مع رسول حمزاتوف ـ جهاد فاضل
2013-09-21
"يروي الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف في كتابه «بلدي» حكاية طريفة تتصل بالموهبة. فقد ذكر أنه حين كان يعمل في شبابه بالمسرح انتقل يومًا مع الفرقة المسرحية إلى قرية جبلية، وهناك حلّ ضيفًا على شاعر كان يسمع به، لكن لم تتهيأ له فرصة لقائه من قبل" .
أصحاب البيت استقبلوا «رسول» استقبالاً جيدًا حتى أُحرج، وكان على رأسهم أمّ الشاعر. ولندع رسول حمزاتوف يكمّل بقية الحكاية:
«عندما كنتُ أهمُّ بمغادرتهم لم أجد من الكلمات ما أعبّر به عن شكري» وصدف أني كنت أودّع أمّ الشاعر حين لم يكن أحد في الغرفة. كنت أعرف أنه لا شيء أفرح للأم من كلمة طيبة تقال في ابنها. ومع أني كنت أنظر إلى قدرات شاعرنا المتواضعة نظرة واعية جدًا، إلا أني أخذت أطريه، فقلتُ لها إن ابنها شاعر تقدمي جدًا، وإنه يكتب دائمًا في مواضيع الساعة الملحة.
فقاطعتني أمه، قائلة بحزن:
- قد يكون تقدميًا، لكنه بلا موهبة. قد تكون أشعاره تعالج مواضيع ملحة، لكنني أشعر بملل حين آخذ في قراءتها. فكّر يا رسول في الأمر كيف يحدث. حين بدأ ابني يتعلم نطق كلماته الأولى التي لم يكن بالإمكان حتى فهمها، كنت أسرّ بشكل لا يوصف، لكنه الآن حين تعلّم لا أن يتكلم وحسب، بل أن يكتب أشعارًا أشعر بالملل. يقال إن عقل المرأة في طرف ثوبها، مادامت جالسة فهو معها، لكن يكفي أن تنهض حتى يتدحرج عقلها ويسقط على الأرض.
وهكذا ابني: مادام يجلس إلى المائدة يتناول الطعام، فأنت تراه يتكلم بشكل طبيعي وأنا على استعداد لأسمع منه كل ما يقوله، لكنه في طريقه من مائدة الطعام إلى منضدة العمل، يفقد كل الكلمات البسيطة والطيبة ولا تبقى عنده إلا الكلمات الرسمية الباهتة المملة.
هذا ما يرويه رسول حمزاتوف في كتابه عن شاعر داغستاني تصفه أمه بأنه بلا موهبة. ووصف الأم لابنها على هذه الصورة له شأنه، لأن الأم تميل عادة إلى منح ابنها كل الصفات الحميدة ولا تضنّ عليه حتى بما ليس فيه. ولذلك يبدو مشهد الحوار الذي جرى بين رسول حمزاتوف وأم الشاعر المفتقر إلى الموهبة مشهدًا يجمع إلى الطرافة الغرابة. ولا يخفى أن نعت الشاعر أو المبدع، بوجه عام، بأنه دون موهبة، يعني إطلاق رصاصة الرحمة عليه. فالثقافة، ومعها الكدّ والجهد، لا تكفي ولا يمكن أن تعوّض ما لابد من توافره أصلاً في الجبلة، ألا وهو الموهبة.
وقد ورد في أخبار القدماء ما يؤيد رأي هذه الأم الداغستانية في كون الفطرة المزروعة فيها القابليات والاستعدادات هي الأساس الذي لا غنى عنه لصناعة الإبداع. ففي أخبار المتصوفة العرب القدماء أن إبراهيم بن أدهم، وكان أميرًا مقبلاً على ملذات هذه الفانية، سمع ذات يوم وهو يمتطي حصانه في الصحراء، هاتفًا ناداه: «يا إبراهيم! ما لهذا خُلقت، ولا بهذا أمرت»! فمن ساعتها ترك كل الملذات التي كان منصرفًا إليها، ولبس المرقّعة، واعتزل الناس.
إلا أن المهم في حكاية إبراهيم بن فاتك هو صوت الهاتف الذي زلزل قلبه ووجدانه: أنه لم يُخلق لهذا الذي كان منصرفًا إليه، ولا أمر به. فكأن على طالب الأدب أن يُنصت أولاً إلى داخله، أي أن يتفحص أوراقه «الثبوتية»، المركوزة أصلاً في جبلته، ليعرف على سبيل اليقين، ما خُلق له وما أُمر به. فإذا لم يلتفت إلى «نقطة النظام» هذه، قطع الحياة الأدبية بغلّةٍ لم تُنقع، على حدّ تعبير الشاعر القديم.
ثمة بذرة أساسية واجبة الوجود في الكينونة ليستوي المرء شاعرًا أو مبدعًا، فإذا لم تتوافر هذه البذرة، فعبثًا يتعــب المرء ليكون هذا الشاعر أو المبدع. ولكن على الرغم من أهمية هذه البذرة التي نسمّيها بالموهبة، فإنها غير كافية وحدها في صناعة الشاعر أو المبدع. فلابد من أن يعبّ المرء من دنان الثقافة بلا حدود، وأن يظل يطلب المزيد نظرًا لأهمية الثقافة ومعها التجربة والروية. ومن دون هذا الثلاثي مجتمعًا تضيع الموهبة سدى، ولا يمكن أن تعوّض عنها لا «التقدمية» ولا «موضوعات الساعة الملحّة» اللتان استدعاهما رسول حمزاتوف لمجاملة أمّ الشاعر التي وصفت ابنها بأنه بلا موهبة!.
---------------------------
كان الشعراء يفكرون في الثلوج
على قمم كلمنجارو
في الرياح على ضفاف البحيرات
يحلمون بالأميرات النائمات مع قيثارتهن
تحت أشجار الأضاليا
أيها الشعراء
يا سائسي أعمارنا
النار الأولى تمنح من جديد
لآليات العصر ومواقده،
الكشف البدائي
رامبو الألف وبودلير العشرون
جميعهم يجرون في دمائنا
ونهجم في اتجاهات العالم كلها
جموعا تنهش وتفترس
وتستعيد الجوع الخرافي.
سنية صالح "
عن مجلة العربي.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |