أثر الجنس على حركة التاريخ
د . أشرف صالح
خاص ألف
2013-07-11
وقائع التاريخ تعوزها الحكمة، ومساره ينقصه إدراك المغزى أو المعنى، لذلك ظهرت تفسيرات كثيرة ومختلفة لحركة التاريخ وتطوره .. التفسير المادي، التفسير الاقتصادي، التفسير السيكولوجي، التفسير البيولوجي... وغيرها في محاولة لفهم العمود الفقري لهذا الكيان الضخم "التاريخ". وهناك تفسيرًا لا يقل أهمية عن جميع التفسيرات السابقة، وهو التفسير الإيروتيكي (الجنسي) للتاريخ.
الحق أنه لم يكن للجنس تاريخ، وإنما كان للجنس فقط أسرار، ولم يدخل الجنس أبدًا التاريخ أيضًا قبل اقتحام عصابات علم النفس عليه خلوته. فقد ظل الجنس أسيرًا لرؤية دينية حادة، ولرؤية شعبية ظامئة وخائفة. لكن علوم القرن التاسع عشر الإنسانية عرت الانسان تمامًا أمام قدره، وبدأ المد العلمي يغزو شيئًا فشيئًا ذلك العالم المظلم، ولم يلبث أن أتى العالم النمساوي سيغموند فرويد (1856 - 1939) وأنهى فترة الانبهار بنظريات حاسمة ومعقولة سنة 1905 في كتابه "ثلاث محاولات حول النظرية الجنسية"، ثم من بعده أستاذ الطب وعلم الاجتماع الألماني ريتشارد لفنجستوهن سنة 1958 في بحثه الشهير "تاريخ العادات الجنسية".
ورغم أن الكثيرين قد ينظروا إلى العلاقات الجنسية باعتبارها علاقة خاصة بين شخصين، فإن نظرة أوسع على الأمور بعين مؤرخ تكشف أن الجنس مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدين والمعتقد، بالثقافة والجغرافيا، بالسياسة والاقتصاد. وعبر رحلة رأسية في تربة الزمن منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى القرن العشرين، منذ أسلاف الإنسان الفطرية في العصور السحيقة، وحتى ذلك الكائن المعقد في الأيام الحديثة، والجنس شئنا أم أبينا واقع وحقيقة ومحرك حقيقي وفعال من وراء الستار.. إنها الرغبة التي تركت بصماتها على أوراق القرارات المصيرية، وتلاعبت رائحتها بعقول وأفئدة صانعي هذه القرارات.
لقد ظهر تأثير امتزاج الجنس بالسياسة في الشرق والغرب، من مصر الفرعونية إلى بلاد الإغريق، من روما إلى الهند إلى الصين، من العالم المسيحي في العصور الوسطى إلى العالم الإسلامي في بغداد والقسطنطينية. زد على ذلك الفضائح الكثيرة التي التصقت برؤساء الدول ودور "الفاتنات" في الانعطاف بأحداث التاريخ.
وبعيدًا عن العبارة النمطية التي تبدأ بأن الجنس هو المحرك الأعظم للتاريخ البشري منذ أول جريمة قتل حدثت على الأرض، وتنتهي بأن الدافع الأساسي وراءها كان هو الجنس (امرأة)، فالتاريخ البشري تاريخ يسيّره الجنس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أليس التاريخ هو سرد لحياة أشخاص قادوا شعوبًا ودولاً، هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يكونوا رجالاً، وما داموا رجالاً فلا بد وأن يكون في حياتهم نساء، وهذا يؤدي إلى ممارسة الجنس، والجنس الجيد يكون حافزًا للإنسان أن يكون جيدًا، والجنس السيئ يكون حافزًا للإنسان أن يصبح شيئًا آخر .
لقد خالف أصحاب التفسير الجنسي كثيرًا من المدارس الحديثة والقديمة التي تفسر التاريخ وفق رؤى مختلفة وجدت في وقائعه مثلاً تعاقبًا دوريًا للحضارات كتعاقب الليل والنهار، أو وجدت في مساره تفسيرًا ميتافيزيقيًا، أو سجلاً لإنجازات الانسان قدمًا إلى الأمام. فهذه الآراء منبثقة عن نظريات لا تمثل إلا وجهة نظر ضيقة للأمور، فجذور الجنس تضرب في أعماق النفس، وتمتد بطول عمر الإنسان على الأرض، إنها الشريط الوراثي الذي يحوي تفاصيل وعناصر الحياة .. انتصارات البشرية وهزائمها.. نشوء الحضارات وتحللها.. ارتقاء الإنسان وانحطاطه.
لقد استنكر الكثيرون أن يقترن "التاريخ" بكل جلاله بـ "الجنس" بكل انحطاطه المزعوم، إلا أن تداخل الجنس مع السياسة صنع أحداثًا وتاريخًا برغم أنف منكري دور الجنس في دفع عجلة التاريخ أحيانًا، وفرملتها أحيانًا أخرى، وغرزها في الرمال المتحركة في معظم الأحيان.
المراجع:
[1] أحمد محمود صبحي، في فلسفة التاريخ.- الإسكندرية: مؤسسة الثقافة الجامعية، 1975.
[2] خالد منتصر، التاريخ الذي كُتب بقلم روج.- روز اليوسف.- العدد (3620)؛ أكتوبر 1997.
[3] ري تاناهيل، قصة الجنس عبر التاريخ/ ترجمة إيهاب عبد الحميد.- القاهرة: دار ميريت، 2009.
[4] صلاح حافظ، التاريخ الجنسي للإنسان: من الكهف إلى حبوب منع الحمل.- القاهرة، د. ت.
[5] عادل الحاج سالم، "الخطوط العامّة لتاريخ الاتّجاه المثلــجنسيّ"، الأوان، نوفمبر 2009.
[6] فهد عامر الأحمدي، "التفسير الجنسي للتاريخ".- جريدة الرياض اليومية؛ 15 يوليو 2004.