Alef Logo
الغرفة 13
              

النيابة العامة ضد السيد جوستاف فلوبير ـ ترجمة : محمد مندور

ألف

2006-08-14

مرافعة اتهام المحامي العام أرنست بينار
( وقائع محاكمة رواية مدام بوفاري لغوستاف فلوبير )
أيها السادة
عند مواجهة هذه القضية تجد النيابة العامة نفسها أمام صعوبة لا تستطيع أن تخفيها و هي صعوبة ليست من طبيعة الاتهام ذاته ، فالإساءة إلى الأخلاق العامة و إلى الدين ، كل هذه عبارات لا شك غامضة إلى حد ما و مطاطة ، بحيث يتحتم تحديدها. و لكنني عندما أوجه الحديث إلى نفوس
مستقيمة علمية ، يصبح من السهل التفاهم في هذا الصدد ، و تحديد ما إذا كانت هذه الصفحة من كتاب تحمل إساءة إلى الدين أو إلى الأخلاق.
و الصعوبة ليست في اتهامنا ، بل إنها على الأصح و بالأحرى في طول الكتاب المعروض عليكم للحكم فيه ، فهو قصة كاملة. و عندما يعرض عليكم مقال في صحيفة يرى الإنسان أين تبتدئ الجريمة و أين تنتهي ، و تقرأ النيابة العامة مادة للقانون و تعرضها على تقديكم. و أما هنا فإننا لسنا بإزاء مقال في صحيفة ، بل بإزاء قصة كاملة ، تبتدئ في أول أكتوبر ، و تنتهي في 15 ديسمبر ، و تستمر على ست دفعات في مجلة ريفي دي باريس Revue de Paris 1856 فما العمل في هذا الوضع ؟ و مات دور النيابة العامة ؟ هل تقرأ الرواية كلها ؟ هذا مستحيل. و من ناحية أخرى فإن قراءة النص موضوع المؤاخذة وحده يعرضنا للوم له ما يبرره. فمن الممكن أن يقال لنا : إنكم إذا لم تعرضوا القضية بكافة أجزاءها ، فإنكم تهملون ما يسبق و ما يلحق الفقرات المدانة. و من الواضح أنكم تخنقون القضية بتضييق مجال المناقشة. و لكي نتجنب هذا الاعتراض المزدوج ليس هناك غير منهج يمكن أتباعه ، و هو أن نقص عليكم أولا القصة كلها دون أن نقرأ أو ندين أية فقرة ، ثم نقرأ أو ندين مع ذكر النص ، و أخيرا أن نجيب على الاعتراضات التي يمكن أن تنهض ضد الخطة العامة للاتهام.

ما هو عنوان القصة ؟ مدام بوفاري. إنه عنوان لا يفيد شيئا في ذاته ، و لكن هناك عنوانا آخر بين قوسين ( أخلاق الريف ) ، و هذا أيضا عنوان لا يفسر فكرة المؤلف و لكنه يشعرنا بها. فالمؤلف لم يرد أن يساير هذا المذهب الفلسفي أو ذاك صحيحا كان أو خاطئا ، و إنما أراد أن يرسم لوحات خاصة. و سوف ترون أية لوحات هي !!! و لا شك أن الزوج هو الذي يبدأ الكتاب و هو الذي يختتمه. و لن الصورة جدية في الكتاب. و التي تلقي الضوء على اللوحات الأخرى هي بلا ريب صورة مدام بوفاري.
و هنا أقص و أورد النص.

لقد أخذ الزوج من المدرسة العامة ، و من الواجب أن نقول إن الطفل كان ينبئ منذ ذلك الحين عما سيكون الزوج ، فهو بالغ الثقل و الانكماش – إنه منكمش بحيث أنه عندما يصل إلى المدرسة و يسأل عن اسمه يبتدئ بأن يجيب قائلا : شارلبوفري و هو ثقيل بليد بحيث يعمل دون أن يتقدم ، فهو لم يكن قط الأول في فصله كما لم يكن قط الأخير. و هو " هزأة " إن لم يكن أنموذجا للفشل في المدرسة. و بعد الدراسة في المدرسة العامة انتقل لدراسة الطب في روان ، في غرفة بالطبق الرابع ، تطل على السين ، استأجرتها له أمه عند صاحب مصبغة من معارفها. و هناك تلقى دراساته الطبية ، و وصل شيئا فشيئا إلى أن يحصل – لا على شهادة طبيب – بل على شهادة معاون صحة. و كان يتردد على الحانات و يتخلف عن الدروس و لكن لم تكن له غواية أخرى غير لعب الدومينو. و هذا هو السي بوفاري.و هم بالزواج فوجدت له أمه زوجة هي أرملة حضر في دييب ، و هي امرأة فاضلة قبيحة الشكل في الخامسة و الأربعين من عمرها و لها دخل سنوي مقاره ألف و مائتا جنيه ، إلا أن موثق العقود الذي كان لديه رأس المال الذي يدر هذا الدخل رحل ذات صباح إلى أميركا. و تأثرت الزوجة بهذا لحادث غير المنتظر ، و اهتز كيانها كله حتى أنها ماتت من التأثر. و هذا هو الزواج الأول و هذا هو المشهد الأول.
و فكر السيد بوفاري بعد أن أصبح أرمل أن يتزوج ثانية و أخذ ينقب في ذكرياته ، و لم يكن في حاجة إلى أن يذهب بعيدا فقد تذكر فورا بنت أحد المزارعين المجاورين. و كانت هذه الفتاة قد أثارت على نحو غريب شكوك مدام بوفاري. و الفتاة هي إيما روو و لم يكن للمزارع روو غير بنت واحدة رباها في دير أرسلين بروان ، و كانت قليلة الاهتمام بالمزرعة و كان أبوها يريد أن يزوجها و تقد إليها معاون الصحة و لم يتشدد في البائنة. و تم الزواج و ركع السيد بوفاري على ركبتيه أمام زوجته و هو أسعد الناس و أعمى الأزواج و همه كله هو أن يسارع إلى تحقيق رغبات امرأته.

و هنا يمحى دور السيد بوفاري و يصب دور مدام بوفاري هو المحور الجدي للكتاب.أيها السادة
هل أحبت مدام بوفاري زوجها أو حاولت أن تحبه ؟ لا ! و منذ البدء حدث ما يمكن أن نسميه بمشهد التدريب. فمنذ تلك اللحظة انفتح أمامها أفق آخر ، و لاحت حياة جديدة. فمالك قصر فوبيسار يقيم حفلا كبيرا ، و يعو معاون الصحة كما يدعو زوجته ، كانت هذه الحفلة بالنسبة إليها بمثابة تدريب على كافة انفعالات اللذة. فرأت فيها دوق لافرديير الذي كانت له غزوات في البلاط ، و رقصت الفالس مع فيكونت و أحست باضطراب مجهول. و منذ تلك اللحظة أخذت تعيش حياة جديدة ، و أصبحت لا تحتمل زوجها و لا جميع ما يحيط بها و بينما كانت تبحث في يوم داخل إحدى قطع الأثاث عثرت على سلك من حديد جرح أصبعها و كان سلك ياقة زوجها. و لكي يخلصها من السأم الذي أخذ يضنيها ضحى السيد بوفاري بزبائنه و أتى لكي يقي في أيونفيل.و هنا يأتي مشهد من مشاهد سقوطها. و نحن بذلك نصل في تسلسل النشر إلى الجزء الثاني. فمدام بوفاري تصل إلى أيونفيل ، و أول رجل تلقاه و تتعلق به نظراتها لم يكن موثق عقود تلك الجهة ، بل كان الكاتب الوحيد الذي يعمل عند هذا الموثق. و هذا الكاتب هو ليون دي بون ، و هو شاب صغير يدرس القانون و سيرحل إلى العاصمة. و أي إنسان آخر غير السيد بوفاري كان لا بد أن يقلق من زيارات هذا الكاتب الشاب ، و لكن السي بوفاري من السذاجة بحيث يؤمن بطهارة زوجته. كما أن ليون القليل الخبرة يشعر نحوها بنفس الإحساس و يرحل. و تضيع الفرصة. و لكن الفرص تتجدد في سهولة ، ففي إحدى الجهات المجاورة لإيونفيل يوجد المدعو رودلف بولنجه. و هنا ألفت نظركم إلى أنني أكتفي بالقصص. و هو رجل في الرابعة و الثلاثين من عمره حيواني المزاج، و كانت له انتصارات مع النسوة السهلة القياد. و كانت له عندئذ عشيقة من الممثلات ز

و رأى مدام بوفاري و هي امرأة شابة ساحرة ، فصمم أن يتخذ منها عشيقة و كان الأمر سهلا تكفيه ثلاث فرص. ففي المرة الأولى أتى ليشاهد المعرض الزراعي ، و في المرة الثانية أتى ليزورها ، و في المرة الثالثة صحبها في نزهة على ظهر حصان رآها الزوج ضرورية لصحة زوجته. و عندئذ كان سقوطها من أول زيارة للغابة. و تعددت المقابلات في قصر رودلف و في حديقة معاون الصحة بنوع خاص ، و وصل العشيقان إلى أقصى حدود اللذة. فمدام بوفاري تريد أن يخطفها رودلف ، و رودلف لا يجر} أن يختطفها. و صعقتها خيبة الأمل التي حملها هذا الخطاب فأصيبت بحمى مخية ظهرت في أعقابها حمى تيفودية ، و قتلت الحمى الحب، و لكن المريضة بقيت! و هذا هو المشهد الثاني.
واصل إلى الثالث. فسقوطها مع رودلف كان قد تبعه رد فعل ديني ، و لكنه كان قصيرا فمدام بوفاري ستسقط من جديد. و كان الزوج قد رأى أن المسرح مفيد لنقاهة زوجته ، فصحبها إلى روان. و في اللوج المواجه للوج الذي يحتله السيد و السيدة بوفاري كان يوجد ليون ديبوي كاتب موثق العقود الشاب ، الذي يدرس القانون في باريس ، و الذي كان قد عاد من العاصمة واسع الثقافة واسع التجربة. و ذهب ليرى مدام بوفاري و ليقترح عليها موعدا فأشارت عليه مدام بوفاري بالكاتدرائية و عند الخروج من الكاتدرائية اقترح ليون أن تصعد في عربة ، فقاومت أول الأمر و لكن ليون أخبرها أن هذا يحدث في باريس ! و عندئذ لم يعد لديها اعتراض. و كان السقوط في العربة. و تعددت المقابلات. مع ليون كما كانت مع رودلف عند معاون الصحة. ثم في غرفة استؤجرت في روان ، و أخيرا وصلت إلى التعب من هذا لب الثاني نفسه. و هنا يبدأ مشهد البؤس و هو الأخير من الرواية.
كانت مدام بوفاري قد بذرت ، و ألقت الهدايا على رأس رودلف، و رأس ليون ، و كانت تعيش حياة بذخ. و لكي تواجه كل هذه النفقات كانت قد حررت عدة كمبيالات لإذن حاملها، و حصلت من زوجها على توكيل عام لكي تدير الثروة المشتركة. و كانت قد التقت بمراب كان يخصم هذه لكمبيالات التي لم تكن تدفع عند حلول موعدها فكانت تجدد باسم زميل له. ثم أتت أول ورقة مدفوعة ، ثم الإنذارات و الأحكام و الحجز ، و أخيرا إعلان بيع أثاث السيد بوفاري الذي كان يجهل كل شيء. و ضاقت بمدام بوفاري السبيل ، فأخذت تطلب النقود من جميع الناس ، و لكنها لم تحصل على شيء من أحد. فليون ليس لديه شيء ، و هو يرتد مذعورا أمام جريمة يوحى له بها لكي يحصل على نقود. و انحدرت مدام بوفاري على كافة درجات الذل ، فذهبت إلى رودلف ، و لكنها لم تنجح فرودلف ليس لديه ثمانية آلاف فرنك. و لم يبق لها غير مخرج واحد ، فهل تعتذر إلى زوجها؟. لا و هل تتفاهم معه ؟ و لكن هذا الزوج سيكون من الكرم بحيث يعفو عنها ، و لكن هذه مذلة لا تستطيع أن تحتملها ، فتناول السم و عندئذ تأتي مشاهد مؤلمة فها هو الزوج إلى جوار جسم امرأته البارد و ها هو يأمر بأن يحضروا ثوب زفافها و أن يلفوها فيه، و أن توضع جثتها في نعوش ثلاثة.
و في أحد الأيام يفتح درجا فيجد صورة رودلف و خطاباته و خطابات ليون. و قد تعتقدون أن الحب سيسقط عندئذ؟ و لكن لا. لا. إنه على العكس يزداد التهابا فهو يتحمس لتلك المرأة التي تملكها غيره بسبب ذكريات اللذة التي خلفتها له ، و منذ تلك اللحظة يهمل زبائنه و أسرته ، و يترك لمهب الريح ما تبقى من فتات ثروته. و في أحد الأيام يجدونه ميتا في عريشة حديقته و هو ممسك بين يديه بخصلة طويلة من الشعر الأسود!.
هذه هي الرواية التي قصصتها كاملة دون أن يحذف منها أي مشهد ، و هي تسمى مدام بوفاري. و في استطاعتكم أن تعطوها عنوانا آخر و أن تسموها بحق : " قصة زنا امرأة بالريف ".
أيها السادة :
لقد أديت الجزء الأول من مهمتي : لقد قصصت ، و سآخذ في إيرادج بعض المقتطفات ، ثم يأتي بعد ذلك الاتهام الذي ينحصر في جريمتي : إساءة إلى الأخلاق العامة و إسا

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow