لماذا تدهور الاهتمام الدولي بقضية السوريين؟ـ فايز سارة
2014-01-05
يعكس الواقع اليوم تدهوراً دولياً في الاهتمام بالقضية السورية، ولعل الابرز في مؤشرات هذا التدهور، بطء التفاعلات الدولية الخاصة بتطورات الوضع السوري من النواحي السياسية، حيث الحراك الساعي لمعالجة الازمة السورية دون الحدود المطلوبة، وقد استطالت زمنياً، وتراكمت نتائجها محلياً وخارجياً، والامر على هذا النحو في معالجة تجليات الكارثة الانسانية التي تصيب السوريين وبين ضحاياها معظم سكان سوريا الذين باتوا مهجرين ولاجئين وجائعين ومرضى وقسم كبير منهم مشوهين ومعتقلين، كما ان بين المؤشرات، تراجع مستوى الاهتمام الاعلامي بما يجري في سوريا، او اقتصار ذلك الاهتمام على جوانب معينة ابرزها نشر اخبار تتعلق بالتشدد الديني والجماعات المتطرفة وما تقوم به من اعمال.
وسط تلك المؤشرات، يبدو السؤال عن اسباب تدهور الاهتمام الدولي بالقضية السورية امراً طبيعياً، يحتاج الى مقاربة للاسباب التي ادت الى هذا التحول، وتنقسم الاسباب الى داخلية وخارجية، ولعل الابرز في الاسباب الداخلية، تحول ثورة السوريين من الحراك المدني والسياسي الى التسلح والعسكرة، وهو تحول كانت له اسبابه الموضوعية واهمها استمرار القمع العنيف الذي يمارسه النظام، وحاجة الثائرين للدفاع عن انفسهم وحماية تظاهراتهم السلمية، لكن الامر في مآله النهائي كان يخدم استراتيجية النظام في جلب الثورة الى المواجهة العسكرية، التي لديه امكانيات وخبرات كبيرة فيها، تكفل له الحفاظ على وجوده ان لم توفر له القدرة على هزيمة الثورة.
ووسط التحول نحو تسليح وعسكرة الثورة، صار الحراك المدني من تظاهرات واعتصامات ونشاط سياسي ومدني موضع اتهام، بل ان بعض التشكيلات المسلحة ولاسيما التشكيلات المتطرفة تلاحق الناشطين وتعتقلهم او تهجرهم او تقتلهم، تماماً في صورة تماثل ماتقوم به اجهزة النظام وشبيحته في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
والسبب الثاني عجز المعارضة عن توحيد قواها السياسية والعسكرية في بنية واحدة، وهو امر تجاوز حدود الحاجة وصار ضرورة. لكن النتائج كانت اضعف من الاستجابة للحاجة والضرورة في ان معاً، لدرجة الشك في اهمية وقدرة التحالفات التي تمت اقامتها من الناحيتين السياسية والعسكرية، وهذا ما تبينه حالة الائتلاف الوطني الذي يعتبر افضل التحالفات السياسية في سوريا، والامر اسوأ في غيره، وكذلك الحال بالنسبة للتحالفات العسكرية، التي لم تستقر على اشكال محددة، وعجزت هيئة الاركان للجيش الحر في جمع وتنظيم التشكيلات العسكرية تحت امرتها بما ذلك التشكيلات التي تتكنى وتحمل اسم الجيش الحر.
والسبب الثالث، حالة الفوضى التي عمت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي عجزت مختلف قوى المعارضة والحراك المدني عن ايجاد ادارة تأخذ على عاتقها مهمة تسيير الحياة العامة فيها وخاصة في الموضوعات الاساسية ومنها الامن وتأمين الخدمات الاساسية من اغاثة وتعليم وصحة. بل ان الامر من هذه النواحي تردى اكثر فاكثر ليس فقط بسبب استمرار سياسة النظام في قصف تلك المناطق بالصواريخ والبراميل المتفجرة وعلميات الاقتحام، بل بسبب تعدد وتصادم نشاطات التشكيلات العسكرية المسيطرة هناك، وبعض قادتها اخذ يتصرف مثل امراء الحرب وقادة عصابات مسلحة، اضافة الى تصرفات قادة الجماعات المتطرفة مثل "جبهة النصرة" و"داعش" وقوات الحماية الشعبية الكردية التابعة ل"pyd"، وكلها طرحت برامج سيطرة سياسية وعسكرية وامنية وايديولوجية في اماكن تواجدها للسيطرة على الاهالي والموارد، وتسخير الاخيرة لخدمة اجنداتها الخاصة بغض النظر عن اهداف الثورة والمصالح العامة للسوريين.
ورغم اهمية الاسباب الداخلية في تأثيرها على تراجع الاهتمام الدولي بقضية السوريين باعتبارها الاسباب الاساسية، فان ثمة اسباباً خارجية، افرزت تأثيراتها المباشرة، وعززت تدهور الاهتمام الدولي وابرزها:
انقسام دولي واقليمي ازاء القضية السورية، ادى الى ظهور معسكرين احدهما يؤيد ويدعم النظام وسياساته بكل الامكانيات والقدرات وابرز اطرافه روسيا وايران ومليشيات مسلحة منها حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس العراقي، مقابل معسكر آخر يتعاطف مع ثورة الشعب السوري، ابرز اطرافه الولايات المتحدة ودول اوروبية وعربية. ورغم ان قوى المعسكر المؤيدة للنظام تشكل اقلية في المجتمع الدولي، لكن حضورها الى جانب النظام كان اكثر فاعلية ودعماً من الاطراف المتعاطفة مع ثورة الشعب السوري وطموحاته في الخلاص من نظام الاستبداد والقتل والدمار والوصول الى تغيير ديمقراطي في سوريا يحقق الحرية والعدالة والمساواة.
والسبب الثاني، كان تواصل التدخلات الاقليمية والدولية في القضية السورية، وهي تدخلات تجاوزت التدخلات السياسية الى العسكرية، وشملت تقديم اسلحة وذخائر واموال ليس للنظام فقط، بل لجماعات وتشكيلات سياسية وعسكرية، تخدم استراتيجية النظام واخرى تعارضه الى هذا الحد او ذاك، لكنها تتقاطع ايضاً مع مصلحة القوى الاقليمية والدولية الداعمة واجنداتها التفصيلية، وكله ادى الى استمرار الصراع السوري في ظل توازنات ضعف القوى الداخلية وعدم قدرتها على حسمه لمصلحة احد طرفي الصراع الداخلي.
والسبب الثالث وربما هو الاهم، يمثله غياب ارادة دولية في مباشرة حل ومعالجة جدية للقضية السورية، وهذا الامر واضح في سياق المساعي الدولية لعقد مؤتمر جنيف2 الذي تسعى اليه الامم المتحدة وبمشاركة كل من روسيا والولايات المتحدة، اذ هو في احسن الاحوال، يفتح بوابة لحل سياسي، لكنه لا يكفل الوصول الى هذا الحل، لانه لا يقدم فهماً موحداً لخريطة طريق في القضية السورية، ولا يقدم ضمانات لتنفيذ مايمكن الاتفاق عليه، رغم ان الاتفاق في ظل الوقائع على الارض ومحتويات جنيف2 سيكون مستحيلاً بين وفدي النظام والمعارضة في حال انعقاد المؤتمر حتى لو تدخلت الاطراف الراعية لتقريب المواقف.
لقد تحولت القضية السورية في احد التصورات عنها لدى المجتمع الدولي والرأي العام الى حرب تقليدية بين النظام ومعارضين له في احسن الاحوال، وهي حرب بين النظام وجماعات تكفيرية متطرفة في اسوأ الاحوال، وبين هذين الحدين ينبغي العمل على اعادة رسم صورة حقيقية لقضية السوريين باعتبارها قضية شعب خرج من اجل الحرية ومن اجل العدالة والمساواة لكل السوريين وفي مواجهة نظام مستبد يحفل سجله بجرائم لاعدد لها، وهذا بالفعل مايمكن ان يوقف تراجع الاهتمام الدولي بالقضية السورية، ويعزز دور المجتمع الدولي واهتمامه وسعيه في حل القضية لمصلحة الشعب السوري ومن اجل مستقبله.
عن جريدة المستقبل.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |