الموت صورة
خاص ألف
2014-04-05
(الموت صورة وسيبقى صورة وطالما كان هناك موت كانت هناك صورة )
تذكرت هذه الجملة من كتاب (ريجيس دوبريه) وهو يناقش علاقة مفهوم الصورة رمزيا ودلاليا بالمكان والزمان والوجود والموت معا، بينما كنت في زيارة لإحدى صديقاتي ممن أخذت الحرب بين ضحاياها شقيقها الوحيد, أصبح البيت صورة كبيرة, صورة قبل الحرب وصورة بعد الحرب ، هذا حال البيوت السورية تعيش يومياتها بين صور المفقودين والمعتقلين والضحايا, بيوت كبيت صديقتي, متحف مفتوح على جرحه، يعرض و يخلد أقل أثرأو تفصيل كان قد تركه شقيقها, بدءا من علاّقة مفاتيحه الموضوعة بعناية قرب هاتفه النّقال، انتهاءا بعلبة سجائره وولاعة صغيرة وضعتا ضمن صندوق خشبي على طرف الطاولة .
احتفاءً بالتفاصيل والصور في كل زوايا البيت ،احتفاء بالحياة أيضا وهربا من الخوف الى الطمأنينة، إنها الصورتكلمت وليست صديقتي، كأننا في مقبرة وليس من الضروري أن نتكلم عن الموت، أو أننا في حضرة الموت ذاته فكيف لنا أن نتذكره؟؟
إذا لنتكلم عن حياتنا وآمالنا . بيوت تتفنن في الدفاع عن الحياة في التشبث بها بضدها بصور الموت ,وبما تبقى من أثر الأحباء الذين مضوا مع غبار الحرب .
لطالما اعتقدت أن الصورة رمز للخوف أيضا ,إنها ليست فقط تخليد الفقيد وذكرياته ومآثره , إنها تمسك بالحياة ,وهروبا من العالم المجهول عالم لطالما أصبح متوقعا في الحرب يهدد الجميع وهو الموت .
غريزة البقاء والدفاع عن الحياة تدفع الناس إلى عرض صور أحبائهم ممن فقدوا على واجهات البيوت حتى, هذا ما رأيته من شباك التاكسي عندما غادرت بيت صديقتي, على كل بيت تقريبا يوجد يافطات تعرض صورة فقيد ما أو أكثر , طالما يكثر الموت والفقد ستنتج أساليب جديدة ليست بمعتادة للتعامل مع رمزيته, ولمقاومته بنبض الحياة ذاتها.
لقد حارب الانسان منذ القدم الموت بالصورة, كوسيلة يبدد بها العالم الاخر الذي يجهله , يلجأ الناس إلى عرض صور أحبائهم الذين غيبتهم الحرب قصدا أو سهوا أو صدفة كأحد البيوت التي كتبت الأم اسم ابنها على جرس الباب ,أتذكر ما قالته لي يومها وهي تنظر إلى صورة ابنها التي أحاطتها بالبخور وأعواد المسك وسورته بشاله:
أنه لم يمت أبدا أسمع صوته حتى الآن واطمئن,ريثما تنتهي الحرب سيعود إلي , في كل مرة أراه في منامي يخبرني بأنه سيعود قريبا.
صورعلى شاهدات القبو، صور في الشوارع , فوق النصب التذكارية في الساحات, في المقاهي، على الجدران, فوق عتبات البيوت، في الحقائب، صفحات لاتعد ولاتحصى على مواقع التواصل الاجتماعي كلها تحمل صورالمفقودين والمعتقلين وضحايا الحرب.
إنه لاوعي الفقد لاوعي الحزن لاوعي الموت في ذات الوقت إنه إشارة للحياة وهروب من الخوف الذي يحيط بالانسان في حياته العادية ،كيف إذاً في حالة الحرب؟
إزاحة للموت من لوثَتِه على وعينا، على تعينُ واقعنا الكئيب
الصورة هنا هي الضحية الحية، اللجوء لتلميعها وتغطيتها بالزجاج، احتياج العائلات التي فقدت أبنائها لجمالية المشهد المنتقى لحظة التصوير، لطريقها الأقرب لذاكرة العين الهانئة. أليست الصورة كثبات كامل شكلٌ من أشكال الجينات التي يُمكن استعادة حياتها؟ نعم إن الصورة خط دفاعنا الأخير، لكنه الأول في وجهِ الموت. هنا السوريون يُقلبون دفاتر صورهم دفاعاً عن الحياة، التي ما عادت الحرب تعرفها.
الكثيرون يلجؤون للصورة لكي يظهروا أحياءً أكثر، الفيس بوك وبرامج أخرى تنقل حيوات الناس في لحظاتها اللامتناهية، هنا أيضاً ردة على ثقافة الصورة التي يصبغها خط الموت،الخط الجانبي الأسود ، هنا عبث الصورة ذاته عبث الموت السوري الصورة السورية شديدة الخصوصية والعمومية في آن واحد.
على عين الرائي أن تتأمل الأوجه المحيطة، وعلى المؤول أن يكون شديد الرهافة في أن لا يكون خجلاً من ذاته التي إن جربت ثقافة صورة الموت الحالية لشعر حينها بأن موته محمي بالحياة.
08-أيار-2021
17-تشرين الأول-2020 | |
09-شباط-2019 | |
02-شباط-2019 | |
26-كانون الثاني-2019 | |
12-كانون الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |