Alef Logo
مقالات ألف
              

الفرصة الضائعة

عمرو السواح

خاص ألف

2011-06-19

تظاهرات دمشق من العام 1998 إلى 2003
في العام 1998 عادت التظاهرات إلى دمشق بعد فراغ دام سنين طويلة من «اللاتجمع» المفروض من قبل السلطات السورية في ظل قانون الطوارئ، إن نحن استثنينا المسيرات التي كانت تقام احتفالاً ببعض الأعياد الوطنية أو تلك المرتبطة باحتفاليات حزبية بحتة، واحتفالات مشجعي الفرق الرياضية.
جاءت هذه التجمعات بعد أن نسي الشارع السوري معنى وشكل التجمعات التي تقام تحت الكثير من المسميات للتعبير عن رأيهم، واختفت معها الأعراف والتقاليد المرتبطة بهذه الحركة في الشارع وبقيت شكلاً بعيداً عن الشارع السوري.. كما أن المسيرات النظامية التي اعتادت السلطات تنظيمها من وقت لآخر كانت قد توقفت تماماًَ في السنين الأخيرة.
فعشية القصف الأمريكي على العراق في العام 1998، التم شمل مجموعة صغيرة من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، واتجهوا إلى السفارة الأمريكية واضعين قطع قماش بيضاء على أفواههم معلنين إضراباً تضامناً مع الشعب العراقي. ليفترشوا الطريق أمام السفارة الأمريكية.
أثارت الحركة ارتباكاً لدى الأجهزة الأمنية، نتيجة لاختفاء هذا الشكل من التحركات لسنوات طوال، فإن الأجهزة الأمنية وقفت دون حراك أمام ما يحصل، ووقفت تراقب من بعيد. لتلجأ فيما بعد إلى بعض الإدارات الأكاديمية التي يتبع لها الطلاب لتجد الأمور طريقها إلى الحل، نتيجة لحيوية الموقع الذي يوجد فيه مبنى السفارة. ليتم تفريق الجمع إلا أن تلك كانت فقط البداية.
انتشر خبر ما حدث بسرعة، وبدات دعوات للتظاهر تطفو إلى السطح ، ليكون ذلك اليوم أول يوم تشهد فيه دمشق عودة للتظاهر بعد انقطاع طويل، ألوف من الشباب شكلت، سيلاً غاضباً تدفق إلى الساحة المقابلة للسفارة الأمريكية. جيل تتراوح أعماره ما بين 18 و30 عاماً جيل ولد في السبعينات ولم يشهد شارعه هذا النوع من الحركات. جيل مسيس بكل معنى الكلمة لكنه «لا يفعل» في العشرين سنة الأخيرة.
ليس مهماً كيف بدأت الأمور في العام 1998، سواءً جاءت هذه التحركات من دعوة بعض الأحزاب إلى التظاهر في الليلة السابقة أم لا، أو أن القيادات الطلابية المعروفة في الجامعات حاولت الإحاطة بهذه التظاهرة أم ساهمت في صعودها، وليس مهماً إن كان هناك ضوء أخضر للانطلاق بهذا التحرك أم لا، لأنه كان من الواضح والجلي أن الشارع في ذلك كان يقول، ولم يكن ليمنعه شي من الخروج.
تحركت المظاهرات سلمية أول الأمر من كل الطرقات المؤدية إلى السفارة الأمريكية وبيت السفير الأمريكي، كثير من اللافتات والأعلام بدون صور لزعماء أو قادة، وكثير من الهتافات الغاضبة، هتافات معادية لأميركا وإسرائيل،مع الرغبة في الفعل.. إلاّ أن الأمر لم يبق على هذا الحال طويلاً فسرعان ما قُذِف أول حجر على مبنى السفارة الأمريكية. وتحولت الهتافات المكتوبة والمنظمة إلى صراخ، ليصعد شاب إلى أعلى مبنى السفارة الأمريكية وينزل العلم، ليتحول الصراخ إلى فرح، اتسعت التظاهرات وامتدت، كان ذلك الحدث بمثابة حلم أو صدمة للكثيرين، فمعظم المتظاهرين يشاهدون كل ما يحصل للمرة الأولى، وجزء كبير منهم لم يعتقد أنه سيشهد شيئاً مماثلاً. منحهم ذلك شعوراً بأنه يمكنهم أن يحدثوا فرقاً جعلهم يشعرون بوجودهم... كانت لهذه التظاهرة الأولى بعدٌ أكبر من مجرد إنزال علم يحرق في السنة عشرات المرات في دول كثيرة من العالم، وبعد أكبر من الهتافات بكثير.
لكن شيئاً لم يحدث ولم يتغير الكثير، وبقيت الجماهير تنتظر حتى يوم الرابع من تشرين الأول عام 2000 عقب بدء أحداث الانتفاضة الثانية، ليسقط علم أميركا من على سطح سفارتها الدمشقية مرة أخرى، رغم التدابير الأمنية التي اتخذتها السلطات السورية والسفارة. تكرر السيناريو لكن مع القليل من الخبرة التي أضيفت من التجربة السابقة.. تعالت الهتافات وارتفعت الأعلام والصور، أعلام سورية، فلسطين والعراق، ورايات تحيل إلى طيف واسع من الانتماءات أعلام بعض الفصائل الفلسطينية رايات حمراء يسارية أعلام حزب الله صفراء اللون ورايات سوداء وزوبعتها الشهيرة، وصور كثيرة. ماجت مع الموج الصاعد إلى السفارة الأمريكية، وكان لإسقاط العلم الأمريكي هذه المرة صدى أكبر أمام تحصينات السفارة الأمريكية، لتخمد المظاهرة بعد ذلك بخراطيم رجال الإطفاء والعناصر الأمنية.
في الأيام التالية اشتعلت موجة من المظاهرات اليومية التي واكبت هذه الانتفاضة، شباب مشحونون عقب يوم حافل بصور شاشات التلفزة المؤلمة، تم إغلاق الطريق المؤدي إلى السفارة الأمريكية تماماً، لتقف الجماهير مرات طويلة أمام حاجز أمني يمنعهم من الوصول ولم يفلح أحد بالوصول إلى السفارة الأمريكية. مع مرور الوقت لم تعد هناك حاجة لوضع حاجز أمني، فتحول الحاجز إلى حاجز وهمي، يمنع المتظاهرين من الصعود باتجاه السفارة. ومع مرور الوقت استطاعت الأجهزة الإعلامية العربية بصورها اليومية، والشعور المتنامي لدى الشباب بعدم القدرة على الفعل أدى إلى تناقص أعداد المتظاهرين، لتتوقف المظاهرات بشكلها التقليلدي، وتظهر بشكل حركات جديدة.
من بين التحركات التي ظهرت فيما بعد وتركت أثراً في الشارع السوري الإضراب المفتوح عن الطعام في« 4/9/2001 »والذي قامت به مجموعة من الشباب أمام مقر هيئة الأمم المتحدة أبو رمانة في دمشق، مطالبين الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بإصدار بيان يدين فيه قتل الأطفال الفلسطينيين. حول هذا الاعتصام المكان إلى فضاء مختلف تماماً. يحتشد فيه مئات المناصرين والمدافعين، تحول إلى خلية نحل دائمة العمل، بدأت مناشير وبيانات الاحزاب تتكاثر وتظهر يومياً الجميع كان على الساحة يساريون قوميون من المدافعين عن حقوق الإنسان مستقلون، والكل اتخذ من هذا الفضاء منبراً له. أعلام، لافتات، مجموعات من المارة ينظرون بغرابة إلى كل ما يحدث. إلاّ أن هذا الحراك الشبابي، أرسل برسالة إلى الأحزاب الكهلة التي بدأت تعود بشكل واضح إلى الساحة. فأخذ الشباب الذين كانوا يخرجون في المظاهرة بثيابهم يرتدون كنزات تدل على انتماء معين، وآخرون يحملون رايات ولافتات تعلن صراحة عن انتماءاتهم السياسية، والهتافات أيضاً كانت تحكي عن من يقولها، وبدأ الخطباء ينطلقون بخطبهم من أناهم الحزبية ..
لم يترك ايلول لهؤلاء الشباب المعتصمين ومن حولهم أن ينهوا ما قاموا به. ففي اليوم الثامن للإضراب الموافق للـحادي عشر من أيلول 2001 أجبر الجميع على فك الإضراب بعد الكثير من التدخلات خوفاً من أي حركة قد تعقب هجمات القاعدة، أو تداعيات تعقب الحالة الهستيرية التي أصابت أميركا والعالم. ليقطع الإضراب وينقل المضربون عن الطعام إلى مستشفى يقع في إحدى المخيمات الفلسطينية في دمشق.
تلاه اعتصم الخميس الفلسطيني في 18/4/2002 قبيل انعقاد مؤتمر القمة العربي، تحول ذاك الخميس إلى اعتصام يومي يضم كافة الفئات العمرية من كل الأطياف والقوى السياسية.. يبدأ الاعتصام من أمام الأمم المتحدة، لينطلق في شوارع وساحات العاصمة.. لتردد الجموع شعاراتها. ومع هذا الإعتصام بدأ كل شيء يتغير، فحضور ودور الأحزاب آخذ بالتنامي، كل تيار أو حزب يريد أن يفرض نفسه بقوة، وكل من هذه الأحزاب يريد أن يسحب البساط من تحت الآخر، فبدأت الحشود المتلاحمة تتفرق شيئاً فشيئاً، وتتخذ مسافة فاصلة في ما بينها. وبدأ شكل المسير يأخذ منحىً أكثر تنظيماً حتى وصل إلى الشكل الذي وئد فيه اليوم في طريق مرسوم سلفاً، راح الحشد يتفرق، وأخذت الرايات والصور التي تعلن عن انتماء هذه المجموعة أو تلك تظهر بشكل واضح للعيان في مقدمة كل مجموعة على حدة، ورحنا نرى بعض قياديي الأحزاب يتواجدون على الساحة من وقت لآخر وهم ينظرون إلى الجموع بابتسامة عريضة، وراحت أصوات تعلو على أصوات، والتدخلات تتكاثر.
دخلت الأحزاب إلى الشارع العفوي في وقت حيوي في وقت كان بإمكانها أن تقول مجتمعة الكثير، توفرت لهذه الأحزاب التي كانت غائبة عن الفعل وغيبت الشارع معها في العشرين سنة الماضية، فرصة ذهبية لتعود إلى الشارع، ظروف كان بإمكانها أن تكون فاعلة من خلالها، وتشكل لأعراف وتقاليد تناسب المرحلة القادمة. إلى أن شبح الخلافات السياسية القديمة أبى إلاّ أن يتدخل متمثلاً بقياداته التاريخية المتشابهة في كثيرٍ من الأمور، متشابهة في الفرقة والانقسام قبل كل شيء. لم تستطع أي من هذه الأحزاب أن تضع خلافات الماضي جانباً. وحملت أمراضها معها وهي تنوي أن تورثها للأجيال القادمة. لم يكن ما يحصل معلناً ولم يكتب أحد عما يحصل ولم تقل كلمات صريحة.. إلا ّ أنه مع مرور الوقت تبلور كل شيء، ومن يشاهد ما يحصل عن كثب كان سيرى كل شيء بوضوح، تناقصت الأعداد وابتعد شباب كثر عن هذه التجمعات، إلى أن توقف ذاك الخميس.
لم يتوقف الشباب عن تحركاتهم فكانت بعض الاعتصامات الجامعية، وكانت بعض حركات التضامن في الساحات، في 26/2/2002 مع بدء محاكمة المناضل الفلسطيني د. عزمي بشارة وتأييداً وتضامناً معه، وفي ذكري مجزرة صبرا وشاتيلا.. أعلن عشرة من الشبان والشابات العرب إضراباً عن الطعام أمام مبنى المفوضية الآوربية في دمشق، وذلك في صبيحة يوم 16/9/ 2002 ..ومن ثم في العام 2003 تظاهرة ضد نشاطات السفارة الأمريكية الثقافية ضمن برنامجها لحقوق الإنسان، وغيرها من التظاهرات التي تضم عشرات او مئة أو قد تزيد من الشباب في خط مرسوم سلفاً. ليتأطر شكل التظاهرات بشكله النمطي في كل مرة بنفس الشعارات والهتافات.
لم تخل السنوات التي قبل والتي تبعتها من بعض التحركات السياسية الداخلية السورية المنادية بالحرية، ولرفع قانون الطوارئ، أو بعض الحركات الفردية ذات الصفة المطلبية التي قد تصل إلى الدعوة إلى مزيد من الحريات، بالإضافة إلى تحركات بسيطة لبعض النشطاء السابقين، وكان أشهرها كل من اعتصامي 2005 و 2007 لرفع قانون الطوارئ، إلاّ أن هذه التحركات وبتواطئ إعلامي عربي ومحلي، لم تجد طريقها في الصورة العامة، وما كانت لتسمح لتجمع هذا عدد كبير من الأشخاص للقاء والتحاور كما حدث في التجمعات التي حصلت ما بين عام 1998 وعام 2003 .
لم تستطع الألفية الجديدة من أن تنتصر على إسقاطات سبعينات القرن الماضي بكل ما تحتويه تلك الفترة من أمراض وشعارات، «المعارضة السورية العجوز» ورثت للجيل الجديد معارضتها للدولة وللأحزاب البقية، بقوالبها الجاهزة من خلف ستار ابتسامة دبلوماسية، وأحزاب الجبهة ورثت جبهويتها وكرهها للمنشقين عنها، والأحزاب الإسلامية الصريحة ورثت غيابها، غائبة كانت أم مغيبة، والإعلام ورث صور القتل ذاتها.. قياديون يشبهون كل شيء في السنوات الأخيرة، نجحوا بأن يفرغوا الساحة مرة أخرى . لقد كان الأمر شباباً أرادو في لحظة التعبير عما في صدورهم شباباً أخطأوا وظنوا للحظة أن بإمكانهم أن يحدثوا فرقاً، وأن يكون لهم خطابهم المتفرد البعيد عن السلطة وعن الأحزاب القديمة، دون أعلام دون لافتات، انفجار ضد ضغط عاشوه لسنين، إلاّ أن السلطة بأحزابها الموالية والمعارضة، لم تكن إلاّ لتشبه نفسها في السنين الأخيرة بلا فعل أو فاعلية، ففرقت فرصة ذهبية لتجمع جيل شاب من مختلف المشارب والتقائه والحوار الذي كان من الممكن أن يفتح على حراك جديد، ربما كان من الممكن أن يكون ذا فائدة كبيرة في الأيام التي نعيشها اليوم.
عمرو سواح

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

دفتر التلفونات السوري

23-أيلول-2017

الفرصة الضائعة

19-حزيران-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow