Alef Logo
ضفـاف
              

المعنى السيميائي لرموز العائلة – 2 - تأليف : ليزا ويدين / ترجمة

ألف

خاص ألف

2011-10-03

إن بناء الأمة في السياق السوري تجده في الرمز الرسمي لسرديات تقوم بتطوير " الروابط البطريركية " لعائلة محددة لتصل إلى مستوى أسطورة أو عائلة وطنية ، و الأسد هو رأسها و رجلها . و بناء صورة الأسد كأب وطني تعود لما قبل حرب تشرين الأول 1973 ، و لكنها انتشرت على نطاق واسع بعدها. و التوظيف المتنامي لمصطلح " أب " بعد آثار الحرب يمكن رؤيته متمفصلا مع الظروف التاريخية النوعية و التي وضعت معنى الأبوة الحقيقي موضع التساؤل ، و هذا بدوره يسّر تركيب البطريرك الوطني و الخيالي. و منذ ثورة البعث في 8 آذار 1963 فقدت " العائلة " بشكل مطرد وظائفها الرقابية و التربوية و حلت محلها مؤسسات الدولة الحديثة ، مثل الجيش و المصانع و المشافي و المدارس و السجون.
و قد لعبت حرب 1976 دورا في نقل الوظائف الإضافية التي كانت سابقا تقوم بها العوائل السورية لتصبح حصرا بيد الدولة. و قد ولدت مؤسسة عوائل الشهداء بعد نتائج حرب 1967 لتقدم المواد اللازمة لعوائل الأطفال الذين توفي آباؤهم في المعركة. و بحلول عام 1973 ظهرت مؤسسات جديدة لها ميكانيزم عملي و ملموس مختص برعاية مصالح أسر الشهداء و كان دورها هو استبدال مؤسسات عام 1967 ، و كانت ذات طابع شخصي يصور الأسد كأب حقيقي. و هكذا هيمنت صورة الأسد أبو الوطن على صورة الأب الحقيقي و لا سيما فيما يتعلق بالرعاية الأبوية ، و هذا يدل على ضرورة و حتى على منافع التضحية . لقد كان هناك تأكيد رمزي أن الدولة ستقدم البديل للعوائل المحرومة من آبائها.
و قد نشرت قصة قصيرة للأطفال برعاية منظمة طلائع البعث تشبه دور الأسد ببديل للأب. و كان البطل هو يتيم صغير يسرد ذكرياته عن حرب تشرين الأول و موت أبيه في الحرب و انتقاله ليعيش في مدينة أبناء الشهداء بعد ذلك ( لأن أمه توفيت من المرض قبل الحرب ). و ورد في مقدمة القصة التي كتبت بشكل مذكرات يرويها كاتبها : " زارني صحافي من جريدة البعث ( في 1974 ) ليسألني أن أكتب عن حياتي في المدينة ( مدينة أبناء الشهداء ) و عن الرعاية التي نتلقاها هناك من السيد الرئيس القائد حافظ الأسد ". و قد كتب الصبي و هو في المدينة يقول :
هنا التقيت بأبي... كلا ... والدي لن يعود إلى الحياة ، و لكن الحب و العاطفة و الرعاية التي حصلنا عليها من الرئيس ، القائد حافظ الأسد ، نحن أبناء الشهداء ، عوضنا عن كل شيء... لقد أحبنا و قام بزيارتنا خلال العطل و الأعياد ، و قدم لنا الحماية ، و كل ما نحتاج له ليضمن لنا المستقبل.
و بعد يوم واحد ، أكد الصبي لوالده الميت أنه مرتاح و سعيد في المدينة. و هو متشوق لعطلة يوم الشهداء ، لأنه في ذلك اليوم " سيزورنا الرئيس ، القائد ، و سيتناول معنا الطعام ... بابا ، كم أحبك و أحب البابا حافظ ".
صورت حرب 1973 و كأنها انتصار سوري و أول حرب قادها الرئيس الأسد. و لكن حروب العرب و الإسرائليين السابقة في 1948 و 1967 كانت خسارة مهينة. في 1948 لن يتمكن التحالف العسكري السوري و المصري و الأردني و القوات الفلطسينية من كسر الجيش الإسرائلي. و قد زودت الحكومة السورية صفوفها الأمامية بأسلحة معطوبة و غير جيدة ، و السلاح الذي شحن لسوريا انتهى بين أيدي إسرائيليين ، و كان الضباط السوريون يقدمون لجنودهم المؤن غير المناسبة.
و في عام 1967 و خلال ستة أيام ربح الإسرائيليون الحرب ضد جيوش سوريا و مصر و الأردن. و عوضا عن استعادة الأرض التي كانت موضع النزاع انحسرت مصر من سيناء و غزة و فقدت سوريا مرتفعات الجولان و سلمت الأردن الضفة الغربية و شرق القدس للسلطة الإسرائيلية. و في ظل ما سمي بلاغيا بـ " النسكة " استقال الرئيس عبدالناصر . و سحب في النهاية استقالته ، و لكن بكل المقاييس فقد أيضا المحبة الشعبية الواسعة و القدرة على توحيد النخبة المثقفة العربية في تلك الفترة.
و إن صخب حرب عام 1948 أدى إلى انقلاب عسكري في سوريا. و قد ساهم سوء إدارة أزمة 1967 في سقوط قيادة صلاح جديد في سوريا و هذا حرض الأسد على استلام السلطة و الاستحواذ عليها. و قادت حرب 1967 أيضا عددا من المثقفين في طول و عرض الوطن العربي لفتح الباب لانتقادات حادة ضد القادة و ضد اللغة الرسمية و الممارسات العامة على مستوى المجتمع.
و بالمقارنة أطلقت حرب 1973 إشارة تدل على عصر الأسد بصفتيه كليهما " الأب " و " المقاتل " الصنديد ( المناضل - al-munadil) الذي تمكن من حماية الأمة العربية و أعاد لها كرامتها. لقد كانت الإشارات الأولى تؤكد على أن الأسد هو البديل للآباء الموتى حتى أنه لعب دور مؤسسات الدولة التي نذرت نفسها لرعاية هذه العوائل المنكوبة ، و لكن هذا المصطلح و بالتدريج أصبح يدل على سلطة الأسد الأبوية في سياقات متعددة. إنه " والد " الأطفال الصغار و التلاميذ الذين استوعبتهم منظمات الشبيبة ، و والد أفراد القوات المسلحة و الحرس القومي ، و والد الشهداء و أبطال الرياضة ، و أيضا والد كل المواطنين . و عموما تلاحظ ذلك في الصور و الرايات التي تعمم معنى الأبوة و تخلصه من خصوصياته في سياقه أو تربط أبوة الأسد البيولوجية بالمعنى الوطني لهذا المفهوم.
و كان تصوير حرب تشرين الأول لا يؤكد فقط على الأب – البطرك – الأسد و لكنه يؤكد أيضا على " رجولته " أو " فحولته " (rujula ). و كانت الصحف التي تحيي ذكرى هذه الحرب أحيانا تشير لها باسم " حرب الرجولة ". و بعض الكتب التي تعدد إنجازات الأسد كانت تشير بوضوح و علنا لرجولته.
و كان إهداء كتاب هاني خليل المسمى " حافظ الأسد : الإيديولوجية الثورية و الفكر السياسي " ، على سبيل المثال ، " لبطل الأمة ، لبطل التاريخ ، و لبطل البعث ، و لمعنى المواقف الثابتة ، و الرجولة ، و البطولة ، و لفارس الحرب و لرجل السلام ، حافظ الأسد ". و في خطابات الأسد تجد تأكيدا على " الرجولة " بمعنى الحماية و الذكورة و الجاهزية الوطنية للدفاع و القتال.
و في مقال نشر عام 1989 في ذكرى حرب تشرين الأول ، كانت ثيمة الحماية الذكورية تأخذ صورة رمزية لفارس ينقذ ضحية بريئة ، و مما ورد فيه : " لقد انتظرت الأمة العربية فارسها المقدام لينقذها ( ليحررها ) من مستنقع الخسارة و الإهانة ، و ليعيد لها ثقتها بنفسها و الابتسامة لوجهها. و إن هذا الفارس البطل هو ابن الشعب و هو رمز ( الشعب ) ، و هو الرئيس و القائد ، إنه الرمز المقاتل حافظ الأسد. إن صورة الأسد كمحارب بطل و " انتصاراته " في حرب تشرين الأول ، قدمت بلاغيات يعتقد أنها توفر الدواء اللازم للشفاء من الإهانات السابقة. و كما تدل إستعارة الضحية البريئة إن الحماية و الحراسة الرجولية بنية أو تركيب لغوي يعتمد أحيانا على تصوير القومية العربية ( الأمة ) و كأنها امرأة منكوبة. و حينما رثى الشاعر السوري أدونيس ، على سبيل المثال ، عبودية هذه الأمة المستعبدة كان يقصد من صورته أن الأمة هي أمة ( امرأة مستعبدة ama) أو أسيرة.
و إن صور الأمة العربية (umma ) بشكل مؤنث ترتبط في الخطاب المعاصر بضياع فلسطين ، و هذا باطراد تعكسه البلاغة ( خطابيا و أيقونيا ) بشكل امرأة مستلبة. و كان لفلسطين صور نساء من عدة أنماط : فسهول فلسطين و سهوب العالم العربي تبدو بشكل عام في الأدب و في الخطاب السياسي كجسم مجازي لامرأة خصبة و معشوقة يحن لها الرجال و يكافحون في سبيلها. و بشكل أساسي كانت فلسطين تصور بشكل امرأة مستباحة نهبها و اغتصبها الأعداء.
يتبع
من كتاب ( السلطة الغامضة ) للكاتبة الأمريكية Lisa Wedeen . مطبوعات جامعة شيكاغو.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow