نص / قفزٌ على حصان الخيال
محمد أبو لبن
2006-04-10
كانوا لتوّهم يكتشفون تسمُّم البئر
فصرخوا.
وانقطعت الكهرباء
لم أرتوِ بعدُ من الحكاية، بقي على نهايتها القليل،
لكن الكهرباء قد انقطعت
وثمة مالا يُقاوم من دفع الخيال:
ولدٌ ونمرٌ مضيا على سطح سفينةٍ تقصد كنزاً مستحيلاً،
ليس وحده ولد السفينة مصاباً بسحر ذي الرجل الخشبية:
شريرٌ، قويٌ! جميلٌ! واسعٌ كبحر!...
"سيلفر"!
طويت رجلي وربطتها وتأبّطت عصاً وصرخت:
أنا "سيلفر"، فطار من عتمة التلفاز ببغاءٌ ساطع الألوان
وحطّ على كتفي.
كانوا لتوّهم يكتشفون تسمُّم البئر...
لا بد أن معركةً ستندلع الآن فيما تبقى من الحكاية،
أشير بعكازي جهة التلفاز وأبدأ بالقفز على رجلٍ واحدة:
هجوم...
أرى حولي قراصنتي، وأمامي حصنٌ بدأ محاربوه يطلقون النار...
لا يُعجبني الدور فأقفز إلى الحصن وأصير الرجل الرمادي "غراي"
عصاي بندقية وما أجده من أقلام سكاكينٌ لرميٍ لا يُخطئ.
أُبدّل دوري من جديد.. لا دور يرويني وحده،
لو أن لي فن "النينجا" لانقسمت ولعبت أدوار الجميع.
وتسوقني الحسرة بلا هديٍ فأقفز
من جزيرة الكنز إلى مغامرات الفضاء، إلى ساسوكي، وبيبيرو
عند "بيبيرو" يعلو صفيري طالباً حصاني
أقفز إلى أقرب كرسي ويبدأ العَدْوُ
ينكسر الحصان فأراني أسقط في هاويةٍ
لا شيء سينقذني إلا نسري الذهبي...
للظهيرة طعم ضجرٍ مختلف
محبوسٌ في الحلق كعطش.
وللكهرباء؛ إذ تعود؛ عودة مسافرٍ أطال الغياب
كنا، في البيت والبناء والشارع والمدنية كلها أحياناً...
نصرخ مسحورين بعودته،
أو بانكسار حصان الخيال!
هناك... في دمشق
أغنية بعيدةٌ المنال
فرحُكَ السرّي،
غامضةٌ،
لا يعكّرها وَقْعُ الأمل
وقد انكسر...
جالساً على عتبة الباب
مُسنداً ظل البيت بالانتظار،
لا شيء يحدوك
إنما:
هدوء الشارع لحظة انقشاع الظل عن وجهك
وعبور ابنة الجيران، لحظتها،
أعطوا لقلبك سبباً للعمل.
لستَ حزيناً صباح الجمعة
طاش من نومك حلمٌ
فشجّ صحوك
واختلط الزمان عليك:
كأنه يومٌ انقضى!
فالأشياء تشبه نفسها
... كأنها قبل قليل!
وكأنه بعد ما انجلى!
الحياة جديدةٌ كلها
... كأنْ لم تنكسرْ بمستحيل!
لست حزيناً صباح الجمعة...
لست حزين.
شمس أول الصيف
تلمّع رماديَّ المدينة
وتُشعُّ في الغبارِ..
غبارِ كل شيء،
هباءٌ لأثرٍ بقي منه القليل...
تصل متأخراً آخر المشوار
في الطريق صدفةً،
أمسك حبٌ قديمٌ أذنك
وهمس:
تبدو أكبر من عمرك،
حائراً أكثر
وودود!
صرت كذلك؟
أم أنني من جديد
أرسمك حبيبي؟
... في الطريق صدفةً
انفرط منك عقد الكلام،
دفقُ العاطفة،
وعالمٌ بك ماد...
لم لا يضيع طريق عودتك من الحلم مرةً
فتمشي طريقاً لآخره!
وطار قلبك.. طار
حتى صار أغنيةً:
أنا اسمي ما أُبصرُ من مدىً
يقصو بعد حدّ الخيال
واسمي ما انقضى من زمن
أو علقَ من أثر المُحال
واسمي ما أَمسكتُ بحصوة الآنِ
الزّلقةِ سريعة الزوالِ...
وكان سيلٌ من صخبٍ
وفقرٍ
وضجر...
يطأ المدينة لحظتها،
ولحظتها كان ألقٌ
يرتدي الغيم قبعةً
ويشدُّ الرحال...
*
وهدةٌ بنهرٍ عجوزٍ وجبل
تطيل النظر
في نفسها حيناً،
وأحياناً في أثر المُنتَظَر
فحيناً تُغرِّبُ في نفسها
وأحياناً تُشعل في الناس نجم السفر...
عنّي وعن زياد وعمّا هو غامض
وجدّتكَ هناك
قرب آخر الانتظار
ترتدي أيّاماً كأيّامي
وأمامكَ ما صار أمامي.
وجهان،
جرّحهما المكان،
شاردان في حكايةٍ لا تبدأ بكان
ستبدأ الحكاية في أية لحظة...
تنفخ الريح بين حروف الكلامِ:
نغمٌ على نغمٍ
يُضْبَطُ بالشِّعْرِ نبضُ الزمان.
عنقُ الحكاية مزيَّنٌ بأطواقٍ من أغاني
وتمائم من مواويل
عنق الحكاية عالٍ كمنارة...
هدّئ من دفق الحكاية كي نمضي
إلى أعلى.. جهة النهر
بلا شجنٍ.
وقفنا هناك
على ضفّةِ نهرٍ يفصل الانتظار عن آخره
نُربّي حماماً زاجلاً لمراسلات الضفة الأخرى
ونكتب الرسالة ما قبل الأخيرة:
لم يبقَ على قدومنا شيءٌ
حُزِمت حصواتٌ من كل حكايةٍ
في الجيوبِ
لتُسقَطَ على طول الطريق،
ستكتب الحصاة ذكرى انتظارنا
على ماء النهر:
كلُّ شيءٍ ثابتٌ،
سميكٌ،
فاقدٌ للأملِ،
خشنُ الملمس...
لم يبقَ على قدومنا شيء...
كنّا هناك
نقول لأنفسنا، وقد فرغنا،
سنقفز في أيَّة لحظة...
أيَّة لحظة؟
أيَّة لحظة.. لا فرق..
فقط لنُترَع من سكرة النهاية...