الفنان الدنمركي من أصل فلسطيني موسى دعيبس وطني يعيش في قلبي حاوره :
حسن العاصي
خاص ألف
2013-12-11
الم يكن الطريق معبداً بالورود أمام موسى دعيبس الذي أدرك مبكراً أن الإجتهاد والدراسة والعمل هي مايجعل الأحلام تتحقق .
إن حكايات تجارب المهاجرين العرب في الدنمرك ، كما في بقية الدول الأوروبية الأخرى ، تستمد خصوصيتها من الإيمان الشديد لدى المهاجرين بأحلامهم وسعيهم الدؤوب لتحقيقها ،في ظل ظروف بالغة التعقيد متولدة من جملة الصعوبات التي تعاني منها الجاليات العربية في المهجر .
لقد تمكن الفنان الدنمركي من أصل فلسطيني " موسى دعيبس " بتحديه وإصراره من اقتحام وسط منغلق ويصعب اختراقه مالم تكن تمتلك شيئاً مميزاً ،في بلد صغير يمتلك معاييراً مرتفعة للدراسة تنسجم مع مكانة الدنمرك وتطورها اللافت في مختلف الميادين ،فإن كنت مهاجراً وترغب في الحصول على التميز ، عليك أن تبذل جهودا مضاعفة عن غيرك من أبناء البلد .
هذا تماماً مافعله الفنان المبدع موسى منذ وصوله إلى الدنمرك مع والدته وشقيقته ، وكان في التاسعة من عمره ، في ثمانينيات القرن الماضي هرباً من الحرب الأهلية اللبنانية بعد أن فقد والده هناك .
لقد اكتسبت ثقافتين ، العربية والأوروبية ، كما يقول موسى أثناء اللقاء الذي جمعنا بعد إسدال الستارة على المسرحية التي يقوم بدور البطولة فيها على خشبة أحد المسارح في كوبنهاغن ، وأضاف الفنان موسى دعيبس أن كلا الثقافتين شكلا مكسباً مهماً لشخصيته التي تبلورت لاحقاً ، ومهدت له الطريق للإندماج والتكيف مع عالمه الجديد .
أكمل موسى تعليمه في مدارس كوبنهاغن ، واكتشف ميوله الفنية باكراً منذ الصغر ،حيث كان يقوم بتقليد كل مايراه ويسمعه كما قال لي ، وجذبته صناعة الأفلام وفن التمثيل ، فأصبح يكتب لنفسه أدواراً قصيرة ويقوم بتمثيلها وتصويرها على أشرطة فيديو ، ليشاهدها فيما بعد مع أصحابه وعائلته الذين اكتشفوا فيه الموهبة وميوله العميقة للفن وللتمثيل فشجعوه على بلورة وصقل هذه الموهبة .
ولكي يثبت جدارته كان لابد من تعزيز موهبته بالدراسة وبالمعرفة ،فدرس التمثيل في المعهد العالي للتمثيل في كوبنهاغن لمدة أربعة سنوات وتخرج في العام 2010 .
لقد مكنتني هذه الدراسة من امتلاك أدوات معرفية جديدة ، هكذا قال لي الفنان موسى دعيبس وهو يشرح لي أهمية الدراسة العلمية ، إذ لايكفي أن يكون لديك الموهبة كي تنجح ، واضاف لقد تعلمت من خلال دراستي للتمثيل الكثير عن الدراما وعن الكوميديا والتراجيديا ، وعن الموسيقى والفن الإيمائي وعن كل مايتعلق بفن التمثيل .
وعن مشاركاته في الأعمال الفنية أجاب الفنان موسى دعيبس أنه شارك في العديد من الأدوار الصغيرة أثناء الدراسة ، ثم شاركت في فيلم وثائقي دنمركي بعد التخرج ، أيضاً حصلت على أدوار متوسطة في بعض الأعمال الفنية الدنمركية ، وقمت بدور البطولة في هذه المسرحية الدنمركية التي يشاركني فيها عدد من الفنانين الدنمركيين .
أيضاً فقد شاركت في مسلسل خليجي خارج الدنمرك من إنتاج مؤسسة روتانا اسمه " لايأس مع الحياة " قمت فيه بدور طبيب قلب ، كما شاركت في مسلسل أردني اسمه " عائلة أبو حرب " تم عرضه في بعض القنوات العربية .
وعن الصعوبات التي يواجهها في الوسط الفني الدنمركي ، أخبرني دعيبس أن الأفضلية للمشاركة في الأعمال الفنية في هذا البلد الصغير هي لأبناء البلد الأصليين ،خاصة إذا علمنا أن الأعمال الفنية التي تنتج في الدنمرك التي تتيح فرصة للممتلين هي في الاصل قليلة ،تستطيع أن تدرك حجم الصعوبات والمعيقات أمام الممتلين أمثالي ، الممتلون الدنمركيين هنا قليلون العدد وهم يشكلون عائلة لاترحب كثيراً بأي قادم جديد من خارج هذه العائلة .
وحين سألته عن أهمية توظيف بعض الأعمال الفنية التي تنتج في الدنمرك في تسليط الأضواء على المشكلات التي تعاني منها الجالية العربية ، والمساهمة في تقديم بعض المقترحات والحلول لتلك الإشكاليات ، أجابني دعيبس : بداية أن جميع الأدوار التي تعرض علي تنحصر في كادر محدد متعلق بالشاب الدنمركي من اصول أجنبية الذي يقوم بتمثيل أدوار الإرهابي العربي ، أو دور عضو أو زعيم عصابة من المهاجرين المقيمين في الدنمرك ، وبطبيعة الحال لا أريد أن أكون سجين هذه الأدوار .
ويضيف الفنان موسى ،لاننسى أن الإعلام ساهم بدرجة كبيرة في رسم هذه الصورة النمطية في أذهان المواطنين الدنمركيين وترسيخها ، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ، كما أن لعبة الأحزاب السياسية التي استخدمت هذه الورقة في إعادة صياغة تحالفاتها ، ومحاولة تضخيم الخطر المتأتي من الأجانب والمسلمين خاصة ، نظر إلي دعيبس بأسى وأضاف ، لاتنسى المشاكل والأحداث التي تدور في بلداننا العربية والتي تعزز للأسف هذه الصورة النمطية السلبية في تفكير الأوروبي وتشوه كل ماهو مبدع وواعد يصدر من الجالية العربية ، بحيث أضحت الأحكام الجاهزة على العربي تنتشر في أوساط مختلفة من الشرائح الإجتماعية الأوروبية والدنمركية ،لذلك لانستغرب هجرة بعض الفنانين والمبدعين من أصول غير دنمركية إلى بريطانيا وإلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى ، بحثاً عن الفرص الحقيقية لتحقيق أحلامهم وإثبات ذاتهم .
هذه هي الحقيقة للأسف ، قالها لي بمرارة الفنان الشاب موسى دعيبس كمن اختبر هذه التجربة وعانى منها ، وأضاف إنهم يريدون أن أتخلى عن جذوري ، لكن هذا صعب ، لا استطيع ولايمكن لي أن أنسى اصلي وأن أتخلى عن النصف الجميل الآخر من شخصيتي وثقافتي .
هذا الفهم العلمي والموضوعي الذي عبر عنه موسى دعيبس دفعني لسؤاله عن الشباب العربي من الجيل الثاني في الدنمرك الذي يعاني من إشكالية الهوية والإنتماء ـ أجاب أنا لا أعاني من هذه المشكلة لأنني أعتبر نفسي فنان ذو شخصية تحمل مكونات من حضارتين وثقافتين ، أعلم تماماً من أنا وإلى أية جهة أنتمي ، فوجودي في الدنمرك الذي لم اختاره في الأصل لايمكن أن يكون سبباً في بتر صلتي مع وطني الأصلي ، ويساعدني في ذلك عائلتي التي حافظت على استمرارية صلتها وعلاقتها الطبيعية مع الوطن ، وأنا مؤمن بالقول : أن جميع الناس تعيش في أوطانها ، ووطني أنا يعيش في قلبي .
سألته إن كان يهتم بتقديم أعمال فنية تسلط الضوء على موضوع الهوية والإنتماء ، قال نعم بالطبع يسعدني دوما المشاركة في مثل هذه الأعمال إن عرضت علي ، لأنها تعالج الجانب الإنساني في حياة المهاجرين العرب .
قلت له ، لكنك فنان دنمركي من أصل فلسطيني ، فهل يمكن أن تساهم في أعمال فنية تعالج القضية الفلسطينية فنياً بكريقة جديدة وتقدمها للمشاهد الأوروبي في قالب جديد ، فإجاب دعيبس :لن أتردد في تقديم هذا الدور ، وسوف أقوم به بشغف في حال توفرت الفرصة المناسبة ، فأنا أعتبر نفسي ابن القضية الفلسطينية ، وابن لعائلة لاجئة ، وبالرغم من أن هناك عشرات الأعمال الفنية المرتبطة بالقضية الفلسطينية ، وكانت في مجملها أعمال جيدة وجميلة وتستحق التقدير ، إلا أنني أتمنى أن تأتيني الفرصة للقيام بعمل يخدم القضية الفبسطينية ويكون موجهاُ بالذات إلى الأوروبيين .
هل يمكن أن نرى موسى في أعمال عربية جديدة ويراها المشاهد العربي ؟ هذا ما سألته لموسى فأجاب : نعم من دواع السرور فأنا أرحب بذلك إن كان العمل جاداً وذو مصدافية . وحول مشاريعه المستقبلية قال : أنه يتحضر للمشاركة في فيلم قصير يعالج قضايا الشباب في الدنمرك ، وهناك أيضاً مشاركة أخرى في فيلم طويل حول الهجرة ومشاكلها في الدنمرك .
وحين طلبت من موسىى توجيه كلمة للقارئ العربي قال :إن الفن ينمو مع الإنسان منذ الطفولة ، لذلك إن كنت ممثلاً أو مشاهداً عليك اختيار الأفضل لمشاهدته ، خاصة حين يتعلق الأمر مع الأطفال ، لأن المشاهد المؤذية تبقى عالقة في ذهن الأطفال وتؤثر على تنميتهم وشخصيتهم فيما بعد ، مثل أفلام العنف التي لايجب أن يشاهدها الشباب لأن قسماً منهم يحاول التشبه بها ، ناهيك عن مرارة العيش التي ينمو في وسطها الشباب العربي ، ومنهم من يعيش وسط هذا العنف المدمر كالشباب الفلسطيني .
أتمنى أن يأتي يوم يعم فيه الأمن والأمان والإستقرار في جميع الدول العربية ، لأن الحروب لاتسبب القتل فقط ، بل تقضي على جيل بأكمله .
في نهاية اللقاء الذي جمعني مع الفنان المهذب موسى دعيبس سألته عن الرسالة التي يرغب في تقديمها من خلال الأعمال الفنية التي يشارك بها ، قال : أريد أن أقول للشباب العربي عامة والشباب الفلسطيني خاصة ، والذين يعانون من الظلم ومن العنف ألا تيأسوا والا تفقدوا الأمل في غد أفضل ، وإلى الشباب الدنمركي من أصل عربي اقول لهم : أنه بالمثابرة والإصرار والتعلم والمعرفة والعمل واحترام القانون ، تستطيعون تحقيق أهدافكم في الدنمرك ، ولا تدعوا أحداً يكسركم ، وابتعدوا عن العنف ، عليكم النضال من أجل تحقيق أهدافكم ، العنف لايجدي نفعاً وأول ما يحرق صاحبه .
حسن العاصي
كاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك
الضورة لحسن عاصي