كتاب العشق للجاحظ
خاص ألف
2013-06-22
الرِّسَالَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ أَبِي مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ خَذَارِ خَذَاهُ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَيُّوبَ أَبِي سُمَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ كَاتِبِ رَاشِدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَبَاحٍ وَأَبِي الْخِيَارِ وَأَبِي الرَّنَالِ وَخَاقَانَ بْنِ حَامِدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ الْيَزِيدِيِّ، الْمَعْرُوفِ بِمِشْرَطَةَ، وَعَلَكِ بْنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ كَبَّةَ وَإِخْوَانِهِمُ الْمُسْتَمْتِعِينَ بِالنِّعْمَةِ وَالْمُؤْثِرِينَ لِلَّذَّةِ، الْمُتَمَتِّعِينَ بِالْقِيَانِ، وَبِالْإِخْوَانِ الْمُعِدِّينَ لِوَظَائِفِ الْأَطْعِمَةِ وَصُنُوفِ الْأَشْرِبَةِ وَالرَّاغِبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ قَبُولِ شَيْءٍ مِنَ النَّاسِ أَصْحَابِ السِّتَارَاتِ وَالسُّرُورِ والْمُرُوءَاتِ.
إِلَى أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ وَغِلَظِ الطَّبْعِ وَفَسَادِ الْحِسِّ.
سَلَامٌ مَنْ وُفِّقَ لِرُشْدِهِ وَآثَرَ حَظَّ نَفْسِهِ وَعَرَفَ قَدْرَ النِّعْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَشْكُرُ النِّعْمَةَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَيَعْرِفْ قَدْرَهَا، وَلَا يُزَادُ فِيهَا مَنْ لَمْ يَشْكُرْهَا، وَلَا بَقَاءَ لَهَا عَلَى مَنْ أَسَاءَ حَمْلَهَا.
وَقَدْ كَانَ يُقَالُ: حَمْلُ الْغَنِيِّ أَشَدُّ مِنْ حَمْلِ الْفَقِيرِ وَمَؤُونَةُ الشُّكْرِ أَضْعَفُ مِنْ مَشَقَّةِ الصَّبْرِ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ صَامِتٍ عَنْ حُجَّتِهِ مُبْطِلاً فِي اعْتِقَادِهِ، وَلَا كُلُّ نَاطِقٍ بِهَا لَا بُرْهَانَ لَهُ، مُحِقّاً فِي انْتِحَالِهِ.
وَالْحَاكِمُ الْعَادِلُ مَنْ لَمْ يُعَجِّلْ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ دُونَ اسْتِقْصَاءِ حُجَجِ الْخُصَمَاءِ، وَدُونَ أَنْ يُحَوِّلَ الْقَوْلَ فِيمَنْ حَضَرَ مِنَ الْخُصَمَاءِ، وَالْاِسْتِمَاعُ مِنْهُ وَأَنْ تَبْلُغَ الْحُجَّةُ مَدَاهَا مِنَ الْبَيَانِ وَيُشْرِكَ الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ فِي فَهْمِ مَا اخْتَصَمَا فِيهِ، حَتَّى لَا يَكُونَ بِظَاهِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِهِ أَعْلَمَ مِنْهُ بِبَاطِنِهِ، وَلَا بِعَلَانِيَّةِ مَا يُفْلِحُ الْخِصَامُ مِنْهُ أَطَبَّ مِنْهُ بِسِرِّهِ.
وَلِذَلِكَ مَا اسْتَعْمَلَ أَهْلُ الْحَزْمِ وَالرَّوِيَّةِ مِنَ الْقُضَاةِ طُولَ الصَّمْتِ وَإِنْعَامَ التَّفَهُّمِ وَالتَّمَهُّلِ لِيَكُونَ الْاِخْتِيَارُ بَعْدَ الْاِخْتِيَارِ وَالْحُكْمُ بَعْدَ التَّبَيُّنِ.
وَقَدْ كُنَّا مُمْسِكينَ عَنِ الْقَوْلِ بِحُجَّتِنَا فِيمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُنَا هَذَا اقْتِصَاراً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مُكْتَفٍ بِظُهُورِهِ، مُبِينٌ عَنْ نَفْسِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ، إِذْ كَانَ إِنَّمَا يُسْتَدلُّ بِظَاهِرٍ عَلَى بَاطِنٍ وَعَلَى الْجَوْهَرِ بِالْعَرَضِ وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِبَاطِنٍ عَلَى ظَاهِرٍ.
وَعَلِمْنَا أَنَّ خُصَمَاءَنَا وَإِنْ مَوَّهُوا وَزَخْرَفُوا غَيْرَ بَالِغِينَ لِلْفَلْجِ وَالْغَلَبَةِ عِنْدَ ذَوِي الْعَدْلِ دُونَ الْاِسْتِمَاعِ مِنَّا وَأَنَّ كُلَّ دَعْوَى لَا يَفْلُجُ صَاحِبُهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَكُنْ، بَلْ هِيَ عَلَى الْمُدَّعِي كَلٌّ وكَرْبٌ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ إِلَى مَسَرَّةِ النُّجْحِ أَوْ رَاحَةِ الْيَأْسِ.
إِلَى أَنْ تَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَعِيلَ الصَّبْرُ وَانْتَهَى إِلَيْنَا عَيْبُ عِصَابَةٍ، لَوْ أَمْسَكْنَا عَنِ الْإِجَابَةِ عَنْهَا وَالْاِحْتِجَاجِ فِيهَا، عِلْماً بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَاسِدِ تَهْجِينَ مَا يَحْسِدُ عَلَيْهِ، وَمِنْ خُلُقُ الْمَحْرُومِ ذَمَّ مَا حُرِمَ وَتَصْغِيرَهُ والطَّعْنَ عَلَى أَهْلِهِ، كَانَ لَنَا فِي الْإِمْسَاكِ سَعَةٌ.
فَإِنَّ الْحَسَدَ عُقُوبَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحَاسِدِ بِمَا يَنَالُهُ مِنْهُ، وَيُشِينُهُ مِنْ عِصْيَانِ رَبِّهِ وَاسْتِصْغَارِ نِعْمَتِهِ وَالسَّخَطِ لِقَدَرِهِ، مَعَ الْكَرْبِ اللَّازِمِ وَالْحُزْنِ الدَّائِمِ وَالتَّنَفُّسِ صُعُداً وَالتَّشَاغُلِ بِمَا لَا يُدْرَكُ وَلَا يُحْصَى.
وَأَنَّ الَّذِي يَشْكُرُ فَعَلَى أَمْرٍ مَحْدُودٍ يَكُونُ شُكْرُهُ، وَالَّذِي يَحْسِدُ فَعَلَى مَا لَا حَدَّ لَهُ يَكُونُ حَسَدُهُ. فَحَسَدُهُ مُتَّسَعٌ بِقَدْرِ تَغَيُّرِ اتِّسَاعِ مَا حَسَدَ عَلَيْهِ.
لِأَنَّا خِفْنَا أَنْ يَظُنَّ جَاهِلٌ أَنَّ إِمْسَاكَنَا عَنِ الْإِجَابَةِ إِقْرَارٌ بِصِدْقِ الْعَضِيهَةِ، وَأَنَّ إِغْضَاءَنَا لِذِي الْغِيبَةِ عَجْزٌ عَنْ دَفْعِهَا.
فَوَضَعْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا حُجَجاً عَلَى مَنْ عَابَنَا بِمَلْكِ الْقِيَانِ وَسَبَّنَا بِمُنَادَمَةِ الْإِخْوَانِ وَنَقَمَ عَلَيْنَا إِظْهَارَ النِّعَمِ وَالْحَدِيثَ بِهَا.
وَرَجَوْنَا النَّصْرَ إِذْ قَدْ بُدِينَا وَالْبَادِي أَظْلَمُ، وَكَاتِبُ الْحَقِّ فَصِيحٌ – ويُرْوَى "وَلِسَانُ الْحَقِّ فَصِيحٌ" - وَنَفْسُ الْمُحْرَجِ لَا يُقَامُ لَهَا، وَصَوْلَةُ الْحَلِيمِ الْمُتَأَنِّي لَا بَقَاءَ بَعْدَهَا.
فَبَيَّنَّا الْحُجَّةَ فِي اطِّرَاحِ الْغَيْرَةِ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَلَا رِيبَةٍ، ثُمَّ وَصَفْنَا فَضْلَ النِّعْمَةِ عَلَيْنَا وَنَقَضْنَا أَقْوَالَ خُصَمَائِنَا بِقَوْلٍِ مُوجَزٍ جَامِعٍ لِمَا قَصَدْنَا.
فَمَهْمَا أَطْنَبْنَا فِيهِ فَلِلشَّرْحِ وَالْإِفْهَامِ، وَمَهْمَا أَدْمَجْنَا وَطَوَيْنَا فَلِيَخِفَّ حَمْلُهُ.
وَاعْتَمَدْنَا عَلَى أَنَّ الْمُطَوَّلَ يَقْصُرُ وَالْمُلَخَّصَ يُخْتَصَرُ وَالْمَطْوِيَّ يُنْشَرُ وَالْأُصُولَ تَتَفَرَّعُ، وَبِاللهِ الْكِفَايَةُ وَالْعَوْنُ. إِنَّ الْفُرُوعَ لَا مَحَالَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى أُصُولِهَا وَالْأَعْجَازُ لَاحِقَةٌ بِصُدُورِهَا وَالْمَوَالِي تُبَّعٌ لِأَوْلِيَائِهَا وَأُمُورُ الْعَالَمِ مَمْزُوجَةٌ بِالْمُشَاكَلَةِ وَمُنْفَرِدَةٌ بِالْمُضَادَّةِ وَبَعْضُهَا عِلَّةٌ لِبَعْضٍ كَالْغَيْثِ عَلَى السَّحَابِ وَالسَّحَابُ عِلَّةُ الْمَاءِ وَالرُّطُوبَةِ، وَكَالْحَبِّ عِلَّتُهُ الزَّرْعُ، وَالزَّرْعُ عِلَّتُهُ الْحُبُّ، وَالدَّجَاجَةُ عِلَّتُهَا الْبَيْضَةُ، وَالْبيْضَةُ عِلَّتُهَا الدَّجَاجَةُ، وَالْإِنْسَانُ عِلَّتُهُ الْإِنْسَانُ.
وَالْفَلَكُ وَجَمِيعُ مَا تَحْوِيهِ أَقْطَارُ الْأَرْضِ وَكُلُّ مَا تُقِلُّهُ أَكْنَافُهَا لِلْإِنْسَانِ خَوَلٌ وَمَتَاعُ إِلَى حِينٍ.
إِلَّا أَنَّ أَقْرَبَ مَا سُخِّرَ لَهُ مِنْ رُوحِهِ وَأَلْطَفَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ "الْأُنْثَى"، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ لَهُ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا وَجُعِلَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَوَدَّةٌ وَرَحْمَةٌ.
وَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ أَحَقَّ وَأَوْلَى بِهَا مِنْ سَائِرِ مَا خُوِّلَ، إِذْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً مِنْهُ، وَكَانَتْ بَعْضاً لَهُ وَجُزْءاً مِنْ أَجْزَائِهِ، وَكَانَ بَعْضُ الشَّيْءِ أَشْكَلَ بِبَعْضٍ وَأَقْرَبَ بِهِ قُرْباً مِنْ بَعْضِهِ بِبَعْضِ غَيْرِهِ.
فَالنِّسَاءُ حَرْثٌ لِلرِّجَالِ كَمَا النَّبَاتُ رِزْقٌ لِمَا جُعِلَ رِزْقاً لَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ.
وَلَوْلَا الْمِحْنَةُ وَالْبَلْوَى فِي تَحْرِيمِ مَا حُرِّمَ وَتَحْلِيلِ مَا أُحِلَّ وَتَخْلِيصِ الْمَوَالِيدِ مِنْ شُبُهَاتِ الْاِشْتِرَاكِ فِيهَا وَحُصُولِ الْمَوَارِيثِ فِي أَيْدِي الْأَعْقَابِ، لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ أَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا لَيْسَ بَعْضُ السَّوَامِ أَحَقَّ بِرَعْيِ مَوَاقِعِ السَّحَابِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَتِ الْمَجُوسُ: إِنَّ لِلرَّجُلِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إِلَيْهِ رَحِماً وَسَبَباً مِنْهُنَّ.
إِلَّا أَنَّ الْفَرْضَ وَقَعَ بِالْاِمْتِحَانِ فَخَصَّ الْمُطْلَقَ كَمَا فَعَلَ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ مُحَرَّماً فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُبَاحٌ مُطْلَقٌ.
وَلَيْسَ عَلَى اسْتِقْبَاحِ النَّاسِ وَاسْتِحْسَانِهِمْ قِيَاسٌ، مَا لَمْ نُخْرِجْ مِنَ التَّحْرِيمِ دَلِيلاً عَلَى حُسْنِهِ وَدَاعِياً إِلَى حَلَالِهِ.
وَلَمْ نَعْلَمْ لِلْغَيْرَةِ فِي غَيْرِ الْحَرَامِ وَجْهاً، وَلَوْلَا وُقُوعُ التَّحْرِيمِ لَزَالَتِ الْغَيْرَةُ وَلَزِمَنَا قِيَاسُ مَنْ أَحَقُّ بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِنَّ مِنْ أَحَدٍ وَإِنَّمَا هُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَامِّ وَالتُّفَّاحِ الَّذِي يَتَهَادَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ مَنْ لَهُ العُدَّةُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ وَفَرَّقَ الْبَاقِي مِنْهُنَّ عَلَى الْمُقَرَّبِينَ.
غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا عَزَمَ الْفَرِيضَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ اقْتَصَرَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْحَدِّ الْمَضْرُوبِ لَهُمْ وَرَخَّصُوهُ فِيمَا تَجَاوَزَهُ.
فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ رِجَالِ الْعَرَبِ وَنِسَائِهَا حِجَابٌ وَلَا كَانُوا يَرْضَوْنَ مَعَ سُقُوطِ الْحِجَابِ بِنَظْرَةِ الْفَلْتَةِ، وَلَا لَحْظَةِ الْخِلْسَةِ دُونَ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْحَدِيثِ وَالْمُسَامَرَةِ وَيَزْدَوِجُوا فِي الْمُنَاسَمَةِ وَالْمُثَافَنَةِ، وَيُسَمَّى الْمُولَعُ بِذَلِكَ مِنَ الرِّجَالِ: الزِّيرَ، الْمُشْتَقَّ مِنَ الزِّيَارَةِ.
وَكُلُّ ذَلِكَ بِأَعْيُنِ الْأَوْلِيَاءِ وَحُضُورِ الْأَزْوَاجِ، لَا يُنْكِرُونَ مَا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ إِذَا أَمِنُوا الْمُنْكَرَ، حَتَّى لَقَدْ حَسَكَ فِي صَدْرِ أَخِي بُثَيْنَةَ مِنْ جَمِيلٍ مَا حَسَكَ مِنِ اسْتِعْظَامِِ الْمُؤَانَسَةِ وَخُرُوجِ الْعُذْرِ عَنِ الْمُخَالَطَةِ، وَشَكَا ذَلِكَ إِلَى زَوْجِهَا وَهَزَّهُ مَا حَشَّمَهُ، فَكَمِنَا لِجَمِيلٍ عِنْدَ إِتْيَانِهِ بُثَيْنَةَ لِيَقْتُلَاهُ، فَلَمَّا دَنَا لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِهَا سَمِعَاهُ يَقُولُ مُمْتَحِناً لَهَا: هَلْ لَكِ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا يَشْفِي غَلِيلَ الْعِشْقِ وَيُطْفِئُ نَائِرَةَ الشَّوْقِ؟ قَالَتْ: لَا.
قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: إِنَ الْحُبَّ إِذَا نُكِحَ فَسَدَ! فَأَخْرَجَ سَيْفاً قَدْ كَانَ أَخْفَاهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ، فَقَالَ: أَمَّا وَاللهِ لَوْ أَنْعَمْتِ لِي لَمَلَأْتُهُ مِنْكِ! فَلَمَّا سَمِعَا بِذَلِكَ وَثِقَا بِغَيْبِهِ وَرَكَنَا إِلَى عَفَافِهِ وَانْصَرَفَا عَنْ قَتْلِهِ، وَأَبَاحَاهُ النَّظَرَ وَالْمُحَادَثَةَ.
فَلَمْ يَزَلِ الرِّجَالُ يَتَحَدَّثُونَ مَعَ النِّسَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى ضُرِبَ الْحِجَابُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً.
وَتْلِكَ الْمُحَادَثَةُ كَانَتْ سَبَبَ الْوَصْلَةِ بَيْنَ جَمِيلٍ وَبُثَيْنَةَ وَعَفْرَاءَ وَعُرْوَةَ وَكُثَيْرٍ وَعَزَّةَ وَقَيْسٍ وَلُبْنَى وَأَسْمَاءَ وَمَقْشٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَجْلَانَ وَهِنْدٍ.
ثُمَّ كَانَتِ الشَّرَائِفُ مِنَ النِّسَاءِ يَقْعُدْنَ لِلرِّجَالِ لِلْحَدِيثِ وَلَمْ يَكُنِ النَّظَرُ مِنْ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَاراً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا حَرَاماً فِي الْإِسْلَامِ.
وَكَانَتْ ضُبَاعَةُ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ قُرْطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ تَحْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ زَمَاناً لَا تَلِدُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا هِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ: مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ؟ قُولِي لَهُ حَتَّى يُطَلِّقَكِ.
فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكِ أَنْ تَتَزَوَّجِي هِشَامَ بْنَ الْمُغِيرَةِ.
قَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُهُ.
قَالَ: فَإِنْ فَعَلْتِ فَعَلَيْكِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ تَنْحَرِينَهَا فِي الْحَزُورَةِ وَتَنْسُجِينَ لِي ثَوْباً يَقْطَعُ مَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً.
قَالَتْ: لَا أُطِيقُهُ.
وَأَرْسَلَتْ إِلَى هِشَامَ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: مَا أَيْسَرَ مَا سَأَلَكِ وَمَا يَكْرُثُكِ وَأَنَا أَيْسَرُ قُرَيْشٍ فِي الْمَالِ وَنِسَائِي أَكْثَرُ نِسَاءِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنْتِ أَجْمَلُ النِّسَاءِ، فَلَا تَأْبَيْ عَلَيْهِ.
فَقَالَتْ لِابْنِ جُدْعَانَ: طَلِّقْنِي فَإِنْ تَزَوَّجْتُ هِشَاماً فَعَلَيَّ مَا قُلْتَ.
فَطَلَّقَهَا بَعْدَ اسْتِيثَاقِهِ مِنْهَا، فَتَزَوَّجَهَا هِشَامُ فَنَحَرَ عَنْهَا مِائَةً مِنَ الْجُزُرِ، وَجَمَعَ نِسَاءَهُ فَنَسَجْنَ ثَوْباً يَسَعُ مَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ، ثُمَّ طَافَتْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً فَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ: لَقَدْ أَبْصَرْتُهَا وَهِيَ عُرْيَانَةٌ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَإِنِّي لَغُلَامٌ أتْبَعُهَا إِذَا أَدْبَرَتْ وَأَسْتَقْبِلُهَا إِذَا أَقْبَلَتْ. فَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً مِمَّا خَلَقَ اللهُ أَحْسَنَ منْهَا وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى رُكْبِهَا وَهِيَ تَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ. كَمْ نَاظِرٍ فِيهِ فَمَا يَمَلُّهُ، أَخْثَمُ مِثْلَ الْقَعْبِ بَادٍ ظِلُّهُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ النِّسَاءَ إِلَى الْيَوْمِ مِنْ بَنَاتِ الْخُلَفَاءِ وَأُمَّهَاتِهِنَّ. فَمَنْ دُونَهُنَّ يَطُفْنَ بِالْبَيْتِ مُكَشَّفَاتِ الْوُجُوهِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَكْمُلُ حَجٌّ إِلَّا بِهِ.
وَأَعْرَسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعَاتِكَةَ ابْنَةِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَمَاتَ عَنْهَا بَعْدَ أَنِ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَلَّا تَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ أَبَداً، عَلَى أَنْ نَحَلَهَا قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ سِوَى الْإِرْثِ. فَخَطَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَفْتَاهَا بِأَنْ يُعْطِيَهَا مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقْسَمَتْ: لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي سَخِينَةً عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِي أَغْبَراً، فَلَمَّا ابْتَنَى بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوْلَمَ وَدَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَصَدَ لِبَيْتِ حَجَلَتِهَا فَرَفَعَ السِّجْفَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: "فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكُّ عَيْنِي سَخِينَةً عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِي أَصْفَراً". فَخَجِلَتْ فَأَطْرَقَتْ وَسَاءَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا رَأَى مِنْ خَجَلِهَا وَتشَوُّرِهَا عِنْدَ تَعْبِيرِ عَلِيٍّ إِيَّاهَا بِنَقْضِ مَا فَارَقَتْ عَلَيْهِ زَوْجَهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، رَحِمَكَ اللهُ. مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا؟ فَقَالَ: حَاجَةٌ فِي نَفْسِي قَضَيْتُهَا.
هَذَا. وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "إِنِّي رَأَيْتُ قَصْراً فِي الْجَنَّةِ فَسَأَلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقِيلَ: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ دُخُولِهِ إِلَّا لِمَعْرِفَتِي بِغَيْرَتِكَ".
فَقَالَ عُمَرُ رَضِي اللهُ عَنْهُ: وَعَلَيْكَ يُغَارُ يَا نَبِيَّ اللهِ!
فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ وَالْحَدِيثُ وَالدُّعَابَةُ يُغَارُ مِنْهَا لَكَانَ عُمَرُ الْمُقَدَّمُ فِي إِنْكَارِهِ لِتَقَدُّمِهِ فِي شِدَّةِ الْغَيْرَةِ.
وَلَوْ كَانَ حَرَاماً لَمُنِعَ مِنْهُ، إِذْ لَا شَكَّ فِي زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَعِلْمِهِ وَتَفَقُّهِهِ.
وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ تَزَوَّجَ حَفْصَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَهْوَاهَا، فَبَلَغَ الْحَسَنَ عَنْهَا شَيْءٌ فَطَلَّقَهَا، فَخَطَبَهَا الْمُنْذِرُ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ، وَقَالَتْ: شَهَّرَنِي!
وَخَطَبَهَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَتَزَوَّجَهَا، فَرَقَّى الْمُنْذِرُ عَنْهَا شَيْئاً فَطَلَقَّهَا، وَخَطَبَهَا الْمُنْذِرُ فَقِيلَ لَهَا: تَزَوَّجِيهِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَعْضَهُكِ.
فَتَزَوَّجَتْهُ، فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا، فَقَالَ الْحَسَنُ لِعَاصِمٍ: لِنَسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا الْمُنْذِرَ فَنَدْخُلَ إِلَيْهَا فَنَتَحَدَّثَ عِنْدَهَا. فَاسْتَأْذَنَاهُ فَشَاوَرَ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: دَعْهُمَا يَدْخُلَانِ.
فَدَخَلَا، فَكَانَتْ إِلَى عَاصِمٍ أَكْثَرَ نَظَراً مِنْهَا إِلَى الْحَسَنِ وَكَانَ أَبْسَطَ لِلْحَدِيثِ.
فَقَالَ الْحَسَنُ لِلْمُنْذِرِ: خُذْ بِيَدِ امْرَأَتِكَ.
فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَامَ الْحَسَنُ وَعَاصِمُ فَخَرَجَا.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَهْوَاهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَهَا لَمَّا رَقَّي إِلَيْهِ الْمُنْذِرُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ يَوْماً لِابْنِ أَبِي عَتِيقٍ: هَلْ لَكَ فِي الْعَقِيقِ؟ فَخَرَجَا فَعَدَلَ الْحَسَنُ إِلَى مَنْزِلِ حَفْصَةَ، فَدَخَلَ إِلَيْهَا فَتَحَدَّثَا طَوِيلاً، ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ قَالَ لِابْنِ أَبِي عَتِيقٍ: هَلْ لَكَ فِي الْعَقِيقِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَنَزَلَ بِمَنْزِلَةِ حَفْصَةَ وَدَخَلَ. فَقَالَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى: هَلْ لَكَ فِي الْعَقِيقِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أُمَّ، أَلَا تَقُولُ: هَلَ لَكَ فِي حَفْصَةَ !!
وَكَانَ الْحَسَنُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ أَفْضَلَ أَهْلِ دَهْرِهِ.
فَلَو كَانَ مُحَادَثَةُ النِّسَاءِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِنَّ حَرَاماً وَعَاراً لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنَ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُشِرْ بِهِ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا قَبْلَهُ يُبْطِلَانِ مَا رَوَتِ الْحُشَوِيَّةُ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ الْأَوَّلَ حَرَامٌ وَالثَّانِيَ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ مُحَادَثَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ مِنَ النَّظَرِ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِالنَّظْرَةِ الْمُحَرَّمَةِ النَّظَرَ إِلَى الشَّعْرِ وَالْمَجَاسِدِ وَمَا تُخْفِيهِ الْجَلَابِيبُ مِمَّا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهَا.
وَدَعَا مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ الشَّعْبِيَّ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ مُجَلَّلَةٍ بِوَشْيٍ، مَعَهُ فِيهَا امْرَأَتُهُ فَقَالَ: يَا شَعْبِيُّ، مَنْ مَعِي فِي هَذِهِ الْقُبَّةِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ، أَصْلَحَ اللهُ الْأَمِيرَ! فَرَفَعَ السِّجْفَ فَإِذَا هُوَ بِعَائِشَةَ ابْنَةِ طَلْحَةَ.
وَالشَّعْبِيُّ فَقِيهُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَعَالِمُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ إِنْ كَانَ النَّظَرُ حَرَاماً.
وَرَأَى مُعَاوِيَةُ كَاتِباً لَهُ يُكَلِّمُ جَارِيَةً لِامْرَأَتِهِ فَاخِتَةَ بِنْتَ قَرْظَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِ دَارِهِ، ثُمَّ خَطَبَ ذَلِكَ الْكَاتِبُ تِلْكَ الْجَارِيَةَ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ، فدَخَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى فَاخِتَةَ وَهِيَ مُتَحَشِّدَةٌ فِي تَعْبِئَةِ عِطْرٍ لِعُرْسِ جَارِيَتِهَا فَقَالَ: هَوِّنَي عَلَيْكِ يَا ابْنَةَ قَرْظَةَ فَإِنِّي أَحْسَبُ الِابْتِنَاءَ قَدْ كَانَ مُنْذُ حِينٍ!
وَمُعَاوِيَةُ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ مَا رَأَى مِنَ الْكَلَامِ مَوْقِعَ يَقِينٍ، وَإِنَّمَا حَلَّ مَحَلَّ ظَنٍّ وَحُسْبَانٍ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَلَمْ يُوجِبْهُ، وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَحَدَّ عَلَيْهِ.
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُؤْتَى بِالْجَارِيَةِ فَيُجَرِّدُهَا مِنْ ثِيَابِهَا بِحَضْرَةِ جُلَسَائِهِ وَيَضَعُ الْقَضِيبَ عَلَى رُكَبِهَا ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمَتَاعٌ لَوْ وُجِدَ مَتَاعاً! ثُمَّ يَقُولُ لِصَعْصَعَةَ بْنِ صَوْحَانٍ: خُذْهَا لِبَعْضِ وُلْدِكَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِيَزِيدَ بَعْدَ أَنْ فَعَلْتَ بِهَا مَا فَعَلْتَ.
وَلَمْ يَكُنْ يُعْدَمُ مِنَ الْخَلِيفَةِ وَمَنْ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقُدْرَةِ وَالتَّأَتِّي أَنْ تَقِفَ عَلَى رَأْسِهِ جَارِيَةٌ تَذِبُّ عَنْهُ وَتُرَوِّحُهُ وَتُعَاطِيهِ أُخْرَى فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ.
فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ الْوَصِيفَةِ الَّتِي اطَّلَعَتْ فِي كِتَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ وَكَانَ يُسِرُّهُ، فَلَمَّا فَشَا مَا فِيهِ رَجَعَ عَلَى الْحَجَّاجِ بِاللَّوْمِ وَتَمَثَّلَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ وُشَاةَ الرِّجَا ** لِ لَا يَتْرُكُونَ أَدِيماً صَحِيحاً
فَلَا تَفْشِ سِرَّكَ إِلَّا إِلَيْكَ ** فَإِنَّ لِكُلِّ نَصِيحٍ نَصِيحـــــا
ثُمَّ نَظَرَ فَوَجَدَ الْجَارِيَةَ كَانَتْ تَقْرَأُ فَنَمَّتْ عَلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُهُ حِينَ نَعَسَ، فَقَالَ لِلْفَرَزْدَقِ وَجَرِيرٍ وَالْأَخْطَلِ: مَنْ وَصَفَ نُعَاساً بِشِعْرٍ وَبِمَثَلٍ يُصِيبُ فِيهِ وَيُحْسِنُ التَّمْثِيلَ فَهَذِهِ الْوَصِيفَةُ لَهُ.
فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: رَمَاهُ الْكَرَى فِي الرَّأْسِ حَتَّى كَأَنَّهُ أَمِيمُ جَلَامِيدٍ تَرَكْنَ بِهِ وَقْراً، فَقَالَ: شَدَخْتَنِي، وَيْلَكَ يَا فَرَزْدَقُ! فَقَالَ جَرِيرٌ: رَمَاهُ الْكَرَى فِي الرَّأْسِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى فِي سَوَادِ اللَّيْلِ قُنْبُرَةً سَقْراً: وَيْلَكَ، تَرَكْتَنِي مَجْنُوناً! ثُمَّ قَالَ: يَا أَخْطَلُ فَقُلْ. قَالَ: رَمَاهُ الْكَرَى فِي الرَّأْسِ حَتَّى كَأَنَّهُ نَدِيمٌ تَرَوَّى بَيْنَ نُدْمَانِهِ خَمْراً. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ لِلْمُلُوكِ وَالْأَشْرَافِ إِمَاءٌ يَخْتَلِفْنَ فِي الْحَوَائِجِ وَيَدْخُلْنَ فِي الدَّوَاوِينِ وَنِسَاءٌ يَجْلِسْنَ لِلنَّاسِ، مِثْلَ خَالِصَةَ جَارِيَةِ الْخَيْزُرَانِ، وَعُتْبَةَ جَارِيَةِ رِيطَةَ ابْنَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَسُكَّرٍ وَتُرْكِيَّةَ جَارِيَتَيْ أُمِّ جَعْفَرٍ، وَدِقَاقٍ جَارِيَةِ الْعَبَّاسَةِ، وَظَلُومٍ وَقُسْطَنْطِينَةَ جَارِيَتَيْ أُمِّ حَبِيبٍ، وَامْرَأَةِ هَارُونَ بْنِ جَعْبَوَيْهِ، وَحَمْدُونَةَ أَمَةِ نَصْرِ بْنِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهِكَ، ثُمَّ كُنَّ يُبْرِزْنَ لِلنَّاسِ أَحْسَنَ مَا كُنَّ وأَشْبَهَ مَا يَتَزَيَّنَّ بِهِ، فَمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ مُنْكٌِر وَلَا عَابَهُ عَائِبٌ.
وَلَقَدْ نَظَرَ الْمَأْمُونُ إِلَى سُكَّرٍ فَقَالَ: أَحُرَّةٌ أَنْتِ أَمْ مَمْلُوكَةٌ ؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، إِذَا غَضِبَتْ عَلَيَّ أُمُّ جَعْفَرٍ قَالَتْ: أَنْتِ مَمْلُوكَةٌ، وَإِذَا رَضِيَتْ قَالَتْ: أَنْتِ حُرَّةٌ.
قَالَ: فَاكْتُبِي إِلَيْهَا السَّاعَةَ فَاسْأَلِيهَا عَنْ ذَلِكَ.
فَكَتَبَتْ كِتَاباً وَصَلَتْهُ بِجَنَاحِ طَائِرٍ مِنَ الْهُدَى كَانَ مَعَهَا أَرْسَلَتْهُ تُعْلِمُ أُمَّ جَعْفَرٍ ذَلِكَ. فَعَلِمَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ مَا أَرَادَ فَكَتَبَتْ إِلَيْهَا: "أَنْتِ حُرَّةٌ".
فَتَزَوَّجَهَا عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ خَلَا بِهَا مِنْ سَاعَتِهَا، فَوَاقَعَهَا وَخَلَّى سَبِيلَهَا وَأَمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى النِّسَاءِ كُلِّهِنَّ لَيْسَ بِحَرَامٍ: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُعَنَّسَةَ تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ فَلَا تَحْتَشِمُ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَوْ كَانَ حَرَاماً وَهِيَ شَابَّةٌ لَمْ يَحِلَّ إِذَا عُنِّسَتْ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ أَفْرَطَ فِيهِ الْمُتَعَدُّونَ حَدَّ الْغَيْرَةِ إِلَى سُوءِ الْخَلْقِ وَضِيقِ الْعَطَنِ. فَصَارَ عِنْدَهُمْ كَالْحَقِّ الْوَاجِبِ.
وَكَذَلِكَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بَأْساً أَنْ تَنْتَقِلَ الْمَرْأَةُ إِلَى عِدَّةِ أَزْوَاجٍ لَا يَنْقُلُهَا عَنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمَوْتُ، مَا دَامَ الرِّجَالُ يُرِيدُونَهَا.
وَهُمُ الْيَوْمَ يَكْرَهُونَ هَذَا وَيَسْتَسْمِجُونَهُ فِي بَعْضٍ، وَيَعَافُونَ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ إِذَا كَانَتْ قَدْ نَكَحَتْ زَوْجاً وَاحِداً، وَيُلْزِمُونَ مَنْ خَطَبَهَا الْعَارَ، وَيُلْحِقُونَ بِهِ اللَّوْمَ، وَيُعَيِّرُونَهَا بِذَلِكَ، وَيَتَحَظَّوْنَ الْأَمَةَ. وَقَدْ تَدَاوَلَهَا مَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ مِنَ الْمَوَالِي.
فَمَنْ حَسَّنَ هَذَا فِي الْإِمَاءِ وَقَبَّحَهُ فِي الْحَرَائِرِ! وَلَمْ يَغَارُوا فِي الْإِمَاءِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَحَظَايَا الْمُلُوكِ وَغَارُوا عَلَى الْحَرَائِرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَيْرَةَ إِذَا جَاوَزَتْ مَا حَرَّمَ اللهُ فَهِيَ بَاطِلٌ، وَأَنَّهَا بِالنِّسَاءِ لِضُعْفِهِنَّ أَوْلَعُ حَتىَّ يَغِرْنَ عَلَى الظَّنِّ وَالْحُلْمِ فِي النَّوْمِ؟
وَتَغَارُ الْمَرْأَةُ عَلَى أَبِيهَا وَتُعَادِي امْرَأَتَهُ وَسَرِيَّتَهُ.
وَلَمْ تَزَلِ الْقِيَانُ عِنْدَ الْمُلُوكِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ.
وَكَانَتْ فَارِسُ تَعُدُّ الْغِنَاءَ أَدَباً وَالرُّومَ فَلْسَفَةً.
وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَرَادَتَانِ لْعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ.
وَكَانَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرَ الطَّيَّارِ جَوَارٍ يَتَغَنَّيْنَ، وَغُلَامٌ يُقَالُ لَهُ "بَدِيعٌ" يَتَغَنَّى. فَعَابَهُ بِذَلِكَ الْحَكَمُ بْنُ مَرْوَانَ فَقَالَ: وَمَا عَلَيَّ أَنْ آخُذَ الْجَيِّدَ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَأُلْقِيَهُ إِلَى الْجَوَارِي، فَيَتَرَنَّمْنَ بِهِ وَيُشَذِّرْنَهُ بِحُلُوقِهِنَّ وَنَغَمِهِنَّ!
وَسَمِعَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْغِنَاءَ.
وَاتَّخَذَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حُبَابَةَ وَسَلَامَةَ، وَأَدْخَلَ الرِّجَالَ عَلَيْهِنَّ لِلسَّمَاعِ، فَقَالَ الشَّاعِرُ فِي ذَلِكَ:
إِذَا مَا حَنَّ مُزْهِرُهَا إِلَيْهَا وَحَنَّتْ دُونَهُ أُذْنَ الْكِرَامِ ** وَأَصْغَوْا نَحْوَهُ الْآذَانِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ وَمَا نَامُوا بِنِيَامٍ
وَقَالَ فِي سَلَامَةَ:
أَلَمْ تَرَهَا وَاللهُ يَكْفِيكَ شَرَّهَا إِذَا طَرَّبَتْ فِي صَوْتِهَا كَيْفَ تَصْنَعُ ** تَرُدُّ نِظَامَ الْقَوْلِ حَتَّى تَرُدُّهُ إِلَى صَلْصَلٍ مَنْ حَلْقِهَا يَتَرَجَّعُ
وَكَانَ يَسْمَعُ، فَإِذَا طَرِبَ شَقَّ بُرْدَهُ ثُمَّ يَقُولُ: أَطِيرُ! فَتَقُولُ حُبَابَةُ: لَا تَطِيرُ، فَإِنَّ بِنَا إِلَيْكَ حَاجَةً.
ثُمَّ كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدٍ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّهْوِ وَالْغَزَلِ. وَالْمُلُوكُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْلُكُونَ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ وَعَلَى هَذَا السَّبِيلِ الْأَوَّلِ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْخِلَافَةُ يَتَغَنَّى.
فَمِمَّا يُعْرَفُ مِنْ غِنَائِهِ: أَمَّا صَاحِبَيَّ نَزُرْ سُعَادَا ** لِقُرْبِ مَزَارِهَا وَدَعَا الْبِعَادَا
وَلَهُ: عَاوَدَ الْقَلْبُ سُعَادَا ** فَقَلَا الطَّرْفُ السُّهَادَا
وَلَا نَرَى بِالْغِنَاءِ بَأْساً إِذَا كَانَ أَصْلُهُ شِعْراً مَكْسُوّاً نَغَماً: فَمَا كَانَ مِنْهُ صِدْقاً فَحَسَنٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ كَذِباً فَقَبِيحٌ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "الشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ".
وَلَا نَرَى وَزْنَ الشِّعْرِ أَزَالَ الْكَلَامَ عَنْ جِهَتِهِ، فَقَدْ يُوجَدُ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَلَا يُزِيلُ مَنْزِلَتَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ.
فَإِذَا وَجَبَ أَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّ وَزْنَهُ وَتَقْفِيتَهُ لَا يُوجِبَانِ تَحْرِيماً لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ.
وَإِنَّ التَّرْجِيعَ لَهُ أَيْضاً لَا يَخْرُجُ إِلَى حَرَامٍ.
وَإِنَّ وَزْنَ الشِّعْرِ مِنْ جِنْسِ وَزْنِ الْغِنَاءِ وَكِتَابِ الْمُوسِيقِيِّ، وَهُوَ مِنْ كِتَابِ حَدِّ النُّفُوسِ، تَحُدُّهُ الْأَلْسُنُ بِحَدٍّ مُقَنَّعٍ، وَقَدْ يُعْرَفُ بِالْهَاجِسِ كَمَا يُعْرَفُ بِالْإِحْصَاءِ وَالْوَزْنِ.
فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهِ وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يُحَرِّمُهُ لِأَنَّهُ يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللهِ، فَقَدْ نَجِدُ كَثِيراً مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْجِنَانِ وَالرَّيَاحِينِ وَاقْتِنَاصِ الصَّيْدِ وَالتَّشَاغُلِ بِالْجِمَاعِ وَسَائِرِ اللَّذَّاتِ، تَصُدُّ وَتُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللهِ.
وَنَعْلَمُ أَنَّ قَطْعَ الدَّهْرِ بِذِكْرِ اللهِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ أَفْضَلُ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا أَدَّى الرَّجُلُ الْفَرْضَ فَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا لَهُ مُبَاحَةٌ وَإِذَا قَصَّرَ عَنْهُ لَزِمَهُ الْمَأْثَمُ.
وَلَوْ سَلِمَ مِنَ اللَّهْوِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ أَحَدٌ لَسَلِمَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَلْهَاهُ عَرْضُ الْخَيْلِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَعَرْقَبَهَا وَقَطَعَ رِقَابَهَا.
وَبَعْدُ فَإِنَّ الرَّقِيقَ تِجَارَةٌ مِنَ التِّجَارَاتِ تَقَعُ عَلَيْهِ الْمُسَاوَمَاتُ وَالْمُشَارَاةُ بِالثَّمَنِ، وَيَحْتَاجُ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ إِلَى أَنْ يَسْتَشِفَّا الْعَلَقَ وَيَتَأَمَّلَا بَيِّناً يَجِبُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ الْمُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ الْبَيَاعَاتِ.
وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ وَلَا مِسَاحَةٍ، فَقَدْ يُعْرَفُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ.
وَلَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضاًً إِلَّا الثَّاقِبُ فِي نَظَرِهِ، الْمَاهِرُ فِي بَصَرِهِ، الطَّبُّ بِصِنَاعَتِهِ. فَإِنَّ أَمْرَ الْحَسَنِ أَدَقُّ وَأَرَقُّ مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ كُلُّ مَنْ أَبْصَرَهُ.
وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْوَهْمِيَّةُ، لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِشَهَادَةِ إِبْصَارِ الْأَعْيُنِ، وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِهَا كَانَ مَنْ رَآهَا يَقْضِي، حَتَّى النَّعَمُ وَالْحَمِيرُ يُحْكَمُ فِيهَا لِكُلِّ بَصِيرِ الْعَيْنِ يَكُونُ فِيهَا شَاهِداً وَبَصِيرًا لِلْقَلْبِ وَمُؤَدِّياً إِلَى الْعَقْلِ، ثُمَّ يَقَعُ الْحُكْمُ مِنَ الْعَقْلِ عَلَيْهَا.
وَأَنَا مُبَيِّنٌ لَكَ الْحَسَنَ:
هُوَ التَّمَامُ وَالْاِعْتِدَالُ.
وَلَسْتُ أَعْنِي بِالتَّمَامِ تَجَاوُزَ مِقْدَارِ الْاِعْتِدَالِ كَالزِّيَادَةِ فِي طُولِ الْقَامَةِ وَكَدِقَّةِ الْجِسْمِ أَوْ عِظَمِ الْجَارِحَةِ مِنَ الْجَوَارِحِ أَوْ سَعَةِ الْعَيْنِ أَوِ الْفَمِ مِمَّا يَتَجَاوَزُ مِثْلُهُ مِنَ النَّاسِ الْمُعْتَدِلِينَ فِي الْخَلْقِ، فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَتَى كَانَتْ فَهِيَ نُقْصَانٌ مِنَ الْحَسَنِ وَإِنْ عُدَّتْ زِيَادَةً فِي الْجِسْمِ.
وَالْحُدُودُ حَاصِرَةٌ لِأُمُورِ الْعَالَمِ وَمُحِيطَةٌ بِمَقَادِيرِهَا الْمَوْقُوتَةِ لَهَا، فَكُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ عَنِ الْحَدِّ فِي خُلُقٍ، حَتَّى فِي الدِّينِ وَالْحِكْمَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَفْضَلُ الْأُمُورِ، فَهُوَ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ.
وَأَمَّا الْاِعْتِدَالُ فَهُوَ وَزْنُ الشَّيْءِ لَا الْكَمِّيَّةِ، وَالْكَوْنُ كَوْنُ الْأَرْضِ لَا اسْتِوَاؤُهَا.
وَوَزْنُ النُّفُوسِ فِي أَشْبَاهِ أَقْسَامِهَا.
فَوَزْنُ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ اعْتِدَالُ مَحَاسِنِهِ وَأَلَّا يَفُوتَ شَيْءٌ مِنْهَا شَيْئاً: كَالْعَيْنِ الْوَاسِعَةِ لِصَاحِبِ الْأَنْفِ الصَّغِيرِ الْأَفْطَسِ، وَالْأَنْفِ الْعَظِيمِ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ الضَّيِّقَةِ، وَالذَّقْنِ النَّاقِصِ وَالرَّأْسِ الضَّخْمِ وَالْوَجْهِ الْفَخْمِ لِصَاحِبِ الْبَدَنِ الْمُدَعِّ النِّضْوِ، وَالظَّهْرِ الطَّوِيلِ لِصَاحِبِ الْفَخِذَيْنِ القَصِيرَتَيْنِ، وَالظَّهْرِ الْقَصِيرِ لِصَاحِبِ الْفَخِذَيْنِ الطَّوِيلَتَيْنِ، وَكَسَعَةِ الْجَبِينِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ أَسْفَلِ الْوَجْهِ.
ثُمَّ هَذَا أَيْضاً وَزْنُ الْآنِيَةِ وَأَصْنَافِ الْفَرْشِ وَالْوَشْيِ وَاللِّبَاسِ، وَوَزْنُ الْقَنَوَاتِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا الْمِيَاهُ.
وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْوَزْنِ الْاِسْتِوَاءَ فِي الْخَرْطِ وَالتَّرْكِيبِ.
فَلَا بُدَّ مِمَّا لَا يَمْنَعُ النَّاظِرَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالتَّفَسُّحِ فِي خُضْرَتِهِ وِالْاِسْتِنْشَاقِ مِنْ رَوَائِحِهِ.
وَيُسَمَّى ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُ حِلّاً مَا لَمْ يَمُدَّ لَهُ يَداً. فَإِذَا مَدَّ يَداً إِلَى مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَعَلَ مَا لَا يَحِلُّ وَأَكَلَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكِ مُكَالَمَةُ الْقِيَانِ وَمُفَاكَهَتُهُنَّ وَمُغَازَلَتُهُنَّ وَمُصَافَحَتُهُنَّ لِلسَّلَامِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِنَّ لِلتَّقْلِيبِ وَالنَّظَرِ، حَلَالٌ مَا لَمْ يَشُبْ ذَلِكَ مَا يَحْرُمُ.
وَقَدِ اسْتَثْنَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اللَّمَمَ فَقَالَ: "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالفْوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ".
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُئِلَ عَنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: إِذَا دَنَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَ فَفَاحِشَةٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَمَمٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ
وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِتْيَانُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ حِينَ سُئِلَ عَمَّا نَالَ مِنْ عَشِيقَتِهِ فَقَالَ: مَا أَقْرَبَ مَا أَحَلَّ اللهُ مِمَا حَرَّمَ اللهُ!
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنَ الْحَدِيثِ: "فَرِّقُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ" وَقَالَ: "لَا يَخْلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ، وَإِنْ قِيلَ حَمُوهَا، إِلَّا إِنَّ حَمُوهَا الْمَوْتَ" وَإِنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْقِيَانِ مَا دَعَا إِلَى الْفِسْقِ وَالْاِرْتِبَاطِ وَالْعِشْقِ مَعَ مَا يَنْزِلُ بِصَاحِبِهِ مِنَ الْغُلْمَةِ الَّتِي تَضْطَرُّ إِلَى الْفُجُورِ وَتَحْمِيلٍ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَحْضُرُ إِنَّمَا يَحْضُرُ لِذَلِكَ لَا لِسَمِاعٍ وَلَا ابْتِيَاعٍ.
قُلْنَا: إِنَ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا عَلَى ظَاهِرِ الْأُمُورِ، وَلَمْ يُكَلِّفِ اللهُ الْعِبَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْبَاطِنِ وَالْعَمَلَ عَلَى النِّيَّاتِ، فَيُقْضَى لِلرِّجَالِ بِالْإِسْلَامِ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ. وَلَعَلَّهُ مُلْحِدٌ فِيهِ وَيُقْضَى أَنَّهُ لِأَبِيهِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَلِدْهُ الْأَبُ الَّذِي ادَّعَى إِلَيْهِ قَطُّ، إِلَّا أَنَّهُ مَوْلُودٌ عَلَى فِرَاشِهِ مَشْهُورٌ بِالْاِنْتِمَاءِ إِلَيْهِ.
وَلَوْ كُلِّفَ مَنْ يَشْهَدُ لِرَجُلٍ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنِيَّيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ تُقَمْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ.
وَمَنْ يَحْضُرْ مَجَالِسَنَا لَا يُظْهِرُ نَسَباً مِمَّا يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَظْهَرَ ثُمَّ أَغْضَيْنَا لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَلْحَقْنَا فِي ذَلِكَ إِثْمٌ.
وَالْحَسَبُ وَالنَّسَبُّ الَّذِي بَلَغَ بِهِ الْقِيَانُ الْأَثْمَانَ الرَّغِيبَةَ إِنَّمَا هُوَ الْهَوىَ.
وَلَوِ اشْتَرَى عَلَى مِثْلِ شَرَى الرَّقِيقِ لَمْ تُجَاوِزِ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ ثَمَنَ الرَّأْسِ السَّاذِجِ.
فَأَكْثَرُ مَنْ بَالَغَ فِي ثَمَنِ جَارِيَةٍ فَبِالْعِشْقِ. وَلَعَلَّهُ كَانَ يَنْوِي فِي أَمْرِهَا الرِّيبَةَ وَيَجِدُ هَذَا أَسْهَلَ سَبِيلاً إِلَى شِفَاءِ غَلِيلِهِ، ثُمَّ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَصَارَ إِلَى الْحَلَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ ويَعْرِفْ فَضْلَهُ، فَبَاعَ الْمَتَاعَ وَحَلَّ الْعَقْدَ وَأَثْقَلَ ظَهْرَهُ بِالْعُبِّيَّةِ حَتَّى ابْتَاعَ الْجَارِيَةَ.
وَلَا يَعْمَلُ عَمَلاً يُنْتِجُ خَيْراً غَيْرَ إِغْرَائِهِ بِالْقِيَانِ وَقِيَادَتِهِ عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ لَا يَنْجُمُ الْأَمْرُ إِلَّا وَغَايَتُهُ فِيهِنَّ الْعِشْقُ، فَيَعُوقُ عَنْ ذَلِكَ ضَبْطُ الْمَوَالِي وَمُرَاعَاةُ الرُّقَبَاءِ وَشِدَّةُ الْحُجَّابِ، فَيَضْطَرُّ الْعَاشِقُ إِلَى الشِّرَاءِ وَيُحِلُّ بِهِ الْفَرْجَ وَيَكُونُ الشَّيْطَانُ الْمَدْحُورَ.
وَالْعِشْقُ دَاءٌ لَا يُمْلَكُ دَفْعُهُ، كَمَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُ عَوَارِضِ الْأَدْوَاءِ إِلَّا بِالْحِمْيَةِ، وَلَا يَكَادُ يُنْتَفَعُ بِالْحِمْيَةِ مَعَ مَا تُوَلِّدُ الْأَغْذِيَةُ وَتَزِيدُ فِي الطَّبَائِعِ بِالْاِزْدِيَادِ فِي الطُّعْمِ.
وَلَوْ أَمْكَنَ أَحَداً أَنْ يَحْتَمِيَ مِنْ كُلِّ ضَرَرٍ وَيَقِفَ عَنْ كُلِّ غِذَاءٍ لَلَزِمَ ذَلِكَ الْمُتَطَبِّبَ فِي آفَاتِ صِحَّتِهِ وَنَحْلِ جِسْمِهِ وَضوِيِّ لَحْمِهِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّخْلِيطِ وَيُشَارَ عَلَيْهِ بِالْعِنَايَةِ فِي الطَّيِّبَاتِ.
وَلَوْ مَلَكَ أَيْضاً صَرْفَ الْأَغْذِيَةِ وَاحْتَرَسَ بِالْحِمْيَةِ، لَمْ يَمْلِكْ ضَرَراً غَيْرَ الْهَوَاءِ وَلَا اخْتِلَافِ الْمَاءِ.
وَأَنَا وَاصِفٌ لَكَ حَدَّ الْعِشْقِ لِتَعْرِفَ حَدَّهُ: هُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الرُّوحَ وَيَشْتَمِلُ عَلَى الْجِسْمِ بِالْمُجَاوَرَةِ، كَمَا يَنَالُ الرُّوحَ الضَّعْفُ فِي الْبَطْشِ، وَالْوَهَنُ فِي الْمَرْءِ يُنْهِكُهُ.
وَدَاءُ الْعِشْقِ وَعُمُومُهُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ الْقَلْبِ مِنْ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ.
وصُعُوبَةُ دَوَائِهِ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِ عِلَلِهِ، وَأَنَّهُ يَتَرَكَّبُ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى كَالْحُمَّى الَّتِي تَعْرِضُ مُرَكَّبَةً مِنَ الْبَرْدِ وَالْبَلْغَمِ.
فَمَنْ قَصَدَ لِعِلَاجِ أَحَدِ الْخَلْطَيْنِ كَانَ نَاقِصاً مِنْ دَائِهِ زَائِداً فِي دَاءِ الْخَلْطِ الْآخَرِ، وَعَلَى حَسَبِ قُوَّةِ أَرْكَانِهِ يَكُونُ ثُبُوتُهُ وَإِبْطَاؤُهُ فِي الْاِنْحِلَالِ.
فَالْعِشْقُ يَتَرَكَّبُ مِنَ الْحُبِّ وَالْهَوَى وَالْمُشَاكَلَةِ وَالْإِلْفِ، وَلَهُ ابْتِدَاءٌ فِي الْمُصَاعَدَةِ وَوُقُوفٌ عَلَى غَايَةٍ وَهُبُوطٌ فِي التَّوْلِيدِ إِلَى غَايَةِ الْاِنْحِلَالِ وَوَقْفِ الْمَلَالِ.
وَالْحُبُّ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي رُسِمَ بِهِ، لَا تَفْسِيرَ لَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْمَرْءَ يُحِبُّ اللهَ وَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ وَلَدَهُ وَالْوَلَدَ يُحِبُّ وَالِدَهُ وَيُحِبُّ صَدِيقَهُ وَبَلَدَهُ وَقَوْمَهُ وَيُحِبُّ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ يُرِيدُ، وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ عِشْقاً.
فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ اسْمَ الْحُبِّ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي مَعْنَى الْعِشْقِ حَتَّى تُضَافَ إِلَيْهِ الْعِلَلُ الْأُخَرُ، إِلَّا أَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْعِشْقِ. ثُمَّ يَتْبَعُهُ حُبُّ الْهَوَى، فَرُبَّمَا وَافَقَ الْحَقَّ وَالْاِخْتِيَارَ، وَرُبَّمَا عَدَلَ عَنْهُمَا. وَهَذِهِ سَبِيلُ الْهَوَى فِي الْأَدْيَانِ وَالْبُلْدَانِ وَسَائِرِ الْأُمُورِ.
وَلَا يَمِيلُ صَاحِبُهُ عَنْ حُجَّتِهِ وَاخْتِيَارِهِ فِيمَا يَهْوَى. وَلِذَلِكَ قِيلَ: "عَيْنُ الْهَوَى لَا تُصَدِّقُ" وَقِيلَ: "حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ".
يَتَّخِذُونَ أَدْيَانَهُمْ أَرْبَاباً لِأَهْوَائِهِمْ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَاشِقَ كَثِيراً مَا يَعْشَقُ غَيْرَ النِّهَايَةِ فِي الْجَمَالِ وَلَا الغَايَةَ فِي الْكَمَالِ وَلَا الْمَوْصُوفَ بِالْبَرَاعَةِ، ثُمَّ قَدْ يَجْتَمِعُ الْحُبُّ وَالْهَوَى وَلَا يُسَمَّيَانِ عِشْقاً، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ وَالصَّدِيقِ وَالْبَلَدِ وَالصِّنْفِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْفِرَاشِ وَالدَّوَابِّ.
فَلَمْ نَرَ أَحَداً مِنْهُمْ يَسْقُمُ بَدَنُهُ وَلَا تَتْلُفُ رُوحُهُ مِنْ حُبِّ بَلَدِهِ وَلَا وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُصِيبُهُ عِنْدَ الْفِرَاقِ لَوْعَةٌ وَاحْتِرَاقٌ.
وَقَدْ رَأَيْنَا وَبَلَّغْنَا عَنْ
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |