العصر الجاهلي هو أرضيتنا التي نستطيع منها الانطلاق الموضوعي لفهم جملة عقائد وشرائع إسلامية فقد أخذ النبي (ص) من الجاهلية شرائع ولم يلغها بل تمت أسلامتها لتوافق النص! ونحن نرى أن موضوع النكاح في الإسلام لا يختلف كثيراً عن النكاح في الجاهلية ومن أنواع النكاح اقرها الإسلام وورثها عن عرب الجاهلية وأعطى لها الصبغة الإلهية بآيات من القران :
(1) زواج الصداق كان ذلك في كثير من قبائل العرب وهو أن يطلب الرجل بنت الرجل فيصدقها بصداق يحدد مقداره ثم يعقد عليها وهذا ما حدث مع خديجة قبل الإسلام.
(2) نكاح السبي ويقضي أن يتزوج الرجل المحارب من إحدى النساء اللواتي وقعن في الأسر سبايا ولا يشترط في هذا الزواج الصداق وبالطبع فرئيس القبيلة أو العشيرة له اجمل السبايا وأكثرهن شرفا وقد مورس بالفعل في عصر الإسلام الأول فبعض من نساء النبي (ص) كن سبايا وقعن في الأسر ومن ثم أصبحن أمهات للمؤمنين.
1/ جويرية بنت الحارث
2/ مارية القبطية
3/ صفية بنت حيّ ابن احطب
(3) نكاح الإماء وهو من حق الرجل العربي في الجاهلية أن ينكح الأمة أي العبدة وجاء الإسلام ووحي السماء بنكاح العبيد وهو ملك اليمين ومن نساء النبي بملك النبي ريحانة بنت زيد.
(4) نكاح المتعة وهو أن يتزوج الرجل المرأة لأجل محدد مقابل صداق أو اجر معين ويفترق الاثنان في نهاية المدة المحددة ؛ وأباحه محمد لأصحابه خاصة في حالة الحرب واختلف فيه من جاء بعده ؛ فالسنة ترى أن زواج المتعة زواج غير شرعي وهو زنى ودعارة ؛ ولهم أسانيد من القران والسنة تؤيد رأيهم ؛ أما الشيعة فيعتبرونه حلالا ولا حرمة فيه ؛ ويمارسونه إلى الآن ولهم أسانيدهم من القران والسنة تثبت أنه حلالا صرفا لا إثم فيه ؛ ويقولون لو كان زنى ودعارة ؛ فكيف يكون نبي الله ورسوله ويبيح الزنى والدعارة مهما كانت الأسباب.
(5) نكاح الهبة وهو ما قد مقته العرب في جاهليتهم وهو أن تهب المرأة نفسها للنبي فقط وتطلب من النبي أن ينكحها فإذا أراد النبي أن ينكحها نكحها أما إذا لم يرد فيوزعها على أصحابه ومنهن غزية بنت جابر.
)6) نكاح البدل وهو أن يقول الرجل للرجل أنزل ليّ عن امرأتك وأنزل لك عن أمرأتي.
(7) نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل أبنته على أن يزوج الآخر أبنته وليس بينهما صداق.
(8) نكاح الجمع وهو أن يجتمع الكثير من الناس فيدخلون على المرأة ولا تمنع نفسها ممن أتاها وهن البغايا وكن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما لمن أراد أن يدخل عليهن.
)9) هناك أنواع أخرى من الزواج كانت معروفة في الجاهلية وكانت مكروهة لدى الأشراف منهم ولم يأخذ بها الإسلام مثل المخادنة والإستبضاع (ذلك أن المرأة كانت في الجاهلية إذا طهرت من الحيض يقول لها زوجها أرسلي إلي فلان استبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها) ونكاح الرهط وهذا النوع الأخير كانت تعمل به أم عمرو ابن العاص الذي كان عمرو بن العاص أحد نتائجه.
روى الطبراني عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن عمرو بن العاص مكر بعمارة بن الوليد أي للعداوة التي وقعت بينهما في سفرهما ؛ أي من عمرو بن العاص كان مع زوجته وكان قصيرا دميما ؛ وكان عمارة رجلا جميلا ففتن امرأة عمرو وهوته ؛ فنزل هو وهي في السفينة ؛ فقال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقيلني أي تقيل معي ؛ فقال له عمرو ألا تستحي (؟) فأخذ عمارة عمرو ورمى به في البحر ؛ فجعل عمرو يسبح وينادي أصحاب السفينة ويناشد عمارة حتى أدخله السفينة ؛ فأضمرها عمرو في نفسه ولم يبدها لعمارة ؛ بل قال لامرأته قيلي أبن عمك عمارة لتطيب بذلك نفسه.
راجع : السيرة النبوية والآثار المحمدية لمفتي السادة الشافعية بمكة المشرفة السيد أحمد زيني دحلان باب في بيان تعذيب كفار قريش للمستضعفين من المؤمنين.
(10) نكاح الرهط هو أن تجتمع جماعة دون العشرة ويدخلون على امرأة من البغايا ذوات الرايات كلهم يطؤها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال أرسلت إليهم فلم يستطع رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان وتسمي من أحبت منهم .. .. وكانت أم عمرو بن العاص رضي الله عنه من القسم الثاني من نكاح البغايا فانه يقال انه وطئها أربعة وهم العاص وأبو لهب وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب وادعى كلهم عمرا فألحقته بالعاص .. .. وكان عمرو يعير بذلك ؛ عيره بذلك علي وعثمان والحسن وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
- راجع السيرة الحلبية للإمام برهان الدين الحلبي باب تزويج عبد الله أبى النبي صلعم آمنة أمه صلعم وحفر زمزم وما يتعلق بذلك.
كان العرب في الجاهلية يطلقون ثلاثا على التفرقة وجاء بها الإسلام وأضاف إليها فكرة المحلل التي ينفر من ذكرها الكثيرون فإذا طلق الزوج زوجته ثلاثا لا ترجع إلى زوجها إلا إذا نكحها رجل آخر وذاق عسيلتها وذاقت عسيلته ؛ كما كانت المرأة إذا مات زوجها أو طلقتها تعتد لمدة عام أي لا تتزوج إلا بعد عام وجاء الإسلام بها أيضا ولكن اختصر المدة إلى أربعة اشهر وعشر.
وبذا نود أن نقول أن لمعرفة أسباب وجذور النص الإسلامي كان لزاماً علينا أخذه من المصدر الأول والأساسي وهو العصر الجاهلي الذي سبق الإسلام أي كانت شرائعه ونصوصه (قبيل) الدعوة المحمدية لنشر الإسلام ورأينا كيف أن كثير من الأحكام الجاهلية قد تمت أسلمتها والأخذ بها مثل:
إن للذكر مثل حظ الأنثيين - قال بها في الجاهلية عامر بن جشم بن غنم المعروف بذي المجاسد - المحبر / 236
- الحكم في الخنثى قال به عامر بن الظرب العدواني - المحبر 236
- تحريم الخمر في الجاهلية - الوليد بن المغيرة وقيل قيس بن عاصم - صبح الأعشى 4358
- تحريم الميسر - الأقرع بن حابس التميمي - المحبر 239
- الرجم في الزنا - ربيعة بن حمدان - المحبر 239
- حكم الولد للفراش - حكيم العرب أكثم بن صيفي.
- النار بمزدلفة - قصي بن كلاب جد رسول الله (ص) .
ولحين دراسة المجتمع الجاهلي بالشكل المادي التحليلي يحق لنا ان نفهم أصول النصوص ومعرفة حقيقتها التاريخية ولن ننسى جهد أستاذتنا الكبار المرحوم الدكتور جواد على في مجلداته القنبلة (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 10 أجزاء ) وعميد الأدب العربي طه حسين في ( الشعر الجاهلي) وكثيرون ساروا في درب التفكيك العلمي للنص ولكنهم جوبهوا بالعواصف المدوية والاتهامات الجاهزة المعدة لكل من يقترب من النص ويحاول الفكاك من سجنه - رحمهم الله والطريق طويل والأعداء لا يبخلون بالنقد الأعمي وعلمائنا يعملون دوماً على إنتاج الوهم الخلاق ( نحن الملائكة .. فالنص ملائكي .. ومن يعقلن النص فهو الشيطان!) .
( الزواج عند العرب في الجاهلية و الإسلام ) لعبدالسلام ترمانيني.