ليفهم المسلمون أن الإساءات الأخيرة لا تمس النبي محمد / سارة الشمالي
ألف
2014-08-06
لم يجد الكاتب والمفكر المغربي الطاهر بن جلون بدًّا من الدخول في غمار النقاش الدولي الحاد، الذي أثاره عرض فيلم "براءة المسلمين"، طارحًا جملة تساؤلات حول الخطر الذي يتهدد الإسلام السائد اليوم، ومصادر هذا الخطر. لندن: أتت مشاركة الطاهر بن جلون في النقاش بمقالة نشرها في جريدة لو موند الفرنسية، تحت عنوان "الإسلام الضعيف"، يقف فيها موقف المدافع عن حق الانسان في الدول العربية والإسلامية بالحرية والوعي الفردي،
وعن "باب مفتوح أمام التشكيك والتفكير النقدي، وكل ذلك مرفوض في الدول الإسلامية، إذ لا يمكنها تحمّله". في البداية، يطرح بن جلون سؤالًا أساسيًا في النقاش كله، إذ يسأل إن كان الإسلام قد وصل إلى مستوى من الهشاشة عالٍ ليكون مهددًا في وجوده وأركانه وقيمه مع ظهور أي فيلم أو صور أو رسم كاريكاتوري للرسول؟ الجواب سلبي بالتأكيد، لكن عن أي إسلام يتحدّث بن جلون... فهنا يكمن السر.
بين رودنسون ورشدي
إنه إسلام المجموعة الذي لا يمكن للفرد فيها الانسلاخ عنها. بتعبير آخر، لا يمكن لمسلم أن يشكك في أي جانب من جوانب النظام الديني الإسلامي، القائم على القرآن والحديث والسنة النبوية، ما يمكن أن تعتبره المجموعة المسلمة مساسًا بمقدساتها. على هذا، يسوق بن جلون مقارنة بسيطة بين سليمان رشدي، الذي عاد إلى الواجهة بزيادة الجمهورية الإسلامية في إيران مبلغ الجائزة لمن يقتله إلى 3,3 ملايين دولار بسبب فتوى خمينية أهدرت دمه بعد نشره كتابه "آيات شيطانية"، وبين المفكر الأميركي ماكسيم رودنسون الذي نشر كتابه "محمد" في العام 1961 وضمنه تحليلًا منطقيًا لثغرات في السيرة النبوية.
يقول بن جلون إن كتاب رودنسون لم يثر ضجة في العالم الإسلامي، بالرغم من تعرضه لمسائل لا يحبذ المسلمون التعرّض لها، بينما ثار المسلمون ضد رشدي الذي دعا إلى استبعاد بعض الآيات من القرآن وفق تحليله العلمي، والسبب "لا يحق لمسلم ينتمي إلى البيت الإسلامي وإلى الأمة الإسلامية وإلى العائلة الإسلامية، أن يخرج عليها جميعًا ويشكك في جوهر العقيدة الإسلامية وكتابها. ورشدي مسلمٌ بالولادة، لذا يعتبره المسلمون خائنًا مرتدًا ينبغي معاقبته على فتحه الباب واسعًا أمام الكفر والهرطقة".
هذا الانتماء الجماعي، الذي يقدّمه المسلم على فرديته، بحسب بن جلون، هو الذي يدفعه للتعبير عن غضبه وصب جام هذا الغضب عشوائيًا على أي مظهر من مظاهر العلمانية، إذ يرى في هذه العلمانية مزيجًا من الإلحاد والردّة. فكل من لا يقف معه في احتجاجه وغضبه، لأي سبب من الأسباب، علمانيٌّ كافر ومرتد.
أي إسلام الآن؟
في توطئة لتحليله حالة الاحتجاج العارمة التي تجتاح دولًا عربية وإسلامية عدة، يعود بن جلون إلى دراسة جذور الإسلام السياسي الذي وصل إلى بعض السلطة على صهوة الربيع العربي.
فالسلفية تنتعش في دول الربيع العربي على يمين الحركات الإسلامية الحاكمة، هذه السلفية التي ترفض أي نظرة علمية أو نقدية للنص القرآني، والتي وقفت صفا منيعًا في وجه إعمال الفكر في شؤون الدين، وحرّمت زيارة الأضرحة ومقابر الأولياء.
يذكر بن جلون بالحملة الحديثة لتدمير الأضرحة في مالي وتونس وليبيا، ليؤكد نهضة السلفية التي وجدت في الثورات العربية نافذتها على المجتمع، وليعلن عجزه عن تقديم اي تبرير للإخوان المسلمين في مصر أو لحزب النهضة في تونس يبرّر تقاعسهما عن لعب دور أساسي في تقديم صورة أخرى للإسلام الحاكم.
وإلى هذه الصورة المتداولة من الإسلام السياسي يعيد بن جلون استمرار الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في سوريا، بالرغم من كل المجازر التي اقترفها بحق شعبه. يقول: "الدعم الروسي أكيد، لكن العامل الأهم هو التصور الذي تبلور في أميركا والدول الأوروبية حول الخطر الذي ستواجهه الأقلية المسيحية في سوريا لو سقط الأسد واستلم المتشددون الإسلاميون السلطة".
هذه الفرضية تزداد تطورًا وترسخًا في الذهن الغربي، بحسب بن جلون، بسبب مجاهرة بعض الممالك والإمارات النفطية في دعمها للإسلاميين في سوريا، كما في دول عربية أخرى، ما دفع الكنيسة الأرثوذكسيّة في دمشق للطلب من روسيا حماية الأسد، رابطة وجودها بوجود الأقلية العلوية الحاكمة. ويدعو بن جلون إلى ترك سوريا تقرر أي مصير تريد، بعد إزاحة الأسد وعائلته عن صدر السوريين، حتى لو اختاروا الإسلاميين، فهذا شأنهم، "من دون التشاؤوم والقول إن الرعب الإسلامي هو البديل الأكيد الآتي إلى السلطة"، كما يرى.
احتكموا إلى القضاء
من كل ما سبق، يستشف بن جلون أن الهشاشة لم تضرب روح الإسلام وقيمه، بل ضربت المسلمين الغارقين في جهلهم، هذا الجهل الذي يحوّلهم وإيمانهم ألعوبة المشاعر المتطرفة. يقول: "فشل كل من حاول قراءة القرآن بالعقل، وساد الفكر العبثي والمتعصب وغير العقلاني".
فالمسلمون الفرنسيون المتعصبون الذين تظاهروا في الشانزيليزيه احتجاجًا على رسوم "شارلي إيبدو" الكاريكاتورية المسيئة للرسول، إنما تظاهروا ضد "المس بنبينا محمد"، كما ينقل بن جلون عن أحدهم. يسأل: "كيف يمكن أن نقول لهذا الانسان إن هذه الإساءات لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تمسّ النبي محمد؟".
إلا أن بن جلون لا يغض نظره عن الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها المجلة الفرنسية، متسائلًا عن المغزى وراء ذلك غير تغذية الرهاب من الإسلام أو ما صار يعرف بالإسلاموفوبيا في الغرب، خصوصًا "أن هذه المجلة لم تنشر رسومًا مماثلة للبابا أو للكهنة المسيحيين"، كما يلاحظ بن جلون.
لكنه في الوقت نفسه، يمسك العصا من وسطها، قائلًا: "نعيش في دولة ديمقراطية تحفظ حق المواطن بحرية التعبير عن نفسه، وإن كانت هذه الرسوم مسيئة للرسول، علينا الاحتكام إلى القضاء والتوقف عن التظاهرات الاحتجاجية، كما نعيش في دولة علمانية، حيث يسخر المرء من كل شيء حتى الدين".
ويختم بن جلون مقالته بدعوة المسلمين إلى العودة للإسلام الحق، من حيث هو "دعوة للسلام، وتعبير أمثل عن الصبر والتسامح، فهذا ما علمنيه أهلي".
عن المستقبل اللبنانية