Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

لتكون رجلا للروائي الصيني ها جن / ترجمة :

صالح الرزوق

خاص ألف

2012-11-27

في مهرجان الربيع شعر هاو نان بالفرح الشديد، لأنه قبل أسبوع خطب سو يان، إحدى البنات الفاتنات في قرية فلاغ بول ( قرية سارية العلم). كانت طويلة ومثقفة. وكما جرت العادة كلّف المهر عائلة هاو ما ينوف على ثروة: ثمانية أغطية حريرية للسرير ، وأربعة أزواج مطرزة من أغطية الوسائد، وعشر بذات للخروج، وخمسة أمتار من قماش الجوخ، وستة أزواج من الأحذية الجلدية، وأربع دستات من الجوارب النايلون، وساعة يد، وماكينة خياطة، ودراجة هوائية، وزوجا من الصناديق الخشبية المتينة. ومع ذلك شعر والدا نان بالسرور لهذه الخطوبة، لأن عائلة سو من أثرياء القرية ويان ابنتهم الوحيدة. وأدرج موعد الزواج ليتوافق مع يوم القمر من الخريف القادم. ومع أنه لم يتبق لدى عائلة هاو الكثير من النقود بعد وليمة حفل الخطوبة، لم يخيم القلق عليهم. كان لديهم بنتان على وشك الزواج، وسيواتيهم الحظ لتزويج إحداهما على الأقل والحصول على نقود لزفاف نان.
وحل ثالث أيام عيد الربيع. وكان نان وأربعة من الشباب في مناوبة عادية في مكتب حرس القرية. ولأن الشباب المتعلمين الذين أصلهم من مدينة ديلان عادوا إلى بيوتهم لقضاء عطلة الموسم مع عائلاتهم في المدينة، توجب على شباب القرية القيام بالواجب وملء الشاغر. وكانت هذه طريقة مقبولة للحصول على عشرة نقاط - ما يعادل راتب يوم كامل. وهكذا لم يتذمر أحد. أضف لذلك، كان عملا مريحا وبسيطا. لا ضرورة للقيام بأي مجهود طوال ثماني ساعات باستثناء المكوث في المكتب والقيام بجولة في أرجاء القرية.
في الخارج، بضعة ذرات من الثلج كانت تهطل مثل طير يحوم حول المصابيح المحمرة المعلقة على كل بوابة. ورائحة البارود والبخور تنتشر في الجو. وبين حين وآخر تنفجر أصوات فرقعة وتختلط مع صوت موسيقا أوبرا بكين التي تنبعث من مكبرات الصوت. وفي داخل مكتب الحرس الثوري، كان الرجال الخمس ضجرين قليلا، مع أنه لديهم ما يكفي من خمرة الذرة، وبذور عين الشمس المحمصة والحلويات والتي بها يستعينون على مرور الوقت. وكانوا يلعبون لعبة بوكر معروفة باسم اضرب الملكة.
ثم انسحب لاو داي هينغ ومو بينغ ليلعبا الشطرنج وحدهما. ولكن الآخرين لم يسمحوا لهم بذلك. لم يكن الحال مسليا لو ثلاثة فقط سحبوا ورق اللعب. وكانوا يودون تتويج ملكين وضرب ملكتين في كل دور.
فُتح الباب ببطء. ولدواعي دهشتهم برز رأس سانغ چو الأصلع، ثم دخل بجسمه الصغير وساقيه المقوستين. قال له نان مع ابتسامة خرقاء أظهرت سنه الأمامي:" مرحبا، ك.. ك.. عمي سانغ".
من غير جواب اشتعلت عينا سانغ أمام وجه نان الذي كاد أن يناديه بلقبه المعروف، كاك سانغ العجوز. كان الناس ينادونه بهذا الاسم لأن زوجته الشابة شيولينغ تنخرط في معظم الأوقات بعلاقات غرامية مريبة. ومن الشائع أن لها روح ثعلب ودائما جاهزة لإغواء الرجال.
ويعتقد الناس أن سانغ الذي بلغ الخمسين من عمره ، وهذا يساوي ضعف عمر زوجته، أصبح بالتأكيد عديم الجدوى في الفراش. على الأقل لم تعد خصوبته تفرز النطاف القوية، وإلا لأنجبت شيولينغ له طفلا. كان سانغ يقبض على قبعته العسكرية، ويبدو ثملا، وعيناه الواسعتان مضرجتان بلون أحمر. قال وانغ مينغ:" تفضل اجلس يا عمي سانغ". من غير كلام، جلس سانغ ووضع كوعيه على الطاولة.
كانوا بحاجة لشخص سادس ليلعبوا لعبة مائة نقطة. سأل نان:" هل ترغب بالانضمام إلينا؟".
قال سانغ:" والله لا أحب البوكر يا شباب. فقط قدموا لي شيئا أشربه".
صب له يانغ واي كوبا من شراب الذرة وقال له وهو يغمز الآخرين:" تفضل"
قال : " جيد. هذا ما أحتاج له". ورفع الكوب لشفتيه وتقريبا أفرغه في جوفه بجرعة واحدة. ثم قال:" لقد قدمت إلى هنا هذه الليلة في مسألة جادة".
سأله داي هينغ:" وما هي؟".
قال سانغ عمدا:" أدعوكم يا شباب لاغتصاب زوجتي". شعر كل الشباب بالدهشة، وفجأة حل على الغرفة الصمت المطبق باستثناء أزيز الفحم في الموقد. ونظروا ببعضهم البعض، دون أن يتوصلوا لطريقة مناسبة للإجابة. قال داي هينغ بعد فاصل قصير:" لا بد أنك تمزح يا عم سانغ".
اشتعل الغضب في عيني سانغ وهو يقول:" بل أعني ما أقول. إنها في شبق دائم. وأريد منكم أن تقدموا لها كفايتها الليلة".
سقط الصمت مجددا على الغرفة.
سأل سانغ وحاجباه المتباعدان مقوسان للأعلى:" هل تخافوا من المجيء. هههه. اعترفوا".
قال مينغ الذي كان قائدا لفصيلة ميليشيا:" حتما. نحب أن نأتي. من لا يريد ذلك؟".
قال بينغ كأنه يتكلم مع نفسه:" حسنا، أحيانا ترمي السماء علينا فطائر اللحمة".
قاطعه نان وهو يتأمل وجوه الآخرين بعينين ضيقتين تلمعان:" كلا. لن نحضر".
ثم استدار نحو سانغ وقال:" ممكن أن تفعل زوجتك ذلك وتخدعك يا عم سانغ. ولكن هذا مصدر نحس وشؤم لنا". ثم استدار نحو الآخرين وسأل:" تذكروا ماذا جرى في باحة القرميد في الصيف الماضي؟ هل تريدون يا شباب التورط بهذا النوع من الإشكالات، هل تريدون ذلك؟".
صبت كلماته الماء على حرارة الغرفة. ولقليل من الوقت صمت الجميع بما فيهم وانغ مينغ قائد الفصيلة و ليو داي هينغ العسكري المتقدم على الموجودين بالخدمة ، ولم يعرفوا ماذا يقولون. لقد كبلهم الصمت. كان نان يشير إلى حالة عاهرة اغتصبها حتى الموت زمرة من العاملين بالقرميد. لا شك أن العهر ممنوع في الصين الجديدة، ولكن توجد دائما نساء مستعدات لبيع أجسامهن بسبب الحاجة. كانت تلك المرأة تذهب مرة في الشهر لباحة القرميد وتطلب خمسة يوانات من الزبون، وهذا مبلغ فاحش. ويساوي راتب يومين يكسبه عامل القرميد بعرق جبينه. ولذلك لم يكن الرجال يفعلونها بيسر. فهم يقدمون لها المال ولكن يجبرونها على تقديم خدماتها من غير استراحة. وكما كانت الخطة تقتضي أثقلوها بمطالبهم طوال الليل، لقد امتطوها حتى بعد أن فقدت وعيها. وفي اليوم التالي مباشرة توفيت. فجاء رجال الشرطة واعتقلوا العمال. وفي وقت لاحق حكم على ثلاثة منهم بالسجن لثماني سنوات.
قال واي أخيرا:" نان على حق. يجب أن لا نلبي الدعوة".
قال سانغ بصوت رفيع وهو يمسد ذقنه غير الملتحية:" أنت لست رجلا. أنا أدعوكم يا شباب لتقتسموا معي زوجتي، بالمجان، ولا أحد منكم يجرؤ على ذلك، أنتم من فصيلة الدجاج".
قال داي هينغ:" والله يا عمي سانغ لو رغبت منا الحضور يجب أن تكتب تعهدا".
" ولكنني لا أعرف الكتابة".
قال مينغ:" فكرة طيبة. نستطيع أن نخدمك في ذلك".
" حسنا، أنتم تكتبون وأنا أبصم".
ذهب مينغ إلى الطاولة، وفتح دِرْجا، وأخذ منه قلما مع قطعة ورق. وجلس ليكتب التعهد. شعر نان بالإحباط مما يدور حوله. كيف يمكن لزوج أن يدعو رجالا غرباء لممارسة الجنس مع زوجته؟. سأل نفسه هذا السؤال. أنا لا أفعل ذلك. أبدا. لا بد أن شيولينغ على علاقة غرامية مؤخرا مع أحدهم ، وقد ألقى القبض عليها كوك سانغ العجوز بالجرم المشهود. ولا شك أنهما اشتبكا بعراك شرس هذا اليوم.
سحب سانغ نفسا من غليونه بصمت. وأعاد بينغ، الجالس بقربه أوراق البوكر، إلى العلبة.
اقترب منغ وبيده الورقة وقال:"إليك الورقة. اسمعني بأذنين مفتوحتين يا عم سانغ". ثم قرأ بملء صوته وحاجباه يرتعشان مثل زوج أجنحة خنفساء:
في ليلة اليوم الثالث من عيد الربيع، أنا، سانغ چو، حضرت الى مكتب الميليشيا الثورية ودعوت خمسة من شباب الثورة - هاو نان، ليو داي هينغ، يانغ وي، ميو بينغ، ووانغ مينغ لممارسة الجنس مع زوجتي نيو شيولينغ. وبذلك أكون قد لقنتها درسا لتتوقف عن إغواء الرجال الغرباء ولتكون امرأة مطيعة في المستقبل. ولو لحق بها أي ضرر بدني خلال هذا الدرس لن يكون أي واحد من الشباب مسؤولا عن ذلك.
وأنا وحدي سانغ چو الزوج أتحمل كل العواقب.
الموقع أدناه:
سانغ چو.
ووضع واي دواة الحبر على الطاولة. وقال:" هيا يا عمي سانغ اطبع بصمتك لو وافقت على ذلك".
قال سانغ:" حسنا"، وغمس إبهامه في الحبر مع ظفره المتعفن، وسحبه، بعد ذلك نفخ عليه، ثم طبع بقعة حمراء تحت اسمه. وأخيرا مسح الحبر بسرواله القطني، المسوّد ولكن اللمّاع من جراء بقع الزيت. وابتعد عن الطاولة، ونظف أنفه حتى سال على الأرض المغبرة خطان من المخاط.
قال مينغ:" والآن هيا بنا". وأشار للآخرين كما لو أنهم على وشك الذهاب لرعاية كلب متشرد، وهو شيء غالبا ما كانوا يفعلونه في ليلة نوبتهم. شعر نان بالكآبة . فالتعهد الذي كتبه مينغ، ابن الساقطة، وضع عليه اسم نان أولا واسمه أخيرا وبينهما بقية الأسماء، كما لو أن نان هو من أشار عليهم بهذا التصرف. على الأقل هذا ما نفهمه من قراءة الورقة. لقد كان مجرد عسكري، ولكن مينغ هو قائد الفصيلة.
توقف الثلج عن الهطول، وهبت الرياح الغربية وكادت قشعريرة البرد أن تدب فيهم حتى العظم لو لا الشراب الذي تناولوه بجرعات كبيرة. وحمل كل منهم بيده مصباحا طويلا، كانت حزمة إشعاعاته تجرح الليل وتضرب قمم الأشجار، وتدفع العصافير النائمة لمغادرة وكناتها. كانوا متحمسين للوصول إلى بيت سانغ. والقبض على تلك المرأة الشرسة، ثم صب جام حرمانهم فيها مثل سيول الأنهار والبحار. وفي هذه النشوة لم يكن بوسعهم إلا الشدو والغناء. فأنشدوا " أنا جندي - عائد لبيت أمي- وإبحارنا يتوقف على القائد العظيم- من غير الحزب الشيوعي لا توجد صين جديدة". ومن مسافة بعيدة، كانت شقوق لامعة تتورد في السماء فوق القرية التي بمحاذاة البحر. وبدت الهضاب والحقول أوسع مما هي عليه في ضوء النهار. وأبحر أول ربع من القمر عبر السحاب بين نجوم قليلة. كانت الليلة صافية وهادئة باستثناء أصوات الرجال الخشنة التي تغني.
وتبع نان الرجال ، وهو يغني معهم، ولم يتمكن من إمساك نفسه عن فكرة احتضان امرأة تستلقي تحت جسده. فكر ببنات القرية، ولا سيما سو يان. مع أنهما مخطوبان لم يلمسها أبدا، ولا حتى من يدها. ولكن هذه فرصة مواتية ليتعلم كيف يقترب من امرأة.
ووصلوا إلى باحة بيت سانغ. دخلوها. كان ظل أسود يخنق ضوء القمر المنهمر على الأرض . أصابت الدهشة مينغ وداي هينغ اللذين كانا في المقدمة. ثم انقض عليهم كلب ذئبي وهو يعوي. صاح سانغ:" قف! أنت أيها الوحش الذي لا تعرف من يمتلكك. توقف عن هذا".
هرول الكلب مبتعدا نحو كومة القش. وألقت المصابيح المضيئة التي انعكست عليه الرعب في قلبه. كانت الباحة فارغة تقريبا باستثناء حبل غسيل ملون، كان متجمدا وبراقا، ويتأرجح في الريح مثل طائرات ورقية ربطها الأولاد معا وهي تسقط على الأرض. نقر مينغ على قميص زهري اللون، من الواضح أنه لشيولينغ. وقال:" رائحته طيبة جدا. لماذا يا سانغ الكبير لا توجد عليه بقع حمراء؟ إنها شابة ولم تدخل في سن اليأس. أليس كذلك؟".
وانخرطوا جميعا بالضحك.
كان لبيت سانغ الحجري الصغير سقف معلق، دخلوا إلى البيت ووضعوا بارودتين وراء الباب. كان مصباح زيتي يلتهب فوق طاولة الطعام المركونة على سرير من القرميد. ولكن لا أثر لأحد. لم يجدوا المرأة، وبدأ الرجال بالسباب والشتائم وقالوا إن أملهم خاب. بحث سانغ في كل مكان وركن من البيت، ولم يجد أثرا لزوجته. صاح نحو الباحة الخارجية: شيو لينغ. ولم يرد غير وشوشة الرياح. سأل داي هينغ:" ما معنى هذا يا سانغ الكبير؟ ماذا في رأسك بالضبط؟".
" وددت لو تفعلوها بزوجتي".
سأله بينغ:" ولكن أين هي؟".
" لا أعرف. انتظروا هنا يا شباب. أنا متيقن أنها ستعود عما قريب".
احتقنت عينا سانغ بالغضب. من الواضح أنه لم يتوقع أن يرى بيته فارغا. حمل من المطبخ وعاء كبيرا فيه لحم خنزير مسلوق وطبقا فيه حساء الملفوف ووضعهما على الطاولة. صعدوا على سرير القرميد وبدأوا بالتهام الأطباق واحتساء الشراب الذي أتوا به معهم.
قال واي:" يا له من طعام بارد. دعنا نحصل على شيء دافئ يا سانغ الكبير. لدينا عمل يجب أن نقوم به".
قال بينغ:" يجب أن تحسن وفادنا. وإلا لن نغادر المنزل الليلة. فهذا بيتنا الآن".
" حسنا، حسنا، ولكن حافظوا على هدوء أعصابكم. سوف أطبخ لكم بعض الحساء. حساء طيبا".
وذهب سانغ برفقة داي هينغ إلى المطبخ، وأشعلوا النار بالموقد وفرموا مخلل الملفوف ودهن الخنزير. كان داي هينغ معروفا في القرية بأنه طباخ ماهر، ولذلك أدى واجبه على أتم ما يرام.
وصاح واي على الرجلين اللذين في المطبخ قائلا:" لا تبخلا علينا ببعض القريدس الجاف".
ورد سانغ بصوت مرتفع:" حسنا، سوف نفعل".
التزم نان بالصمت. فهو لم يحب اللحمة التي لا مذاق لها وواظب على تدخين سجائر نان وهي من ماركة غلوري مع فصفصة بذور البطيخ المحمصة. في المطبخ جاء صوت زقزقة. كان مينغ وواي يلعبان لعبة احزر أية أصبع. لم يكن نان وبينغ يعرفان كيف يلعبانها ولكن كانا متحمسين لتعلمها.
اقترب نان وراقب أيديهما وهي تبدل من أشكالها بصمت تحت ضوء المصباح الزيتي وأصغى إليهما وهما ينشدان:
للكرسي الصغير سيقان مضلعة.
للزرزور الصغير منقار مدبب.
حان الوقت لأكل سيقان العناكب.
اشرب البول واجرع عصير الخنزير.
خمسة رؤوس.
ستة حظوظ
ثلاث نجوم
وثمانية آلهة
كوب جميل الشكل-
صاح مينغ على واي " أمسكت بك". ومد له يده بإبريق ممتلئ بالشراب وقال بصوت آمر:" اشرب هذا".
لم يكونا قد انتهيا من الدور الثاني حينما اقتحم المكان داي هينغ وسانغ. وهمس داي هينغ قائلا:" إنها هنا. لقد وصلت". وكان صوته يرتعش. قبل أن يتمكنا من النهوض، دخلت شيو لينغ، وهي ترتدي وشاحا أحمر وتنفخ الهواء الحار. نفضت رقاقات الثلج عن منكبيها بزوج القفازات وألقت التحية على الرجال.
قالت:" يا مرحبا". كانت تبدو طازجة ومنتعشة بخديها الورديين وشعرها المنسدل. وتثنى جسمها المكتنز قليلا وتلكأ عند ستارة الباب البيضاء، وكأنها لا تعلم هل تغادر أم تنتظر هنا.
همهم مينغ قائلا:" حسنا، حسنا، حسنا".
وسأل سانغ بصوت حاد:" أين كنت ؟"، ثم نهض وقبض على قدومية جاكيتها الأزرق بلون السماء.
مانعته لتتحرر منه وقالت:" أنا - دعني ، أفلتني".
جرها سانغ إليه وقال:" أعلم أين كنت. مع ذلك الرجل ذي الوجه الحنطي. أخبريني. هل هذا صحيح أم لا؟".كان يقصد موظفا شابا من فريق العمل الذي قام بتقصي العطايا والرشاوي التي تقاضاها زعماء فريق الإنتاج. وتذكر نان أنه رآه مع شيو لينغ لمرة واحدة في بقالية الخضار. توسلت له بقولها:" أطلق سراحي. أنت تؤذيني". واستدارت للآخرين وعيناها المستديرتان تنمان عن الرعب.
قال سانغ:" أيتها الزبالة النتنة. دائما فرجك يحكك !. وأود لو تحصلي على كفايتك اليوم، كهدية بمناسبة عيد الربيع. لدي خمسة رجال بانتظارك هنا. وكل واحد منهم قوي كالثور". ومال برأسه نحو رجال الميليشيا.
تباكت ويداها معقودتان أمام صدرها وقالت:" كلا، لا تفعل".
ولكن سانغ أهاب بالرجال اليافعين قائلا:" ماذا تنتظرون يا شباب؟".
قفزوا جميعا واقتربوا منها وأمسكوا بها. فقالت بصوت كالنواح:" كلا يا إخوتي لا تفعلوا هذا بي".
فصاح زوجها يقول:" هيا افعلوها!. لقنوها درسا جيدا".
قبضوا عليها وحملوها إلى السرير المصنوع من القرميد. فقاومت وحاولت أن ترفسهم وتضربهم، ولكن مثل نعجة مقيدة لم تتمكن من تحريك ساقيها وذراعيها. قرص داي هينغ فخذها وفرك لها مينغ ثدييها، وقال مينغ :" هذا معقول. ليست رديئة أبدا".
" آه، أيها الفوضويون. أفسحوا الطريق لجدتكم. أوه".
وضعوها على السرير الصلب وهم يضحكون. ولكنها لم تتوقف عن السب والشتيمة بقولها:" كل نسلكم سيذهب إلى جهنم. أبناء القحاب... سأخبر آباءكم. وستضرب الصواعق بيوتكم! وستموتون قبل أن تنجبوا ولدا..".
غير أن لعناتها شجعت الرجال. لف بينغ طرف وشاحها الصوفي بشكل كرة وسد به فمها. وعلى الفور توقفت عن الصخب. ثم جاء سانغ بحبال وقيد يديها بسيقان طاولة الطعام. وفي نفس الوقت، فعل واي ونان ما أمرهما به مينغ، وربطا قدميها بالمسند الذي هو طرف السرير.
ودسوا أيديهم تحت ثيابها الداخلية، وهم يعجنون ثدييها ويفركون حقويها. ثم مزقوا سترتها وقميصها وبنطالها وسروالها. وكان جسمها شبه العاري يتملص بلا فائدة تحت الضوء النحاسي.
وأخرج داي هينغ خمس أوراق بوكير، من الآس وحتى "5"، وخلطها، ثم ألقاها على السرير. وسحبوا كل بدوره ورقة. حصل واي على 5، ونان على 4 وبينغ على 3 وداي هينغ على 2. ولأن مينغ حصل على الآس كان دوره في المقدمة.
قال سانغ باستسلام :" حسنا، كل شيء واضح. والأن استمتعوا بوقتكم يا شباب". ورفع ستارة الباب وغادر.
وبدأ مينغ بامتطاء شيو لينغ وهو يقول:" حظي جيد هذا العام. نان أيها العريس الغر راقب أخاك الأكبر بحذر وتعلم كيف تفعلها".
وتساءل نان ترى هل تلاعب داي هينغ بخلط تلك الأوراق. كيف تسنى لكل من مينغ وداي هينغ أن يكونا في المقدمة قبل الرجال الثلاث الأصغر بالعمر؟. ولكنه لم يهتم لشكوكه طويلا، لأن جسم مينغ سريعا ما بدأ يتلوى بعنف فوق شيو لينغ. ولأنه لم يشاهد منظرا من هذا النوع قبل الآن، شعر نان بالإرهاق وضيق النفس، ولكن كان متحمسا أيضا لخوض غمار هذه التجربة. وراقبوا جميعا باهتمام. في نفس الوقت أدارت المرأة وجهها بعيدا عنهم. وفيما كان داي هينغ فوق شيو لينغ، يعض منكبيها ويصدر آهات سعيدة، دخل سانغ وفاحت منه رائحة إناء توابل بيده. ثم صعد على السرير ووضعه قرب رأس زوجته.
وقبض على شعر رأسها، وسحب وجهها إليه، وقال:" انظري إلى محتويات الإناء". وغرف قليلا من المسحوق الأحمر بثلاثة أصابع وسمح له بالتسرب ليعود إلى الإناء. وقال:" إنه مسحوق الفليفلة. سأقدمه لك. انتظري. بعد أن ينتهوا منك، سأحشوك به، لأشفيك من الحكة التي هناك إلى الأبد".
أغلقت زوجته عينيها وهزت رأسها هزة خفيفة.
لم يكن لدى بينغ الذي حصل على الدور الثالث خبرة مع النساء، سريعا صعد فوقها وبنفس السرعة استسلم وانتهى دوره. وأمسك سرواله وهو يبدو متألما كأنه ابتلع للتو صحنا من دواء مر المذاق. ثم سعل ومخط أنفه.
ثم حان دور نان. كان يبدو متسرعا وهو يقترب من شيو لينغ. كانت هذه أول مرة له، ومع ذلك شعر بالثقة وهو يخطو إليها ويفك أزرار سرواله. نظر للأسفل نحو جسمها، والذي ذكره بضفدع كبير، موثوق الأطراف، بانتظار سلخ ساقيه. ثم نظر للأعلى، وانتبه أن أذنها صغيرة وناعمة، فقبض على شعرها وجر وجهها إليه ليرى عن قرب منظره العام. ففتحت عينيها، وكانتا مليئتين بالدموع البراقة، وحدقت به. وأدهشته القسوة في عينيها ولكنه لم يتمكن من صرف أنظاره عنهما. على نحو من الأنحاء كانت عيناها تتبدلان - الكراهية والرعب تلاشيا، وتحت السطح المتحفز شق الطريق نوع من الجمال والحزن الذي لا قاع له. وبدأ نان يتخيل، وفكر بسو يان وغيرها من البنات الجميلات في القرية. وبلا قصد منه انحنى قليلا بغاية أن يطبع قبلة على الوجه الشاحب، والذي استدار جانبا وأهرق سيلا من الدموع. وهنا بدأ رأسه يتورم بالصداع. فصاح داي هينغ في نان يقول:" ماذا تصنع ؟".
وفجأة اندلع نباح من خلف النافذة.
لا بد أن الكلب الذئبي كان يطارد ثعلبا أو قطة برية جاءت لتسرق الدجاج. وملأت الباحة زعقات وقفزات.
صاح نان:" آه". شيء ما طعنه في جسمه. وألم مخدر مر على طول عموده الفقري وأجبره على التنحي عنها. بالغريزة، تدبر أمره ليقف على قدميه ويسرع إلى الباب، وهو يمسك بزمام سرواله بكلتا يديه. وكان العرق البارد ينقط من وجهه.
وفجأة انهار في الغرفة الخارجية على ركبتيه وشرع بالتقيؤ. بالإضافة لرائحة حساء الملفوف نصف المطبوخ في الطبق، امتلأت الغرفة مباشرة برائحة الكحول، والطعام الرديء، والحلويات المتخمرة، وبذور البطيخ المحمصة. وأصاب البلل والغبار حذاءه القطني المبطن الجديد وسترة الداكرون وسرواله.
قال داي هينغ:" تعال يا نان الصغير". أنّ نان وهو يربط حزامه.
قال سانغ وهو يكبح نفسه من رفس نان:" هل تخاف من كلب؟ يا لك من عديم النفع".
قال مينغ:" هيا يانان، تعال. يجب أن تؤدي دورك. لقد فقدت للتو رجولتك. هيا اذهب وانقض عليها واسترجع فحولتك. وإلا فقدتها وإلى الأبد. ألا تعلم ذلك؟".
هز نان رأسه وهو يئن وقال:" كلا، كلا. لا أريد".
وفرك عينيه ليتخلص من الضباب الذي سببه الدوار وقال:" دعوني وشأني. فأنا مريض". كانت يداه رفيعتين.
قال سانغ بصوت مرتفع وهو يعبر العتبة:" دع ذلك المأفون يفعل ما يريد. وتعال".
وتابعا ليمتعا نفسيهما. قال واي:" يا للسخافة، يخاف من كلب". وضحك وهو يحك جمجمته.
أمسك نان طرف إناء الحساء في الظلام، وتمكن من الوقوف، ثم ترنح وهو يغادر إلى الليل العاصف. وكما قال مينغ، فقد نان كل قوته على حد قول مينغ. في الواقع رقد في الفراش ليومين بعد تلك الحادثة بعد أن عاد إلى البيت برأس مكشوف عبر ثلوج تتطاير حوله. أولا، خشي أن يخبر والديه بما حصل. ولكن في غضون أسبوع عرفت القرية كلها أن نان خاف من كلب سانغ وفقد فحولته. فوبخه والده عدة مرات، بينما بكت والدته في السر.
بعد أسبوعين أعاد آل سو إلى آل هاو ساعة المعصم التي ابتيعت من شنغهاي والدراجة الهوائية " الحمامة الطائرة"، كان شيئان أساسيان من المهر بين يدي يان، ثم شاعت مقولة أن نان لم يعد رجلا كاملا، لذلك لن يزوجا ابنتهما له. وبالرغم من إلحاح السيدة هاو رفض آل سو الاحتفاظ بالهدايا الثمينة. ولم يعلنا لها أنه لو شفي نان في غضون نصف سنة قد يعيدا النظر بمصير الخطوبة.
استشار نان لأربعة شهور عدة أطباء صينيين في البلدة. فوصفوا له عدة وصفات لاستعادة رجولته: جذور الغنسنغ، وقنديل البحر، والأنجليكا، وعلكة التنين، وقرون الغزال، وعظام النمر، والجلاتين الملكي، وحتى قضيب الوعل، ولكن لم ينفع معه شيء. وذبحت أمه دجاجتين عجوزين وأعدت له الحساء بجذور الغنسينغ. التهم نان الطعام المقوي ولكن تقريبا غير الطيب، وفي اليوم التالي نزف أنفه وبدأ شعره يتساقط. لعنه والده، وقال إن عائلة هاو لم تُبْتَلَ بمثل هذا الهراء. في الحقيقة، بعد أن أكل شريحتين أو ثلاثا من قضيب الوعل، لم يعد يستطيع أن يكون رجلا عاديا بسبب الانتصاب . ولم ينفعه شيء. لم يكن هناك شفاء لمثل هذا الارتخاء.
ولم يعد أهل القرية يعدون نان من بين الرجال. وكان الأولاد الصغار ينادون عليه باسم " يخاف من كلب" كلما اقترب منهم. ومع أن عددا من الخطّابات زرن بيت آل هاو، كن تأتين جميعا من أجل أخواته. ومن بين كل هذه الأفعال المزعجة كان الأطفال أسوأ ما يمكن أن يعاني منه.
ولكن ماذا بوسع نان أن يفعل؟. فكر مرة بتسميم كلب سانغ الذئبي، وحتى هذه الفكرة لم تعد جذابة له. وفي إحدى الأمسيات حينما كان في طريقه إلى مزرعة الخنازير، اقترب منه الكلب إياه، وهو يضرب بذيله في الهواء ويخرج لسانه، فكر أن يرفسه. ولكن لاحظ أن سو يان تسير على مبعدة مائتي متر على أطراف حقل السبانخ.
وهكذا عوضا عن ذلك، رمى فطيرة الذرة التي أكل نصفها إلى الكلب، الذي التقطها وهرول مبتعدا.
تأمل نان بروفيل تلك البنت، كانت ترتدي ثيابا بلون القشدة، ووشاحها الناري اللون يرفرف بين النسمات. وكانت تضع على كتفيها شوكة حقول قصيرة. فظهرت مثل كركي بتاج أحمر ويسير قبالة الحقل المعشوشب الأخضر.

من مجموعته ( تحت الراية الحمراء ). منشورات جامعة جورجيا. 1997 . ص 17 – 31 .
ها جن Ha Jin : كاتب صيني حاز على جائزة القلم الدولي – همنغواي عام 2005. يعمل بالتدريس في جامعة إيموري في الولايات المتحدة. وله مجموعة شعرية وعدة مجموعات قصصية وبعض الروايات من أهمها ( زبالة الحرب ) و( الانتظار).
الترجمة شتاء 2012


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow