سأركضُ لأجلبَهُ . أخشى أن أكونَ قاسيةً معه . أتخيلُه يبكي .سأراضيهِ هو في النهايةِ رجلٌ . عليّ أن لا أجرحَ كبرياءه .
أشعرُ بالراحةِ ، كما أشعرُ بالنعاسِ . في مرات قليلةٍ شعرتُ بالنعاسِ. سأنامُ جيداً لأستقبلَ في الغدِ سونيا وابنتها ألانا .
نمتُ دفعةً واحدةً حتى الصباحِ . عندما يكونُ نومي عميقاً أستيقظُ مملوءةً بالتفاؤلِ . أشعرُ بجمالِ الحياةِ وأنّ كل الأمور ستكونُ على ما يرام .
ما أجملكَ أيّها الصباحُ
أهديتَني الأملَ .أعطيتني جرعةً من أكسيرِ الحياةِ .
وعدتني بصباحٍ آخرَ أجمل . سيكونُ أجملَ.
خذ بعضَ ألمي فقط ، كي أعيشَ بهدوءٍ
يكونُ لي يومٌ آخر . حبٌّ آخر. حياةٌ أخرى
أيّها الصبحُ لا ترحلْ . أحبكَ أن تبقى صباحاً مشرقاً
أهديكَ كلُّ كلماتي التي تحضرُني الآنَ . بدأتُ معَ شمسكَ أظهرُ
اليوم سأبدأُ رحلتي . رافقْني . كنْ صبحاً لي ، وشمسُكَ شمسي
لوّنْ أيامي . أحلامي . عمري بلونِِ رحلةٍ جديدةٍ
إن لم أستطعْ إكمالََها . عدْني برحلةٍ أخرى
ستكونُ هناكَ مرةً أخرى ، وأخرى . . لن تنتهي الرحلاتُ
يبدو أنّ العملَ أعادَ لي طاقتي . حدثٌ هامٌّ في حياتي . منذُ زمنٍ طويلٍ لم أستقبلْ أحداً . عليَّ أن أنهي كلّ أعمالي كي أتفرغَ للحديثِ مع سونيا . اشتقتُ للثرثرةِ مع الصديقاتِ . كم كنا نجلسُ في جلساتٍ تمتعُنا ! كنا نتحدّثُ عن نفسِِ الأشياءِ . نفس الأشخاصِ . مع هذا كانَ عالمُنا جميلاً . لا نعرفُ فيهِ سوى الضحكِ والمرحِ إلى أن تجاوزنا العشرين .


أسمعُ جرسَ البابِ . أتتْ في موعدِها . صديقتي قربَ الباب
اقرعْ أيها الجرسُ . منذُ اليوم ستقرعُ دائماً . ستمتلئُ داري بالأصدقاءِ
اقرع اليومَ وفي غدٍ . في كلِّ يومٍٍ . لم يعدْ أمامي سوى بعض المهام .
لي ستقرعُ الأجراسُِ دائماً . عندما تتوقفُ أجراسي . أكونُ قد غادرتُ الحياة.
لن أختبئَ بعدَ الآن . لن أرتحلَ إلى عالمٍ من الخيالِ .
سأفتحُ كلّ أبوابي .سأفتحُ ذهني وعقلي . كي أعرفَ ما يجري
كلُّ النوافذِ أجعلُها تستقبلُ الفرحَ في كلِّ يومٍ .
- أتيتُ . سأفتحُ في الحالِ . أهلاً بعزيزتي سونيا . أهلاً بحبيبةِ أمّها ألانا . تفضلا . ادخلا .
- أرى كلباً في حديقتكِ . كمْ أحبُّ أن أقتني كلباً !
- تداعبُ ألانا الكلبَ : ما اسمه .
- وايتي .
- مرحبا وايتي .
- ماذا يعني اسمه ؟
- كانَ لصاحبِ المنزلِ كلبُ كبيرٌ اسمه" فوكسي ". عندما ماتَ فوكسي حزنَ السيدُ عليه . كنتُ قد تحدثتُ له عن كلبِنا بيوض .
- سألني ماذا يعني اسمَ بيوض ؟
- الأبيض .
- اشترى كلباً أبيضَ وأطلقَ عليهِ اسمَ وايتي . كانَ وايتي صديقاً وفيّاً للأسرةِ ولي . يفهمُ عليّ كلّ ما أقولُ . أشعرُ أنه جزءٌ من عائلتي .
ألانا تتسابقُ معَ وايتي في الحديقةِ . ثمَّ تعلّمُه الرقصَ .
- ما أجملَ رقصهما . ألانا سعيدةٌ أكثر من هاني . كأنّ أمّها على حقٍّ عندما انفصلتْ عن والدها . إنّها لا تكفُّ عن الابتسام حتى معَ الكلب . اسمعي . أغنيةٌ جميلةٌ ترقصُ على أنغامِها معَ وايتي . وتبدو عليهِ السعادة . إنّهُ يضحكُ . تصوري حتى الكلابُ تعرفُ ما هي السعادةَ. لماذا لا نتعلمُ أن نكونَ سعداء . علمّته الرقص في دقيقتين . ابتسمَ . نحتاجُ لشرحٍٍ مطوّلٍ لنتعلمَ أن نكون طبيعيين .
- ألانا مغرمةٌ بالقططِ والكلابِ والطيورَ . تعلِّمهم جميعهم أن يرقصوا . نحنُ نحبُّ الحيواناتِ .لا نستطيعُ تربية حيوان فمنزلنا صغير . أما أنتِ فبيتُك واسعٌ جميلٌ . يشعرُ من يرى بيتَ الكلبِ في مقدّمة المنزل أنّ العائلةَ هنا أرستقراطية .
- هو ليسَ بيتي . بيتُ السيدِ الذي أنقذنا . ستأتي ابنته قريباً لتبيعَه . هي تحتاجُ للمالِ . اشترتْ بيتاً آخر في مكانِ إقامتها . عليها أن تسدّدَ ثمنه . هي لطيفةٌ أمهلتني مراراً . تستضيفُ هاني أحياناً .


- الوضعُ سيكونُ صعباً عليكِ إن لم تجدي عملاً . لاشيءَ مثل العمل يعيدُ الحياةَ للإنسانِ . أنّهُ من ضمن الحاجاتِ الأوليةِ التي تساعدُ الإنسان على الشعور بالذاتِ .
- لم أفكّرْ بالعملِ لسببٍ بسيطٍ . ليس لديّ شهادتي الجامعية. الأوراقُ تركتها في مدينتي .ماذا سأعملُ دونَ شهاداتٍ وأوراقٍ رسميةٍ .
- ليس ضرورياً أن تعملي في وظائفَ تحتاجُ إلى الوثائق . ألا تجيدينَ الطبخ ؟ يوجدُ بعضُ المطاعمِ على الشاطئِ . جرّبي فرصتكِ معها . تدربي على نوعٍ من هذهِ الأنواع التي صنعتها لنا . أجدتِ صنعها .مذاقُها أعجبَني . أعجبَ ابنتي أيضاً .
- لم يكنْ هذا طموحي في يومٍ من الأيامِ . أعملُ في مطعم ! هذا ليس مناسباً . لا يمكنني قبول الفكرة حتى . لو أردتُ أن أعملَ في مطعمٍ لعملتُ في مدينتي ، ولم أبحثْ عن الزواج . تزوجتُ أوّلَ رجلٍ عرفتُه كي أعملَ فيما بعد في وظيفةٍ محترمةٍ . ليس في مطعمٍ طبعاً .
- العملُ في المطعم أفضل من أن تعيشي في الشارعِ عندما تبيعُ السيدةُ البيت . أصبح الغذاءُ من أهمّ الأمورِ في عصرنا . ربما تصبحينَ نجمةً يتمُّ استضافتكِ على المحطاتِ ، أو تمثّلينَ في فيلم . كلّ شيءٍ في الحياةِ أصبحَ يقودُ إلى النجوميةِ . اجعليهِ طموحكِ اليومَ .اذهبي . جربي . إن لم يعجبْكِ من يستطيعُ إجباركِ على الاستمرارِ ؟
- يا لكِ من صديقةٍ ملهمةٍ . سأذهبُ غداً . صعبٌ عليّ هذا
في غدٍ سيكونُ موعدي . موعدٌ لم أخترْهُ يوماً .
لماذا يا عليا جرى ما جرى ؟ لا تسألي نفسكِ ولا الزمن
ما جرى قد جرى . لكنّهُ الآنَ رحلَ .
عن الماضي غضي النظر. فللحاضرِ يومٌ فيهِ رجاءٌ وأمل
ابدئي في الغدِ رحلةً جديدةً . في مدينةٍ جديدةٍ
قد تجدينَ السعادةَ في أيّ مكانٍ أو زمان .
لا تتردّدي ففي كلّ خطوةٍ سيكونُ تجربة لك في الحياةِ .
- تبدو طريقي ليستْ معبدةً . قد أستطيعُ اختصارَ رحلةِ العذابِ . بدأتُ أعرفُ كيفَ أفتحُ بعضَ المنافذ . تعرّفتُ إلى سونيا . جعلتني أشعرُ أنّني مازلتُ على قيدِ الحياةِ. ومن حقّي أن أعيشَ تعلمتُ من تلكَ العائلة التي أنقذتني المودةَ واللطفَ. الأمورُ تسيرُ بشكلٍ أفضلَ . بدأ الناسُ الذينَ يشعروني بقيمتي. يدخلونَ حياتي . كلّ الذينَ أحببتُهم . سعيد . سرحان . قمرُ الزمان . كانوا غير فاعلين في الحياةِ . لا يصدقونَ القولَ . يلمّحونَ لي أنّني لستُ ذات شأنٍ . وأنّ عقلي أصغرُ من عقولِهم .
حلَّ المساءُ


ذهبتْ سونيا وابنتها . أتمنى لو بقوا معي .لديهما حياتهما . هما لستُ أنا . الأوقاتُ محسوبةٌ عندَ البشرِ . هم ليسوا مثلي على أيةِ حالٍ .
سأرتاحُ معكَ أيّها الليلُ . يهداُ قلبي معَ سكونك العميق .
أحلمُ بنهارٍ مشرقٍ . تضمني برفقٍ بينَ جناحيكَ
سيكونُ لي ما أريدُ . اليوم فقط عرفتُ أنّني أستطيعُ أن أكونَ ما يجبُ أن أكونَ عليه .
هل تسمعُني ؟
لن أعيشَ عمري مكسورةً . العمرُ لحظاتٌ ستكونُ بلونِ النجوم أيّامي .
سأتغيّرُ
أصبحُ امرأةً جديدة . مكتملةُ الأنوثةِ والعقلِ . أكونُ إنساناً جديد .
نم يا ليلُ . احضن جسدي . عمري . أحلامي . كن اليوم لي .
أنتَ الآن ليلي .
سأذهبُ غداً للبحثِ عن عملٍ . عليَّ بالنومِ . سأكونُ على أتمِّ استعدادٍ في الغدِ . موعدي معَ العملِ . أشعرُ بالحماس مع أنّني رفضتُ الفكرةَ في البدء .
. انقضى الليلُ بسرعةٍ . نمتُ دونَ حراك . القلقُ عندي أخفُّ . يشغلُ ذهني موضوعٌ واحدٌ أفكّرُ بهِ هو البحثُ عن عملٍ . بعدَ دقائقَ فقط . أكونُ قربَ المطعمِ . سأدخلُ إلى أوّلِ مطعمٍ أصلُ إليهِ .
- هذا المطعمِ يعجبُني . يوجدُ رجلٌ يجلسُ أمامَ الكمبيوتر
- صباحُ الخير
- صباحُ الخير
- هل أنتَ صاحبُ هذا المطعمِ ؟
- لا . ماذا تريدين ؟
- أن أتحدّثَ مع صاحبِ المطعمِ بأمرٍ يخصُّني .
- أنوبُ عنه. بإمكانك أن تقولي لي ما تشائين .
- بصراحة . أفتّشُ عن عملٍ .
- ماذا تجيدينَ ، وما هي خبرتُك ؟
- أجيدُ صنعَ الفطائر المختلفةِ عن فطائركم . أضعُ فيها بعضَ الخضرِ الخضراء والتوابل والبصل . أشعرُ بالتألّقِ عندما أصنعُها ، ويشعرُ بالسعادةِ من يأكلُها . هي طبقي الوطني المفضل .
- يمكنُكِ أن تجرّبي الآن .


- حسناً سوفَ أبدأ الآن . أصنعُ الفطائر كأنّني ما زلتُ عالقةً في تلكَ الجزيرةِ . الجزيرةُ التي استنفدت كلَّ حياتي . لولا قمر الزمانِ لم أستطعْ أن أكملَ بها . تلكَ العزلة لم تمنعني من تعليمِ هاني . كانَ التعلّمِ هو تسليتُنا الوحيدةُ . إضافةً إلى بعضِِ الأعمالِ الأخرى . إن نجحتُ في اختبارِ العملِ . لن أتشردَ في الشوارعِ منذُ الصباحِ .
مازلتُ أمتنُّ لقمرِ الزمان . لماذا أتحدّثُ عنهُ هكذا ؟ كان يتحدّثُ عن أصلهِ وفصله كأنّهُ فعلاً قادمٌ من كوكبٍ آخر . سمّاهُ كوكبُ الإكليل ، فإذ بهِ قادمٌ من حيّ الإكليلِ قربَ مستنقعٍ هناكَ . كشفتُ ذلكَ . طردتُه من حياتي . لن أذكرَه بعد الآن . هو طبعي أعترفُ بعظمةِ الرجالِ. تربيتُ على ذلكَ . بعدَ أن أكتشفَ حقيقتهم إما أن يرحلوا أو أطردهم .
- فزتُ في الاختبارِ . أصبحتُ عاملةً في مطعمِ " الذوقِ الراقي " هذه الوظيفةُ ستقدّمُ ليَ الدعمَ الماليّ فلا أخافُ من الحياةِ .
سأذهبُ إلى سونيا لأمتنّ لها، وأشكرُها على إرشادي إلى بدايةٍ ما في الحياةِ
- نجحتُ في الاختبارِ .
- مبروكٌ عليكِ العملُ الجديد .
- حلمتُ في الماضي بعملٍ أفضل . أخجلُ أن أعملَ في مطعم .
- ولماذا الخجلُ ؟ إنّني أبحثُ عن عملٍ منذُ زمنٍ . لا أجيدُ الطبخَ وإلا لتقدمتُ لمثلِ وظيفتكِ . بالكادِ أستطيعُ دفعَ نفقاتِ ابنتي . لو كنتُ أجيدُ الطبخَ مثلكِ لعملتُ بهِ . فالطبخُ فنٌّ .
- فعلاً . أنتِ محّقةٌ . سيكونُ لي مرتّبٌ لم أكنْ أحلمُ بهِ في حياتي . سيتخلصُ هاني من التفكير بي . فهاجسُه دائماً أن ينهيَ الدراسةََ كي يستطيعَ إعالتي . لم أتعودْ أن يعيلني أحد . عليّ أن أتقبلَ مفهومَ أنّ الإنسانَ يحتاجُ لدعمِ الإنسانِ .
- حسناً . عندما تستلمينَ أولَّ مرتبٍ لكِ . سنذهبُ معاً إلى أماكنِ العنايةِ بالشعر والبشرةِ . عليكِ أن تهتمي بنفسكِ لتشعري بشعورٍ أفضلُ . عندما انفصلتُ عن آندي . اعتقدتُ أنّها نهايةُ العالم . لم أكنْ أنظرُ إلى المرآةِ . ساعدني أحدُهم على تجاوزِ محنتي . صديقٌ لي في الجامعة . كان يدرسُ علم النفسِ . علّمني أن أحبَّ نفسي من جديدٍ . بدأتُ أتغيرُ عندما أحبّبتُ نفسي استطعتُ أن أحبّ ألانا أكثر . كما أنّ نظرتي تغيرتْ للحياةِ . أعيشُ اللحظةَ الحالية على الدوامِ . عندما تقتحمُني لحظات مؤلمةٍ من الماضي أستبعدُها على الفورِ .
- ما تقولينهُ. يدورُ في داخلي أحياناً . لا أستطيعُ التعبير عنهُ . في داخلي غضبٌ أرغبُ بالتخلصِ منه . تعجبُني صفاتكِ . دعمكِ المعنويُّ للناسِ . ابتسامتُكِ . محبتكِ للآخرين . كلّ ما تقومينَ بهِ يثيرُ دهشتي .
هذا كانَ في " مذكراتِ امرأةٍ بعدَ منتصفِ الليلِ " الوضعُ مختلفٌ الآن . إنّني عليا التي تملكُ المالَ والمركزَ . لماذا أستحضرُ الماضي ؟
هي فقطْ مذكراتٌ أقرؤها من الذاكرةِ أحياناً . عانيتُ فيها من الألمِ دونَ أن أعرفَ أنّها كانت مملوءةً بالسعادةِ . الألمُ جزءٌ من السعادةِ . للجزيرةِ المعزولةِ متاعبُها . لها أيضاً في ذاكرتي حضورٌ جميلٌ الآنَ . فالعزلةُ ليستْ دائماً بتلكَ القسوة التي نتصوّرُها . في أحيانٍ كثيرةٍ شعرتُ أنني أتواصلُ معَ السماء ، وأرحلُ في عالمٍ صوفي قد أكونُ قد خلقتُ من أجله . عالمٌ تنفتحُ فيهِ بصيرتي فأشعرُ بالإنارةِ في داخلي .
خذني إلى جزيرتي أيها الموج . أعيشُ فيها من جديدٍ
أو طرْ بي أيها الأثيرُ إلى السماء فروحي ترغبُ في السموّ
سأرى الجزيرةَ من الأعلى . أرسمُها في المجرةِ نجمة
أو أحملُها لتنامَ معي في عالمي الجديد
منذَ ألف سنةٍ
كانتْ في عمري جزيرةٌ صغيرةٌ خضراء
مساحتُها مئة متر مربعٍ على الأكثر . صنعتُ فيها الجمال
في يومٍ من الأيامِ ٍ بنيتُ معبدي في جزيرةٍ صغيرةٍ
صارتْ جزيرتي بعدَ زمنٍ بوابةً الحياة
أتحدّثُ عن الجزيرةِ كأنها غيرُ موجودةٍ . هي موجودةٌ بأفضلِ وضعٍ يمكنُ أن تكونَ عليهِ .
هي ذكرى الماضي . حولتُهُ إلى حاضرٍ يضجُّ بالحياةِ .
حاضري الآنَ هو ماضيّ نفسهُ . جزيرةٌ لم تعد معزولةً
وهبتُها أحلى الأفكارِ . أصبحَ جزءٌ منها يعيشُ من أجلِ المستقبلِ
أعطيتُها من عمري . أعطتْ من عمرِها لنا الحياة .
صنعتُ فيها عالماً من الأزهارِ . فكانَ فيها عبقُ الورود
جزيرةُ الحلمِ هي جزيرتي . هي لي ولكم . سنسميها
بوابةُ الحياةِ
الحياةُ أعطتني اليومَ الكثير . لم يعدْ في داخلي هزيمةٌ . أشعرُ بالحريّةِ . أعرفُ معناها . كنتُ أسمعُ بها . مازلتُ أفكّرُ بعائلتي . أحزنُ على أمّي أتمنى لو كانتْ على قيدِ الحياةِ لجلبتها إلى هنا .كانتْ متصالحةً مع الشقاء . تبكي عندما تكونُ وحيدةً . كم تحرقُني تلك الدموع اليوم ! أشعرُ بالذنبِ . كانَ عليّ أن أنقذَ أمّي . كلَّّ عائلتي من ذلك الخراب .
سأكتبُ في مذكراتِ امرأةٍ بعدَ منتصف الليل . الأشياءَ الجميلة التي حدثت لي . لم تكتملْ مذكراتي بعد .
مذكراتي في منتصفِ الليلِ تصبحُ أجملَ .
كتبتُها مرةً في العتمةِ . أكتبُها اليوم في وضح النهارِ
في منتصفِ ليلةٍ مظلمةٍ . اعتقدتُ أنّ العالمَ يقتلُني
كانَ الليلُ خائفاً مهزوماً مثلي . يرتجفُ بينَ يديّ
مسحتُ دمعَهُ . كتبتُ بالدمعِ سيرتَه على جدارٍ من جدرانه
حضنتُ آلامَهُ في ذاكرتي . توهجتْ آلامي ثمّ اشتعلت .
كانَ ليلي يبدأ بعدَ المنتصفِ بقليلٍ
اليومُ هو ليلي أيضاً . يبدأُ معَ النهارِ
لم يعدْ قادراً على البكاءِ . يميلُ إلى الفرحِ والغناءِ
الفرحُ يضمّنا أحياناً . ننسى الظلام . نسافرُ
أضمُّه إلى صدري أغنّي لهُ يا ليلُ كن ليلي
يزهرُ بنا العمرُ . تتجدّدُ الحياةُ . نصبحُ فيها رسماً من نورٍ وظلال .
استغرقتُ كثيراً في الذكرى . أستعيدُها أحياناً عندما أكونُ وحيدة . أدوّنُ كلّ الأحداثِ في دفترٍ . أسلّمُهُ للزمنِ كي يحفظَهُ . ذاكرةُ الزمن حفظت لي كلّ الأشياء .
الأشياءُ المؤلمةُ تتنحى عن ذاكرةِ الزمن .
أشيائي عائمةٌ فوقَ بحرٍ . ترفرفُ معَ رذاذِ الموجِ
تبتهجُ للضوءِ . تختبئُ أحياناً . تعودُ إليّ
أحضنُها . أبكيها . نبتسمُ معاً . أحييها .
ستبقى أشيائي لي . ويحفظُها زمنٌ هو زمني















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow