الكرد والأمن القومي
خاص ألف
2013-07-04
عند تشكيل المجلس الوطني برئاسة برهان غليون وعضوية سيدا, واعتماد علم الثورة والذي عبروا عنه بعلم الاستقلال، سُئِل أحد أعضاء المجلس الوطني، لماذا غيرتم العَلَم إلى ما قبل استلام البعث للسلطة وأبقيتُم على اسم "الجمهورية العربية السورية" والذي أُستُحدِث مع البعث؟
كان جواب العضو "أنَّ الموضوع ليس بذا أهمية وأنّ الوطن لجميع مكوناته في ظل الثقافة والحضارة العربية، أما قانونياً فالموضوع ليس من صلاحياتنا وبحاجة لتعديل الدستور الأمرٌ الذي يتطلب استفتاءً شعبياً"، لكن أليس تغيير علم الدولة أيضاً بحاجة لاستفتاء؟ أليست الثورة عملية هدم للمفاهيم القديمة والانقلاب عليها؟ هل من دستور في التاريخ البشري يُجِيزُ للشعوب أنّ تقوم بثوراتٍ على حكامها؟
تذكرت هذه الحادثة عندما شاهدت لقاء وزير إعلام النظام السوري "عمران الزعبي" الذي أجرته قناة "RÛDAW" الكردية، ذهلني التوافق بين العدويين فيما يتعلق بالمسألة الكردية، بل ربما كان وزير إعلام الدولة ذات التاريخ الدموي مع الكرد أكثر مرونة ووضوحاً من ذاك العضو، فنقاط التوافق عديدة تبدأ بجواب الزعبي عن سؤال تغيير اسم الجمهورية بعد تعديل الدستور عام 2012 قائلاً "هذا الاسم لم نخترعه في عام 2012 بل هذا الاسم قديم ووجوده الآن لا يعني على الإطلاق أياً من أنواع العصبية القومية أو التمييز، المهم أنّ الجميع لهم ذات الحقوق المكفولة دستورياً"، وعندما سأله المذيع: "إذا طلب الكرد الفيدرالية، ما هو ردكم ؟"
فأجاب الزعبي بشكلٍ التفافي كالعادة أنّ طبيعة النظام السياسي في سوريا تختلف عن طبيعة النظام السياسي في العراق ومصر أو غيرها، وعند تكرار المذيع للسؤال بمباشرة أكثر سائلاً إياه "لكن ماذا لو أصرّ الكرد على الفيدرالية، ما هي ردة فعل النظام؟" فأجاب الزعبي" لا يوجد تقسيم حاد بين مناطق كردية ومناطق عربية في سوريا، حتى بمنطقة الجزيرة، فنحن نفترض حالة غير موجودة، بمعنى التداخل السكاني بين العرب والكرد على امتداد المناطق السورية"
ثم ناقض الزعبي نفسه عند الإجابة على السؤال التالي قائلاً: "للكرد دور بارز في ما يحدث في سوريا بشكلٍ عام وفي مناطقهم أي المناطق التي يسكنونها "
إذاً هي العقلية والثقافة ذاتها والكل متفق على تزوير التاريخ أما الخلاف الآن فهو على السلطة، ولا ننسى عبارات الغزل التي تبادلتها سوريا وتركيا سابقاً، وكلام الأسد في مقابلة أجرتها معه قناة TRT التركية عام 2005، قال فيها أنّ "أمن المنطقة هو أمن اقليمي واحد"، بمعنى أنّ تركيا وإيران وسوريا والعراق متفقون تماماً حول القضية الكردية، ولهذا سارع أردوغان عند دعمه للمعارضة إلى العمل على حل هذه القضية قبل أن يستثمرها الأسد، والذي بدوره حاول استمالة الكرد من خلال قانون التجنيس والمباركة بعيد النوروز ونسي أن يعيد لهم أراضيهم التي سلبوها وهجّروا اهلها، أو أن يعتذر عن تهميش قراهم ومناطقهم والتمييز الممنهج الذي تعرضوا له، ناهيك عن جرائم القتل والتعذيب والاغتيالات المتعددة بحق الكرد وحملات التعريب في ظل حكم البعث. وها هو يكرر نفس الأفعال ولكن هذه المرة لمدينة حمص حيث أقدم النظام على حرق دئراة السجل العقاري في المدينة لتغيير ديموغرافيتها، ناهيك عن دك المدن على رؤوس ساكنيها وتهجير أهلها، هكذا أتضح أنَ كل هذه الحجج كانت واهية وهشة, فما يجمع إيران وسوريا والعراق هو المصالح والسلطة ولكن بلبوس طائفي، كما أنّ تركيا تخلت عن الأمن الاقليمي الجامع بحجة الدفاع عن المسلمين السنّة مقابل ما يسمى بمحور المقاومة، إلا أنها ما زالت تتدخل بوضع المناطق الكردية في سوريا من خلال تجييش بعض الأطراف واختلاق الفتنة والمشاكل والتلويح بحق التدخل إذا ما استدعى الأمر.
إذاً لدى الكرد الكثير من التحديات والمخاطر القديمة والمتراكمة، خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية والحساسة، فالمعارضة كما النظام يستعدان للجلوس على طاولة المفاوضات وكلٌ يريد أن يجني المكاسب على الأرض ويضع لنفسه موطئ قدم، ما يقلل من احتمالية انعقاد المؤتمر، بالإضافة إلى الاستقطاب الطائفي الحاد بين السنة والشيعة، وهنا لا ننسى انتشار الجماعات التكفيرية والكتائب الإسلامية المتشددة وعلى مقربة وتماس مع المناطق الكردية، فالحرب الباردة الجديدة بين أميركا وروسيا إذا ما استمرت ستؤدي حتماً إلى اختراع طالبان جديد. جميع هذه الأسباب وغيرها يدعو الكرد إلى تجاوز خلافاتهم والتعامل بحكمة وعقلانية مع المجريات حولهم بعيداً عن التجييش والتخوين والإقصاء، وأن يكونوا على مستوى المرحلة خصوصاً أنّ البلاد تنزلق تدريجياً إلى حربٍ أهلية لا تُبقِي ولا تذر، لا يعلو فيها إلا صوت الرصاص ولا ينفع معها إلا الوحدة والتكاتف لأنّ المصير مشترك والسفينة واحدة.
المفارقة هنا أن الزعبي أشار إلى أنّ النظام السوري يعمل على انعقاد مؤتمر جنيف ولكن بدون شروط مسبقة وبحضور جميع الأطراف المعارضة من الداخل والخارج دون إقصاء، فالائتلاف لا يمثل المعارضة بمفرده وليس هناك معارضة موحدة، وبدون ضغوط على المجتمعِين السوريين، وختم قوله "مستعدين لمناقشة كل شيء من دون استثناء شريطة أن يُعرَضَ ما نتّفِق عليه على الاستفتاء العام في سوريا وأن يقول الشعب رأيه في النتائج"
فهل تقبل المعارضة والمجلس الوطني بعرض النتائج على الاستفتاء كما تطلب هي لإعادة اسم الجمهورية إلى ما كانت عليه؟
محمد بوزي
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |