"تبرئة الله": هل حلَّ إشكالية العلاقة بين الله والدين والإنسان؟ جوزف قصيفي
2013-11-18
مدويا كتاب الراهب اللبناني الماروني جوزف قزي "تبرئة الله". هذا المولود الجديد انضم الى عائلة من الاصدارات في موضوعات مصنفة في خانة "التابو" الذي يحاذر مقاربته الكثير من أهل القلم والفكر والفلسفة. و"تبرئة الله" صادم في عنوانه ومضمونه لأنه يدعو الى تحرير الله من الاديان وتبرئته من "إثم" ما تخلفه من سلبيات، وينقض نظرية "الشعب المختار"، ويفتح العقل الانساني أمام المعرفة الحقيقية للخالق ودوره وتخوم سلطانه، معتبرا أن المسيح كان أول من تجرأ على هذه التبرئة، وهو أعظم ثائر في التاريخ لا على الظلم والظالمين فحسب، بل على كل السنن والشرائع التي عملت على "مصادرة الله وتوظيفه في خدمة هذا الدين او ذاك، وإضفاء اللبوس التي يناسب معتقداتها. ويرى قزي ان ثورة المسيح شرّعت الباب امام الملحدين فـ"اذا به كان رأس الملحدين، وأول الرافضين، وأعظم الثائرين من أجل حرية الانسان وكرامته". وفي سيرته الحافلة دلالات تنطق بصدق التزامه بشمولية الله، ورفض "حصرية" الايمان به والانتساب اليه، بدءا بطرده لصوص الهيكل، الى الصفح عن المجدلية، ودعوته الى الانعتاق من عبودية الدنيويات والتواصل مع الآب الالهي مباشرة. وفي رأي الكاتب أن يسوع الناصري لم يبن دينا، بل كنيسة، وقاد المؤمنين به الى معرفة الله، وأنار لهم السبل التي مكنتهم من هذا الادراك. وأن تقييد الله بأديان ومذاهب، وحبسه في شرنقة الطقوس والتقاليد، يناقض مبدأ الألوهة وحضوره في الانسان. وإذ يشدد على أن الاديان المختلفة ليست من الله، يستدرك قائلا: "اذا كان ثمة احتمال أن يكون دين ما من عند الله، فهذا الدين يجب أن يكون عاملا شاملا، لا يناقض سواه، مضيفا "إن القول بأن الله يريد هذا الدين ولا يريد ذاك، هو قول شرير مشين في حق الله والانسان معا"، ويرفض قزي التسليم بمقولة أن الله هو مصدر الاديان، فيما هي متناقضة ومتناحرة. واذا "كانت الاديان لا يتفق بعضها مع بعض عن هوية الله، فكيف تكون من عنده، مما يعني براءة الله منها"، ويمضي الى اعتبارها من "صنع البشر المختلفين طبعا، وذلك بسبب الحرية التي أنعم بها الله على كل انسان"، ويخلص الى دعوة "المؤمنين والملحدين، واليهود والمسيحيين والمسلمين الى إلغاء هذه الاديان عن وجه الارض، لكي يعود الله الى الجميع".
يحضّ قزي على اعادة النظر في المنطلقات والقواعد اللاهوتية والعقائدية للأديان، ومحاولة صوغ مقاربة جديدة تخرج عن السائد. ولا شك أنه اذا قيض لكتاب "تبرئة الله" ان ينتشر فسيفتح الباب أمام نقاش واسع بين النخب، لأنه يطرح فعلا اشكالية العلاقة بين الله والدين والانسان، وأهمية إلغاء الهرمية الوسيطة بين الخالق والمخلوق، خصوصا ان الكاتب بتركيزه على دور المسيح في الاضاءة على الله، واعتباره البوصلة التي ترشد اليه، ينطلق من اعتباره المسيحية رسالة لا دينا، رسالة تكاملت عناصرها بالميلاد، والجلجلة والقيامة والعنصرة.
لا مندوحة في أن هذا الراهب اللبناني الماروني الذي أثر عنه شغفه باصدار الكتب التي يجتنب الكثيرون اصدارها، سيواجه بحملة واسعة ممن يجهلون او يتجاهلون قصده من وراء "تبرئة الله" الصادم – الجاذب، والذي يعبّد الطريق امام المعرفة الحقيقية .. خالق الاكوان وباري الورى..، لسلوكه السبيل المؤدية اليها. وهو العارف أن الله يكتب مستقيما بين السطور المتعرجة والمتداخلة.
ولا يتوقف الكاتب عند الطائفية لأنها فرع لأصل هو الدين. والدين في قاموسه سبب الطائفية ومرجعها، بل الفساد كل الفساد. فيما الطائفية عابرة، زائلة، لا تمس الحقيقة ولا العقيدة ولا تتهم الله. و"هذا يعني أن الاختلاف بسبب الدين عميق بين البشر، أما الاختلاف بسبب الطائفي، فسطحي عابر... وقد تكون هذه هي النقطة الجوهرية، التي أضاء عليها قزي، واختصر بها حقيقة الصراعات التي تتمحور على الله تحت ستار الصراعات الطائفية، فيما هي في واقع الحال نزاعات بين الاديان التي تعمل على احتكاره، واعتباره وكالة حصرية لها.
خطير كتاب هذا الراهب الذي يضيء على اشكالية الله والدين، في هذا الوقت. اشكالية التبست على الكثيرين، أو على الاقل تحاشى الكثيرون مقاربتها نظرا لدقتها وطبيعتها المعقدة والمركبة. لكنها ماثلة في لا وعي كل فرد منا، وفي سلوكه اليومي، وفي عيشه التناقض الداخلي بين علاقته بالله، والاطر الناظمة لهذه العلاقة. وثمة من يتساءل: كم الحاجة الى وسيط بيني وبين الله، في حين لا تعوزني القدرة على معرفته، والوصول اليه بالايمان، وادراك منابعه التي تختصر كل خير وحق وجمال في ثنائية التسامي فوق الزمان، وعلى المكان؟ الثنائية التي تكسر كل طروحات الاحتكار والحصرية، فتحرره من المعوقات الدنيوية، وتجعل من تبرئته فعلا مكرسا في القناعة والقلب.
جريء واقتحامي واستفزازي وصادم، فكر جوزف قزي وقلمه. وفي جديده "تبرئة الله" يشرّع الآفاق أمام العقل الانساني ليرود مناهل يخشى مقاربتها أبرز الكتّاب إقداما، وأشدهم مراسا، وأكثرهم إبداعاً وقدرة على استيلاد الموضوعات الخبيئة. والموضوع الذي أثاره في كتابه لم يكن خبيئا، بل كان مؤوداً، فحمل المعول وأزال عنه التراب وطرحه في ملاعب الفكر، أملا في التأسيس لثورة نوعية تقلب المفاهيم وتعيد الاعتبار الى "الله" البريء مما ينسب اليه.
عن جريدة النهار.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |