Alef Logo
دراسات
              

تفريغ العقل " العقل السوري وأخو الجهالة " 1 / 2

أحمد بغدادي

خاص ألف

2013-05-05

( ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله *** وأخو الجهالة بالشقاوةِ ينعمُ )
"المتنبي"


ليس غريباً أن تشاهدَ غبياً يتّصف بعدة مزايا، منها الحماقة والتي هي جزء من الغباء، ومنها البلاهة وضيق التفكير، وهنالك صفات جمّة وخاصة ً في المجتمعات المنغلقة، أو المجتمعات التي حُـكمَ عليها بالتقوقع من قبل العادات وغيرها من عوامل حركية أو من قبل رجالات الدين التابعين للسلطة المستبدة الحاكمة في ذلك المجتمع، الذين يطبقون جزءاً من مئات الأجزاء التي تريدها السلطة في تحجيم عقل الرعية ودفعهم إلى التفكير ضمن دائرة ضيقة لا يخرجون منها إلى التساؤلات المشروعة في حقوقهم، أو إلى تطلعاتهم التي تضر بنسبة كبيرة في رأي المستبد.. مصالحه ومآربه، ومشاريعه الآنية والمستقبلية.

إن نتاج الغباء لا يأتي من باب اعتباطي محض، أو بشكل وراثي، بل هو حالة تراكمية ممنهجة تُـمارس من قبل المحيط الضيق عند المعظم كالعائلة، ومن ثمّ تتسع،إلى الشارع وبعده الحي والمدينة والمجتمع ... إلخ.

فالفكر يُـبنى في البداية ضمن الأسرة بالنسبة للفرد، ويتمثل بعدها في التعليم ومدى تناول الفرد للفكر من حيث التوجيهات ومعارضتها أو تمحيصها إن كان لديه بعض من النبوغ الفطري...
فعقل الإنسان ( كالعضلات )، كلما مرّنته أكثر، زادَ قوةً وجمالاً، ولفتَ انتباه الآخرين، كبروزه الواضح أمام ضعف بعض العقول التي تجاريه؛ وبالتالي تلعب قوة الشخصية ــ القيادية ــ دوراً كبيراً في بناء الكاريزما عند الفرد، ما يجعله يبرز في المحيط المتواجد فيه أو غيره، ومن هنا نقول إن مسألة الجينات الوراثية لها دورٌ في مسألة الحالة النفسية كالـ"طباع" أو غيرها من صفات سلوكية، على عكس مسألة العقل، فالعقل كما ذكرنا هو جزء مستقل عن النفس والمسألة الوراثية.
في الطرح العلمي يعرف المعظم أنّ العقل هو المحرك الأساسي للإنسان، وهذا المحرّك يتحكم في الحواس والإشارات الجسدية الفعّالة التي يقوم بها الإنسان ويستقبلها في آن واحد؛ فإن أتينا إلى تصنيف العقل إلى أجزاء مجزّئة، كلٌ ضمن مسميات وظائفية، نجد أن لعملية النطق لدى الإنسان جزء خاص بها في العقل، وكذلك الشمّ، والسمع والبصر، وغيرها من وظائف يتحلى بها المخلوق العاقل وغير العاقل..فالعقل وتسمية الـ" مخ " كما طرح ــ ليال واتسون في كتابه "ما وراء الطبيعة":
((إن النظرات الخاطفة التي بدأنا نصل إليها، عن الآفاق الواسعة للمخ البشري، تثير ما لم يسبق له مثيل من التساؤلات حول نشوء الإنسان وارتقائه؛ هذا المخ البشري الذي جعل منّا قوة تطوّر عظمى، مُطالب اليوم بقدر واسع من التغير والخلق، حتى يخرج بالإنسانية من محنتها الراهنة)).
إذاً، هنا نستطيع القول: إن العقل البشري المتميز، هو فارق إعجازي يتفوق على الأداة الممنوحة للمخلوق الآخر " الحيوان"، كوجود مادي فقط لديه، يُـكسبه الوظائف ذاتها لدى الإنسان، فالحيوان يرى، ويسمع، ويشم إلى باقي الوظائف، كما الإنسان، لكن المخلوق البشري لديه معجزة ذهنية جوهرية تصنع منه أداةً خارقة تمتلك كل زمام الأمور في الحياة المكتسبة من قبل الخالق لكافة المخلوقات الدنيوية.

ــ العقل السوري" نموذجاً ":

وصلنا إلى خلاصة نحن كسوريين في الثورة، مفادها ينقسم إلى قسمين من الناحية ــ الفهمية ــ الخاصة بتقبل الأحداث والنزاعات بين أطراف الشعب من حيث الرأي (مؤيد .. معارض )؛ هي كلمة بسيطة تقال، لكن إن نظرنا إلى خلفيتها نجد أن أموراً يجب أن تُـبحث وراء ما جعل هذا المسمى ينطبق على الفرد الذي ينحاز إلى إحدى الجهتين.
طيلة عقود اشتغل النظام السوري على تحجيم العقل في مجتمعاتنا السورية، حيث عمد إلى إقامة منظومة فكرية قمعية مقسومة إلى أعمال ممنهجة تبدأ منذ نشوء الفرد ضمن المدرسة وتنتهي إلى أيام الجامعة والجيش، وحتى على المستوى الثقافي بالنسبة لإدارة مسألة المطبوعات المسموحة والممنوعة .
ونأتي خطفاً من الوراء كمثال صغير كما شرح الكاتب الهولندي " نيكولاس فان دام " في كتابه ( الصراع على السلطة في سوريا ). إن النظام السوري منذ بداية استلامه زمام السلطة بالقوة، بدأ يجند حوله ضباط من فئة معينة لكسب التأييد والثقة وتقوية نفوذه في السلطة. وأيضاً اشتغل على جلب أبناء القرى ذوي اللون الانتمائي الطائفي الواحد.. وأخذ يوزع الشعارات الطنانة التي تصيح في مواجهة العدو الإسرائيلي والدول الإمبريالية، وكل هذه الشعارات لم نرَ منها سوى الضباب أو حتى الحروب الوهمية التي تقوم على مصالح إستراتيجية تقتضي بذلك تحريك دفة السياسة والتوازن الكلي في المنطقة تحت قوى عظمى تدير اللعبة بشكل مدروس، وبمساعدة حلفائها من تحت الطاولة أو حلفاء معروفين من فوقها.
فهذا الطرح الذي جاء الكاتب به في كتابه، هو جزء بسيط مما عملَ عليه النظام في الداخل قبل السياسة الخارجية التي ثبّتت أقدامه في الأرضِ إلى الركبتين .
" تفريغ العقل "
كلنا يعرف نحن أبناء سورية ما قام به النظام من الناحية التربوية في المدارس الابتدائية والمراحل التي تليها... منذ دخول الفرد المدرسة في المرحلة الأولى، نجد أن الحياة المدرسية هي عبارة عن أوامر وضوابط على التلميذ ألا يخترقها أو يتجاوزها، كأنها مقدسة ومحرمة وممنوعة من التدنيس .
فالتلميذ في بداية عمره تكون لديه رهبة الحياة الجديدة بعيداً عن ذويه في المنزل، إذ يبدأ ينصاع رغماً عن أنفه إلى توجيهات المدرس وخاصةً منها " الطلائعية" التابعة لحزب البعث.
اللباس المفروض على التلميذ يشير إلى اتباعية حزبية بعثية بحتة!، منها القبعة التي تشير إلى شعار البعث، واللباس الموحد والكتب المطبوعة عن طريق المطابع الحكومية التي تحمل ذات الشعارات والأقوال الممجدة للأب القائد.
فأين ما وليت وجهك في المدرسة أو داخل الصفوف ترى صور القائد وأبنائه وشعارات الحزب والأقوال المأثورة بوجهة نظرهم " أمة عربية واحدة ... يردد التلاميذ : ذات رسالة خالدة . قائدنا إلى الأبد ..وهكذا إلخ؛ ففي اجتماعات التلاميذ في باحة المدرسة هناك طقوس بعثية وأوامر عسكرية تُـملى على الصغار وكأنهم في حالةِ استنفار دائم ( استرح .. استعد )!!.
غير ذلك.. نأتي هنا إلى وجوب وضع ملصوق علم البعث وصور القائد المفدى على أغلفة الكتب والدفاتر بعد تجليدها.. عوضاً عن الأيام الأخيرة للسنة الدراسية حيث استراحة التلميذ من عبء الدراسة ليجد بين يديه نتائج جهوده الدراسية على ــ كرتونة ــ ملونة تسمى بــ" الجلاء "، وأيضاً يجب وجود صورة القائد المفدى عليها!!.
إن أتينا إلى الحالة النفسية للطفل في مراحله الأولى الدراسية إلى أن يكبر ضمن المرحلة الإعدادية ثم الثانوية إلى الجامعة، نجد أن تراكماً خفياً ممنهجاً قد لبسَ الفرد من قدمه إلى رأسه، رغماً عنه، كأنه إرث صاحبه منذ ولادته!. عداك عن الأمور المماثلة التي يراها في الشوارع أو المؤسسات الحكومية أو على جدران المدينة وغيرها من وسائل نقل صوري وكتابي.
يصبح معظم الأفراد في المجتمع إلى أن يبلغوا المرحلة الجامعية عبارة عن أصاحب تفكير آلي موجّه بالنسبة للسلطة وللحزب، لا شعوري، إلا إذا بدأ الفرد يتجه ويميل إلى تمحيص هذه العمل الذي مورس عليه وعلى غيره، على أساس ما يخالف رأيه الثقافي وما يشاهده من حالات قمع مدنية من قبل أجهزة المخابرات وغيرها من الشرطة والأيدي الضاربة التابعة للدولة.
" إضاءة عن العقل في الثورة "
إن جمع المعلومات في العقل على مدى بعيد واستحضارها ليس بالشيء السهل، إذ أنها تأتي أحياناً على شكل صور ومشاهد متحركة كالذكريات، أو على شكل حفظي ــ نطقي .. كتابي ــ وهنا تعود قوة الاستحضار إلى قوة العقل ومدى نظافته من المساوئ الفكرية المفروضة عليه أو مدى ثقافة الشخص واهتمامه بنبوغ عقله بعيداً عن الإرهاصات التي تمر به من فترة لأخرى..
فعملية تغذية العقل كما تسمى بالمصطلح العلمي "feeding"، هي عملية تظهر قوة الاستيعاب الذهني لدى الشخص في حال وجود كما أشرنا أفكار وإرهاصات مرّت بهذا الشخص في حياته قبل أن يتجه إلى اتجاه التساؤلات والبحث عن الخط المستقيم في حياته بكامل جوانبها.
أسقنا هذه الفقرة أعلاه للإشارة إلى وعي الفرد في مجتمعنا السوري أو عدمه من حيث المخاطر التي تهدد الجميع، إن كانوا مع الحق بوجهة نظرهم أو مع الباطل. فبالتالي نحن نوجد فوق أرض واحدة ووطن واحد علينا التعايش كما كنا منذ آلاف السنين بكامل آرائنا وتوجهاتنا الدينية والسياسية والفكرية...
علاقات اجتماعية كاملة هُـدمت بين أفراد المجمتع بسبب تعنّت الفكر وتصلبه تجاه الثورة من الناحية السلبية أو الإيجابية. فكل ما نبغي الوصول إليه هو تحرير العقل من سطوة الإسبتداد والاستعباد الممنهجين على أفراد المجتمع السوري بكل منمقاتهم ومراتبهم الاجتماعية.
نجد أن شخصاً يقتل شخصاً آخر لمجرد أنه يخالفه الرأي في وجود هذا النظام أو رحيله، وهذا العمل قامت عليه المؤسسة المخابراتية لزيادة التأزم والاحتقان بين طبقات المجتمع وجرهم إلى اقتتال طائفي ومدني يفيد النظام في زيادة مدة بقائهِ محاولاً حلّ الروابط والوشائج بين أبناء المجتمع السوري وهدم البشر والحجر خدمةً لمصالحه ومصالح خارجية معروفة عملَ النظام معها طيلة حكمه.
فلو أننا وجدنا في مجتمع سليم لم يُحكم من قبل أفرادٍ مريضين، يهتم بالفكر وبناء الإنسان وحضارته وتقدمه، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من صراع دموي وصراع ثقافي وطبقي، أراده النظام كباقي الأنظمة المستبدة التي ترى أن شعوبها عبارة عن حيوانات ترعى في مزارعها، وعبيداً لهم يسوقونهم متى أرادوا.
فتغيب عقول شرائح كبيرة في المجتمع السوري قبل الثورة وضمنها كما نعرف أن النظام عمل عليه طويلاً.. ولمجرد دخول الناس في الرؤيا الصحيحة لوطنهم، مع قرارهم استئصال هذا الورم الخبيث، كان التجهيز المدروس منذ عقودٍ جاهزاً للعمل فوراً ضد هذا القرار بشكل دموي، يرافقه عهر إعلامي حكومي وغيره، ينبح فيه القاصي والداني من أزلام النظام والتابعين له من أبناء طائفته ومن الطوائف الأخرى المحجمة العقل والتي هي بالأساس شريكة في قمع الشعب السوري وقتله وإذلاله.
غاب عن الجميع من الذين يعملون على هذا العمل الرخيص في وأد الفكر الحر والخلاص من الاستبداد، أن الضريبة الغالية التي يدفعها الأحرار في سورية ونتائجها الإيجابية سوف تكون للجميع في الوطن، كأنهم يردون بأفعالهم هذه البقاء في حظائر العبودية والذل كما تعودوا في في كنف النظام أو كما شربوا لبن العبودية من أثداء أمهاتهم فأعجبهم طعمه.

نهاية الجزءالأول
/ خاص ألف /
يتبع ...
هوامش : مهزلة العقل البشري/ د. علي الوردي / دار كوفان / الطبعة الثانية 1994








تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

غداً سأبقى وحدي

15-أيار-2021

قصيدتان من دفتر النبع الضرير

24-نيسان-2021

كاان بيني وبينكَ

03-نيسان-2021

"أغنية بلا نوافذ" // إلى ريدي مشو

27-آذار-2021

لعنة الشعراء

06-آذار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow