الاتفاق حول سوريا أكبر من الكيماوي/ أسعد حيدر
2013-09-19
لم تقع الضربة. لم ينتصر "القيصر" فلاديمير بوتين، ولم ينهزم الرئيس باراك اوباما، ولم ينقذ الرئيس بشار الاسد نفسه سوى موقتاً. الاتفاق الروسي الأميركي حول تدمير السلاح الكيماوي الذي تملكه سوريا، بند من اتفاق أوسع واشمل. من المبكر جداً تحديد ما جرى الاتفاق عليه بين بوتين وأوباما. مفاعيل الاتفاق وتنفيذه ستكشف كل شيء. البداية، لماذا لم تقع الضربة، بعد أن كانت مقرّرة، ومتى تم الاتفاق؟ ومتى بدأت المفاوضات الجدّية والسرّية خلف ضباب قوي وكثيف من التسريبات حول الفشل، لأنّ "القيصر" يريد الانتصار في "الحرب الباردة" الصغيرة. لكن من المؤكد أنّ هذا الاتفاق لم يقع إلاّ لأنّ المباحثات أدّت إلى تنازلات متبادلة. عندما لا يكون منتصر ومهزوم، من الطبيعي والضروري أن يتم تبادل التنازلات لكي يحصل كل طرف على أقصى ما يريده وبأقل ما يستطيع من تكلفة.
الرئيس الأميركي أوباما، من البداية، لم يكن يريد التورّط في حرب ولو صغيرة، فهو وعد الأميركيين بقلب "الصفحة البوشية"، في الشرق الأوسط. أيضاً الرئيس الروسي بوتين، كان يعلم من البداية أنّه يستطيع ان يتقدّم، لكن عليه في مرحلة معينة أن يتراجع وأن يضحّي. مثل أي لاعب شطرنج، التضحية واجبة بالقلعة لمحاصرة الملكة. أما مسألة القول عالياً: "شاه مات" فكانت مستحيلة.
الخاسر الكبير في هذه "اللعبة" هو الاسد. طبعاً يستطيع الممانعون والأسديون أن يرقصوا طرباً للانتصار المجيد الذي حقّقه الأسد في تجنّب الضربة العسكرية. أمّا التسليم بتدمير السلاح الكيماوي، فهو أمر بسيط يمكن تعويضه. على كل هؤلاء أن يرجعوا إلى ملف تدمير السلاح الكيماوي العراقي وغيره، ليعرفوا إلى أي جحيم انزلقوا فيه مع الأسد. عندما يصدر قرار الأمم المتحدة، حتى ولو لم يكن تحت البند السابع، فإنّ عملية الكشف على السلاح الكيماوي، يعني الدخول حتى إلى "قصر الشعب" كما حصل في العراق للتأكد من عدم وجود مخابئ سرّية للسلاح الكيماوي. الأسد عزل سوريا أمام الأمم المتحدة والأميركيين، وهو سيرحل في أقصى حدّ مع نهاية ولايته الرئاسية منتصف العام 2014. المأساة أنّ سوريا لن تخرج سالمة، لقد دمّرها الاسد وقد يتابع الإسلاميون الجهلة تدميرها، إلى حين انقلاب الأحوال. سوريا التي كانت يمكن أن تكون "رأس حربة" في المواجهة مع إسرائيل، تحوّلت على يد الأسد والممانعين معه إلى "ملعب" يسجل فيه كل "اللاعبين" أهدافهم في خانة سوريا الجريحة.
منتصر كبير في هذه العملية كلها، هو إسرائيل. لقد راهنت على الأسد وبقائه منذ البداية لأنّه ووالده حافظ الاسد شكّلا طوال أربعة عقود أفضل وأوثق ضمانة لأمنها، والآن فإنّ كائناً مَن سيخلف الأسد، سيكون رئيساً على سوريا مدمّرة بشراً وحجراً، والأخطر أنّ الجيش السوري كله يجب مستقبلاً إعادة بنائه ليكون جيشاً وطنياً في خدمة الشعب وليس ميليشيا في خدمة الرئيس وعائلته. المكسب الكبير لإسرائيل أيضاً هو تدمير السلاح الكيماوي الذي وإن كان لم ولن يُستخدم ضدّها إنّما على الأقل كان يشكّل خطراً محتملاً. الآن وحدها إسرائيل تملك السلاحين النووي والكيماوي في المنطقة، ولن يطالبها أحد أن تتخلى ولو عن "الغموض البنّاء" الذي تعتمده في التعبير عن حقيقة مخزونها من السلاحين.
في هذه العملية المعقّدة جداً، تبقى إيران الموجودة في "الملعب" السوري، وهي إذا كانت غير قادرة على فرض الحل والانتصار فإنّها قادرة على تخريبه. إلى جانب ذلك، فإنّ لديها ملفات عديدة تقوّي موقفها وتضعفه أحياناً. أبرز هذه الملفات القوّة النووية. إيران، مدعوّة عاجلاً أو آجلاً للمشاركة في صياغة بعض تفاصيل الحل الروسي الأميركي.
في جميع الأحوال، إيران "الروحانية" مختلفة جداً عن إيران "الخامنئيتية". زمن التشدّد انتهى. بدأت مرحلة الاعتدال. لم تعد إيران متمسّكة بالأسد، ولم يعد خطاً أحمر كما كان يقول الولي الفقيه آية الله علي خامنئي. اختيار الرئيس حسن روحاني أن يقول أمام قيادات "الحرس الثوري" "إنّ إيران تقبل بأي رئيس يختاره الشعب السوري"، رسالة واضحة لواشنطن وموسكو أنّ زمن الاسد انتهى. أقصى ما يمكن أن يحصل، انتظار نهاية ولايته في منتصف السنة المقبلة، ثم يرحل. أيضاً من ضمن التفاصيل التي يكمن فيها "الشيطان"، هو مستقبل الأسد خصوصاً ما يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي، وهو الذي قال علناً "إنّ استخدامه يتم فقط منه مباشرة إذا استُخدم". التفاوض حول طريقة التعامل مع الأسد قد تأخذ وقتاً ومزيداً من المواجهات والضحايا.
في اطار الحضور الإيراني، السؤال الكبير ماذا عن "حزب الله"؟
الحزب لن يشارك في المفاوضات، سيقبل بما تقبل به إيران حتى ولو أطلعته واستشارته. وهو سيخرج من سوريا، بعد أن شارك في تثخين "جراحها"، وتعميق "خنادق" علاقاتها المستقبلية مع الشيعة خصوصاً في البقاع الشمالي. حتى ولو تمكن الحزب من عقد "طائف-2" وحصل على المثالثة، فهو خسر الكثير، لأنّه ماذا سيكسب من السياسة بعد أن يفقد هويته "المقاومة"؟
أخيراً وحده الشعب السوري هو الخاسر الأكبر، لأنّه دفع وسيدفع الكثير ولن يحصل على ما طمح إليه وما يستحقه. لقد أصيب الشعب السوري بعاهتين: الأسد والمعارضة.
عن جريدة المستقبل.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |