الأنثى السورية! وما أدراك ما الأنثى السورية !
خاص ألف
2013-12-16
منطقيا الأنثى في الحروب تدفع الأثمان المضاعفة، وفي مراحل الفوضى المرتطمة بجنون السلاح والقتل والدم، تعلو عتبةُ الألم والقهر لديها أكثر. تنسحب من أعماقها طاقة الأمل وقوةُ انتظار المستقبل. الأنثى المرتبطة سيكولوجيتها بالانتظار ودقائق الزمن وثوانيه، تعرف كيف تتسمّع على نأمةِ الغيمةِ الماشية في طرقات السماء، تحولت الآن في سوريا إلى راصدةٍ لوقعِ أقدام الوحش الآكل الأخضر واليابس، الآملَ واليائس، وترى إلى روحها تفرغ ببطءٍ من معناها.
الأنثى: وأعني بما تحمله من افتراقاتٍ عن الأنثى في دولِ العالم المشمس، المستسلم لنظافة مدنه وبحاره، وزيف حداثته وحرياته الشخصية، الأنثى هذه المصابة بالأصل بمرض الحصار النفسي والقمع، هي اللقمة الأسهل في هذه المرحلة للحصار والقمع والتشنيع والتشهير والاغتصاب الروحي الذهني قبل أي اغنصاب آخر. واسألوا أي أنثى عن اغتصابها الروحي، سوف تحدثكم طويلاً... طويلا.
اسألوها عن انطفاء عينيها، عن خساراتها التي لن تعوض فيما ينتابها من ضياع حبيب أو أخ أو ابن او زوج أو صديق، ضياع – قتل – تهجير – اعتقال – اختطاف... اسألوها بمَ تفكر وهي تتفرج على دماء زوجها أو حبيبها أو صديقها... لن يقدر أحد أن يرمم هذه النفسية المحطمة.
وبحكم انتظامهم في رؤية الذكورة، وسطوة الأخلاق، سوف يتدبر الآخرون أمورهم أسرع، أو سيكون لديهم إمكانيات الانبناء بشكل أوضح. سوف تبقى الأنثى – بحكم انتظامها أيضا في رؤية الذكورة – محاصرةً داخل خرابها، داخل البقعة السحيقة تلك في أبعد أبعد منطقة نائية من روحها. روحُ الأنثى التي تهبط الآن شيئا فشيئاً إلى العالم السفليّ من الشتات، سوف تبقى طويلاً تنتظر في ردهات المتاهة تلك. ليست المسألة ارتجالاَ شعرياً، أو تمييزاً جنسيّاً، فواقع الأمر والتاريخ يوحي بمصداقية هذا.
أشعر كم من الخسران الفادح ينهش روح الأنثى السورية الآن، كم من الاصفرار في أعماقها، كم من الخريف تنطوي عليه ضلوعها، كم من الانشداد نحو اللا شيء يلعب في داخلها. كم من الخواء العاطفي يهوي على فراغها. كم من الريح الصفراء تصفر في دماغها. كم من الرعب في حجرتي عينيها...
بائسة هي الأنثى السورية... فريسة الإحباط ونهش ذئابه أكثر.
هناك أنثى الاعتقال، والاختطاف، والتهجير؟ هناك أنثى قوية ساهمت وصنعتْ وضحّتْ؟ نعم... لكننا جميعا سنكون قادرين على التصريح بخيباتنا وانكساراتنا ومعاناتنا أكثر مما يتاح لها. سوف تبقى هي معتقلةَ الصمت، مهجّرةً في برودة ثقافتنا الفحولية، مختطفةً من عصابةِ العقل الأعمى.
علينا أن نصغي إلى بكاء فستانها المهجور، إلى نحيب الصمت في مراياها التي هجرتها نشوة الصورة، إلى دموع أحذيتها المنسية في خزائن الغبارإلى نعيق غراب الروح بعد حطام حلم العشق لدى الآلاف المؤلّفة منهنّ. علينا أن نصمت وهنّ يختفين تحت أغطيتهنّ في الليل أو في النهار، يقفن على أنقاض أحلامهنّ في العمل، في الحياة، في الاستفرار، في معنى التحرر الحقيقي. علينا أن نفسح فضاءً لانهائياً لأصواتهنّ المبحوحة، لحفيف أرواحهنّ المعتلّة، لرتابة إيقاع الوجود في خيالهنّ المبعثر أكثر مما كان مبعثراً.
وأكرّر: لا شكّ أن المأساة شاملة ولا تعرف حدوداً ولا ترحم أحداً، ولكن كما هي الأنثى في ثقافتنا: الصوت المهمّش المخلوع، بينما كنا أكثر حركةً، ولو كانت زائفةً، منها.
حطام الأنثى السورية ليس كمثله حطام. كلنا محطمون نعم، وحطامها هي بئرٌ تنحفر أعمق فأعمق، لأنّ مرضنا نحن أننا (متفوقون) عليها حتى في بناء الحطام، بل قد نطالبها بأن تساعدنا في بناء حطامنا، بينما نحن ندير ظهورنا لها... ونتركها محطمةَ الحطام.
الأنثى السورية: عذابٌ مستقلّ داخل العذاب الشامل. ألمٌ مطلقٌ داخل الألم.
علاء الدين عبد المولى
08-أيار-2021
26-تشرين الأول-2019 | |
28-أيلول-2019 | |
07-نيسان-2018 | |
30-أيلول-2017 | |
28-كانون الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |