في اليوم اللاحق لاجتياح الميليشيات الإسلامية الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، و احتلال جيوب على طول نهر دجلة، نشر الجيش المحتل، و المسمى دولة الإسلام في العراق و الشام، صورة على التويتير. و فيها يبدو واحد من مقاتليه- متطوع شيشاني كما قالت الجماعة- و هو يفتح باب همفي أمريكية الصناعة وقعت غنيمة بيده من الجيش العراقي. الهمفي و المجاهد، كما قالت الجماعة، وصلا للتو إلى داعش سوريا، حيث من المفترض، أن يكونا جاهزين للالتحاق بالحرب هناك.
يمكن للحدود بين سوريا و العراق أن تختفي عمليا، و لكن الأسلوب الديناميكي الذي يشعل الحروب الأهلية في تلك الشعوب ليس واحدا. في سوريا، الغالبية المقموعة تثور؛ لكن في العراق الثائر هو الأقلية المقموعة ( مقاتلو المعارضة على الطرفين غالبا أعضاء من الطائفة السنية).
مع ذلك لقد خرج كلا البلدين من انتخابات لم يمر عليها فترة طويلة. في سوريا، فاز الدكتاتور، بشار الأسد، في تمثيلية ضمن مسرح لم يحضره أحد؛ و في العراق: حيث من المتوقع أن يشكل نوري المالكي رئيس الوزراء حكومة للمرة الثالثة، كانت الانتخابات في معظم الدوائر حرة. إن الديناميكية التي وجهت ما يحصل في العراق ذات طبيعة عراقية، و لكنها كانت في سوريا على العموم بأيدي و أسلوب السوريين.
و يبقى القول أن الأحداث التي تطورت في العراق تشير لحرب أكثر اتساعا، فهي تمتد من الجبهة الإيرانية إلى شواطئ المتوسط.
إن الحدود المفتوحة و الطويلة بين سوريا و العراق، و الاستطالات الكبيرة للفضاء الذي لا يمكن التحكم به، سمح للمتشددين من الطرفين أن يتحركوا و يتوسعوا و أن يناصروا بعضهم بعضا. داعش و جبهة النصرة، هما أقوى جماعتين تحاربان في سوريا، و قد أسسهما زعماء مقاتلون من العراق، و معظمهم قاتل مع القاعدة في بلاد الرافدين ضد الولايات المتحدة.
الامتداد الواسع في المنطقة بين الفرات و دجلة - من حلب في سوريا، إلى الموصل في العراق- يهدد ليكون ملاذا لمعظم الأمراض الإسلامية الخطرة، ليس بعكس الطريقة التي ازدهر بها في أفغانستان في الأعوام السابقة لـ ٩-١١. من بين أولئلك المقاتلين مع داعش و النصرة تجد المئات من الغربيين، من ألمانيا، و المملكة المتحدة، فرنسا، و الولايات المتحدة. و في نقطة من المسار، يفترض على من ينجو أن يعود لبلاده. و سيكون مدربا بشكل جيد و قادرا على تحمل المصاعب و قساوة الحروب و مفاجآتها.
لقد بدأت الجماعات المتشددة التي تشن الحرب بتوسيع حربها لما خلف البلدين اللذين تتحرك بينهما بحرية. في كانون الأول فجرت داعش سيارة مفخخة في بيروت قرب مكاتب حزب الله، الميليشيا اللبنانية التي تقاتل بالنيابة عن الأسد. و جبهة النصرة شنت هجومات في لبنان. و في نفس الوقت، تجاوز رقم المهاجرين السوريين الهاربين من الجحيم إلى لبنان نسبة عشرين بالمائة من سكان لبنان، و هو شيء لا تتوقع دولة ضعيفة و مجزأة كلبنان أن تحتمله. و في الأردن،وضع حضور اللاجئين السوريين البالغ نصف مليون إجهادا على الملكية الهشة.
وهناك الحكومة الثورية الإيرانية التي تدور كالمكوك فوق ما سلف و بطريقة تبعث على التشاؤم. كانت إيران واضحة في دعمها للأسد، وتأثيرها على المالكي، و هو كبير دائما، تضاعف على نحو مضطرد منذ رحيل آخر جندي من القوات الأمريكية في العراق في كانون الأول عام ٢٠١١. و خلال الحرب، درب العملاء الإيرانيون شبكة مسلحة توجهها الميليشيا الشيعية، و التي قتلت مئات من الجنود الأمريكيين و البريطانيين. أولئك المقاتلون أنفسهم و بوضوح كانوا جاهزين لمواجهة المذابح السنية في العراق؛ و للقتال مع الأسد في سوريا.
و لا شك أن تدخل إيران في سوريا قد نبه أيضا السعودية العربية و تركيا اللتين قدمتا السلاح و النقود لمساعدة المتمردين. إنه ليس من الصعب أن نتخيل حربا متعددة الجنسيات، اشتعلت على جبهة طولها خمسة أميال، و على طول خطوط العزل الطائفية، وكانت في النهاية تهدف للسيادة و السيطرة في المنطقة.
ماذا بوسع الولايات المتحدة أن تفعل؟. لقد فعلت ما يكفي حتى الآن، طبعا.
و في المقدمة غزو العراق في ٢٠٠٣ و تدمير الدولة العراقية، و تقوية الغالبية الشيعية- المالكي خصوصا. و ما دامت القوات الأمريكية موجودة في العراق، أمكنها ضبط المالكي و قبيلته الشيعية و منعته من اقتراف الهجمات الطائفية الأسوأ. و مع رحيل آخر جندي، كانت الحرب الأهلية، التي بدأت عام ٢٠٠٦، قد أصبحت تحت السيطرة. ثم في غضون عامين و نصف منذ رحيل القوات، أصبح المالكي حرا في توجيه دفة مشروعه الطائفي و المذهبي بخطوات واسعة، الأمر الذي أدى لبتر السنة من السلطة السياسية.
معظم القيادات السنية تم عزلها- حتى في بعض الحالات اعتقالها، و أعقب ذلك سياسة اعتقال عشوائية للذكور الشباب السنة. و خلال نفس الفترة، قاد المالكي ضمنا السنة ليقعوا في أحضان الجهاديين. و في الواقع، إن الحسابات الطائفية التي تسيطر حاليا على السياسة العراقية، وضعت الانتفاضات السنية لحد بعيد في موقع يصب في صالحه، فقد سمحت له كي يرسم نفسه كبطل يحمي الشيعة. و كانت الدولة العراقية، التي بناها الأمريكيون بشكل أساسي، ضعيفة و لا تستطيع مقاومة انفصال السنة و انشقاقهم.
وفي الشهور الأخيرة للاحتلال، درس البيت الأبيض و المالكي إمكانية إبقاء بعض الجنود الأمريكيين في العراق، لتلعب دورا غير حربي، و ظاهريا لتدريب الجيش و لكن أيضا للمساعدة على إدارة سياسة البلاد. غير أنه يعقد اتفاق، و من الصعب أن تتخيل اليوم أية شهية في واشنطن للعودة إلى العراق بقوات مهمة. و لكن مع اقتراب الجهاديين من بغداد، و تقهقر الجيش العراقي، من المؤكد أن الرئيس أوباما سيشعر بالاضطرار للقيام بدور فاعل.
و فعلا هرعت الولايات المتحدة لضخ سلاح حساس ليعتمد عليه الجيش العراقي. و السؤال الأن أمام الرئيس هل عليه أن يتخذ خطوات أكثر فاعلية مثل الضربات الجوية.
في العراق، كما هو الحال في سوريا، كل الخيارات تقريبا سيئة، و إمكانية التأثير الأمريكي محدود. و يبدو أن سوريا تتجه نحو تقسيم عملي بين جيوب فيها الغالبية من السنة و جيوب تسيطر عليها غالبية من العلويين مع مستقبل منهك يشبه مستقبل الصومال حيث الكلمة الأخيرة للسلاح. في العراق، ثالث أكبر جماعة، تستفيد من الفوضى بتقوية قبضتها على كركوك و غيرها من المناطق المتنازع عليها، و ذلك بجهود لبلورة مستقبل منفصل عن باقي أجزاء العراق. و على الأقل، يواجه العراق مستقبلا عنفيا، مع حكومة مركزية ضعيفة و عدة مناطق يسيطر عليها متشددون. و لكن الأمور قد تتجه باتجاه أسوأ.
في غضون يوم بعد اجتياح الموصل، حرر جهاديو داعش ألوفا من السجناء، و نهبوا البنوك، و أعلنوا فرض الشريعة الإسلامية. و من الآن فصاعدا، كما قالت الجماعة، على النساء اللواتي لا محرم معهن البقاء في البيت، و أن اللصوص سيعاقبون بالبتر. إن " الفتح الإلهي"للموصل بيد جماعة إسلامية متشددة هو من النتائج المريرة للغزو الأمريكي. و حاليا، ليس باليد على ما يبدو غير القليل للقيام به و لمعالجة ما حصل.
ديكستير فيلكينز Dexter Filkins: صحافي ينشر في النيويورك تايمز. له كتاب ( الحرب الأبدية). تلقى تعليمه في جامعة فلوريدا و جامعة أكسفورد.