مزهر
سامان حاجي حسن
خاص ألف
2014-07-07
ظلامٌ دامس , لا بأس , اعتدتُ الأمر , أشياءٌ كثيرةٌ تفقد أسماءها كلّ مساءٍ و تصبحُ ذاتَ لونٍ أسودٍ , أمّا عن الحمام , لازلت أجهل أين ينامُ ليلاً ..
كنتَ مشوّشاً صباحاً , قلتَ بارتباك : الوقتُ منفانا , راقصيه , قبّليه , قلتَ أحبيه , ليست خيانة !
تغني كثيراً , اليقين فيك دائماً حملني على الاستماع , اليقين الذي لم أجده على الرغم من الشمس هذا الصّباح , لا أفهم , لم عليك دائماً أن تصيبني بالشكّ , لم عليك أن تشبه حلب بكلّ شيء !
أحببتُكَ عندما أضفت .. إنّ هذا الوقت كله سيمضي ..
ثلاثُ دقّات .. أيّ آلة موسيقيّة تجرؤ على اغتيال هذا الهدوء ؟ ربّما لم تحتمل بقاء الأشياء بلا اسم .. تطالب لكل شيء بالشمس ..
في الدّقة الخامسة .. تأكدت . إنه المزهر !
الموسيقا هي أول ما تربيه الأرض , وأول ما يربي العشاق .. _ قلتَ هذا ذات مرّة _
عموماً تلوم كلَّ أغنية ركعت , تقول لا فضلَ للعازف , هو يكبر بالاغنية !
لم أفهم في الدّقّة السادسة , كيف لفمٍ يحتوي قضمة كبيرة من السّعادة أن يبقى ريقه مرّاً ,, كخطيئة التفاح .. ربّما الفردوس ليس جميلاً كما نتخيّل ! أكثر ما يمدنا بالسعادة هو أكثر الأشياء حزناً .. _ قلتً هذا وذكرتَ الغجر , الفقراء و الراحلين ! _
إذاً أكثر الأشياء إيحاءً لنا بالجمال .. أبشعها ؟؟
السّابعة .. بطعمِ رجلٍ يقول لا ترحلي .. بعد حين كثير !
وطنٍ يقول عودي .. بعد أن زرعَ ألفَ شوكةٍ على الحدود ..
بعدَ تلك الدّقّة بالذَّات .. تمنيت أمراً على هيأة طوفان نوح .. كن وحدَك النّاجي ! لا أحتمل هذا الميزان منزوع الكفّتين , المائل جدّاً نحو الهاوية !
في الثامنة , تنهّدت .. لا أفهم ! , كلّ الطرق أمامك مفتوحة , و المكان هنا بشع حقّاً !
في التّاسعة , بدأتُ أشعر بدوار , تمنيت عندما غسلت وجهي , , لو تنزلق ملامحي مع انزلاق الماء .., فصول كثيرة .. كيف لم يسبب لنا دوران الفصول غثياناً عظيماً !!
عشرُ دقّات .. واليوم أول يوم أكتب , أحبّك .. وأول يوم أكذب جدّاً ..!
الحادية عشر دقَّت بين مفاصل جمجمتي .. في لحظة كتلك ,, للتحديد دقّة كتلك .. كان بوسعي أن أهجمَ للصراخ في أذن السَّماء , أن أمزّق وجوه كل الذين أحببتهم ! أن أخون كلَّ مدينةٍ أحببتها !
كنتُ ممتلئةً بالفراغِ خلفَ ضجيج أصابع العازف .. ممتلئة بك .. بحلب عن آخري , احتجتُ صمتاً خارقاً , كالصَّمتِ بين أغنيتين , حقيبتين .., ثورتين .. لم تمنحني الدقة الثانية عشر الصمتَ الذي توسَّلته .. _لا تتوسَّلي للموسيقا .. , محقٌّ دائماً!_ لا شيءَ سوى ألوان كونها الله و زادت من تلقاء مائها .. من تلقاء حنجرتك .. ولا أحد يصغي ., هذا المزهر اللعين .. هذا المزهر اللعين !!
ثمّ ومضات نور .. و لاشيء سوى انعكاسنا الذي بدأ يتشكّل في كلّ بركة وحل , الماء الذي يعكس وجوهنا تحديداً ., لا يطفئ النار , فقط يحاول مصادقة الجحيم في ملامحنا .. كانت الثالثة عشرة تبدأ بالخوف من النور ..
في الدقّة الرابعة عشر للمزهر الذي يروي سنيني ,تذكرتُ تذكّرتُ عازفة الكمان , أحببتُ مرة أخرى اتّساق شعرها الذّهبيّ مع خشب الموسيقا , ميول رأسها وحده كان ينضح نغماً ’ كانت فَرِحةً جداً لفقدها حاسّة السمع , كانت أسعد وهي لا تدرك ما تعزف !
خَفَّت قوة الخامسة عشر بشكل كبير , وهمستُ لأرصفة حلب , صلّي لأجلي .. صلّي كثيراً ,, كثرت ذنوبي .. كبير رحيلي , صلّي لأجلي و أجل كل الفقراء ... وقولي للأرضِ مهلك , لا أسوأ من جوفٍ فارغ !
بعد السادسة عشر .. نما حبلُ غسيل طويل .. طويلٌ جدّاً , بينَ مدينتينا , شرارة حنين , دعوة للتمسّك ببقايا أصابعك .. بين بصماتي .. أثار هدوء نغمها دهشتي , تماماً كدهشتي برائحة التراب المنبعثة من عينيك , أنت دائماً المعجزة ..
تذكّرتُ عندما قلت لك , أنت المدينة الوحيدة , منذ ذلك الحين و حرب المدن لم تتوقف !
هكذا كان الأمر .. ستّ عشرة دقّة..
بحثتُ في رئتي عن دين , عن حسرة .. عن هواء ..
لم أقبل أن تكون أية علامة موسيقية كبش فداء .. لأكن أنا أغنية الفداء لمزهرٍ يصرّ على خدشِ الظلام ...