شعر / طـَرَقتــُكَ يــا بـــــابُ
فضل خلف جبر
2006-04-10
وَكُنتُ كُلـَّما...
تـُوغـِلُ في صَمتِكَ المُغـلـَقِِِ بالأسماءِ
يا بـــابُ!
طـَرقتـُكُ مُنذ لمْ يكن آدمُُ
وَحينَ كانَ البحرُ مُجَرَّدَ غَيمَةٍ تـَطفو على زُرقـَةِ الفـَضاءِ
وَحينَ لمْ تـَتـَوالدْ الطـُفيليّاتُ بَعدُ
وَلـَمْ يَتـَّفقْ الناسُ على تـَقديسِ الدودةِ الشَريطيـَّةِ
لكنـَّكَ، يا بــــابُ، تُلازمُ غموضَكَ
تـَنسَرِبُ من بَين يَديَّ كَشَهوةِ الراهِبِ
وَتـُناورُني بانغِلاقِكَ الكَثيفِ كَأُحجيَّة!
حينَ تـَوجَّهتُ اليكَ مُنذُ عامِ المَعْرَقــَةِ
كُنتُ أرى، لـَيسَ كَما يَرى النائِمُ
كَيفَ يَدخلُ الخارجُ اليكَ
وَيَخرجُ الداخِلُ
كُنتُ أرقبُهم وأعدُّهُم جَميعــاًً
وَكنتُ أدوِّنُ هَمهَماتِهم القـَلقـَةِ
وَهُم يُغذّون الخُطى في عَجَلَةٍ
كَأنـَّهمُ على مَوعِدٍ حاسِمٍ مَعَ آخرِ مَطلـَعِ شَمسٍ!
وَكنتُ أَحسدُهُم، يا بــابُ
فـَقـَط لأنـَّهم سَيُقابلونَ الدخولَ خارجينَ
أو الخروجَ داخلينَ
انـَّها مَأثرَةٌ وَثـَراءٌ
أنْ تـَجدَ نفسَكَ بـِتـِلقائِها
يَتأبَّطـُها الخروجُ أو الدخولُ بأُبـَّهَةٍ واحتفاءٍ
وَلـَكَم تـَساءَلتُ/ حينَ طالَ َويَطولَ انتظاري
كَم هو مَوهوبٌ ذلك الداخلُ/ الذي سَيخرجُ كثيراً
أو الخارجُ/ الذي سَيدخلُ كثيراً
لا بُدَّ اَنَّ لـَديهِ من المَلـَكاتِ ما يَمنَحُهُ الأَسرارَ:
أسرارَالدخولِ والخروجِ كُلـَّها
أَسرارَ اَنْ يَنفتحَ لـَهُ البابُ مَتى شاءَ
وَكَيفما إتـَّفقََ
لا بُدَّ اَنـَّهُ خارقٌ وفـَريدٌ
كَي يعفيهِ البابُ من ضَريبَةِ الطـَرْقِ والانتظارِ
لكَنـَّني لـَم أرَ وجهاً لِداخلٍ أو خارجٍ من البابِ
الجميعُ يدخلون أو يخرجون دونَ وجوهٍ
ثَمـَّةَ حاويةٌ في أحدِ أركانِ البابِ
يطرحُ فيها الداخلون وجوهَهم
تـَماماً كما يطرحُ الضيفُ قـُبـَّعَتــَهُ
ويَتلاشون في الغـََمْرِ
كما يَدخلُ القـَمَرُ في غـَيمَةٍ مُتـَراميَةِ الأطرافِ
ثُم يخرجون مُتقاذفينَ تـَقاذفَ الفـَقماتِ من البَحرِ
يَرتدونَ وجوهَهُم/ كما المُمَثـِّلُ القِناعَ
وَيَتَحَسَّسونَ جُيوبَهُم وَأفواهَهُم
وَلـَكَم تـساءَلتُ عن علاقـَةِ النـَسَبِ بينَ الجُيوبِ والأفواهِ
وَاعتـَقدتُ اَنَّ كليهما بابٌ
والاَبوابُ موصولـَةُ النـَسَبِ
لأَنَّ ما يَخرجُ من أحدِهِما يـَدخلُ في الآخر!
لكنـَّني لـَمْ اَجئْ كَقيصَرَ لأفتحَ البابَ الشَرقيِّ
أو توماهوك لأفتحَ جَماجمَ الأطفالِ
بَلْ جِئتُ أعزَلاً الا من هَديرِ أوردتي
جـِئتُ كَمأزومٍ يـَقصدُ بابَ الحَوائجِ!
أحمِلُ إرثَ المَعرَقـَةِ
وَقـَرابينَ الانتماءِ
وَوَصايا الراحلين
وَمُنذُ عامِ المَعـْرَقـَةِ
حَيثُ غـُلـِّقـَتِ الأبوابُ وَنـَفـَقـَتِ النـَسائِمُ
وَأنا مُلتـَصِقٌ بـِعروتـِكَ، أيُّها البابُ
لـَديَّ طائِفـَةٌ هائِلـَةٌ من الناسكين
وَهُم يـَمتـَشقونَ أَحلامَهم شَوقَاً لرؤيَةِ أمِّ السِنينَ
عَمَّتِهم النـَخلـَةِ العُلويَّةِ
التي غادروها حينَ وَقـَعـَتِ المَعْرَقـَةُ
وَمازالوا هائمينَ كالدراويشِ في بَراري الآخرين
طائـِفَةُ الناسكين تلكَ تـَضغطـُني بقوّةٍ، أيُّها البابُ
كَي أطرُقـُكَ، واَنا اَطرقـُكَ بِقوَّةٍ أيُّها البابُ كي تـَفتـَحَ لي
وَأنتَ تـَضغَطـُني بقوَّةٍ، أيُّها البابُ كَي أنتـَظرَ
وَاَنا أضغـَط طائِفـَةَ الناسكين بقوَّةٍ كي يَتعَفـَّفوا
وَالمسافـَةُ ما بينـَنا قابَ قوسين
وَيكادُ الخارجُ اَنْ يَسمَعَ تـَرَدّدَ أنفاسِ الداخلِ
لكنَّ طائِفـَةَ الناسكين مَحكومَة بذالكَ الخـَيطِ
الذي لا يُمسِكُ بِطـَرفِهِ عاقلٌ، أيُّها البابُ!
وَأكادُ أنْ أهرَمَ فـَرطَ الانتظارِ
وَحَتـّامَ يَنتظـِرُ المُنتـَظِرُ حَتّى يَأتيهِ الفـَرَجُ باليأسِ!
اليَأسُ بَعضُ الحَلِّ
حَينَ لا تـَكونُ للأمَلِ شَمسٌ تـَأتي بنهارٍ ما
وَكُنتُ كُلـَّما طـَرقتـُكَ، يا بـابُ
كُنتُ كُلـَّما طـَرقتـُكَ...
كُنتُ كُلـَّما...
كُنتُ...
أشعرُ كَأنَّ داخلي يَكادُ يَخرجُ
وَخارجي يَكادُ يَدخلُ
وأنا أمسِكُ بِعروتِك ضارعاًَ
كَمأزومٍ يَقصدُ بابَ الحَوائِج!