السرقة الأدبية : كشف البواعث النفسية
حمودة إسماعيلي
خاص ألف
2014-05-08
"إنني أستعرض جميع ما كُتب، فلا تميل نفسي إلا إلى ما كتبه الإنسان بقطرات دمه. أكتب بدمك فتعلم حينئذ أن الدم روح، وليس بالسهل أن يفهم الإنسان دماً غريباً".. هكذا كتب نيتشه.
أي إنسان عند كتابته لمقال، قصة ، شعر أو أي نص، فمن المعلوم أنه يبدل جهدا للقيام بذلك، من تفكير، بحث أو ترجمة و قراءة، زيادة عن الوقت الذي يستغرقه لإتمام مهمته، هذا الوقت الذي يأخذه من زمن راحته أو أصدقاءه أو حتى أبناءه. ثم يقوم بنشره.. وبعد أيام بدل أن يلقى التقدير والتشجيع أو حتى النقد، يجد نصه وقد نسب لشخص آخر يضع عليه صورته مبتسما كأنه إعلان أو ملصق فيلم ل"جيم كاري"، يبتسم ساخرا من صاحب النص بعد منحه له لصفعة، ليست صفعة بيد واحدة إنما تلك التي تستخدم فيها كلتا يديك لتشمل كافة أجزاء الوجه. والمدهش، عندما تجد إسمه مرفقا بلقب أكاديمي، ما يدفعك للتساؤل : مالذي كان يفعله طوال سنوات الجامعة أكان يدرس أم يعد القهوة للآخرين ؟
يمكن أن نعرف اللص بأنه شخصية عدوانية تعادي المجتمع، شخصية تشعر بالحرمان والنقص والدونية لذلك فهي تسلب ما للآخر دون شعور بالذنب، كطريقة للإنتقام من هذا الآخر الذي يتمتع بما حُرمت منه، فبدل أن يستخدم اللص عقله وجهده في الحصول على ما يبتغيه بطريقة محترمة، يستخدمها في سلب الآخرين ممتلكاتهم لتحسيسهم بما يشعر به ويعانيه، وبذلك يحقق حالة من المساواة بينه وبين ضحاياه، كحيلة دفاعية للتعويض عن الشعور بالدونية.
لص النصوص، شخصية من نوع آخر ضمن محور السرقة، ولمعرفة الدافع هنا يجب أن نجد الهدف، أي ما الذي سيجنيه عند أخده لنص أو بعضٍ منه وينسبه لنفسه دون ذكر لصاحبه ؟ تبرز الشهرة ومحاولة تحقيقها، فكل كاتب يهدف من نشر مقالاته التفاعل مع أكبر عدد من القراء والمثقفين أي يجب توصيل النص لعدد كبير، وذلك ما يجعل الكاتب يبدل جهدا لإنجاب نص بمستوى فكري راقي. لكن الشهرة يمكن تحقيقها بطرق أسهل، يكفي أن يركض الإنسان عاريا في الشارع حتى يشتهر خلال ثواني، مايكشف هنا عن شهرة بطعم الاحترام، فمن المعلوم أن الأنتلجنسيا تقابل باحترام خاص من المجتمع نظرا لمساهماتهم القيمة ( نتكلم هنا بصفة عامة فبعض الأوساط العربية لازالت ترى المثقف كممسوس أو ضال)، الأمر الذي يدفع المعني لمحاولة التماهي مع الكاتب، فإن كان سارق الممتلكات يهدف لتحسيس الضحية بمشاعره المؤلمة، فسارق الأفكار يسعى لتذوق شعور الفخر الذي يحسه كاتب النص الأصلي طالما أنه يعاني من إحساس بالتفاهة.
جبن المعني من مواجهة القراء والمثقفين هو ما يجعله يستغني عن ملكاته الذهنية ولايجبرها على توليد أفكار وطرح مواضيع، خوفه من أن يلقى التجاهل وعدم الاهتمام، ما يكشف عن نرجسية متضخمة استعراضية فما يهمه هو أن ينظر له على أنه قامة فكرية شامخة دون أن يبدل جهدا لذلك، فتراه كمن يتبرص بشخص له فرس يربيه ويغذيه ويعتني به فيأتي هو ويركبه يوم السباق فقط لينتمي للمشاركين؛ لذلك تجده ينقل النص بأخطاءه الإملائية أو ترى المقطع المسروق لاصلة له بالموضوع الذي يكتب عنه، فهو لايعطي نفسه وقتا لمراجعة النص والتمعن فيه.
يوجد نوع آخر لايختلف كثيرا إنما أدهى، لا يقوم بالسرقة الحرفية إنما يسرق المضمون أو الفكرة، كسرقة القصص القصيرة والطويلة وإعادة صياغتها أو نقل نص تحليلي فلسفي أو نفسي وإعادة ترتيب أو تغيير أماكن الجمل والفقرات.
هناك الكثير من المجلات والجرائد تنشر مقالات أو نصوص وبدل كتابة اسم صاحبها يضعون عنوان موقع، له اسم يشبه اسم مشروب غازي أو اسم محل تجاري للألعاب، فيندهش صاحب المقال عندما يجد نصه مرفوقا بموقع مضحك لم يسمع عنه يوما(هذا إن لم تنسبه لنفسها)؛ زيادة عن بعض الصفحات التي تعنى بالثقافة في المواقع الاجتماعية، تقوم بسرقة المقالات أو الاقتباس من نصوص وتنسب ذلك لنفسها لزيادة المعجبين، صفحات لا علاقة لها بالثقافة تنشر اقتباسا لمفكر مرفوقا باسمه وغالبا ما يكون الإسم مغلوطا، ويضعون له صورة لمفكر آخر، مهازل فكرية لازالت تختلط عليها الأمور، ولا يضعون اسم المفكر حبا فيه أو احتراما له، إنما لأن الاقتباس معروف فأي محاولة لنسبه لها ستكشفها، أو فقط لإضفاء نكهة ثقافية للصفحة.
عندما ينشر كاتب نصا له فلا ينتظر من ذلك مقابلا ماديا أو تصفيقا أو إعجاب وما نحو ذلك، إنما يحاول خلق حوار مع القراء والمثقفين لإثراء العقل الإنساني والعقل العربي بالأخص، هذا الأخير الذي لم ينضج بعد (أو لايريد !)، لازال يتصرف كطفل يريد أن يلعب الغميضة أو يحاول تقليد أبطال الكرتون؛ لذا فعلى الأقل لنمنح بعض الإحترام لهذا الكاتب ونقدر جهوده بدل امتصاصها، فليس عيبا أن ننقل نصه أو نقتبس منه لكن يجب أن نشير له عند ذلك لا أن نلغي وجوده. فبذلك لا نحترم عقله فقط إنما نحترم العقل الإنساني، هذ الإله الأرضي الذي احتُقر لسنين طويلة.
يقول المثل العربي [ عتاب النذل اجتنابه ] لذلك فكل محاولة للتشهير بسارق المقال تزيد من شهرته، لذا يفضل عند العثور عن نص مسلوب اخبار إدارة الموقع أو المجلة، فلا يعقل أن يضيع الإنسان وقته في مطاردة مصاصي الدماغ الذين يتغذّون على شحناته الكهربائية، هؤلاء المتسولون الذين يعتقدون أن المثقف هو من يحطم رقما قياسيا بنشره للكتب وكتابته للمقالات، ذلك بسبب عجزهم عن إدراك أن المثقف رؤية، أسلوب عيش ليس فقط تدوين كلمات، أن المثقف فنان مبدع يخلق رؤية جديدة للعالم وللإنسان، فيلهم الآخر على أن يخلق رؤية جديدة أيضا ويبتدع نمط وجود خاص به، ما يعني سيرورة دائمة من الخلق والإبداع مع الحياة، "ولأن رأس الانسان بحكم حرية اختياره، هو مجموعة من المجاهيل، فإن الحياة تنتظر منه أن يبدع، ويجدد، ويخرج عن سلسلة العادات والقوانين التي تتحكم بنمو الشجر.. وسقوط المطر وهبوب الريح.
بكلمة واحدة. على الكاتب الذي يحترم نفسه، ويحترم الآخرين أن لا يكون حبة فاصولياء.."
ف"حبة الفاصولياء محكومة بقوانين فصيلتها النباتية لا تستطيع أن تتمرد عليها أو تتجاوزها. في حين أن رأس الانسان صندوق سحري مليء بالاحتمالات والمفاجآت"(1) وليس آلة طباعة أو نسخ.
ـــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
1 : نزار قباني - الكتابة عمل انقلابي (مجموعة مقالات)، بيروت ط1 1975م، مقال يحمل نفس الإسم
© 2014 Microsoft Terms Privacy & cookies Developers English (United States)