الأحزاب الا نتحارية
خاص ألف
2013-07-04
مع ظهور الأحزاب الشمولية في العالم وانتشار شعبيتها المريعة في النصف الأول من القرن العشرين بحيث ندر وجود مسيّس, أو متعلم, أو راغب في الحل الجذري لمشكلة الخبز والحرية في العالم في منأى عن الحزب الشيوعي الستاليني, أما محبوا العنجهية القومية, والسمو العرقي على بقية الأعراق, والمنادين باستحقاق العرق الآري أواللاتيني تسيد العالم, فالآريون حسب رأيهم من قدّم الفلاسفة, والمفكرين, والموسيقيين الكبار للعالم,و...هؤلاء الناس الذين يؤيدون السمو العرقي التحقوا بالنازية, وليس من قبيل المصادفة أن يكون رجل كالمارشال بيتان مارشال فرنسة, أو الجنرال دانتز حاكم سورية الفرنسي, أو الملك البريطاني إدوارد الثامن ممن التحق بالحزب النازي, والحكاية الرومانسية التي صنعتها الأجهزة البريطانية عن الملك العاشق للمطلقة الأميركية المسز سيمبسون, وتعارض جلال الملكية البريطانية مع الزواج من مطلقة, هذه القصة كلها من بداياتها وحتى نهاياتها إنما اصطنعتها الأجهزة الأمنية البريطانية حفاظا على كرامة الملكية, وعلى كرامة الملك المخلوع بلطف عن العرش البريطاني بعد أن أزيح رئيس الوزراء تشمبرلين المتساهل مع النازية, وقررت الدولة البريطانية العميقة الحرب ضد النازية, فتقدم رئيس الوزراء المحارب"تشرشل"الذي انتصر قبل ربع قرن في حرب البويرعلى جنوب افريقيا المحتلة من هولانده, وأصر على وجوب تنحي الملك الذي سيمزق وحدة الشعب البريطاني زمن الحرب, والذي لايستقيم وجوده ملكا نازيا لمملكة تحارب النازية, بل وصل الافتتان بالنازية لدى الغرب أنّ كثيرا من الكتاب والشعراء التحقوا بالفكر القومي المتعصب للنازية, والفاشية الإيطالية االتي ظهرت في ايطاليا قبيل ظهور النازية, حتى أن موسوليني كان يعتبر الملهم والمعلم بالنسبة إلى هتلر, وحتى نعرف مبلغ اافتتان النرجسية الغربية بنفسها حين اعتنقت النازية, فيكفي أن نعرف أن شاعرا أميركيا كبيرا مثل والت ويتمان كان فاشيا مفتونا بفكرة بعث الامبراطورية الرومانية, أما منظر موسوليني حاملا عصي الفاشية التي كان يحملها القناصل الرومان, فكان يصيبه بنشوة لا تعدلها نشوة, ولما حسمت الولايات المتحدة أمرها, ودخلت الحرب العالمية الثانية وجد ويتمان أنّ عليه أن يهاجرإلى إيطاليا ــ المجد الروماني , حيث مكث فيها حتى نهاية الحرب, ولما لم تستطع, أو لم ترغب الولايات المتحدة في معاقبته أو محاكمته على فاشيته, فقد اكتفت بتجاهله والتعتيم عليه حتى الخمول عقوبة له على آرائه السياسية.
طبعا لم يكن للعرب من مفكرين, ودارسين, ومثقفين أن يعتنقوا النازية, فهي قد طردتهم من جنتها منذ البداية حين اعتبرتهم كساميين من الأجناس الدنيا, فهم واليهود الساميون من خربوا نقاء العرق الآري, ولما كانت الفكرة في حد ذاتها مغرية, للعرب كما للأوربيين, فقد عمل بعض الطلاب العرب على تبني النازية على الطريقة العربية, وهكذا تقدم معلم درس في فرنسة وتخرج منها مع صديق آخر عمل بعد رجوعه من فرنسة معلما, أما الأول فكان ميشيل عفلق, وكان الآخر صلاح البيطار, وأستطيع تخيل المناخ الذي عاشا فيه, فأثمر هذا الفكر المسمى بالبعث, فألمانيا وهي من تعتبر نفسها صانعة الفلسفة الأوربية, و مبدعة الموسيقى المركبة المسماة بالسيمفوني, وهي من أنجبت عبقري القرن التاسع عشر "غوتيه"وهي من هزمت فرنسة ضرتها في العام 1870وفرضت الوحدة الألمانية عليها لتصبح القوة الأكثر إرهابا في اوربة, وكان لديها كل شيء إلا المستعمرات التي تمكنها من القفزة الاقتصادية التي تستحقها, وكانت بريطانيا وفرنسة امبراطوريتا القرن التاسع عشر والنصف الأول من العشرين شديدتي الحرص على ألا تمكنانها من هذه القفزة, ولما حاولت المانيا أن تجتاز هذه العقبة عنفيا في الحرب العالمية الأولى, فانتهت بهزيمة مذلة لها, واجتزاء بعض الأقاليم منها .
كانت الهزيمة والغرامات الحربية والرقابة على التسليح على الجيش الألماني قاسية على الوجدان الألماني, وكان في كل هذا تربة صالحة لإنتاش الفكر الانتقامي, والفكر الذي يحاول التعويض عن هذا الصغار الذي لاتستحقه أمة كألمانيا, وهكذا وجدت النازية, أي الفكر الاستعلائي على الأقوام والأعراق الأخرى, وما بدا أولا مجرد فكر قابل للجدل والإفحام تحول ليصبح الأداة الأشد قتلا في تاريخ البشرية, تحول إلى فكر كان الوقود في إشعال حرب استنزفت أكثر من خمسين مليونا من البشر, وأضاع الاستقلال الوطني لأمة من أعظم الأمم في العصر الحديث, ليس هذا فحسب, بل أضاع وحدة الأرض الألمانية التي توازع السيطرة عليها الأمم الأربعة المنتصرة.
حين ادعى السوريون أنهم ورثة التاريخ العربي كانوا كمن يحدث أطفاله الذين لايستطيعون مجادلته عن حكايات الجنيات, ومعجزاتهم الخارقة, ولكن الحياة الحقيقية لاتحتمل حكايات الجنيات, فهي تخضع الحكايات إلى النقد والتدقيق, ليكتشف الأطفال أن الحكايات حكايات, وأن الحياة ِشيء آخر, وأن الآباء كانوا كاذبين في حكاياتهم الخيالية, وهكذا حين طرد ت الأحزاب القومية التركية الشعب الناطق بالعربية من جنة الطورانية بدأ المتعلمون والموظفون الكبار في البحث عن سلاح يقارعون به تركيا الفتاة, والاتحاد والترقي إلخ, فوجدوه في القومية العربية, ألا يتكلمون العربية, ألا يدينون بالأديان العربية, ولكنهم حين فعلوا ذلك قاموا بعدة مغالطات فكرية, الأولى أنهم حين بحثوا عن آباء ينتمون إليهم وجدوهم في الأمويين والعباسيين متجاهلين أنّ الفارق الزمني بين من يسمون بالعرب المعاصرين, وبين آخر خليفة عباسي فيه بعض رمق, وأعني المعتصم ــوالرجل ابن تركية ــ وكان يميل إلى الترك حتى أنه طرد العرب من ديوان الجند, وجاء بالترك بدلاء لهم, وكان المأمون المتنور قد سبقه إلى طرد العرب من ديوان الكتابة "الشؤون الإدارية " المالية والجباية والإدارة إلخ, وأحل الفرس محلهم, ولنقل إن هذا ليس بالمهم, ولكن المهم أن ما يفصل بين المعاصرين وبين المعتصم يزيد عن الألف عام كان يحكمنا فيها مسلمون, ولكنهم ينتمون إلى كل الأعراق الآسيوية إلا العرق العربي, أما العرب "الرعية"فكان الانحطاط قد أناخ عليهم, وحين أعلن المتنورون الباحثون عن هوية تستطيع الصمود أمام الطورانية, وقالوا للناس: أنتم العرب رفض الكثيرون هذه الهوية التي تبعدهم عن الإسلام والجامعة العثمانية, وتمسك الكثيرون بهوياتهم الصغرى مذهبية ومناطقية أو عشائرية.
في العام 1912 ولد رجلان سيكون لهما دور كبير في المستقبل المشرقي, هذان الرجلان هما ميشيل عفلق وصلاح البيطار, واللذان سيمضيان إلى فرنسة لإكمال تعليمهما جامعيا في باريس مابعد الحرب الكونية الأولى, و سيختلطان مع الشباب العالمي الكاره للحرب الاستعمارية, والراغب في صنع عالم جديد, وسيصطدمان مع المدارس الأدبية والفنية الراغبة في دفن الماضي وبداية عالم جديد, وسيلتقيان بقايا الثوار الايطاليين الذين حارب آباؤهم لتوحيد ايطالياعلى أيدي ماتزيني المفكر, وغاريبالدي المغامر, وسيلاقيان
الكثير من الألمان المصابين بخيبة مريعة مما فعلت بهم الحرب العالمية الأولى, وسيقرآن إرهاصات الفكر القومي المتشنج نازيا وفاشيا, وسيسمعان عن فرح الشباب العالمي بالانتصارات الشيوعية في روسيا, وقد عرفا ولاشك بنجاحات اتاتورك في توحيد تركيا, وطرد اليونان من ازمير, وآلام التبادل البشري ــ الديني بين البلدين, وسيثمر كل هذا البركان من المعارف والهياجات الروحية البذرة التي ستنتش لدى عودتهما إلى سورية في إعادة استنبات نبتة غربية في أرض عربية استعارا لها الشعارات " أمة عربية واحدة" ترجمة ل"أمة المانية واحدة", والمتابع لهذه الحكاية الخرافية يعرف أنها لم تكن أبدا أمة عربية واحدة, فهي لم تعرف مفهوم الأمة, ولم تعرف الوحدة إلا لأزمان قصيرة, بل عاشت دولا تسمى باسم القاهر فيها, وكانت الأمة دينية وليست قومية, فاستعاروا مفهوم الأمة الغربي الناشئ في القرنين التاسع عشر والعشرين لأمة لم تعرف هوية لها إلا الهوية الدينية, أوالمذهبية, أو المنسوبة إلى حاكم, وكان للويد جورج وصبياه سايكس وبيكو قد شكلا بلاد الشام في دويلات تحمل اسم المذهب الغالب على هذه الدويلة أو تلك, ورأيا, أعني "عفلق وبيطار" كيف استطاع ذلك الجيل التغلب على غورو الكاثوليكي المتعصب حتى الحماقة, والذي مزق الشام إلى الدويلات المذهبية, فجمع ذلك الجيل دويلات المذاهب في دولة سورية, ورأوا أن من الممكن بالتالي الانتصار على حدود سايكس وبيكوالتي مزقت الخارطة الشامية بدءا, وصنع امبراطورية عربية ممتدة من المحيط إلى الخليج.
في الوقت نفسه كان هناك طامح مصري"حسن البنا" رأى أن هذه التمزقات التي تعيشها الأمة الإسلامية ظالمة, ويجب أن يعاد بناء هذه الأمة التي مزقتها الحرب العالمية الأولى في تدمير الراية الاسلامية العثمانية في آخر طبعة لها, وهكذا وجد الحزبان نفسيهما يتصارعان على الأرض نفسها, الأرض الممتدة من المحيط إلى الخليج مع فارق بسيط هو أن واحدا منهما" البعث" كان يسميها العربية, والآخر يسميها الأمة الإسلامية, وكان مفكروا الحزبين يتصارعان على الأشخاص أنفسهم ــ عمر, خالد بن الوليد, علي بن أبي طالب, هرون الرشيد, الملك الظاهر, صلاح الدين الأيوبي إلخ, فهم يسمونهم مرة بالأبطال العرب, وأخرى بالأبطال المسلمين.
في خمسينيات القرن العشرين كان على حزب البعث أن يحارب ويدمر توأمه الضعيف ابن أوربة النازية تماما كالبعث, وأعني الحزب القومي السوري, والذي أسمى نفسه بالاجتماعي مخالفا لتوأمه البعث الذي سمى نفسه بالاشتراكي, وما الكلمتان الاشتراكي والاجتماعي إلا الترجمة عن الكلمة الألمانية "سوسيال"...هزم البعث الحزب القومي السوري, فقد كان وعده مغريا أكثر من سورية الكبرى, فقد كان وعده وحلمه الذي قدمه للجماهيرــ من المحيط إلى الخليج ــولكنه ما إن قضى على القوميين السوريين في سورية حتى بدأ الاصطدام مع توأمه الآخر " الإخوان المسلمون".
مابين الخمسينات عقد القضاء على القوميين السوريين في سورية, وعقد السبعينات عقد استيلاء حافظ الأسد على الحكم, وبدء تأسيس دولة المخابرات الأكبرمن سورية, بل الأكبر من كثير من الدول المشابهة, ومع ظهور الهوية المذهبية للنظام كان لابد للنظام الأسدي من الاصطدام مع التوأم الذي ينافسه على أرض الأحلام, الأرض الممتدة من المحيط إلى الخليج.
في أوائل الثمانينات كان الصدام المخطط له بين النظام الأسدي المتقنع بالإيديولوجيا البعثية, وما بين الإخوان المسلمين, والذي كان من نتائجه التدمير الكامل لمدينة حماة وقتل عشرات الآلاف من السكان في حماة, وجسر الشغور, وجوارهما, وتم سحق حركة الإخوان المسلمين في سورية, وكانت ثلاث عقود من الرعب الشامل للشعب السوري انتهت بموت حافظ الأسد.
حزب البعث في سورية والعراق خلّف العشرات إن لم نقل مئات الآلاف من القتلى, ودمار عشرات المدن في كلا البلدين حفاظا على النظام الذي تخلى عن المبادئ التي قام بانقلابه من أجلها, و... تحدثنا عن الإخوان المسلمين من" السنة" ناسين الحديث عن الإخوان المسلمين من الشيعة في العراق ولبنان " و...ايران, والذين حملوا المشروع نفسه"الأمة الإسلامية"
انتهى الحلم البعثي في ايران ــ الشاه" راستاخيز= البعث"بوصول الإخوان المسلمين من الشيعة إلى الحكم, ولكنهم لم يكتفوا بإيران, فهاهم يطالبون بقيام الدولة الإسلامية الشيعية على أراضي الأمة الإسلامية كاملة, وقد وصلوا إلى بعض هدفهم في العراق ولبنان , ويعتقدون أنهم سيضمون سورية إلى المشروع.
ونعود إلى ما ابتدأنا به مقالنا عن الأحزاب الانتحارية الأوربية : النازية, والفاشية, والفرانكوية الاسبانية, والتي انتهت جميعها بدمار البلدان التي تفضلت بقيادتها, ومقتل زعمائها ربما ماعدا فرانكو الاسباني, أما على الجانب العربي أو المشرقي, فقد رأينا نهاية صدام حسين المأسوية, والشاه البعثي الإيراني, ولاأحد يستطيع التنبؤ بمصير الوارث السوري, ولكنه حقق كل المخيفات, والخراب المتوقع من حكم الحزب الانتحاري ـ البعث ــ فلقد دمر المدن, والبنية التحتية, وهجّر المواطنين الآمنين من بيوتهم تماما كما انتهى إليه الحكم النازي في المانيا, والفاشي في ايطاليا, والبعثي في العراق.
في الدراسات عن التوائم, وعن مصيرهم الحتمي المتشابه في كل شيء, ليس التشابه في الملامح والطباع والأمزجة, بل في النهايات أيضا, الأحزاب الأوربية الانتحارية انتهت بالد مار للوطن والمواطنين الذين صمتوا عنها, وبدمار القادة فيها أيضا, هتلر, موسوليني, أما في شرقنا التعيس, فقد انتهى الحزب البعثي الانتحاري نهايات الأحزاب الأوربية, الدمار والمطاردة والمحاسبة على كل ماتم في عهدهم, و...ماذا عن الشق الثاني, ماذا عن الشق الذي يدعي تمثيل الإسلام؟ الإشارات كلها تشير إلى أن الشق الإسلامي سيلحق بشقيقه وتوأمه, متى ؟ كم من الدم والدموع علينا أن ندفع, فهذا بيد حركة التاريخ, وأيدي الشباب حاملي السلاح والأمل.
احمد منى
2013-07-05
مقال عظيمشامل حادباختصار مقال مفكر غظيم
ندى الشامي
2013-07-06
رائع يا استاذ فخورون بك
08-أيار-2021
06-شباط-2021 | |
28-تشرين الثاني-2020 | |
22-آب-2020 | |
15-آب-2020 | |
09-أيار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |