البلبل الغريب
2007-12-31
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا | كفرت به حتّى يشوق و يعذبا |
| و لا تحرميني جذوة بعد جذوة | فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا |
| و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه | تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا |
| هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة | فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا |
| و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي | على سرّه المكنون أن يتسرّبا |
| مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه | فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا |
| و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري | لآلامه ما كان أقسى و أغربا |
| و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه | و يرمقها نشوان هيمان معجبا |
| فما الحزن إلاّ كالجمال ، أحبّه | و أترفه ، ما كان أنأى و أصعبا |
| خيالك يا سمراء ، مرّ بغربتي | فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا |
| جلاك لعيني مقلتين و ناهدا | و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا |
| فصانك حبّي في الخيال كرامة | و همّ بما يهواه لكن تهيّبا |
| و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق | و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا |
| أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى | وحدت و لكن لم أجد منه مهربا |
| سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة | فيالك من طيف أراح و أتعبا |
| و خالط أجفاني على السّهد و الكرى | فكان إلى عيني من الجفن أقربا |
| شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا | و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبنا |
| و ناولني من أرز لبنان نفحة | فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا |
| و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها | فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا |
| و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة | أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا |
| وسيما من الأطفال لولاه لم أخف | _ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا |
| تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى | ليختار منها المترفات و يلعبا |
| و عندي كنوز من حنان و رحمة | نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا |
| يجور و بعض الجور حلو محبّب | و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا |
| و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا | من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا |
| و إن ناله سقم تمنّيت أنّني | فداء له كنت السقيم المعذّبا |
| و يوجز فيما يشتهي و كأنّه | بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا |
| يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا | و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا |
| كزغب القطا لو أنّه راح صاديا | سكبت له عيني و قلبي ليشربا |
| و أوثر أن يروى و يشبع ناعما | و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا |
| و ألثم في داج من الخطب ثغره | فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا |
| ينام على أشواف قلبي بمهده | حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا |
| و أسدل أجفاني غطاء يظلّه | و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا |
| و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا | و أرغب تحنانا عليه و أرهبا |
| فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي | كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا |
| تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه | زمان فراخى من جماح و أصحبا |
| تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا | فدلّلته جدّا و أرضيته أبا |
| و تخفق في قلبي قلوب عديدة | لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا |
| *** | |
| و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها | أفض بركات السلم شرقا و مغربا |
| و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن | كفورا و أحببه و إن كان مذنبا |
| و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها | إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا |
| ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم | و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا |
| و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى | و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا |
| و هيّئ له في كلّ قلب صبابة | و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا |
| و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ | رددت محيل القلب ريّان مخصبا |
| *** | |
| و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره | أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا |
| صليب على غمز الخطوب و عسفها | و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا |
| و لي صاحب أعقيته من موّدتي | و ما كان مجنون الغرور ليصحبا |
| غريبان لكنّي وفي و ما وفى | و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا |
| و با ربّ هذي مهجتي و جراحها | سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا |
| فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي | و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا |
| و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن | خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا |
| و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا | فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا |
| *** | |
| و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني | سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا |
| ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة | و أشرف من عليائه و ترقّبا |
| فأرخيت آلاف الستور كأنّني | أمدّ على حال من النّور غيهبا |
| فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى | على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا |
| و قد تبهر الأحزان و هي سوافر | و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا |
| *** | |
| و يا ربّ : درب الحياة سلكته | و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا |
| و لي وطن أكبرته عن ملامة | و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا |
| و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي | أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا |
| تنكّر لي عند المشيب _ و لا قلى _ | فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا |
| و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا | و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا |
| و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني | رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا |
| يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم | و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا |
| و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي | ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا |
| و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى | و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا |
| و أعشق برق الشام إن كان ممطرا | حنونا بسقياه و إن كان خلّبا |
| و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا | سنابله نشوى و أهواه مجدبا |
| مآرب لي في الرّبوتين و دمّر | فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا |
| *** | |
| سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا | مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا |
| و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما | تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا |
| و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه | على القبر من قلبي أريق و ذوّبا |
| و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه | وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا |
| و نضّر في حوران سهلا و شاهقا | و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا |
| و جلجل في أرض الجزيرة صيّب | يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا |
| سحائب من شرق و غرب يلمّها | من الريح راع أهوج العنف مفضبا |
| له البرق سوط لا تندّ غمامة | لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا |
| يؤلفها حينا و تطفر جفّلا | و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا |
| أنخن على طول السماء و عرضها | يزاحم منها المنكب الضخم منكبا |
| فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه | من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا |
| تبرّج للصحراء قبل انسكابه | فلو كان للصحراء ريق تحلّبا |
| و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا | و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا |
| و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا | و أن تتملاّه و أن تترقّبا |
| كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا | قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا |
| و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها | إليه انثنى عن دربها و تجنّبا |
| تعدّ ليالي هجره و سجيّة | بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا |
| و يبده بالسقيا على غير موعد | فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا |
| كذلك لطف الله في كلّ محنة | و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا |
| إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت | لتحسد من أترابها أو لتخطبا |
| *** | |
| و مرّت على سمر الخيام غمامة | تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا |
| نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا | وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا |
| حبت كلّ ذي روح كريم عطائها | فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا |
| و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت | و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا |
| و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا | إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا |
| عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا | ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا |
| و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها | سماء و أغناها و رشّ و كوكبا |
| و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا | لترضع حملانا جياعا و تحلبا |
| و حرّك في البيد الحياة و سرّها | فما هامد في البيد إلا توثّبا |
| و لا عب في حال من الرّمل ربربا | و ضاحك في غال من الوشي ربربا |
| و جمّع ألوان الضياء و رشّها | فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا |
| و أخضر بين الأيك و البحر حائرا | و أبيض بالوهج السماوي مشربا |
| و لونا من السّمراء صيغت فتونه | بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا |
| أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت | لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى |
| ألمّ بكفي النجوم و أنتقي | مزرّرها في باقتي و المعصّبا |
| دياري و أهلي بارك الله فيهما | و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا |
| و أقسم أنّي ما سألت بحبّها | جزاء و لا أغليت جاها و منصبا |
| و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى | فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا |
| *** | |
| تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل | فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا |
| و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا | و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا |
| تحمّل جرحا داميا في فؤاده | و غنّى على نأي فأشجى و أطر |
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |