أكتب لأني لم أجدك ـ فاروق يوسف
2014-04-13
1
ليلا سيضع ليلُك رأسه على مخدتي وينام. سأتسلل إلى فراشي مثل سجين سابق لأخبئ فرشاة أسناني وموسى الحلاقة وقلم الرصاص ورصاصة كنت قد ادخرتها ذكرى من حرب صدئت أسلحتها، ولا يزال مذيعوها يدهنون موجات البث بدم عصافيرها. سأبتسم لليلك باعتباره العمارة الأخيرة التي تقع قبل مترين من القيامة وأوزع أيائلي بين طبقاته. هذه لحنينك وهي تبكي. تلك لفطنتك وهي تضحك. وهكذا سيكون على جبل تأوهاتي أن يتشكل، فراشة فراشة، اصبعا اصبعا، نملة نملة وتفاحة تسقط إثر تفاحة تختفي. لقد هوت نجوم كثيرة على رأسي ولم يتبعني أحد من الغاوين. مشيت وحيدا في شوارع مدينة كان ذهب مآذنها لا يزال يبكي كلما سقطت خطوة مني في فراغ نشيده. كان الدمع يومها متاحا ولم تنشف جداول الحواس. كنت أمسك الغصن فيرتجف. الوح بالمنديل فتضمني سحابة إلى قلبها. وداعا أيتها اليرقات. بين موتين كانت الشبابيك تدوزن موسيقى هوائها النظيف. ‘لا تتركني أرجوك’ يهمس الطحلب في أذني. كنت مسافرا. كان الثلج يملأ رئتي بصفيره. وكنت كلما ارتطمت بشجرة صرخت ‘يا أمي’. كم كان يسيرا على الموتى أن يشفقوا علي ويضموني إلى قافلتهم فأشاركهم رحلة حجهم الاخير. غير أنني كنت غير مرئي. وهذا ما عرفته متأخرا. كل الذين لعنتهم لانهم لم يقفوا لي لم يكونوا قادرين على رؤيتي. أما كيف رآني الطحلب، فذلك يشبه قدرة بعض الطيور على الابصار ليلا، بالرغم من أنها تعيش نهارها عمياء. لقد أخبرني أحد اللاجئين أن المهرب انزلهم من المركب وهو يقول لهم ‘هذه فرنسا فتدبروا أمركم بأنفسكم’ يقول صاحبي ‘لقد قضيت ثلاثة ايام وأنا أبحث عن برج ايفل فلم أجده. كنت خائفا من السؤال لئلا يكتشف أحد وجودي غير القانوني ويبلغ الشرطة عني. غير انني ما أن حل صباح اليوم الرابع حتى خرجت من الفندق وسألت أول عابر التقيته عن مكان البرج. نظر إلي الرجل مستغربا وأخبرني أنني كنت في مرسيليا فيما يقع البرج في باريس البعيدة بأكثر من الف كيلومتر’ ليلك يشفق علي ويضع راسه على مخدتي ليحلم أحلامي.
2
كانت بريجيت باردو تسأل وبابلو بيكاسو يجيب. حوار يرجئ التفكير في الزمن إلى بلاد أخرى. أنزع القارات من مواقعها على الخارطة وأوزعها على أولاد الشوارع. لن يكون بيكاسو غبيا لكي يحدث حواء عن الجمال ولن تكون بريجيت بلهاء لكي تسأله عن الرسم. مع ذك فان اللعبة ليست واضحة بالنسبة لهما. إنهما يمشيان على حبل يقبض عليه الله من طرفيه. ‘سنسقط معا’ لن يقلقهما مصير البلهوان. لطالما ضحكا في مرآتيهما من ذلك المصير الذي يقف وراء الباب. ما أن تفتح الباب حتى تكون في فم الشيطان. لقد اتسعت الهوة بين الفم واسنانه، بين السجادة وجلد الخروف، بين الرائحة والشمعة. نحتاج إلى كيلومتر من العاطفة لكي نصل إلى اللحظة التي قرر بيكاسو فيها أن يمسك بفكرته. لم يرسمها، لأنها لا تُرسم. لو أن كل النساء كن مثلها لما كان الرسم. الرسم يفكر في الجمال، يستحضره ولا يراه. يفنيه ولا يشيد عمائره. الرسم يتغذى على الجمال، يعترف به أنيسا، يلوح به وهما، ينادي به مخلصا وشفيعا ويتباهى به. غير أن دورا مار التي لطالما رسمها بيكاسو لم تكن بجمال بريجيت. أكان على بيكاسو أن يبكي؟ لن يضيع الرسام وقته في النقاش مع الله. بريجيت كانت شانا الهيا. لم يخلقها الله لكي تكون موضوعا للنقاش أو المراجعة أو المساءلة. كانت موجودة لكي تسأل لا لتجيب. كم كنا سفلة. كم كنا منحطين. كم كنا خونة ونحن نجلس مضطرين في ندوات كان شعارها ‘أنت تسأل والحزب يجيب’. لم يكن هناك مَن يسأل ولم يكن الحزب مستعدا من خلال حثالته أن يجيب. لقد سقطنا من الحبل. لم نسقط وحدنا. لقد سقط الحزب معنا. نحن الحزب والحزب نحن. حين سقطنا سقط الحزب معنا. غير أن تلك المعادلة تبدو تبسيطية أكثر مما يجب. لرجل مثل ابراهيم قرر بناء على الوحي أن يذبح ابنه، عدوه الذي كان يتبعه. لقد رمى أبو الأنبياء شيطانه بالحصى، غير أنه في النهاية لم يذبح أبنه. ألم يكن هذا هو ما أقترحه الشيطان على ابراهيم؟ كما لو انني أطلب من بيكاسو أن يرجم بريجيت لأنها كانت أكبر من لرسم.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |