ما لا يقوله القرآن من أجل ثورة فقهية / حميد زناز
ألف
2014-04-07
محمود حسين هو الاسم المستعار الذي يكتب تحته بهجة النادي وعادل رفعت وهما مصريان سبق أن نشرا كتبا عديدة قبل وبعد استقرارهما الاضطراري بفرنسا. بعد كتابهما البارز “السيرة: رسول الإسلام كما تحدث عنه أصحابه” في جزئين (2005 و 2007) بدار غراسييه الباريسية... وكتاب آخر في غاية الأهمية أيضا هو محاولة لفهم ما يدور حول العقيدة اليوم تحت عنوان “التفكير في القرآن” (2009)، نشر الكاتبان في المدّة الأخيرة “ما لا يقوله القرآن” ومفاده أنه إذا كانت الآيات صالحة لكلّ زمان ومكان فهذا نفي لأهمية الذكاء بل هو هزيمة للعقل. ولكنّ قراءة جيّدة للنص القرآني، يقول الكاتبان، ستكشف عكس ذلك تماما. فكثير من الآيات جاءت في ظروف معيّنة لتعالج حالات تحدث في زمن محدد وهناك آيات أخرى تتجاوز إطارها الزمني. إنّ الجهر بهذا الأمر هو في نظر المتأسلمين كفر لأنّ ذلك سيسحب البساط من تحت أرجلهم ويعيد النظر في ايديولوجيتهم التي يضلّلون بها الجماهير ويدفعونها إلى تبنّي اتجاهات دينية مشوّهة تخالف جوهر الدين الاسلامي وروحه.
في هذا الكتاب إعادة نظر في القراءات المعهودة للقرآن، تلك التي يتباهى أصحابها بأنهم حارسو العقيدة الثابتة التي لا يطالها التغيير. فالقرآن كلام الله المنزل في آيات صالحة لكلّ زمان ومكان في رأي المتطرفين ومن هنا يوقعون المؤمن في الفخّ التالي : هو مسلم من آمن بأنّ القرآن كلام الله ومن ارتاب في صحّة آية من آيات القرآن فقد ارتاب في القرآن كله، وإذن فهو مرتدّ.
وهكذا يتحصّن رجال الدين وراء ورقة رابحة هي تلك التي تقول إنّ طبيعة كلام الله هو من طبيعة الله ذاته وبما أن الله خالد فلا يمكن أن يكون كلامه إلا كذلك. ولكنّ الكاتبين يريان أنّ القرآن لا يقول هذا إطلاقا بل يقول العكس. ولكن كيف نتوصل إلى تلك الحقيقة؟ ينبغي التملّص من قبضة الخطابات الدينية الرسمية والشروع في بذل جهد بحثيّ خاص، بمعنى إعادة “تزمين” النصّ القرآني، والمقصود هو إعادة ربط الآيات القرآنية بالظروف التي نزلت فيها على الرسول وهكذا نكتشف، يقول الباحثان، أن فكرة “القابلية لكلّ زمان ومكان” لا تهدف سوى لإخفاء الحقيقة.
ويستغرب الباحثان تقديم القرآن على أنه كلام الله ولكن ليس لله وكلامه نفس الطبيعة، فإن كان الله عابرا للزمان والمكان فلكلامه علاقة بالزمن الذي نزل فيه! ويؤكدان أنه لا يمكن أن نستدلّ إطلاقا من القرآن أن؟ّ الله وكلامه سيّان ولا استنتاج أبدية كلامه من أبديته.
ويقترح المؤلفان قراءة مغايرة تعيد وضع النص في إطاره التاريخي وينتج عنها ملاحظات أساسية :
- يتجسد كلام الله في لغة وثقافة وتساؤلات هي تلك الخاصة بشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي.
- لا يأتي كلام الله في القرآن كمونولوج ولكن كحوار وتبادل بين السماء والأرض. فالله يتحاور عن طريق الرسول مباشرة مع طائفة المسلمين الأولى.
- لم يخصّ الله كلامه بنفس الحمولة في كلّ الاوقات. فهو يعلن عن حقائق لها طبائع مختلفة يتشابك فيها المطلق والنسبيّ، العامّ والخاص، الخالد والظرفي. وهذا ما يتجلى في استبدال الله لحقائق معيّنة بأخرى ونسخ آيات بآيات أخرى.
ويصل الكاتبان إلى نتيجة حاسمة : لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن نقرأ القرآن كأنّ كلّ آياته متساوية الحمولة. وأنه من الخيانة لكتاب الله النظر إلى الآيات التي أرادها الله ظرفية كأنها أبدية. ولا يعني هذا، يشرح الكاتبان، أنهما يريدان القول بأن الآيات الظرفية قد فقدت صحتها وأهميتها بعدما تغيرت الظروف بل يستطيع المؤمن أن يجد فيها عبرة أو فرصة للتأمّل أو يستلهم منها مثالا يحتذي به الخ. ولكن الشيء الأهمّ أنّ المؤمن غير ملزم باعتبار مضمونها إجباريّ التطبيق في كلّ زمان ومكان. وهكذا يكتشف المؤمن أنه غير مجبر على اتباع أوامر إلهية كانت موجّهة أصلا لأناس عاشوا في عصر آخر. بهذا فقط يتمكن المؤمن من استعادة حرية ضميره وبالتالي ضرورة الاختيار وبقناعة كاملة بين الآيات التي تخصّه والتي لا علاقة له بها.
وبهذا المسعى يصبح المؤمن المسلم مستعدا لخوض مغامرته الروحية والانسانية الشخصية التي يدعوه إليها القرآن. ولا يصبح القرآن في نظره مجموعة من الأوامر والنواهي التي ينبغي تطبيقها بحذافيرها دائما وفي كل مكان. والمقصود هو عودة القرآن إلى ما كان عليه أيام الرسول وصحابته طوال 22 سنة : توجيه مفتوح حول عالم جديد في طور التكوين، حث على التفكير والعمل بمسؤولية كاملة، فرصة لكل إنسان للعثور على طريقه إلى الله على دروب الحياة المتعددة.
لقد فرض رجال الدين منذ أكثر من ألف عام قراءة جامدة للقرآن وضيقة الأفق حبست المسلمين في فهم يكاد يكون قاصرا لكتابهم المقدس. وقد آن الأوان لقراءة أخرى أكثر انفتاحا ولذلك يطالب الكاتبان بالنظر إلى الاسلام كرسالة ربانية وكتاريخ إنساني في آن وذلك بإعادة الاعتبار إلى البعد الزمني، ذلك البعد الأساسي الذي يتجاهله التقليديون. ويطالبان بإعادة اكتشاف الحقيقة الحيّة للوحي بعيدا عن التأويلات التي تزعم سجن الرسالة في فهم نهائيّ قاطع، ولا يتم ذلك إلا باعتماد الفكر الإصلاحي الذي هو مدرسة الحرية والمسؤولية التي بإمكانها أن تقدم إلى المؤمن فرصة ليجمع إيمانه بالله وذكاءه وتعقله للعالم.