الاغتراب 5 / 5
خاص ألف
2014-03-06
-28-
سلم موسيقي مكسور
وأنغامٌ شاذة
تكسر قواعد الهارموني
وبورتريهات
على أجسادٍ من حجر
.
.
وكوب القهوة العشرون !
-29-
هناك الكثير من التابوهات التي وضعت للفن في عالمنا العربي وعلى وجه الخصوص في الشعر، والتي تجعل المبدع في مفترق طرق، فإما أن يسير في ركابها فيصبح فناناً، وإما أن يكسر قواعدها فلا يكون جديراً بهذا اللقب.
لذا كان لزاماً علينا أن نعود إلى أصول الأشياء لنفهم ما هو الجمال وما هو الفن لكي نستطيع أن نفهم إن كانت هذه التابوهات حقيقية أم لا، ونصل في نهاية الأمر إلى فنٍ حقيقي فنٍ حر .
أعتقد أننا نشعر ونعي الجمال عن طريق النفس والعقل؛ فالنفس تستطيع أن تشعر بهذا الجمال، والعقل يستطيع أن يعيه عن طريق الحدس المباشر. إلا أن هناك قواعد يمكن أن توصف بالمنطقية للجمال، فأي شيء جميل يتسم بخمسة أشياء أساسية... أول هذه الأشياء، هو التناسق الخارجي، ولا أعني هنا السيمترية، فالسيمترية تتسم بالتساوي، ولكني أعني التناسق بمفهومه الأعم والأشمل، فقد تكون اللوحة تجريدية مثلاً، إلا أنها بالرغم من هذه الفوضى، تظل تتسم بهذا التناسق، فلا يمكن أن نجد لوحة ليس لها أبعاد ثابته تحافظ على وحدتها العضوية! وهذا بالطبع ينطبق على الشعر وكل أنواع الفنون والطبيعة؛ أيضاً فلا يمكن أن نجد قصيدة مترهلة أو مقطوعة موسيقية تتصف بهذه الصفة، ولا يمكن أن نجد في الطبيعة ما هو مفتقد لهذه الأبعاد التي تحافظ على وحدتها العضوية .
ثاني هذه الأشياء، هو الهارموني. فلا يمكن أن نجد قصيدة أو مقطوعة موسيقية أو لوحة لا تتسم بالتناغم والتوافق الداخلي .
ثالث هذه الأشياء، هو الإيقاع، والإيقاع موجود في كل شيء في الحياة ( 1 ) وبطبيعة الحال في كل أنواع الفنون حتى الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي، يتسمان بهذه الصفة، ويمكننا أن نجد ذلك في إيقاع الألوان في اللوحة ( 2 ) لكني أعتقد أنه إيقاع من نوع خاص ويمكننا أن نسميه إعادة اكتشاف لإيقاعٍ حدث في لحظة معينة. فانسيابية الألوان وتدرجها، تعطي إيقاعاً من نوع آخر، وهذا ينطبق أيضاً على الصورة الفوتوغرافية، فأبعادها المختلفة تجعلك تشعر بهذا الإيقاع، وخير مثال على ذلك، أنك أن التقطت صورة فوتوغرافية لمجموعة من الأشخاص الذين يسيرون في خان الخليلي، فيمكنك أن تكتشف عمق الصورة، وتدرج سير الأشخاص من الخلف إلى الأمام، إيقاع حركتهم في تلك اللحظة بالذات، وما يجعل هذا الإيقاع حياً، هو النظرة الكلية لكل من اللوحة والصورة الفوتوغرافية التي تجعلك ترى هذا الإيقاع الذي حدث في لحظة معينة أثناء رسم اللوحة أو التقاط الصورة، ولا يمكن أن تختفي هذه القواعد من الجمال والفن بأي حال من الأحوال، حتى المدرسة الدادية التي أرادت أن تكسر كل قواعد المنطق والفن، لم تستطع أن تكسر هذه القواعد.
رابع هذه الأشياء يكمن في الإبهار، وهنا قد يقول البعض إن الشيء قد يكون مبهراً، لكنه لا يكون جميلاً. أقول لهم: نعم، ولكن لا يوجد شيء جميل ليس فيه ولو قدر ضئيل من الإبهار والإبهار لا يحدث بطبيعة الحال إلا لو كان هناك مفاجأة بمعنى أن يكون هذا الشيء الجميل كاسر لكل ما هو مألوف ومعتاد .
أما خامس هذه الأشياء وآخرها، فيكمن في أن الشيء الجميل يجب أن يكون من الأشياء التي لا تثير القبح والإشمئزاز بالنسبة للمتوسط العام من الناس، فحتى أصحاب مدرسة جماليات القبح حين أرادوا أن يكسروا هذه القاعدة، صنعوا من الشيء القبيح شيئاً جميلاً، فلم يتركوه قبيحاً كما هو، ولم يكسروا القواعد الخمس سالفة الذكر .
هنا يجب أن نتساءل إن كانت هناك أشياء يتفق معظم الناس على أنها جميلة.. أعتقد أن هذه الأشياء موجودة، والسبب في ذلك، هو الوصول إلى درجة الكمال في النقاط الخمس الآنفة.
فكلما اقترب هذا الشيء من درجة الكمال، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يرون هذا الشيء جميلاً. وكلما ابتعد هذا الشيء عن درجة الكمال، كلما قلّ عدد الأشخاص، ولكن الوصول إلى درجة الكمال الفعلي لا يكون إلا في الطبيعة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، والمثال على هذه الأشياء التي يمكن أن يتفق معظم الناس على أنها جميلة، يمكن أن نجده في شلالات النياجرا والهرم الأكبر؛ وعلى العكس تماماً، يمكن أن نجد أشياء يتفق معظم الناس على أنها قبيحة كالبراز مثلاً، ومع ذلك يظل الجمال نسبياً لأنه وإن اتفق معظم الناس على جمال وقبح شيء معين، يظل هناك من لا يتفق على أن هذا الشيء جميلاً أو قبيحاً، إلا أن هؤلاء يعدون شواذاً على القاعدة، ولايمكن أن تلغى القاعدة بالشذوذ عنها. (فلكل قاعدة شواذ).
أما بالنسبة للفن، فبالرغم من أنه عملية إبداع وليس تلقياً للجمال كما يقول الفلاسفة جميعاً، إلا أنه لا يمكن أن يخرج على قواعد الجمال العامة، وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً، وهو أنه من غاياته التي لا يمكن التخلي عنها، الوصول إلى الجمال، وهذا يجعلنا نتظرق إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي هل يمكن أن يكون الفن غاية في حد ذاته، أم أنه لا بد أن يتسم بالالتزام أعتقد أنه لا يوجد فن غير ملتزم سواء كان هذا الإلتزام بطريقة واعية أو بصورة غير واعية حتى قصيدة النثر التي أتسمت بثلاث صفات أساسية وهي القصر والتوهج واللاغرضية لا يمكن أن تكون غير ملتزمة والدليل على ذلك أنك وأن تحدثت في اللازمان واللامكان وأنكفئت على ذاتك وتحدثت في كل ما هو يومي ومعاش لا يمكن أن تكون لا غرضياً فذاتك غير منفصلة عما يحيط بها وكل ماهو يومي ومعاش غير منفصل عما هو أعم أشمل لذلك أعتقد أنك سوف تكون ملتزماً في نهاية المطاف سواء كان ذلك بصورة واضحة وواعية أو بصورة غير واضحة وغير واعية .
الفن لا ينتج في حقيقة الأمر إلا بعد إكتمال ماهية الفنان بعنصريها ( الماهية الوراثية " الدنا " والماهية المكتسبة " الحياة " ) ثم بعد ذلك يجب أن يختار من بين الممكنات المتاحة له أو جميعها أن أمكن وأعني بها إمكانياته وقدراته الشخصية وليس ما يفرض عليه فما يفرض عليه يجب أن يقاوم من أجل تحقيق الوجود الفعلي لذاته على أرض الواقع .
هل يمكن أن يكون الفنان مغترباً لا أعتقد ذلك وأعني هنا الإغتراب عن الفن نفسه أو قواعده الأساسية لا الإغتراب الذاتي للفنان لأنه أن أغترب عن هذه القواعد الأساسية سوف يخرج من دائرة الفن كما أعتقد انه لا يمكن الإغتراب عن الإلتزام حتى وأن أراد الفنان ذلك لأنه كما ذكرت من قبل سوف يخرج في فنه سواء كان ذلك بطريقة واعية أو بصورة غير واعية .
هذه هي القواعد العامة للفن ولكن لكل فن قواعده العامة الخاصة به فالشعر على سبيل المثال يتفق مع هذه القواعد العامة إلا انه يزيد عليها عنصران في غاية الأهمية هما اللغة والموسيقى فلا يمكن ان تكتب قصيدة بدون لغة ولا يمكن ان تكون أيضاً بدون موسيقى وقد يتسائل البعض لما لم أتحدث عن فنيات الشعر كالصورة الشعرية مثلاً وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً وهو ان الصورة الشعرية قد لا تكون موجودة في بعض الأشكال الشعرية كالزجل على سبيل المثال والأمر نفسه في باقي فنيات الشعر التي قد تختلف من نوع إلى آخر ومن مبدع إلى آخر .
وبما اننا نتكلم عن موسيقى الشعر فيجب أن أتطرق إلى بعض الأمور المهمة الخاصة بها فقد كان الشعر في باديء الأمر يُكتب بطريقةٍ تلقائية ثم جاء الخليل أبن أحمد ووضع بحور الشعر العربي الخمسة عشر ووضع أحد تلاميذه البحر السادس عشر كما ان موسيقى الشعر كانت تختلف عند المصريين القدماء والرومان والأغريق وتختلف أيضاً مابين الشعوب والأجناس المختلفة في العصر الحديث وذلك لإختلاف اللغة والثقافة وأعتقد أيضاً لإختلاف الوعي بما يجب أن تكون عليه موسيقى الشعر ثم تطور الأمر وأصبح هناك ما يعرف بشعر التفعيلة وهو ما عرف خطئاً بالشعر الحر لأن الشعر الحر يعتمد على الإيقاع بمفهومه العام بدلاً عن الوزن وتساوق الأصوات بدلاً عن القافية ثم تطور الأمر بحيث أصبح يُكتب بطريقة تتداخل فيها الأوزان أو يتداخل الوزن مع النثر من دون ان يكون هناك خلل في الإيقاع العام للقصيدة أو وحدتها العضوية أما شعر التفعيلة فإنه يعتمد على التفعيلة الواحدة وليس البحر بصورته الكاملة وهذا ما يجعله بالطبع يختلف عن الشعر العمودي ثم ظهرت قصيدة النثر والكتابة عبر النوعية والقصيدة الإلكترونية بما تتضمنه من تفاعلية وغيرها من الأنواع ما أريد أن أقوله أن موسيقى الشعر أعم وأشمل من البحور العروضية المتعارف عليها والدليل على ذلك أن أي أذن بشرية تستطيع أن تكتشف أي خلل في موسيقى الشعر بتلقائية حتى وأن لم يكن المستمع شاعراً وقد يقول البعض أن الأذن البشرية العادية غير منضبطة على البحور الشعرية المتعارف عليها أقول لهم نعم إنها غير منضبطة عليها فقط وأنما أيضاً قادرة على أن تكتشف أي خلل في موسيقى الشعر بمفهومها العام والشامل سواء كان النص موزون أو به تداخل في الأوزان سواء كان نثر أو تفعيلة أو يدمج بين الأثنين .
الآن يجب أن ننتقل إلى نقطة أخرى وهي كيف يمكن ان نميز بين الفن الجيد والفن غير الجيد أعتقد أن الفن كلما أقترب من درجة الكمال في قواعد الفن العامة وقواعده العامة الخاصة به يكون أكثر رقياً من ذلك الذي يبتعد عن هذه القواعد وأعتقد ان هذا هو السبيل الوحيد للتفرقة بين ما هو جيد وما هو غير جيد في الفن والإبداع .
وبما ان هذه التابوهات التي وضعت للفن ليست حقيقية أعتقد انه يجب أن تكون هناك مدرسة في الفن تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وان كانت توجيهية في المقام الأول ولا تضع تكنيكاً محدداً يعتمد عليه الفنانون في إبداعهم لذا اعتقد انها يجب أن تسمى بـ " الباتاتابو " فالمقطع الأول من المصطلح لا يعني شيئاً إلا انه مأخوذ من ألفريد جاري الذي أراد ان يسخر من الميتافيزيقا فسمى مدرسته في الفن بالباتافيزيقا أما إقتران المقطع الثاني وهو كلمة تابو بالمقطع الأول فليس له سبب سوى أن يدل على ان الفن لا يوجد به محرمات او مقدسات وأن الفنان حر فيما يفعل ما دام لم يخرج على قواعد الفن العامة كما ان هذه المدرسة قد لا تكون الأسلوب الأمثل في الإبداع إلا إنها الأمثل من وجهت نظري لكي يعود الفن إلى نقائه وحريته .
تعتمد هذه المدرسة على القواعد الآتية :
1- أن تبدع كما تشاء ما دمت لم تخرج عن قواعد الفن العامة والقواعد العامة الخاصة بفنك .
2- أن لا يكون هناك تكنيكاً موحداً في إبداعك بشكل مقصود فقد تاتي بجديد وقد تتشابه مع بعض المدارس الموجودة ولكن بالطبع مع إختلاف الأيدولوجيا وإستخدام رمزية التكنيك المهم ان يكون ذلك بطبيعية وان تكون في حالة تجريب دائم .
3- يجب أن تكون ملتزماً بكل ما يتناسب مع طبيعة البشر النفسية والعقلية والدينية والأخلاقية وغيرها وإلا أصبحت مغترباً على المستوى الإنساني لا الفني كما يجب أن لا يفرض إلتزامك بأيدولوجيا معينه تكنيكاً موحداً في إبداعك .
4- لا يوجد منطق في الفن الفن هو الذي يصنع منطقه الخاص .
5- لا يعني الإبداع بطبيعية أن لا تكون واعياً بما تبدع ولما تبدع بل يجب أن يسير الوعي واللاوعي في خطين متوازيين لحظة الإبداع .
في النهاية يجب أن أقول ان هذه المدرسة لا ترفض أي شكل إبداعي كما انها لا ترفض أي مدرسة إبداعية لكنها تريد أن يعود الفن حراً كما كان لكي يعود الإنسان حراً كما كان .
( 1 ) : يرى الفيلسوف فؤاد ذكريا أن الإيقاع موجود في كل شيء في الحياة .
( 2 ) : يرى الشاعر عبد الرحمن تمام أن الإيقاع موجود حتى في اللوحات والصور الفوتوغرافية وأن ذلك يظهر بوضوح في إيقاع الألوان داخل اللوحة .
-30-
twitterماذا ستفعل تغريدة واحدة على "
حتى وأن كانت مليئة بالنعيق
هل ستنقذ العالم
ماذا ستفعل البشرية العجوز
حين لا تلحق المترو الذي فتح أبوابه لثوان قليلة
وغادر
فتلقى على الرصيف المزدحم
تاركةً الفرصة الأخيرة
للبقاء
ماذا سأفعل حين أقرأ التغريدة الوحيدة
وألحق المترو
هل سأنقذ العالم
وجودنا
أم علي ولو لمرة واحدة
أن أنقذ الموت
من الحياة
-31-
أن تكون إنسان أولا هذا هو السؤال ؟
" مع الاعتذار لشكسبير "
08-أيار-2021
14-تشرين الثاني-2020 | |
14-تشرين الثاني-2020 | |
01-آب-2020 | |
25-تموز-2020 | |
22-شباط-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |