اتفاق جنيف حول مؤتمر جنيف
سلام كواكبي
خاص ألف
2013-12-02
وقّعت القوى "العظمى" اتفاقاً مع الحكومة الإيرانية توّج عشر سنوات من المفاوضات الماراثونية التي كانت تجري سراً وعلناً بين الأميركيين أساساً والإيرانيين خصوصاً. وقد تخللتها فترات توقف وترقّب من هذا الطرف أو ذاك. وارتفعت حرارتها ليس بوصول حسن روحاني "الإصلاحي" إلى رئاسة الجمهورية، بل إبّان حكم أحمدي نجاد، المحافظ، صاحب التصريحات الرامية باليهود إلى أسماك المتوسط. وهو الذي كان في تبينّه لهذا الخطاب الغوغائي الشعبوي، يقدم أكبر سند وأضخم دعم لسياسات المتطرفين الإسرائيليين الذين كانوا يستغلون مثل هذه التصريحات السخيفة في تعزيز الاستيطان ورفع قيمة فواتيرهم "الدفاعية" المقدّمة للراعي الأميركي، الشريك أبداً.
بعد التوقيع بساعات، استفاضت عناوين الصحف ونشرات الأخبار بالحديث عن الاتفاق "التاريخي" الذي وجد حلاًّ مرضياً للطرفين المتفاوضين وفق معادلة رابح / رابح. واعتقد البعض مصيباً أم مخطئاً، بأن هذا الاتفاق سيفتح أبواب إيران أمام الاستثمارات الغربية بشكل سريع وبمبالغ ضخمة أو مضخّمة. وأعلن أصحاب الشائعات عن استعداد ألمانيا مثلاً لإرسال آلاف الخبراء لتنشيط بعض القطاعات التكنولوجية بعد فترة طويلة من الركود. وبدأ الحديث عن استعداد المصارف الكبرى وتحضير كوادرها لافتتاح فروع لها في ثغر "نمرٍ" أسيويٍ جديد. وصارت الشركات متعددة الجنسيات والمصالح توضّح مجالاتها المفضّلة في المجال الجغرافي الجديد. إضافة، فقد برزت، وبشكل مفاجئ، الكتابات التي تعرض للعلاقات الاجتماعية الوثيقة بين الإيرانيين في الداخل ومن اختار الهجرة منهم، خصوصاً إلى الولايات المتحدة.
من المعقول الحديث عن مباحثات سرية طويلة أفضت إلى هذا الاتفاق "المؤقت"، وليس التاريخي، حتى يتم تطبيقه ويتوقف القارئون المختلفون له عن الاجتهاد في تفسيره وطرح مشكلة الترجمة كحجة للتراجع عن بعض التزاماته. ومن المحبّذ عدم الاعتقاد بأن إسرائيل في حالة غضب حقيقية تنمّ عن خوف وترقب ناجمين عن تقارب إيراني أميركي ممكن أن يُفضي إلى الإخلال من مستوى المعاملة التفضيلية الأميركية لها. وإن كان أحد الأساتذة الفرنسيين العاملين في مجال العلاقات الدولية قال منذ سنوات بأن إيران ستحلّ مكان إسرائيل كحليفٍ أساسي في المنطقة، فهو لم يكن دقيقاً في هذا التشخيص المتسرّع المبني أكثر على الامنيات منه على الواقع. إنما إسرائيل، هي الدولة الغاضبة دائماً والضحية أبداً والمهددة كلياً، حتى ترفع من أرقام الدعم غير المشروط وحتى يجري غضّ النظر عن ارتكاباتها الاستيطانية والاحتلالية والعنصرية.
من الواضح بأن الأميركيين قذ "خذلوا" حلفاءهم مرة أخرى، ليس في نتائج المباحثات تحديداً، بل بطريقة إجراءها وكتمان أمورها وخباياها عن أقرب المقربين. والمقربين هنا، لا يُقصد بهم الدول العربية الحليفة، فهي لم تكن يوماً رقماً صعباً أو مهماً أو متقدماً في اهتمامات الادارات الأميركية. وهذا ليس نابعاً من افتراض سهل يتعلق بتبعية بعض أعضاء هذا النادي العربي النسبية والمتفاوتة وغير المؤكدة، بل من ملاحظة التصرفات الأميركية في إدارة السياسة الخارجية وتحريك أحجارها في الرقعة حتى دونما التدخل في أحجار الآخرين. المقربّون إذاً، هم الدول الغربية الفاعلة التي، إضافة إلى التجسس عليها أميركياً، فلا تُشرك إلا في التقاط الصور التذكارية وفي جوائز الترضية للسياسات الخارجية الأميركية. بالمقابل، يكون للقيصر الروسي الذي يرقص انتشاءً لإنجازاته على أكثر من ملف، كل العلم والدراية والتأثير فيما كان يُحضّر له أميركياً وإيرانياً.
إذاً، اتفق الروس والأميركيون والإيرانيون، بوجود بعض الكومبارس الغربي غير ذي التأثير، على أن يبدأ مسار طويل من المفاوضات بعد أشهر ستة من الآن. والسؤال المطروح : هل عرفت كواليس هذا الاتفاق المبدئي حديثاً عن حلولٍ للمقتلة السورية التي تعتبر إيران طرفاً أساسياً وسلبياً في معادلتها؟
يمكن أن يُمثّل هذا الاتفاق سيفاً ذو حديّن، فمن جهة، ربما حصل الأميركيون، إن كانوا فعلاً راغبين، على موافقة إيرانية "بازارية" مشروطة برفع الغطاء السميك عن دمشق للتوصّل إلى حلول وسط تُرضي القوى الفاعلة وتساعد على إيقاف النزيف بمعزلٍ عن رأي السوريين طبعاً. ومن جهة أخرى، يستطيع الأميركيون، بحكم خبرتهم في خذلان من يؤمن بمصداقيتهم، في أن يعطوا ضوءً أخضر خافت لإيران باتجاه تطوير حذق للهيمنة النسبية دون المطلقة.
المؤكد أن الملف السوري قد طُرح، وبأن الروس والأميركيون قد اتفقوا نسبياً على حلٍ يناسبهما، بمعزل عن أصحاب القضية وجميع حلفاء الزينة أو المرحلة.