الحمائمُ لاتعودُ أحياناً
خاص ألف
2013-11-28
حطت حمامتان على شرفة البيت في ذلك الصباح ، حيث وقفت السيدة البغدادية التي جاوزت الخمسين عاماً ، تنظر الى السماء تارة ، وتارة أخرى الى الجمع المتجمهر الذي كان يتبادل الحديث والتصورات ، بعد أن أعلنت خطى الدبابات في شوارع المدينة عن انتهاء الحرب بسقوط نظام الحكم .
نظرت السيدة الى الحمامتين الهادئتين اللتين وقفتا على حافة الشرفة من جانبها الآخر . أحضرت صحناً فيه ماء ووضعته أرضاً عند ذلك الجانب كما نثرت بعض الحبوب بقربه وابتعدت الى الجانب المقابل .. فنزلت الحمامتان لتشربان من الماء وتلتقطان الحبوب .
ـ أتراهما يعودان الآن ؟
سألت زوجها ، وقد تحلق وجها شابين حول رأسها ، نظرا بحنين لها ولزوجها ، وهما يمدان أياديهما اليهما بصمت من خلف قضبان معتقل في صحراء .
قالت بحزن وحسرة :
ـ أمازال سجن نقرة السلمان على حاله كما رأيناه في آخر زيارة لنا لعلي ومحسن ؟
ـ نعم . ولاأدري لماذا سفرّت السلطة أختي وزوجها الى ايران وأبقت على ولديهما الشابين في المعتقل ؟ لو سفرّتهما لكان الامر أهون عليهما وعلينا من اعتقالهما . كانا بريئين لم يفعلا شيئا .
ـ أن تكون كرديا فيليا .. كان ذلك ذنباً في نظر السلطة .. ليكن الله في عون أختك وعون أمهات المعتقلين الذين كانوا معهم . أنا أم وأعرف ماذا يعنيه فراق الأبناء . كانا ينتظران زيارتنا منتصف كل شهر بشوق .
ـ وكانت رؤيتهما لنا تخفف عنهما الهم والحرمان والبعد عن والديهما . حتى هذا حُرما منه بعد أن منعت السلطة الزيارة .
في آخر لقاء ، قال علي ومحسن لخالهما وزوجته إن إدارة المعتقل سلمتهما بذلتين عسكريتين مع الآخرين .
كلما فكرت زوجة الخال بالشابين في أثناء وقوفها عند الشرفة ، كانت الحمامتان تأتيانها من نقطة ما في السماء ، وتحطان عندها قليلاً ثم تحلقان بعيداً .
كثيراً ماعولت على إشارة القدر تلك ، وعلى ماتراه في أحلامها من أنهما عائدان كما الحمائم ، يذهبان ويرجعان .
لطالما رأت في أحلامها قبل دخول الدبابات رموزاً وأحداثاً توحي بعودة الشابين من غياهب المجهول . لكنها في الليلة التي داست الدبابات شارعهم ، رأت في منامها أن علياً ومحسناً وقفا ضمن جمع من الشباب وسط الصحراء وهم ببزاتهم العسكرية. سأل محسن شقيقه علي إن كانت لديه فكرة عما ينتظرهما في تلك الصحراء ، وإن كان من الممكن أن ترسل لهما السماء معجزة تمنحهما حريتهما وتبشرهما بعودة . ضحك علي ضحكة مريرة ممزوجة بسخرية ، وهو ينظر الى الأجساد التي بدأت تتساقط واحدا تلو الآخر ..
حرية .. ؟! عودة ؟!
تلكما آخر كلمتين قالهما قبل أن تظهر حماماتان في السماء من حيث لايدري ، أصابهما الطلق الناري فسقطت إحداهما على جثة علي ، والأخرى على جثة محسن ، وامتزجت القطرات الحمر مع بعضها وهي تسيل على الرمال ..
كان ذلك أيضاً آخر حلم او رؤيا تراها زوجة الخال عنهما تلك الليلة .
في الصباح وخزها قلبها وهي ترى الحمامتين بعد ارتوائهما من ماء صحنها وشبعهما من الحبات ، ترتفعان بعيداً عن شرفة بيتها ، فيصيبهما طلق عشوائي ، وتسقطان بعيداً عن مدى نظرها في ذلك الصباح .
08-أيار-2021
12-أيار-2018 | |
03-شباط-2018 | |
27-آب-2016 | |
30-تموز-2015 | |
01-تموز-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |